السؤال

♦ ملخص السؤال:
شابٌّ عمره 15 عامًا، يريد المشورة في زواجه في هذا العمر.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما رأيكم في زواج الشابِّ إذا استطاع الزواج وهو في عمر ١٥ عامًا، إذا كان ناضجًا عقليًّا وجسَديًّا؟!


الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأحييك أيها الابنُ العزيز على الاختيار المناسب لعنوان رسالتك، وعلى الاختصار غير المخل في كتابة رسالتك وأنت في بداية شبابك وقد بلغتَ الخامسةَ عشرةَ مِن عمرك، وأرى مِن وراء ذلك عقلًا ناضجًا تبارك الله، وآمل منك أن تتعاهَده بكثرة الاطِّلاع، وطَرْق أبواب الثقافة المختلفة، وأن تَغْتَنِمَ سنين عمرك.


أما الزواجُ المبكِّر - كما يَحلو لك تسميتُه - فقد وَرَدَ عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ما يُرغِّب فيه كما في الصحيحين عن عَلْقَمَة، قال: كنتُ أمشي مع عبد الله بمنًى، فلقيه عثمان، فقام معه يُحَدِّثه، فقال له عثمان: يا أبا عبدالرحمن، ألا نُزَوِّجك جارية شابة، لعلها تُذَكِّرك بعضَ ما مضى مِن زمانك، قال: فقال عبدالله: لئن قلت ذاك، لقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لَم يَستَطِعْ فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء)).


وظاهرُ الحديث مخاطَبةُ الشباب مِن الجنسين؛ كما فَهِمَه راوي الحديث ابن مسعود، والشابُّ مَن بلَغ ولم يُجاوز الثلاثين، كما قال الإمامُ النووي في "شرح صحيح مسلم"، والسيوطي في "الدِّيباج على صحيح مسلم بن الحجاج".


وكلُّ مَن عَلِمَ عصمةَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يتبع ما أوحى الله إليه مِن الهدى والتقوى، فليس نطقُه صادرًا عن هوى نفسه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، مَن عَلِمَ هذا أدرك ما في الإرشاد النبوي للشباب مِن أسباب الخير والاستقرار النفسي وحُسن عاقبته في الدنيا والآخرة.


ولكن يجب مراعاة شروط الزواج، سواء ما وَرَدَ في الحديث كالباءة، أو غيرها، والباءةُ هي القدرةُ على الجماع، والقدرة على مُؤَنِهِ مِن المنزل والمهر والنفقة، ومَن لم يَستطعْ ذلك لعجزٍ ماديٍّ أو جسديٍّ فعليه بالمداوَمة على الصوم، ليَقْطَعَ شهوتَه ويقطع شر مَنِيِّه.


غير أني أحب أن أُنَبِّهك لأمرينِ غاية في الأهمية؛ أحدهما: أن هناك فوارق بين الرجل والمرأة في هذا الباب، فمسؤوليةُ الرجل أكبر مِن جهة أنه مسؤول عن الزوجة، وله عليها درجة القوامة، وهو تكليفٌ يتطلَّب علمًا شرعيًّا وواقعيًّا، ولذلك تجد كثيرًا مِن الأولياء يَعمَلون بالحديث في حقِّ النساء فيُزَوِّجونها صغيرة، ويحجمون في حق الرجال لتلك العلة.


أنا أُوافقك أن هناك شبابًا ناضجًا عقليًّا وجسديًّا، ولكنه قليل، وبعضهم ناضجٌ جسديًّا ولم ينضجْ عقله بعدُ، ومِن ثَم يَتَمَهَّل الأولياء في قبول مثل هؤلاء الشباب ليس مخالَفة للسنة، وإنما خوفًا على الأمانة التي حَملوها مِن الضياع.


الأمر الثاني: أن الزواج المبكِّر يَتطلَّب مشاركةَ أكثر مِن جهة في رعاية واحتضان تلك النبتة الجديدة، وحمايتها من زعازع الأهواء والخلافات، والعمل معها على اتِّقاء عناصر التهديم، ثم إعانتها بعدما يرزقان بالمولود الأول، ومِن ثَم لو طالعتَ ثقافات المجتمَعات الإنسانية المختلفة لوجدتَ أنَّ أكثرَها تُقر الزواج المبكر، ولكن تحت رعاية وعين أُسرة الزوجين، سواء كان في القبائل العربية، أو القرى والريف أكثر بلداننا الإسلامية، وحتى في قبائل الهنود الحمر في الأمريكتين كانت الفتيات تَتزوَّج في عمر بين 11 و15 عامًا، والفتيان ما بين 15 و20، ويَسكُن ابن القبائل في الشرق مع أسرته، ويسكن الفتى الهندي مع أهل زوجته ويَعمل لهم إلى أن ينجبَا الطفل الأول، كما في الموسوعة العربية العالمية.


يسر الله أحوال المسلمين أجمعين




http://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/105248/