تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: هل الأحاديث القدسية والنبوية مخلوقة ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي هل الأحاديث القدسية والنبوية مخلوقة ؟

    السؤال :
    أعلم أنّ القرآن كلام الله ، وأنه غير مخلوق . ولكن ما هو القول في تراجم القرآن إلى اللغات الأخرى ، والأحاديث القدسية ، والأحاديث التي تتضمن الأدعية ، أنا أعلم أنّ الأحاديث النبوية هي من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن كيف يمكننا أن نوفق بين ذلك والآية : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) ؟


    الجواب :
    الحمد لله
    أولا :
    من الأصول المهمة هنا أن نعلم أن ترجمة القرآن الكريم لا يقال عنها إنها : كلام الله ، هكذا بإطلاق ، وإنما كلام الله ، هو ـ كما في وصف القرآن الكريم له ـ : كلام عربي مبين ، كما قال عز وجل : ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) الشعراء/195؛ فما لم يكن بلسان عربي مبين ، من الكلام ؛ فليس هو القرآن ، قطعا ، وإن تضمن معاني القرآن أو تفسيره .


    وقد اتفق العلماء على أن أي ترجمة لمعاني الكتاب الكريم لا تأخذ وصف " القرآنية "، ولا تجري عليها أحكام القرآن الكريم ، لأنها جهد بشري بلغة موضوعة من البشر ، يراد بها توضيح معنى كلام الله بلغة غير لغته ، كما أن كتب التفسير ومعاني القرآن ، لا يجوز وصفها بأنها من القرآن الكريم نفسه ، أو بأنها كلام الله ، بل هي أيضا : جهد بشري في نقل معاني كلام الله للناس ، حتى وإن كانت بلسان عربي مبين ؛ فالقرآن ـ فقط ـ هو الكلام المنزل من السماء ، بلفظه ومعناه ، المحفوظ بين دفتي المصحف ، على حاله التي تركها لنا نبي الله صلى الله عليه وسلم .


    وإذا كان الأمر كذلك : فلا شك أن حكمها حكم كلام البشر ، فإذا كان كلام البشر مخلوقا ، فكذلك : كتب التفسير ، وترجمات القرآن : لا حرج في أن يقال : إنها مخلوقة ، وأما كلام الله ، الذي هو قرآن ، فهو صفة الله ، غير مخلوقة .


    ثانيا :
    الحديث النبوي الشريف ، لفظه ليس من كلام الله سبحانه ، بل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن معناه وحي من الله عز وجل .
    ولا يتعارض هذا مع قول الله تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4. فالسنة وحي من الله تعالى بمعناها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم – في مقام التشريع – لا ينطق عن الهوى ، بل بما أوحي إليه مضمونه ومعناه ، فيعبر عنه بلفظه المعصوم عليه الصلاة والسلام .


    ثالثا :
    أما الحديث القدسي فقد وقع الاختلاف في لفظه : هل هو من الله سبحانه ، أو من النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك على قولين ، سبق تفصيل الكلام فيهما في الجواب رقم : (136658) .


    فمن قال : إن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله سبحانه وتعالى ، فلازم ذلك : أنه غير مخلوق ؛ لأنه صفة من صفات الخالق جل وعلا .


    ومن قال : إن الحديث القدسي لفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لزم منه : أنه مخلوق حادث ، لأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .


    وفي الجواب السابق ، المشار إليه : رجحنا أن لفظ الحديث القدسي من الله تعالى .
    وهذا هو الذي يدلُّ عليه صنيعُ البخاريِّ رحمه الله حيثُ قالَ:" بابٌ قولُ الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ " ثمّ ساقَ ما يقربُ مِن عشرةِ أحاديثَ قُدْسيَّةٍ .
    قال ابنُ حجرٍ مُعلِّقًا على ترجمةِ البابِ : " والذي يظهرُ : أنّ غرضهُ أنّ كلامَ الله لا يختصُّ بالقرآنِ ، فإنّه ليسَ نوعًا واحدًا ".


    وهذا هو الذي يُفهم مِن كلامِ شيخِ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله ، حيثُ قالَ في تعليقه على حديثٍ قُدْسيٍّ :" وهو مِن الأحاديثِ الإلهيّةِ التي رواها الرسولُ عن رَبِّهِ ، وأخبرَ أنّها مِن كلامِ الله تعالى ، وإنْ لم تكنْ قرآنًا "انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/157) .
    انظر : " مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة " (35/ 321، بترقيم الشاملة آليا) ، مقال: " الأحاديث القدسية في الجرح والتعديل ومصادرها وأدوار تدوينها " بقلم : د. عبد الغفور عبد الحق البلوشي ، الباحث بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية .
    وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
    " أرجو أن تتفضلوا بإيضاح الفرق بين القرآن الكريم ، والحديث القدسي، وإذا كنت لا أحفظ نص الحديث القدسي ، فهل يجوز أن أقول: معنى ذلكم الحديث كذا وكذا ؟ وهل تجوز صلاة النافلة بالحديث القدسي ؟
    فأجاب :
    "القرآن هو كلام الله المعجز ، الذي جعله معجزة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وجعله دليلاً على صدق رسالته، وأنه على حق ، وأنه كلام الله ، جعله سبحانه وتعالى معجزةً لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ودليلاً على أنه رسول الله حقا، يقرأ به المؤمن في صلاته وفي غيرها، يتعبد بذلك ، فهو كلام الله حروفه ومعانيه ، كلام الله حروفه ومعانيه ، كلام الله ، تكلم به سبحانه ونزل به جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا قول أهل السنة والجماعة، هو كلام الله حقاً، ليس كلام غيره .
    أما الحديث القدسي فهو الكلام المنسوب إلى الله ، الذي نسبه الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقال: حديث قدسي، يعني حديث عن الله جل وعلا، فهو أيضاً يعتبر من كلام الله ، لفظه ومعناه، إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله كذا: فيعتبر من كلام الله ، هذا هو الصحيح لفظاً ومعنى ، كما في الحديث يقول الله جل وعلا: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ) ، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ، وهكذا ما جاء فيما معناه من الأحاديث التي ينقلها النبي عن الله ، يقول : هذا كلام الله ، هذا يسمى حديثاً قدسيا، ولكن ليس له لفظ القرآن ، ليس بمعجز، ولا يقرأ به في الصلاة ، الصلاة يقرأ فيها بالقرآن خاصة ، أما الأحاديث القدسية يقرأها الإنسان للفائدة ، في نفسه أو مع إخوانه للفائدة ، أما أنه يقرأ بالحديث القدسي في الصلاة لا ، ليس حكمه حكم القرآن في هذا، القرآن معجز ويقرأ في الصلوات فله حكم آخر، ولكن الحديث القدسي ينسب إلى الله ، ويقال : أنه كلام الله لفظه ومعناه، لكن ليس بمعجز، وليس له حكم القرآن في أن لا يمس الكتاب الذي فيه إلا طاهر، وليس له حكم القرآن في أن يقرأ به في الصلاة ، فهذا شيء، وهذا شيء." .
    http://www.binbaz.org.sa/mat/10622


    وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله :
    " فائدة يعم نفعها ، ويعظم وقعها ، في الفرق بين الوحي المتلو وهو القرآن ، والوحي المروي عنه صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل ، وهو ما ورد من الأحاديث الإلهية ، وتسمى القدسية .
    اعلم أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة :
    أولها – وهو أشرفها - : القرآن ، لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه قدمناها أول الكتاب ، وكونه معجزة باقية على ممر الدهر ، محفوظة من التغيير والتبديل ، وبحرمة مسه للمحدث ، وتلاوته لنحو الجنب ، وروايته بالمعنى ، وبتعينه في الصلاة ، وبتسميته قرآنا ، وبأن كل حرف منه بعشر حسنات ، وبتسمية الجملة منه آية وسورة .


    وغيره من بقية الكتب والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك ، فيجوز مسه ، وتلاوته لمن ذكر ، وروايته بالمعنى ، ولا يجزئ في الصلاة ، بل يبطلها ، ولا يسمى قرآنا ، ولا يعطى قارئه بكل حرف عشرا ، ولا يسمى بعضه آية ولا سورة اتفاقا أيضا .


    ثانيها : كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل تغييرها وتبديلها .


    ثالثها : بقية الأحاديث القدسية ، وهي ما نقل إلينا آحادا عنه صلى الله عليه وسلم ، مع إسناده لها عن ربه ، فهي من كلامه تعالى ، فتضاف إليه ، وهو الأغلب ، ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء ؛ لأنه المتكلم بها أولا ، وقد تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه المخبر بها عن الله تعالى ، بخلاف القرآن ، فإنه لا يضاف إلا إليه تعالى ، فيقال فيه : قال الله تعالى ، وفيها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه " " انتهى من " الفتح المبين بشرح الأربعين " (ص432-433) .


    والخلاصة :
    أن ترجمات معاني القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية ، ليست من صفات الله تعالى بألفاظها ، وإنما معانيها تعبر عن مراد الله سبحانه . لذلك فهي مخلوقة . أما الأحاديث القدسية ففيها خلاف قائم بين العلماء .
    والله أعلم .
    https://islamqa.info/ar/220937

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    وفي الجواب السابق ، المشار إليه : رجحنا أن لفظ الحديث القدسي من الله تعالى .
    وهذا هو الذي يدلُّ عليه صنيعُ البخاريِّ رحمه الله حيثُ قالَ:" بابٌ قولُ الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ " ثمّ ساقَ ما يقربُ مِن عشرةِ أحاديثَ قُدْسيَّةٍ .
    قال ابنُ حجرٍ مُعلِّقًا على ترجمةِ البابِ : " والذي يظهرُ : أنّ غرضهُ أنّ كلامَ الله لا يختصُّ بالقرآنِ ، فإنّه ليسَ نوعًا واحدًا ".


    وهذا هو الذي يُفهم مِن كلامِ شيخِ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله ، حيثُ قالَ في تعليقه على حديثٍ قُدْسيٍّ :" وهو مِن الأحاديثِ الإلهيّةِ التي رواها الرسولُ عن رَبِّهِ ، وأخبرَ أنّها مِن كلامِ الله تعالى ، وإنْ لم تكنْ قرآنًا "انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/157) .
    انظر : " مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة " (35/ 321، بترقيم الشاملة آليا) ، مقال: " الأحاديث القدسية في الجرح والتعديل ومصادرها وأدوار تدوينها " بقلم : د. عبد الغفور عبد الحق البلوشي ، الباحث بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالجامعة الإسلامية .
    وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

    أما الحديث القدسي فهو الكلام المنسوب إلى الله ، الذي نسبه الرسول صلى الله عليه وسلم ، يقال: حديث قدسي، يعني حديث عن الله جل وعلا، فهو أيضاً يعتبر من كلام الله ، لفظه ومعناه، إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله كذا: فيعتبر من كلام الله ، هذا هو الصحيح لفظاً ومعنى ، كما في الحديث يقول الله جل وعلا: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ) ، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ، وهكذا ما جاء فيما معناه من الأحاديث التي ينقلها النبي عن الله ، يقول : هذا كلام الله ، هذا يسمى حديثاً قدسيا، ولكن ليس له لفظ القرآن ، ليس بمعجز، ولا يقرأ به في الصلاة ، الصلاة يقرأ فيها بالقرآن خاصة ، أما الأحاديث القدسية يقرأها الإنسان للفائدة ، في نفسه أو مع إخوانه للفائدة ، أما أنه يقرأ بالحديث القدسي في الصلاة لا ، ليس حكمه حكم القرآن في هذا، القرآن معجز ويقرأ في الصلوات فله حكم آخر، ولكن الحديث القدسي ينسب إلى الله ، ويقال : أنه كلام الله لفظه ومعناه، لكن ليس بمعجز، وليس له حكم القرآن في أن لا يمس الكتاب الذي فيه إلا طاهر، وليس له حكم القرآن في أن يقرأ به في الصلاة ، فهذا شيء، وهذا شيء." .
    جزاك الله خيرا اخى أبو مالك المديني على حسن الافادة ---وللافادة ---قال الشيخ صالح ال الشيخ فى شرح الاربعين النووية----الحديث القدسي الذي ينسب إلى الرب جل وعلا من الكلام وليس من القرآن، يعني فيما يقول فيه المصطفى :- صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى، قال ربكم - عز وجل -. وأشباه ذلك. وليس من القرآن فيسمى حديثا قُدْسيا، ومعنى كونه قدسيا يعني: أنه جاء من القدوس جل وعلا يعني: أنه حديث مطهر عال على كلام الخلق، وهذا في معناه العام.أما الحديث القدسي من حيث الاصطلاح فقد اختلف فيه العلماء، وعباراتهم متنوعة:
    والذي يتفق مع اعتقاد أهل السنة والجماعة أنّ الحديث القدسي من حيث اللفظ هو من الله جل وعلا، وأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه روايةً؛ يعني بلفظه، وليس له عليه الصلاة والسلام أن يُغيِّر لفظه.وبعض أهل العلم قالوا: إنّ معناه من الله جل وعلا ولفظه من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أبيح له أن يغير في لفظه، وهذا القول لا دليل عليه؛ لأنّه جاء ذلك بالنقل: قال الله تعالى، قال ربكم. والصحابة يقولون: فيما يَنْمِيه إلى ربه، فيما يبلغه عن ربه، فيما يرويه عن ربه. وهذه كلها من ألفاظ الأداء في الرواية، وليس ثَمَّ ما يدل على أن المعنى من الله جل وعلا وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتصرف في الألفاظ بما يؤدي به المعنى؛ إذ لا دليل عليه كما ذكرنا، ولا حاجة له عليه الصلاة والسلام في ذلك. وأيضا هذا القول -وهو أنه من حيث اللفظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى من الله جل وعلا- يتفق مع قول الأشاعرة والماتريدية وأشباه هؤلاء في أن الله جل وعلا كلامه كلام نفسي؛ بمعنى أنه يلقي في روع جبريل المعاني، أو يلقي في روع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المعاني، ويعبر عنها جبريل بما يراه، ويعبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بما يراه. ولهذا عندهم القرآن عبارة عن كلام الله جل وعلا وليس هو بكلام الله جل وعلا الذي خرج منه جل وعلا وبدأ منه سبحانه وتعالى بكلماته وحروفه ومعانيه.
    فإذن الذي يتفق مع عقيدة أهل السنة والجماعة في كلام الله جل وعلا أنّ الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله جل وعلا، ولم يُتَعَبَّد بتلاوته، فيصح أنْ نعرف الحديث القدسي بأنه: ما رواه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن الله جل وعلا بلفظه ومعناه ولم يتعبد بتلاوته؛ يعني لم يكن بين دفتي المصحف. هذا هو الحديث القدسي. وغيره؛ مما يجعل اللفظ من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا يتفق مع عقائد أهل السنة والجماعة.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وجزاك بالمثل أخي الكريم .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    وقال شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين ص 236 - 237 :
    وقد اختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي: هل هو كلام الله تعالى، أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم معناه، واللفظ لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ على قولين:

    القول الأول: أن الحديث القدسي من عند الله لفظه ومعناه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله تعالى، ومن المعلوم أن الأصل في القول المضاف أن يكون بلفظ قائله لا ناقله، لا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس أمانةً وأوثقهم روايةً.

    القول الثاني: أن الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لوجهين:


    الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظاً ومعنى؛ لكان أعلى سنداً من القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛ كما هو ظاهر السياق، أما القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام؛ كما قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُس من ربك) (النحل: الآية102) ، وقال: ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) ( الشعراء: 193-195 ) .

    الوجه الثاني: أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله؛ لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى، والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا في الأصل، ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسي فروق كثيرة:

    منها: أن الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، بمعنى أن الإنسان لايتعبد الله تعالى بمجرد قراءته؛ فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات، والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات.

    ومنها: أن الله عزّ وجل تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو آية منه، ولم يرد مثل ذلك في الأحاديث القدسية.

    ومنها: أن القرآن محفوظ من عند الله عزّ وجل؛ كما قال سبحانه: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر: 9 ) ؛ والأحاديث القدسية بخلاف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن، بل أضيف إليها ما كان ضعيفاً أو موضوعاً، وهذا وإن لم يكن منها لكن نسب إليها وفيها التقديم والتأخير والزيادة والنقص.
    ومنها: أن القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، أما الأحاديث القدسية؛ فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه.

    ومنها: أن القرآن تشرع قراءته في الصلاة، ومنه ما لا تصح الصلاة بدون قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية.

    ومنها: أن القرآن لا يمسّه إلا طاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية.

    ومنها: أن القرآن لا يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول الراجح، بخلاف الأحاديث القدسية.

    ومنها: أن القرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفاً أجمع القراء عليه؛ لكان كافراً، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئاً منها مدعّياً أنه لم يثبت؛ لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ لكان كافراً لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم.

    وأجاب هؤلاء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، والأصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم أن هذا هو الأصل، لكن قد يضاف إلى قائله معنى لا لفظاً؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يضيف أقوالاً إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنى لا لفظاً، كما في قصص الأنبياء وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ قطعاً.
    وبهذا يتبين رجحان هذا القول، وليس الخلاف في هذا كالخلاف بين الأشاعرة وأهل السنة في كلام الله تعالى؛ لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى؛ فأهل السنة يقولون: كلام الله تعالى كلام حقيقي مسموع يتكلم سبحانه بصوت وحرف، والأشاعرة لا يثبتون ذلك، وإنما يقولون: كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وليس بحرف وصوت، ولكن الله تعالى يخلق صوتاً يعبّر به عن المعنى القائم بنفسه، ولا شك في بطلان قولهم، وهو في الحقيقة قول المعتزلة، لأن المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق، وهو كلام الله، وهؤلاء يقولون: القرآن مخلوق، وهو عبارة عن كلام الله، فقد اتفق الجميع على أن ما بين دفتي المصحف مخلوق.

    ثم لو قيل في مسألتنا - الكلام في الحديث القدسي -: إن الأَولَى ترك الخوض في هذا؛ خوفاً من أن يكون من التنطّع الهالك فاعله، والاقتصار على القول بأن الحديث القدسي ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وكفى؛ لكان ذلك كافياً، ولعله أسلم، والله أعلم.اهــ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •