سئل الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب: عن قوله صلى الله عليه وسلم: "للعامل منهم أجر خمسين" ... ؟
فأجاب: اعلم أولاً: أن هذا الحديث المشار إليه، خرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة، من طريق عتبة بن حكيم، عن عمرو بن حارثة، عن أبي أمية الشعباني، عن أبي ثعلبة الخشني، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [سورة المائدة آية: 105]: أما والله: لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمراً لا بد لك منه – وفي لفظ - لا يدان لك به، فعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العوام؛ فإن وراءكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن كان كمن قبض على الجمر؛ للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله. قالوا: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم" 2، وعتبة هذا، قال الحافظ المنذري، في مختصر السنن لأبي داود: هو: العباس بن أبي حكيم الهمداني الشامي، وثقه غير واحد، وتكلم فيه غير واحد؛ قلت: وقد حكم الترمذي على هذا الحديث، أنه حسن غريب.
إذا عرفت ذلك، فالمعنى الذي لأجله استحق الأجر العظيم والثواب، وساوى فضل خمسين من الصحابة، إنما هو لعدم المعاون والمساعد، على ما ذكره الحافظ أبو سليمان الخطابي، وأبو الفرج عبد الرحمن بن رجب وغيرهما.
فالمستقيم على المنهج السوي، والطريق النبوي، عند فساد الزمان ومروج الأديان، غريب ولو عند الحبيب، إذ قد توفرت الموانع، وكثرت الآفات، وتظاهرت القبائح والمنكرات، وظهر التغيير في الدين والتبديل، واتباع الهوى والتضليل، وفقد المعين، وعز من تلوذ به من الموحدين، وصار الناس كالشيء المشوب، ودارت بين الكل رحى الفتن والحروب، وانتشر شر المنافقين، وعيل صبر المتقين، وتقطعت سبل المسالك، وترادفت الضلالات والمهالك، ومنع الخلاص ولات حين مناص؛ فالموحد بينهم أعز من الكبريت الأحمر، ومع ذلك فليس له مجيب ولا راع، ولا قابل لما يقول ولا داع. وقد نصبت له رايات الخلاف، ورمي بقوس العداوة والاعتساف، ونظرت إليه شزر العيون، وأتاه الأذى من كل منافق مفتون، واستحكمت له الغربة، وأفلاذ كبده تقطعت مما جرى في دين الإسلام وعراه من الانثلام والانفصام، والباطل قد اضطرمت ناره، وتطاير في الآفاق شراره؛ ومع هذا كله، فهو على الدين الحنيفي مستقيم، وبحجج الله وبراهينه مقيم، فبالله، قل لي: هل يصدر هذا إلا عن يقين صدق راسخ في الجنان، وكمال توحيد وصبر وإيمان، ورضى وتسليم لما قدره الرحمن؟ وقد وعد الله الصابرين جزيل الثواب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر آية: 10]. وقد قال بعض العلماء، رحمهم الله: من اتبع القرآن والسنة، وهاجر إلى الله بقلبه، واتبع آثار الصحابة، لم يسبقه الصحابة، إلا بكونهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ الدرر السنية ]