*الفوائد المنتقاة*
*من شرح*
*" لمعة الاعتقاد "*
_للشيخ يوسف الغفيص_

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :

فهذه فوائد ماتعة نافعة قيمة للشيخ الفاضل – يوسف الغفيص- حفظه الله – وزاده علما وفضلا انتقيتها من شرحه
لـ- "لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد"- للموفق "ابن قدامة "
الفائدة (1)

1/ " الإمام أبو محمد عبد الله بمن أحمد المقدسي ، المعروف بـ( الموفق )، وبابن قدامة ، وهذا نسب اشتهر به جملة من أهل العلم من هذا البيت وجلهم من الحنابلة ، وهو حنبلي المذهب، وإذا ذُكر من جاء بعد عصر الأئمة، فإن من كبار أعيان علماء المسلمين هو هذا الإمام، فهو إمام واسع من جهة: مسائل أصول الدين، وأصول الشريعة، ومسائل الفروع. وإذا نظرت في كتابه
الذي وضعه في الفقه المقارن -وهو الكتاب المعروف بـ(المغني)، والذي شرح فيه الموفق "مختصر الخرقي" في الفقه الحنبلي

عرفت ما لهذا الإمام من عظيم الشأن، وكذلك ما كتبه في مسائل أصول الفقه في الروضة، مما اختصره من كتاب المستصفى
لأبي حامد الغزالي"

الفائدة (2)

الحنابلة من أبعد الطوائف الفقهية الأربع عن علم الكلام


2/ "هناك طائفة من فقهاء الحنفية معتزلة، وأكثر فقهاء الحنفية على مذهب أبي منصور الماتريدي ، وإنما كان ذلك؛ لأن أبا

منصور الماتريدي نفسه كان حنفي المذهب، وطائفة من الحنفية أشاعرة محضة على طريقة المتكلمين من الأشاعرة، وكذلك

الشافعية، فإن كثيراً من متأخريهم أشاعرة؛ لأن أبا الحسن رحمه الله إمام الأشعرية كان شافعي المذهب، وكذلك المالكية أكثرهم

أشاعرة. أما الحنابلة فهم من أبعد الطوائف الفقهية الأربع عن علم الكلام، ومع ذلك فإن طائفة من علمائهم المتأخرين تأثروا بعلم

الكلام؛ كأبي الوفاء ابن عقيل ؛ فإنه درس في مطلع أمره على بعض شيوخ المعتزلة؛ كأبي علي بن الوليد ، وأبي القاسم بن

التبان المعتزليين، وكانا من أصحاب أبي الحسين البصري الحنفي، وإن كان ابن عقيل رحمه الله رجع عن طريقته هذه، وكتب:
"الانتصار لأهل الحديث"
__________________
الفائدة (3)

3/ "كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معظماً لأبي محمد الموفق ، حتى أنه قال:

(لم يدخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من أبي محمد )."
______________
الفائدة (4)

4/ " بعض المعاصرين ممن تكلم على هذه الرسالة، قد بالغوا في التثريب على صاحبها في بعض المسائل، وذكروا أنه ليس محققاً

لمذهب السلف أو طريقتهم، ونظروا في شيء من كلامه في مسألة التفويض وبعض الأحرف الأخرى. والتحقيق أن هذه الرسالة

ليس فيها غلط صريح، وإنما يوجد في بعض المواضع قدر من الإجمال والتردد، وإذا قارنا بين هذه الرسالة وبين رسالة أبي

جعفر الطحاوي -المعروفة بالعقيدة الطحاوية- فإن رسالة الموفق أشرف منها، وأبعد عن الغلط في بعض المسائل، أما الطحاوي

رحمه الله فقد غلط في بعض مسائل الإيمان غلطاً صريحاً"
__________________
الفائدة (5)

هل المتواتر يفيد العلم، والآحاد لا يفيد إلا الظن؟

الجواب: هذه مسألة نظرية، وفيها تفصيل وخلاف، ذكره ابن حزم و ابن تيمية وجماعة، ولكن الذي يصح أن يقال

عنه: إنه متواتر -وهو مراد الشافعي وأمثاله من المتقدمين- هو ما اتفق المحدثون عليه، أو استفاض ذكره في السنة، واستقر

قبوله عند أهل العلم؛ فهذا كله يسمى متواتراً، كحديث جبريل، فإنه حديث تُلقي بالقبول، وكحديث: (إنما الأعمال بالنيات...)

، فإنه غريب في مبدئه، وإن كانت الأمة قد تلقته بالقبول، وأجمع المحدثون على ثبوته. فما استفاض

ذكره من النصوص، وتوارد القبول عليه عن أئمة أهل الحديث، فهذا يسمى: متواتراً، وهذه التسمية -بهذا الاعتبار

وعلى هذا التعريف- مناسبة للشرع واللغة والعقل، وأما النظرية التي وضعها المتكلمون، ودخلت على بعض المتأخرين، فهي

نظرية باطلة، لا يمكن أن يعتبر بها شيء؛ لأن محصلها ترك الاحتجاج بالسنة في مسائل العقائد، وهذا هو مذهب الغلاة من أهل البدع"
__________________
الفائدة (6)

6/ "تقسيم الكلام في القرآن والسنة إلى حقيقة ومجاز يقع على أحد وجهين؛ فإن أريد به الوجه اللفظي الاصطلاحي فهذا لا مشاحة فيه؛ فمثلاً: قوله تعالى: وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ [يوسف:82] من قال: إن هذا من باب المجاز في اللغة. وأراد أن العرب تحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه، وأن هذا مما تجوزه اللغة، أو من مجازات لغتهم، وأن المراد أهل القرية، فهذه التسمية اصطلاحية. إذاً: تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز إن كان من عوارض الألفاظ؛ فهو اصطلاح لا بأس به. وإن كان هذا التقسيم من عوارض المعاني، فهذا هو المشكل، وهو المستعمل عند اللغويين من المعتزلة، وشاع في كلام الأصوليين وغيرهم على معنىً قالوا فيه: الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له، والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وهذا تعريف للحقيقة والمجاز مشهور عندهم"
_________________
الفائدة (7)

المراد بالمفوضة: هم من زعموا أن هذه النصوص يُعمل بألفاظها وأما معانيها فليس هناك معنىً يُؤمن به، وإنما يفوض العلم

بالمعنى إلى الله، وهذا مذهب غلط ومبتدع، وكما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن قول المفوضة من شر أقوال أهل البدع".
______
الفائدة (8)

مسألة: هل ابن قدامة يعتنق مذهب التفويض أم لا؟

يقال: هذه مسألة محتملة، ولكن الأظهر في طريقته رحمه الله أنه لا يوافقهم، وإن كانت بعض ألفاظه المجملة قد تشعر بشيء من

ذلك، والدليل على أن الموفق رحمه الله ليس مفوضاً أنه جعل القاعدة في الأسماء والصفات هي الإثبات بالتسليم والقبول

والإيمان، وترك التعرض لأدلة الصفات بالرد والتأويل؛ وهذا كله وغيره تقرير للإثبات المعروف عند السلف.
__________________
الفائدة (9)

قول بعض السلف (أمروها كما جاءت بلا كيف)

. وهذه جملة مروية عن مكحول ، والزهري ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، والأوزاعي .. وغيرهم. فهذه الجمل إذا تأملتها لا ترى فيها شيئاً من التفويض، بل قول الشافعي ليس فيه ذكر للتفويض بوجه، وإنما فيه تقرير لكونه رحمه الله يذهب إلى أن الإيمان على مراد الله ورسوله. بل يصح أن نقول: إن هذه الجملة ترد على المفوضة؛ لأن الشافعي رحمه الله بين أنه آمن بها على مراد الله، وعلى مراد رسول الله، فظهر أن لله ولرسوله مراداً من جهة المعنى في هذه النصوص، وإذا كان له سبحانه وتعالى مراد، ولرسوله مراد في خطابه، لزم أن هذا المراد مما يمكن فقهه وفهمه ووعيه. وكذلك قولهم: (أمروها كما جاءت بلا كيف) أيضاً فيه براءة من التفويض، وليس قولاً في التفويض؛ لأن قولهم: (أمروها كما جاءت) دليل على أنها تؤخذ على ظاهرها في المعاني المقتضية لها في لسان العرب. وقولهم: (بلا كيف) إنما نفوا العلم بالكيفية، وكونهم خصصوا الكيفية بنفي العلم دليل على أن المعنى من جهة أصله يكون معلوماً."
__________________
الفائدة (10)

مقام السنة والاتباع يعتبر بأصلين:

"الأصل الأول: العلم. والأصل الثاني: التسليم. وهما المذكوران في قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فالتسليم الذي لا يبنى على العلم فإنه غير مقصود في الشريعة، ولهذا كان التسليم المطلق للأعيان بدعة حدثت في الإسلام، وأول من أحدثها الشيعة ثم الصوفية، فصاروا يسلِّمون لأئمتهم تسليماً مطلقاً، حتى اعتقد بعض طوائفهم عصمة الأئمة. إن التسليم المطلق بلا علم لأعيان أهل العلم فضلاً عمن دونهم ليس مقصوداً في الشرع؛ بل لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى ، ولحكم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأما غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يراجع في قوله، حتى يكون على وفق مقاصد الشريعة. فهنا قوله تعالى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] فلا بد من مقام العلم ومقام التسليم، وهذان الأصلان هما مبنى السنة، فلابد أن يكون صاحب السنة والمقتدي بآثار السلف على علم وتسليم، ولا يمكن أن تقوم الحقائق في القلوب ويعظم شأنه سبحانه وتعالى إلا بالعلم الذي يصاحبه التسليم.
__________________
الفائدة (11)

هل عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعتبر خليفةً خامساً ؟

"من أثبت هذا غلط، وقد أنكره جملة من الأئمة الكبار: كالإمام أحمد رحمه الله ، وغيره، وذلك من جهتين: الجهة الأولى: أن عمر بن عبد العزيز بويع الخلافة المقصودة بعد زمن بعيد، والإمام أحمد رحمه الله لما بلغه قول بعض أهل العراق: إن عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الخامس، تعجب من ذلك! وقال: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)؟ ومقصوده رحمه الله: أن من جعل عمر بن عبد العزيز خليفةً خامساً فقد زاد عن الثلاثين؛ لأن الثلاثين سنة بقي منها أشهر بعد مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهذه الأشهر هي إمارة الحسن ، إن كان له إمارة، على خلاف بين أهل العلم. وعمر بن عبد العزيز صاحب سنة، وأمير عدل، وإمام في العلم والورع... إلخ، لكن لا يجوز أن يسمى خليفة خامساً، بل الخلفاء أربعة، وأما من بعدهم فهم سلاطين وملوك وأمراء"
______________
الفائدة (12)

"مذهب السلف الذي ينسب إليهم ليس هو الآحاد الفقهية، فالآحاد الفقهية: هي محل خلاف في الجملة بين السلف، إنما مذهب السلف الذي يجب اتباعه هو ما انضبط بالإجماع أو استفاض نقله عنهم سواء كان في المسائل العلمية أو العملية، وأما إذا لم ينضبط انضباطاً بيناً فلا يجوز نسبته إلى السلف كمذهب، وإنما يذكر على أنه قول لطائفة من السلف، أو أنه محل نزاع بينهم، أو ما إلى ذلك ؛ لأن من قال عن قول ما: إنه مذهب للسلف؛ فمعناه أن اتباعه يكون واجباً، وأن غيره يكون بدعةً "
__________________
الفائدة (13)

حكم الانتساب إلى المذاهب

"سائر العلماء من المحققين المعروفين من أهل السنة والجماعة، يقرون الانتساب إلى هذه المذاهب. وأما التعصب للأئمة كأحمد أو الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة ، أو الادعاء بأن مذهبه هو الراجح على مذهب غيره، أو أن الواحد يترك الدليل لقول عالم من العلماء، سواء كان من الأئمة الأربعة أو غيرهم، فلا شك أن هذه الأوجه وأمثالها منكرة، لكن فرق بين هذا المقام وبين مقام الانتساب، فالانتساب مقام تراتيب علمية لا إشكال فيه، وما زال الأئمة حتى المعروفين بالتحقيق في السنة كابن تيمية وغيره يقرون هذا الانتساب، ولم يظهر إنكاره إلا بعد القرن العاشر، ففيه بدء التصريح بإنكار هذا التمذهب، ولربما مال المنكرون إلى نفس القضية، أي: رجعوا إلى قدر من التمذهب بوجه آخر، فتركوا الانتساب لأحمد وانتسبوا للشوكاني ، ولا يقال: من انتسب إلى مذهب من المذاهب الأربعة ففي سلفيته نقص، أو أنه ليس سلفياً، أو من شرط السلفي: ألا ينتسب إلى مذهب من المذاهب الأربعة.. هذا تكلف، وإن اجتهد به بعض أهل العلم: كالشيخ الإمام العالم الألباني رحمه الله.. فهذا اجتهاد للشيخ، يقدر عليه لكنه ليس بلازم، بل السلفية هي أن تقتدي بإجماعات السلف، وأما إذا انتسب منتسب لفقيه من الفقهاء الأربعة فهذا الانتساب لا بأس به بشروط أهمها: أن لا يتعصب له، وأن لا يترك الحق لقوله، وغيرها من الأمور المعلومة ضرورةً في دين الإسلام.
____________
الفائدة (14)

تقسيمات المتأخرين للصفات

"درج المتأخرون من أهل السنة الذين تكلموا في الصفات إلى تقسيم الصفات إلى قسمين: صفات ذاتية. وصفات فعلية وبعضهم يقول: إن الصفات تنقسم إلى: صفات ذاتية. وصفات خبرية. وصفات فعلية. وهذه التقاسيم هي من الاصطلاح الذي يوسع فيه، إذا كانت المعالم منضبطة بوجه صحيح، وإن كان هذا التقسيم ليس مقصوداً لذاته، أي: ليس هو من الحقائق المطردة، التي يقصد إلى ذكرها في كلام أهل السنة والجماعة. ولهذا لا يلزم أن يمتحن الناس ويُسألوا عن تقسيم أهل السنة للصفات؟ فإن أهل السنة المتقدمين من أئمة السلف لم يقسموا هذا التقسيم للصفات ولهذا من استعمله ليضبط المعاني فلا بأس، ومن تركه وضبط المعاني بدونه فهذا هو الأولى؛ لأن هذا التقسيم فيه ألفاظ إضافية يدخلها شيء من الإشكال، فحين يقولون: الصفات الذاتية، قد يُفهم أن القسم الثاني أو الثالث ليس ذاتياً، وهذا المفهوم ليس مراداً له..."
__________________
الفائدة (15)

صفة العلو لله تعالى

"نفي الأشاعرة المتأخرين للعلو مذهب دخل عليهم من المعتزلة، وقد صنف ابن كلاب كتابه: الصفات، ورد فيه على المعتزلة في مسألة العلو بالعقل والنقل. ومسألة العلو حكى الإجماع عليها جملة من الأئمة، حتى إن شيخ الإسلام ذكر في درء التعارض هذا الإجماع عن بضعة عشر إماماً من كبار أئمة أهل السنة والجماعة، فهي مسألة متواترة صريحة في كلام الله ورسوله، فضلاً عن كون علوه سبحانه وتعالى يثبت بالعقل، ويثبت بدليل الفطرة وقد قال جملة من علماء السنة كبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب أحمد كابن القيم و شيخ الإسلام ابن تيمية : أن أدلة ثبوت صفة العلو لله تعالى في القرآن تزيد عن أكثر من ألف دليل."
__________________
الفائدة (16)

إقرار بعض المشركين بصفة العلو والرد على المعطلة

قال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين : (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة: ستة في الأرض، وواحداً في السماء، قال: من لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الستة واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين، فأسلم وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي)] . هذا الحديث داخل في أدلة إثبات العلو لله عز وجل ، وفيه إشارة إلى أن المشركين كانوا في الجملة يقرون بأصول الصفات، وهذا من دلائل أهل السنة في ردهم على المعطلة، فالمعطلة تقول: إن إثبات الصفات على ظاهرها مخالف لدليل العقل. قال علماء السنة: إن القرآن نزل وعارضه المشركون بالتكذيب، وقالوا عن صاحبه الذي نزل عليه: إنه ساحر، وقالوا: إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر:25]، إلى غير ذلك، فالقصد أن آيات الصفات لو كان فيها ما يعارض دليل العقل لاعترض به المشركون. فإنه لم ينقل عن واحد من المشركين، لا من العرب ولا من اليهود ولا من النصارى؛ الذين بلغهم القرآن، أنه اعترض بدليل عقلي على صفة من الصفات، مع أنهم حاولوا الطعن في بعض أخبار القرآن من جهة العقل"
_________________
الفائدة (17)

مسألة مس المصحف لغير طاهر

قوله تعالى:" إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ " هل الضمير يعود على القرآن أم يعود على الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ؟ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم. والصحيح أن الخلاف في مسألة لزوم الطهارة من الحدث في مس المصحف ليس فرعاً عن الخلاف في هذه الآية، فإن كثيراً من السلف جعلوا الضمير في قوله: لا يَمَسُّهُ يعود على الكتاب المكنون؛ وهو اللوح المحفوظ، وهذا هو الصحيح في تفسير الآية، ومع ذلك فإن هؤلاء يذهبون إلى أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف. إذاً.. الخلاف في مسألة مس المحدث للقرآن، ليس فرعاً عن تفسير الآية. وفي الجملة فالذي عليه الجمهور -وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم- أن القرآن لا يجوز مسه للمحدث، بل لا بد له من الطهارة. وذهب طائفة كابن حزم و الشوكاني إلى جواز مسه للمحدث حدثاً أصغر، ومستند قول الجمهور هو حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتاباً وفيه: (وأن لا يمس القرآن إلا طاهراً) "
__________________
الفائدة (18)

رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في مقامين

من صفاته سبحانه أنه يُرى يوم القيامة. ورؤية المؤمنين لربهم في الآخرة تكون في مقامين: الأول: في عرصات القيامة. والثاني: بعد دخولهم الجنة، وهما من مسائل الإجماع المتفق عليهما بين السلف. وظاهر النصوص أن رؤيتهم له سبحانه وتعالى بعد دخولهم الجنة تكون أتم من تلك التي تقع في عرصات القيامة، فالرؤية بعد دخول الجنة هي المذكورة في قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وقد فسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة في الآية كما في صحيح مسلم وغيره، قال: (هي النظر، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم)وهذا من معاقد الإجماع الذي دل عليه الكتاب والسنة"
__________________
الفائدة (19)

من أدلة رؤية المؤمنين لربهم

1/قوله تعالى: "تَحِيَّتُهُم يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ " فإن اللقاء إذا قُرن بالتحية تضمن النظر والرؤية معاً، وقد روى أبو عبد الله ابن بطة عن ثعلب -وهو من أئمة اللغة- الإجماع على أن اللقاء إذا قُرن بالتحية فإنه يستلزم أو يتضمن الرؤية.
2/: قوله تعالى:" لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ" فإن المنفي هنا هو الإدراك، والإدراك قدر زائد عن أصل الرؤية، ولا يلزم من الرؤية للشيء الإدراك له والإحاطة به، فإنك تقول -ولله المثل الأعلى-: رأيت السماء، ومع ذلك لم تدركها، وتقول: رأيتُ القادم من بعيد. وأنت لم تدركه: أهو زيد أم عمرو؟ أرجل أو امرأة؟ فإن من رأى قادماً من بعيد لا يرى إلا شخصه، ولا يميز من هو، أو ما يكون، فإذا قال: رأيت هذا القادم، فإن قوله صحيح، ولكن لا يمكن أن يقول: أدركته. فلما قال تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) دل على أنه يُرى ولكن لا يدرك، فإنه لو كان سبحانه وتعالى لا يرى مطلقاً، ولا يراه المؤمنون؛ لما لزم نفي الإدراك"
_________________
الفائدة (20)

هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ؟

"المسألة فيها نزاع مشهور بين متأخري أهل السنة، وهم فيها على قولين:والذي يميل إليه أتباع الأئمة من المتأخرين: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ببصره، ولكن هذا المذهب وإن اشتهر عند المتأخرين -حتى قيل: إنه قول جمهورهم- إلا أنه غير معروف عند الصحابة رضوان الله عليهم، وغريب عند الأئمة المتقدمين.. بل حُكي الإجماع على خلافه، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ببصره، وممن حكى الإجماع على ذلك: الإمام الدارمي رحمه الله. قد نقله عنه الموفق في المناظرة في مسألة الصفات، وهذا هو المشهور في مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من السلف، وسواء قيل: إن هذا إجماع منضبط صحيح، أو قيل: إنه إجماع سكوتي، فإنه لم يصح عن واحد من الصحابة أنه قال: إنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ببصره، وإنما جواب الصحابة على أحد وجهين: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يره. والثاني: أنه رآه بفؤاده. فالأول جواب عائشة رضي الله عنها ومن معها، والثاني: جواب ابن عباس رضي الله عنهما ومن أخذ بقوله. وعند التحقيق يظهر أن جواب ابن عباس رضي الله عنهما ليس معارضاً لجواب عائشة رضي الله عنها ، بل يمكن أن يقال: إن جواب ابن عباس مؤيد لجواب عائشة رضي الله عنها؛ من جهة أن ابن عباس لما قصر الرؤية على الفؤاد دل على أن ما فوقه -وهي الرؤية البصرية- غير متحصلة. أما المتأخرون فإنهم فهموا من كلام ابن عباس الإثبات للرؤية البصرية؛ لأن أصحاب ابن عباس يروون تارة الإطلاق، وتارة التقييد بالفؤاد، فصار من المتأخرين من يقول: إن ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ببصره، وهذا غلط عليه؛ لأنه إنما كان يقول: رآه بفؤاده، ولم يقل:رآه ببصره."
_________________
الفائدة (21)

هل يرى الكفار ربهم يوم القيامة ؟
الأول: أن الكفار يرون ربهم، وإن كانت ليست رؤية نعمة وامتنان.
الثاني: أن المنافقين يرون ربهم دون بقية الكفار.
الثالث: أنه يراه المنافقون وغُبرات من أهل الكتاب،.
الرابع: أن الكفار جميعاً لا يرون ربهم، وهذا هو ظاهر مذهب الأئمة، وهو الذي عليه الجمهور من أصحاب أحمد ، وهو ظاهر القرآن في قول الله تعالى: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، والذي يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وخالفه ابن القيم وذهب إلى أن الكفار يرون ربهم،يجعل هذا عاماً في سائر الكفار"
-------
الفائدة (22)

الكسب عند الموفق ابن قدامة

"من غلَّط الموفق –ابن قدامة -رحمه الله وقال: "إن من أغلاطه أنه قال: إن للعبد فعلاً وكسباً وهذا من كلام الأشاعرة، نقول له: هذا غير صحيح؛ ففي كتاب الله: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ، إنما الغلط أن يقتصر على لفظ الكسب في تسمية أفعال العباد، والموفق رحمه الله إنما أراد بها مرادها الشرعي، أي: من اكتسابه وتحصيله وليس من إجبار الله للعباد أو من إكراهه لهم. هذا استعمال لا بأس به؛ لأنه مخالف للأشاعرة حيث يقولون: إن العبد ليس له فعل على الحقيقة وإنما له كسب، فلما جمع المصنف الاسمين دل على أنه ينفي استعمال الأشاعرة"
__________________
الفائدة (23)

تسمية أشراط الساعة بالصغرى والكبرى

التسمية بأشراط الساعة ثابتة في كلام الله سبحانه وتعالى ، وقد قسم أهل العلم أشراط الساعة إلى: كبرى وصغرى وهذا تقسيم واسع، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون تقسيماً مقصوداً لذاته، فإنه قد يتعذر على كثيرين التمييز بين العلامات الصغرى من العلامات الكبرى، فإذا اعتبروا ذلك بالزمان أشكل، وإذا اعتبروا ذلك بالماهية أشكل ربطه... إلخ. فإذا قلت: إن هذه الآيات منها ما هو آيات كبرى، ومنها ما هو آيات دون ذلك، فهذا لا بأس به، وأما التزام التعيين بأن المتقدم هي العلامات الصغرى والمتأخر هي العلامات الكبرى، فهذا ليس صحيحاً، فإنها لا تقاس بالزمان"
__________________
الفائدة (24)
حقيقـــــــة الدجــــــــال :

"الدجال: هو كافر من الكفار من ولد آدم، وليس كما يزعم بعض أهل البدع أنه مخلوق مختص، بل هو من ولد آدم جعل الله له هذا المعنى الذي يصير إليه من فتنة الناس. وقد أشكل أمر الدجال في ابتداء الأمر على جملة من الصحابة، واطرد هذا الإشكال على كثير من أهل العلم بخصوص ابن صياد ، وقد كان رجلاً من اليهود، حتى أن عمر بن الخطاب ظن أنه هو الدجال، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم كذاباً وأفاكاً، والذي عليه الجمهور وهو الصواب: أن ابن صياد لم يكن هو الدجال المراد بآخر الزمان، وإنما كان منافقاً كذاباً، وقد أظهر الإسلام -كما في حديث أبي سعيد الخدري في الصحيح- ولكن لم يكن صادق الديانة، بل كان من المنافقين وعلى دين أهل الكتاب."
__________________
الفائدة (25)

عذاب القبر على الروح والجسد

"عذاب القبر ونعيمه حق بإجماع أهل السنة وبصريح الكتاب والسنة، وهو على الجسد والروح، ومن قال: إن العذاب يكون على الروح فقط، وأن الجسد بعد الموت لا يمسه شيء من العذاب؛ فهذا من أقوال أهل البدع، وأصله من أقوال المعتزلة،
وإن زعمه بعض أصحاب الأئمة قولاً لطائفة من أهل السنة فهذا غلط عليهم، بل الصواب المجمع عليه بين الصحابة
والتابعين والأئمة: أن عذاب القبر ونعيمه على الروح والجسد، وإن كان ماهية الاتصال للروح بالجسد بعد الموت
ليست كماهية اتصال الروح بالجسد قبل الموت"
_________________
الفائدة (26)

هل يقول ابن تيمية رحمه الله بفناء النار؟

"كتب شيخ الإسلام رحمه الله ليس فيها ذكر لهذا القول أبداً، وإنما هناك رسالة محققة منسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية فيها جزم وتصريح بهذا القول، ونسبتها إليه لا تصح فهو غلط. وشيخ الإسلام في كتبه نص في مواضع كثيرة على أن الجنة والنار لا تبيدان ولا تفنيان، وذكر أن هذا إجماعاً عند أهل السنة والجماعة، وأن خلافهم من أقوال أهل البدع، وما نطق بحرف واحد في كتبه المعتبرة المضبوطة عنه بأن النار تفنى. وعلى فرض الجدل أن ابن القيم أو ابن تيمية رحمه الله يقول بفناء النار، فهذا اجتهاد قد انفردا فيه، وفاتهم فيه شيء، وأمره يسير، ولا يكون من المسائل المشكلة على طالب العلم."
_________________
الفائدة (27)

حكم تفضيل علي على عثمان – رضي الله عنهم-

"من قال: إن علياً أفضل من عثمان ، وعثمان مقدم في الخلافة- فهذا اجتهاد طائفة من السلف، وإن لم يُقَل: إنه راجح، فهذه مسألة أخرى. ولهذا فإن الصحيح في مذهب الإمام أحمد : أن من قدم علياً على عثمان في الفضل فهذه مسألة اجتهاد لا يبدع فيها المخالف، وإن كان الإمام أحمد حكي عنه رواية أخرى بتبديع المخالف، وهذا ليس بمحكمٍ في مذهبه، بل الصواب في مذهبه ما حكيناه سابقاً وهو الذي نصره شيخ الإسلام وإن كان الجمهور من أهل السنة -وهو الذي استقر عليه أمرهم- هو التقديم لعثمان ، وهذا هو الراجح من جهة الترجيح، لكن من خالف في ذلك لا يسمى مبتدعاً"

انتهى نقل الفوائد والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات