رمضان وذكريات الطاعة والصيام من الأيام الجميلة في مخيلة كل مسلم، فهي أيام نور وبركة وسكينة وإطعام وإفضال، وهي محطة سنوية هامة في حياة كل مؤمن، فيها يغفر الذنب وتقبل التوبة وتمحى الحوبة، ولما كانت العبادات في أمس الحاجة لفقه يوضح معالمها ويعصمها من الجنوح إلى شراك البدعة، رأيت أن أجمع جواهر من فقه الصوم نحن في أمس الحاجة إليها، وقصدت من ذلك تذكير العالم وتعليم الجاهل، هذا وأسأل الله التوفيق والقبول والسداد والرشاد إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنتهم.
- يقضي الصائم إذا أفطر وهو شاك في الغروب لقوله تعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة/187، والليل يبدأ من غروب الشمس، وهو كان على يقين أنه في نهار فلا يفطر إلا إذا تيقن أو غلب على ظنه غروب الشمس، لأن الأصل بقاء النهار، فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين أو غلبة ظن.
ولا يقضي الصائم إذا أكل أو شرب وهو شاك في طلوع الفجر، لقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) البقرة/187، فقد قال تعالى: ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ) البقرة: من الآية187. مما يدل على جواز الأكل والشرب قبل تيقن طلوع الفجر, ولأنه كان على يقين أنه في ليل فلا يحرم عليه الأكل إلا إذا تيقن طلوع الفجر، لأن الأصل بقاء الليل.
- لا يجوز للمسلم أن يقدم الطعام لأحد ليأكله في نهار رمضان، إلا إذا كان معذوراً في الفطر، كمريض أو مسافر، ولا فرق بين مسلم وكافر في هذا الحكم، فالمسلم المفطر مخاطب بالصوم، وهو عاصٍ بفطره، وتمكينه من الطعام والشراب في نهار رمضان تعاون على الإثم والعدوان، والكافر مخاطب – أيضاً - بالصوم وسائر الأحكام، ولكنه مطالب قبل ذلك بالنطق بالشهادتين والدخول في الإسلام، ويوم القيامة يعذب الكافر على كفره، وعلى شرائع الإسلام التي لم يعمل بها، فيزداد عذابه في النار.
- المعتدة من وفاة لا تخرج ليلا إلا لضرورة، وليس لخروجها لصلاة التراويح ضرورة، فعلى هذا تصلي التراويح في بيتها أفضل.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/130): " وللمعتدة الخروج في حوائجها نهارا، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها. لما روى جابر قال: طُلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجذّ نخلها، فلقيها رجل، فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( اخرجي، فجذي نخلك، لعلك أن تصدّقي منه، أو تفعلي خيرا ) رواه النسائي وأبو داود. وروى مجاهد قال: ( استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا، فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن، حتى إذا أردتن النوم، فلتؤب كل واحدة إلى بيتها ). وليس لها المبيت في غير بيتها، ولا الخروج ليلا، إلا لضرورة ; لأن الليل مظنة الفساد، بخلاف النهار، فإنه مظنة قضاء الحوائج والمعاش، وشراء ما يحتاج إليه ".
- في حال كون الزوج هاجراً لزوجته، ومبطلاً لحقوقها في الفراش والعشرة، ويكون منعه لصومها من أجل التسلط فقط: فليس له إذن، وللزوجة أن تصوم ولو لم تستأذن منه، وموافقته وعدمها سواء
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في " شرح بلوغ المرام " – مخطوط -: " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، والحكمة ربما أنه يحتاج إلى الاستمتاع بها فيهاب أن يفسد عليها صومها، وهذا من تمام حقه وهل ذلك مقيد بما إذا كان الزوج ناشزاً - أي: يضيِّع حقوقها - فهل لها الصوم بلا إذنه وهو شاهد ؟ نعم ؛ لأن ميزان العدل أنه إذا نشز: فلها أن تنشز؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم} [البقرة: 194 ]".
- المسافر لا يترخص بأحكام السفر إلا إذا خرج من بلده وجاوزها، ويظل يترخص بتلك الرخص ما دام مسافراً حتى يرجع إلى بلده.
فلا يجوز له أن يقصر الصلاة إلا أن يتجاوز بنيان بلده أو عامر قريته، ولا يحل له القصر وهو في بيته أو بلده.
واختلف العلماء في الفطر، فجوَّز بعضهم له الفطر إذا عزم على السفر عزماً مؤكداً وجهز راحلته، ومنع منه الجمهور فلم يجوزوا الفطر إلا حيث جاز له القصر وهو مجاوزة البنيان، وهذا القول هو الأقوى والأحوط.
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ ) [رواه أحمد (10251) وأبو داود (2350) وصححه الألباني في صحيح أبي داود] وفي رواية: ( وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر ) فروى الحاكم أبو عبد الله الرواية الأولى، وقال: هذا صحيح على شرط مسلم، ورواهما البيهقي، ثم قال:
وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. قال: وقوله: ( إذا بزغ ) يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة، أو يكون خبراً عن الأذان الثاني، ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ ) خبراً عن النداء الأول، ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. قال: وعلى هذا تتفق الأخبار. وبالله التوفيق، والله أعلم ".
- لأصل وجوب صوم رمضان، وتبييت النية له من جميع المكلفين من المسلمين، وأن يصبحوا صائمين إلا من رخص لهم الشارع بأن يصبحوا مفطرين، وهم المرضى والمسافرون ومن في معناهم، وأصحاب الأعمال الشاقة داخلون في عموم المكلفين وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان وأن يصبحوا صائمين، ومن اضطر منهم للفطر أثناء النهار فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره ثم يمسك بقية يومه ويقضيه في الوقت المناسب، ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام، هذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وما دل عليه كلام المحققين من أهل العلم من جميع المذاهب.
قال العلامة الهيتمي رحمه الله: " ويباح تركه أي الصوم لنحو حصاد أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعاً أو بأجرة... وتعذر العمل ليلاً... ولو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه، فظاهرٌ أن له الفطر، لكن بقدر الضرورة " [تحفة المحتاج (3/430) باختصار].
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com