السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة نشأت وترعرعت في بيئةٍ محافظةٍ جدًّا، وأنا عقلانيَّة في اتخاذ قراراتي - ولله الحمد والمنَّة، لم أُخطئ ولم أعملْ شيئًا يُهين كرامتي.
تواصلتُ في سنِّ المراهقة مع شابٍّ في نفس عمري، وكان حديثُنا صوتيًّا وكتابيًّا، كنتُ آخذ الآمرَ في بدايته على أنه تضييع وقت! ومع مرور السنوات ازدادت العلاقةُ مَتانةً وقوةً، وأحَبَّ كلٌّ منَّا الآخر، لكن لم يحدثْ أن تقابلنا طوال سنوات حديثنا، ولم نفعلْ شيئًا منافيًا للأخلاق - ولله الحمد والمنة، ولم يُفكرْ هو في هذه الأمور لحبِّه لي، ولكونه يعلم أني لا أقبل الخطأ ولعقلانيَّتي!
بدأ يُلح عليَّ بالزواج منذ سنتين، وأخبرني أنه يُريدني على سُنة الله وسنة رسولنا محمدٍ - عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، ولكني خائفة جدًّا من تَبِعات هذه العلاقة، مع أنه يعرفني وأعرفه، ولم يَسبق لنا الالْتِقاء أو تبادُل صورٍ، أو حتى كلام يَخدش الحياء.
كل ما بيننا تقارُب فِكريٌّ، وارتياحٌ نفسيٌّ، واحترامٌ متبادَل، ولكن عقلانيَّتي الزائدة تجعلني أرفض، وهو يُصِر ألاَّ نُكملَها في الخفاء وكأننا مجرمان!
هو شابٌّ مِن عائلةٍ معروفةٍ، يحبني ويحترمني، ولم يُفكِّرْ يومًا في استغلالي، أشيروا عليَّ هل أقبل أو أرفض؟ احتَرتُ وتَعِبتُ من التفكير!

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بمجرد أن وقعَتْ عيناي على اسمكِ الصريح الذي كتبتِه في رسالتكِ، علمتُ أنكِ من تلك الفئة التي لا تطفو فوق سطح أحلامها وخيالاتها غير عابئة بشيء, بل شخصيَّة عمَليَّة متعقِّلة، تسير على مبدأ محدَّد، وخطٍّ واضحٍ؛ حيث لا يكتب لنا بالأسماء الصريحة إلا عددٌ قليلٌ جدًّا, وأغلبُهم من الرِّجال.
وأكثر ما أعجبني في رسالتكِ هو تيقُّنكِ مِن أنَّ العلاقةَ كانتْ مجرَّد تضييعٍ للوقت لا أكثر, وغالبُ الفتيات يعشْنَ هذه الدقائق من وراء الشاشات في سعادةٍ غامرةٍ، ولهفةٍ بالغةٍ، وكأنها تُحلِّق مع فارس أحلامِها الحقيقيِّ، وكأنه أمامها على أرضِ الواقع, وكأن كلامه لا يعرف الكذبَ، وحديثه عينُ الصِّدق, فإن اعترَف بالحبِّ فهو غارقٌ في حبِّها بلا شكٍّ, في حين يُغلق الحوار معها؛ ليَفتحه مع غيرها وغيرها! وهي تحرِّم على نفسِها حتى التفكير في الزواج، أو قَبول الزوج؛ انتظارًا للفرَج!
لعلكِ تَخشين الزواج بعد هذه العلاقة وهذا التواصُل المحرَّم، وإن لم تجدي فيه ما يَخدش الحياء، أو يُنافي الآداب العامَّة والأعراف السائدة، فهو تواصُل محرَّم لا يَحِل لكِ ولا له، وتفضَّلي بالاطِّلاع على هذه الروابط:
http://islamqa.info/ar/ref/26890
http://islamqa.info/ar/ref/93450/
المشكلةُ في الزواجِ بعد علاقات الحبِّ قد تكمُن في فِقدان الثقة بين الزوجَيْن، فيظن الزوج أنها قد تتواصَل مع غيره كما تواصَلتْ معه, وتَعتقد المرأةُ أنه قد يسعى للتعرُّف إلى غيرها كما فعَل معها, وهذا بعيدُ الاحتمال في نوع العلاقة التي كانتْ بينكما, فما فَهِمتُ من حديثكِ أنَّ الأحاديث لم يكن بها كلماتُ غزلٍ أو غيرها، مما يسعى إليه الشباب مع الفتيات، ويرغبون في إيقاعهنَّ بها, ولهذا فأمْر انعدام الثقة أو شكه فيكِ في المستقبل - والذي يهدِّد الكثير من الزواجات المبنية على تلك العلاقات - غير واردٍ أو بعيد الاحتمال هنا.
والعقلانيَّةُ لا تعني بالضرورة رفْضَ كل ما كان مِن أخطاء فعَلناها في الماضي دون إعمال فكرٍ, وإنما التفكُّر فيها من حيث القدرةُ على الانتفاع بها وإصلاحها، وتوجيهها في الطريق السويِّ الذي ينبغي أن تكونَ عليه, فرفضكِ الزواجَ منه مع الاستمرار في العلاقة لسنوات ولو كانتْ بالكتابة, ولو لم يكن بها ما يَخدش الحياء, ولو كانتْ مجرَّد تضييع للوقت - لا فرق بينها، فكلُّها علاقات محرَّمة، لا يجوز لكما الاستمرار فيها على أي وسيلة كانتْ؛ فالفتنةُ وُجِدت يوم وُجِد رجلٌ وامرأة، ولا يهمُّ طريقة التواصل!
والمجتمع المحافظ لا يُنكر الحب الذي لا يَصحبه تواصُل أو محرَّم, ولا يرفض هذا الزواج, بل ورد في الحديث: ((لم يُرَ للمتحابين مثل النِّكاح)), والعجيبُ أن بعض الناس يأبى إلا رفض هذا الزواج؛ لمجرَّد أنه كان قد سبقه حبٌّ, ولا ينكرون الاستمرار في العلاقة ما دامتْ في السِّرِّ!
أنصحكِ أن تعرضي شخصيَّته - وقد تعلمين عنها الكثير مما يعينكِ على تلك الخطوة - على ما ورد في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حيث الخُلُقُ والدينُ, فإن رَضيتِ خُلقه ودينه، وإن رأيت منه استقامةً توحي بصلاح حاله، فانتقلي للخطوة الثانية وهي الاستخارة، ومن ثَمَّ النظَر في حالِه اجتماعيًّا وماديًّا؛ من حيث قدرتُه على إعالة بيتٍ، والإنفاق على أسرة, وهل له عمل مُستقر؟ وهل يتمكَّن مِن تجهيز بيت الزوجيَّة ورعاية الأسرة؟
ثم إنْ تبيَّن لكِ أهليَّته وكفاءته، فلتكن الخطوة الأخيرة هي عرْض الموضوع على الأهل.
نقطة أخيرة أوَد تذكيركِ بها - إن يسَّر الله له التقدم للزواج - وهي أن تحاولي ألا ترسمي صورة محدَّدة له, ففي الغالب لن يُشبهها، وأخشى أن يُصيبكِ الإحباط متى رأيتِه!

وفقكِ الله، ويسَّر أمركِ، وهداكِ لما يصلح به دينكِ ودنياكِ, والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.




رابط الموضوع: http://www.alukah.net/fatawa_counsel...#ixzz497aZUvxE