♦ ملخص السؤال:
شابٌّ متزوجٌ يريد نصيحةً ليجعلَ زوجته ملتزمةً بالحجاب الشرعي الكامل.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوِّج منذ 5 سنوات مِن سيدة على قدرٍ مِن الجمال والأخلاق، لكن المشكلة أنني بعد الزواج لم أجِدْها ملتزمةً التزامًا فعليًّا، فلم يكنْ حجابُها على الوجهِ الشرعيِّ الكامل، وهذه هي النقطة الأساسية!


كذلك تصر على السفر إلى بلاد الكفار، مما جعلني في النهاية أرضَخ لها، وأُسافر معها، ولا أُخفيكم أني أُحبُّها، ولا أريد أن أُفارقَها، وأريد طريقة أَعِظُها بها وأَسعد معها؛ فنقطةُ الالتزامِ مهمة، وتُقلقني كثيرًا.

فكيف أُقنعها بالالتِزام بالحجاب الكامل في داخل البلد وخارجها؟
الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلَيْتَكَ ذكرتَ لنا أيها الأخ الكريم ما تَعْنيه مِن قولك: "الحجاب ليس على الوجه الشرعي الكامل"؛ حتى نَقِف على قدرِ التقصير عند زوجتك، ولكن عمومًا يَجب على المرأة المُؤمِنة سترُ جميع بَدَنها؛ لأنَّ ظهور أي شيء مِن بدنها - الوجه أو غيره - يعتبر فتنة؛ قال تعالى في كتابه العظيم: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 53]؛ فبيَّن سبحانه أن الحجابَ أطهرُ للقلوب، وعدم الحجاب خطرٌ على قلوب الجميع، وقال الله جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59].


والجلبابُ: ما تَضَعُه المرأة على رأسها وبدنها؛ حتى تَسْتُر به وجهها وبدنها، زيادة على ملابسها.


وقال سبحانه: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورةٌ، فإذا خَرَجَت اسْتَشْرَفَها الشيطان))؛ رواه الترمذيُّ.


فهذا هو الحجابُ الشرعي الذي يَحرُم التساهُل فيه، أو خلعُه أمام الأجانب، وسواءٌ في البلاد أو خارجها أو غيره.


فاجتَهِدْ في إفهام زوجتك الحكمَ الشرعيَّ للحجاب، وبيِّن لها الحِكَم الجليلة في إيجابه على المُؤمِنات، وأنَّ الواجب على المسلم اتِّباع شَرْع الله برضًا وطواعية، ورغبة فيما عند الله، وخوفًا مِن عقابه، لا اتِّباع الأهواءِ والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه، وأنَّ الاستسلام لله والانقياد لشَرْعه شرطٌ في صِحة الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور:63]، فما أمَرَ الله به لا يُترَك لقول أحدٍ مِن البشر كائنًا مَن كان، كما لا يَصِحُّ التعلُّل بالإقامة في بلاد الكُفَّار، فكلُّ هذا خطرٌ على الدين ولا يَليق بمُؤمِنة أبدًا، وقد قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].


فاستمِرَّ في مُناصَحتها، وارفُقْ بها؛ فبالكلمة الطيبة والموعِظة الحسنة تتحقَّق المَصلحةُ إن شاء الله، وبيِّن لها أن خاصة الإسلام أنه يُصحِّح عادات المسلم السيئة، ويَنقلها للأحسن، وأن المسلم ليس له الاختيار فيما فَرَضَه اللهُ عليه.


وَلْتحذر - رعاك الله - مِن تَرْك تلك المشكلات بدون علاج؛ حتى لا تتفاقم، فالتزامُ زوجتك وحجابها ليس شأنًا خاصًّا بها وحدها، وإنما هو مُرتبِطٌ بك، ولا يجوز لك - سلَّمك الله - التقصيرُ في أمرها بالحجاب؛ لأنَّ ذلك تفريطٌ في المسؤولية المطلوبة منك في كل حالة؛ فأولُ واجبات القَيِّم وربِّ الأسرة هو تَهْذيب زوجتِه؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، قال مجاهد: "أَوْصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدِّبوهم"، وقال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، فقَوَامةُ الرَّجل على المرأة تَقْتَضي أن يَحُول بينها وبين عذاب الله، وهذا كما لا يَخْفَى عليك ليس بالأمر الهَيِّن، بل هي تَبِعَة ثقيلة رهيبة.


وتأمَّلْ رعاك الله ما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجلُ راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول)).


فالمنهجُ الإسلامي نظَّم البيوت، وأقامَها على أُسُس متينةٍ، حَمَّلَ فيها المؤمنين تَبِعة أهليهم، كما يُحمِّلهم تَبِعة أنفسِهم، وما يتطلَّبه مِن الجهد والاهتمام البالغ بتكوين المسلمة كي تستطيعَ أن تُنشِئ البيت المسلم؛ فالأمُّ هي مَن تُربِّي الأجيال وليس الرجل، وإدراك الزوج لثِقَل هذا الواجب يُعِينه على الاستعداد لبَذْل الجهد المباشر، والصبر عليه، فاستعِن بالله ولا تعجزْ، وأكثِرْ مِن قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلفظ (الحَوْل) يَتناول كل تَحَوُّل مِن حالٍ إلى حالٍ، و(القوة) هي: القدرةُ على ذلك التحول؛ "فدلَّتْ هذه الكلمةُ العظيمةُ على أنه ليس للعالَم العُلويِّ والسُّفليِّ حركةٌ وتحوُّل مِن حالٍ إلى حالٍ، ولا قدرة على ذلك إلا بالله"؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (5/ 574).


وقال أيضًا (10/137): "وليكن هجيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها بها تُحمَل الأثقالُ، وتُكابَد الأهوالُ، ويُنال رفيعُ الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب؛ فإن العبد يُستَجَاب له ما لم يَعجل، فيقول: قد دَعَوْتُ ودَعَوْتُ فلم يُستَجَب لي، وليَعْلَم أن النصر مع الصبر، وأن الفَرَج مع الكَرْب، وأن مع العسر يسرًا، ولم يَنَلْ أحد شيئًا مِن خَتْم الخير - نبيٌّ فمَن دونه - إلَّا بالصبر".


فاجتَهِدْ في إقناعها بالحُسنى؛ فإن اقتنعَتْ فالحمدُ لله، وإلَّا فيَجِب عليكَ إلزامها بالحِجاب الصحيح، ويجب عليها طاعتُك؛ فإن ذلك من القَوَامة التي جَعَلها الله لك، وإذا أصَرَّت على ذلك ولم تتمكَّن مِن إلزامها بالحِجاب؛ فقد ذَهَبَ البعض إلى وجوب فِراقها في تلك الحال، وإن كان الأَوْلى أن تستمرَّ في الصبر عليها، مع السَّعْي في إصلاحها بكل وسيلةٍ، والاجتهاد في إعانتها على تَقْوِيَة صِلَتها بربها؛ بمُصاحَبة الصالحات، وسماع المَوَاعظ النافعة، والاجتماع على الذِّكْر، وتلاوة القرآن... ونحو ذلك، مع الإلحاح في الدعاء لها بالهداية؛ فإنَّ الله قريبٌ مجيب، واحتسِب الأجرَ عند الله وأبشِر؛ ففي الصحيحَيْن عن سهل بن سعدٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فواللهِ لأن يَهْدِيَ الله بكَ رجلًا خيرٌ لك مِن أن يكون لك حمرُ النعم))؛ متفَق عليه.


وأخيرًا أخي الكريم، احذَرْ أن يَدْفعك حبُّها إلى الوقوع في مخالفة الشريعة؛ كالسَّفَر بها إن كان مشتَمِلًا على ما حرَّمه الله تعالى، ووطِّنْ نفسَك على ألا تُقدِّم رضا أحدٍ ولا طاعته ومحبته على رضا الله وطاعته ومحبته؛ فمحبةُ الله ورسوله مُقدَّمتان على محبة كلِّ شيء؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، وهذا الوَعِيد الشديد والمَقْتُ الأكيد لِمَن كان شيءٌ مِن هذه المذكورات أحبَّ إليه مِن الله ورسولِه، وعَلَامةُ ذلك سلمك الله عند التَّعارُض؛ فيَعرض أمران: أحدُهما يحبُّه الله ورسوله، وليس للنفس فيه هوى، والآخَر: تحبُّه نفسُه وتشتهيه، ولكنه يُفوِّت محبوبًا لله ورسوله أو ينقصه، فمَن قدَّم ما تهواه نفسُه على ما يحبه الله كان ظالمًا، تاركًا لما يجب عليه.


أصلحَ الله زوجَك، ورزقَنَا وإياك إيمانًا صادقًا