إثبات النفس لله عز وجل

ونقر بأن لله نفسًا لا كالنفوس بقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقوله وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي وروى البخاري بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ونقر بأن الله على العرش استوى.


--------------------------------------------------------------------------------


نعم، وهذا فيه إثبات النفس لله عز وجل، فيه إثبات النفس لله وأن لله نفسا لا كالنفوس لا كنفوس المخلوقين، لا تشبه نفوس المخلوقين، الدليل على أن لله نفسا أدلة من القرآن ومن السنة، من القرآن: ذكره المؤلف قوله تعالى: " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ " إذن فيه إثبات النفس لله، وقول الله تعالى خطابا لموسى: "وَاصْطَنَعْتُك لِنَفْسِي " فيه إثبات النفس لله.

ومن السنة: الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ) وبقية الحديث: (وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه) إذن فيه إثبات إيش؟ إثبات صفة النفس، الشاهد قوله: (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ) .

وفيه إثبات صفة المعية قوله: ( وأنا معه إذا ذكرني) إثبات صفة المعية لله، والمعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة. معية عامة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ومعية خاصة للمؤمنين والأنبياء. والفرق بين النوعين أن المعية العامة عامة للمؤمن والكافر وتأتي في سياق المحاسبة والمجازاة والتخويف في قوله تعالى: "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " هذا التهديد " إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" وقوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " هذه عامة للمؤمن والكافر "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " ثُمَّ قَالَ " وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" هذا التهديد.

أما المعية الخاصة فهي خاصة بالمؤمن وتأتي في سياق المدح والثناء مثل قوله: (وأنا معه إذا ذكرني ) هذا في سياق المدح الله تعالى مع الذاكر معية خاصة بالذاكرين، وقوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " معية خاصة، ومثل: " لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، قوله لموسى وهارون: "إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " معكما، ولما دخل معهما فرعون جاءت المعية العامة " إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ " المعية العامة مقتضاها الإحاطة والعلم والاطلاع ونفوذ المشيئة قوله: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ " يعني محيط بكم ويعلم ما أنتم عليه.

وأما المعية الخاصة فمقتضاها الحفظ والتأييد والنصر والتوفيق والتسديد؛ لقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" "إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" .

فالمعية صفة من صفات الله وهي نوعان: عامة للمؤمن والكافر وتأتي في سياق المحاسبة والتخويف والجزاء ومقتضاها الإحاطة والعلم والاطلاع ونفوذ القدرة والمشيئة، وخاصة بالمؤمن وتأتي في سياق المدح والثناء، ومقتضاها الحفظ والتأييد والنصر والكلام. نعم.
المصدر :شرح كتب الاعتقاد لابن الفراء لفضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي