اعتقاد شيخ الإسلام ابن تيميةوموقف متأخري الحنابلة منه للشيخ محمد بن عبد الواحد
الحمد لله وحده..
هذه تغريدات فيما يتعلق باعتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية وموقف متأخري الحنابلة منه
كتبتها لشيوع الكلام فيها من بعض الناس= إما بهوى، أو بجهل وعدم تحقيق، أو باغترار ببعض المغرضين بلا تنبه لحالهموالذي أقوله قبل ذكر هذه التغريدات:
إنه لا تصح حنبلية أحد من زمان ابن تيمية إلى أن يرفع القرآن: لا يعظم ابن تيمية ولا يقدره قدره.)١(المذاهب الأربعة مذاهب فقهية وليست طرقا عقدية
فلا ينسب لإمام المذهب طريقة في الاعتقاد أو السلوك لانتساب بعض أتباعه لها= فأبو حنيفة ليس معتزليا وإن كان أساطين المعتزلة حنفية، ولا كان الشافعي أشعريا صوفيا لكثرة ذلك في متأخري أصحابه
ومثل هذا يقال في سائر المذاهب = فمن يزعم أن تقرير فلان أولى بنسبته لأحمد بن حنبل من تقرير غيره، بلا مرجح علمي = فهو مخطئ= واختيارات أبي يعلى وأبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني وغيرهم ممن عاصرهم أو أتى بعدهم: ليس شيء منها أولى بالمذهب من حيث هي= ولا واحد من هؤلاء يمثل اعتقاده اعتقاد الإمام أحمد واختياراته اختياراته دون مخالفيه.شيوع كتاب ما في التدريس في علم ما لا يدل على أن كل ما فيه هو المعتمد عند أرباب الفن وأصحاب المذهب
وأمثلة هذا كثيرة جدا= فمعتمدات التدريس في الفقه غير معتمدات الفتيا والقضاء
فالزاد مثلا ليس كل ما فيه معتمد المذهب، مع أن مؤلفه وكتابه الآخر الإقناع عمدة المتأخرين= وهذا ليس في الفقه فحسب؛ بل في الأصول واللغة وغير ذلك.
ولذلك فالورقات في الأصول فيها ما فيها من قصور وهي معتمدة في التدريس، والآجرومية فيها ما فيها من نقص وهي كذلك في التدريس، واللامية والمقصود في الصرف.
وهذا باب واسع= فمن المغالطة أن يقال: إن كتاب عبد الباقي الحنبلي مثلا يمثل اعتقاد الحنابلة بكل ما فيه لمجرد شيوع تدريسه في حقبة ما أو أقاليم معينة= ثم يعارَض بهذا إمام كابن تيمية وترد تقريراته لمخالفة عبد الباقي وأضرابه! هذا لو سلمنا أن تقريرات عبد الباقي في معظم مسائل الاعتقاد وخصوصا الصفات تخالف تقريرات ابن تيمية، وإلا فهذا غير مسلَّم= بل هي توافقه غالبا وينقل عنه ويعتمد أقواله.
لكن الشأن أن نفس هذه المعارضة مسلك غير علمي=
وليس المقصود هنا النقاش التفصيلي لما حواه كتابه أو كتاب ابن حمدان من قبله أو ابن بلبان من بعده= ثم إذا قيل: المتأخرون خالفوا ابن تيمية في مسائل عقدية فليس هو ممثلا لمذهب أحمد في الاعتقاد؟
قلنا: بعد استصحاب ما قدمناه من الكلام، ها هنا أمور:
أولا: رتبة ابن تيمية في المذهب وفي غيره؛ فوق رتبة كل من أتى بعده، باعترافهم أنفسهم، ولا يخالف في هذا شخص يدري ما يقول ومعرفة ابن تيمية بنصوص أحمد وهضمه لكلامه ومذهبه وطريقته وصدقه فيما ينقله أمر لا يجادل فيه عاقل.وإذا كان المرداوي ينتقد ابن مفلح والحارثي لو خالفا الموفق في أمر متعلق بالنقل عن أحمد، ويقول: إن للموفق من الاطلاع ما ليس لهما. والخلوتي يعنف الحجاوي لاعتراضه على المرداوي
فكيف يعارَض ما ينقله ابن تيمية بمتأخري المتأخرين هؤلاء، أن لو كانوا يعارضونه أو يخالفونه أصلا!
ثانيا: تعظيم هؤلاء المتأخرين لابن تيمية كما لم يعظموا معاصرا له ولا جائيا بعده= أمر مستفيض مشهور، وكتبهم غاصة بالثناء عليه وعلى ديانته والتسليم بإمامته وسعة علومه ودرايته، والدفاع عنه، وذكر اختياراته والاحتفاء بها، حتى مع مخالفتها معتمد المذهب في الفقه عندهم كثيرا.
وتلقيبُه بالشيخ بعد أن كان لقبَ الموفق عند من سبقهم، وغير ذلك كثير، وإضفاء ألقاب التفخيم والتبجيل عليه، وإفراد سيرته بمصنفات، والثناء على اعتقاده ونصرته مذهب السلف..
كل هذا مشهور مستفيض= وليس فيه منازع واحد من الحنابلة من وفاة ابن تيمية إلى زماننا
ولم يقل أحد منهم إن ابن تيمية خالف اعتقاد أحمد، أو نسب له ما لا تصح نسبته إليه، ولا حذروا من اختياراته ولا من شيء منها أصلا، بل من ألف في الاعتقاد منهم أثنى على الشيخ، ونقل عنه، والسفاريني -مثلا- لم ينقل في شرح نظمه عن أحد ما نقل عن ابن تيمية، ثم ابن القيم، ولم ينتقد قولا لهما مرة واحدة! فكيف يفعل هذا هو والمتأخرون مع من يخالف اعتقاد أحمد لو صحت هذه المخالفة؟! وهل هذا منهم إلا تلبيس؟!
وما سطوة ابن تيمية وأتباعه في ذاك الزمان= وليس هناك وهابية ولا سعودية؟!
بل إن من عارض الوهابية من الحنابلة لم يعارض ابن تيمية وابن القيم، ولا طعن في اعتقادهما ولا في اختياراتهما= مع انتساب الوهابية للشيخين وتعظيمهم لهما ودعواهم أن ما يقررونه هي أقوالهما.فأين في كلام عالم حنبلي واحد من زمان ابن تيمية إلى زماننا: الطعن في الشيخ أو في اعتقاده أو علمه وإمامته أو صدقه في النقل عن أحمد؟!
ثالثا: المتأخرون الذين هم عمدة المذهب ليس لهم مؤلفات عقدية.
فلا ابن مفلح ولا المرداوي، ولا الفتوحي ولا الحجاوي، ولا البهوتي، وكتبهم مليئة بما ذكرناه من تعظيم الشيخ والاحتفاء باختياراته والثناء على معتقده ومسلكه.
ومن بعدهم أو من عاصر بعضهم لما ألف في الاعتقاد= فعل ما ذكرناه من النقل عن الشيخ وتعظيمه، وليس هناك حرف واحد في انتقاد اختيارات الشيخ واعتقاده.
رابعا: حين يقال: كتب المتأخرين العقدية -بعد من ذكرنا من أن كبار أئمتهم لم يؤلفوا في ذلك-فمرعي وعبد الباقي وابن بلبان وعثمان والسفاريني وابن سلوم= لم يقع منهم إلا تعظيم الشيخ والنقل عنه، ولم ينتقدوه مرة واحدة، وبعضهم كعثمان يقرر كلامه بالحرف الواحد ولا ينقله عنه= والسفاريني قد ذكرت حاله، وابن سلوم اختصر شرح السفارينية وما خالف، وعبد الباقي نقل عن ابن تيمية، وتقريراته في الصفات لا تخالفه، ومرعي له من تعظيم الشيخ والثناء عليه وعلى اعتقاده وإمامته ما لم يقل مثله في أحد من أئمتنا؛ بل أفرد مصنفا في ترجمته والثناء عليه!وأما بعض مسائل، نحو التعليل والتحسين والتقبيح والقوة المودعة؛ فهم يصرحون في كتب الأصول بأن اختيار ابن تيمية فيها منسوب للمذهب؛ خالفوه أو وافقوه.واختاره جمع من كبار أئمتنا قبل ابن تيمية، وابن تيمية يذكر فيها الخلاف بين أهل السنة وأهل الحديث!لكن الكلام الأهم هو المتعلق بالصفات، وفيها ما ذكرته آنفا.
وأما لماذا لم يدرسوا كتب ابن تيمية العقدية؟
فالجواب: أن اختيار كتاب ما للتدريس له معايير تختلف عن معايير اعتماده للفتيا والقضاء وغير التدريس كما بينت من قبل. وكتب ابن تيمية كالواسطية والحموية والتدمرية؛ ليست كتبا شاملة لمسائل الاعتقاد كلها، بل منها ما هو فتيا، ومنها ما هو مخصوص بباب يستفيض فيه، واعتماد التدريس له معايير مختلفة، فليس الشأن: لماذا لم يدرسوا كتبه؟
وإنما الشأن:هل ردوا ما حوته كتبه أو انتقدوه أو كُتبَه؟
والجواب قد سبق ذكره، ثم بعد كل ما ذكرناه؛ إن أصر مصر على أن المتأخرين خالفوا ابن تيمية في الاعتقاد، مع ما يلزم على ذلك من لوازم لا يدركها عقله = فيقال له: هل سوغوا خلافه فيما خالفوه فيه، أو أنكروه وبدعوه؟
الجواب قطعا: هو الأول.
فدارت طريقتهم بين موافقته وتسويغ خلافه، فماذا بقي؟!
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه، ورضي الله عن أئمتنا..)
٢سبقت الإشارة أمس إلى أن متأخري أصحابنا عظموا ابن تيمية ولم يخطئوه في اختياراته العقدية وإن خالفه بعضهم
وبعضهم يقرر ما يقرره إما بلا نقل= كعثمان بن قائد في (نجاة الخلف)، فإنه قرر ما قرره ابن تيمية في التدمرية وغيرها من كتبه
وإما ينقلون عنه كعبد الباقي في (العين والأثر)، فإنه رد على الأشعري تأويله الاستواء
ثم نقل كلام الإمام مالك المشهور
ثم قال: (وأما قوله: "والكيف مجهول" فالجهل بالكيف لا ينفي علم ما قد علم أصله، كما نقر بالله ونؤمن به ولا نعلم كيف هو).
ثم قال عبد الباقي: (أشار إلى ذلك ابن تيمية في بعض رسائله).
فانظر كيف احتج بابن تيمية في تقريره التفويض، ولم يجئ حرف واحد عن معتبر بعد ابن تيمية يخطّئ فيه ابنَ تيمية في تقريره مذهب أحمد في الإثبات والتفويض
بل السفاريني أكثر النقل عن ابن تيمية في هذا الموضع ونحوه ولم يتعقبه.
وأما معارضة تقرير ابن تيمية بتقرير ابن حمدان = فعجيب
فابن تيمية المسلّم له سعة الاطلاع ومعرفته التامة بنصوص أحمد ورواياته، وأمانته في النقل ودقته في العزو، لم يقل أحد من أصحابنا فيه غير ذلك
ولم يقولوا في كتاب له إنه غير محرر، مع كثرة كتبه جدا وكونه يكتب كثيرا من حفظه ، ومع ذلك فكل مصنفاته معتبرة محررة ، بل ينقلون تقريره الفقهيات حتى من كتب كمنهاج السنة ، فكيف يعارض هذا ببعض تقارير ابن حمدان
الذي مع جلالته واستفادة الأصحاب منه ونقلهم الكثير عنه؛ قال فيه ابن مفلح في الفروع بعد نقل بعض كلامه: (وهذا وأمثاله لا عبرة به، وإنما يؤخذ منهما [يعني: الرعايتين لابن حمدان] بما انفرد به بالتصريح، وكذا يقيد في موضع الإطلاق، ويطلق في موضع التقييد، ويسوي بين شيئين المعروف التفرقة بينهما وعكسه، فلهذا وأمثاله حصل الخوف وعدم الاعتماد). انتهى
فهل قيل شيء من هذا في كتاب واحد لابن تيمية؟ أو قيل بعد نقل له أو تقرير:لا عبرة بكلامه!
فقد جعل الله لكل شيء قدرا
ولذا نقلت آنفا كلام ابن قندس وتعجبه كيف يرد تقرير ابن تيمية لخط أبي حفص= فمن رد تقارير ابن تيمية النحرير، بكلام ابن حمدان الذي وصفت كتبه بعدم التحرير فهو مغالط
وهذا لا يمنع كما ذكرت: أن الأصحاب ينقلون عنه ويفيدون منه=لكن عند الترجيح والجلالة فلا مقارنة
ويبقى أنه ما من إمام إلا وخالفه المتأخرون في بعض تقاريره
الخرقي وأبو يعلى وأبو الخطاب والمجد وابن قدامة وابن تيمية وابن رجب وابن مفلح والمرداوي نفسه.
فنفس المخالفة واستقرار المذهب على خلاف بعض آراء أحد هؤلاء= لا إشكال فيه ولا مطعن؛ إذ معتمد المذهب أمر اصطلاحي، لا يعني خطأ خلافه، ولا يعني الطعن في من خالفه المتأخرون
بل صرحوا أن كل واحد من هؤلاء ونحوهم إمام صاحب وجه ويصح تقليده
وإنما الشأن: هل حين خالفوه أنكروا عليه أو بدعوه أو لم يسوغوا خلافه؟!
هذا ما لم يقع شيء منه مع ابن تيميةبل إن أعظم ما يمكن انتقاد ابن تيمية فيه والزعم أنه خالف فيه المذاهب الأربعة أو خالف الإجماع، وهو اختياره في الطلاق الثلاث والحلف.والحلف بالطلاق= جزم مرعي في الغاية بجواز تقليد ابن تيمية فيه، وهو قد خالف المذهب رأسا بل والمذاهب الأربعة كلها
فأي شيء بعد هذا من الإجلال له.وحينئذ فلا اعتماد كتاب فيه ما يخالف بعض تقاريره، ولا اختيار بعض المتأخرين خلاف الشيخ في مسائل= يؤثر في إمامته ورتبته واعتماد اختياراته ونقولاته.وفي هذا القدر كفاية
وإن كان المقام يستدعي مزيد تفصيل ونقولات.
والله يسلك بنا سبيل أئمتنا ويلحقنا بهم بمنه وكرمه ولا يجعل في قلوبنا غلا لهم..)
٣(هذه تتمة للتغريدات السابقة حول اعتقاد شيخ الإسلام ابن تيمية وموقف المتأخرين منه
سأضعها تباعا يصلها علامة: =لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية شخصية عادية، أو ذات حضور يسير، أو أثر سهل فيمن تلقى عنه أو عاصره أو أتى بعده بل كان ملء الدنيا وشغل الناس= من حياته إلى يومنا هذا، فليس هو عالما عاديا لا من حيث الشخصية ولا الملكات ولا التأله ولا المصنفات ولا التلاميذ ولا المشروع المتكامل والرؤية الكلية= ولو كان هذا الرجل في أمة غير هذه الأمة لجعلوه قديسا، فهو أحد العباقرة الأفذاذ والفلتات التي لا يجود الزمان بمثلها إلا نادرا!وليس القصد هنا الترجمة للشيخ، ولا ذكر أثره الضارب بجذوره المغدق بثماره في عامة العلوم الشرعية وما تعلق بسبيلها، ولكن المقصود مزيد تجلية لأثره في مسيرة المذهب الحنبلي وعلى أئمة الحنابلة من بعده.فأنت واجد حضوره قويا وذكره ظاهرا في طبقة متقدمة من تلامذته، وحتى من لهم منهم مخالفات عديدة لمشربه كالطوفي، هذا غير وارث علومه ومهذبها ابن القيم، وأفقه تلامذته بل أحد أفذاذ فقهاء جيله ابن مفلح.والواحد من هؤلاء لن ترى ذكرا لأحد من مشايخه واختياراتهم في كتبه كما ترى ذكر شيخ الإسلام واختياراته.ثم تمر بالزركشي وابن اللحام وابن رجب وابن مفلح الحفيد والمرداوي، وغير هؤلاء من فحول علماء القرن الثامن والتاسع، ثم من بعدهم من علماء الحنابلة في القرون المتعاقبة لا يستثنى من ذلك أحد، كلهم ينقل أقواله ويحتفي بها وإن خالفت المذهب، وكلهم يعظم الشيخ ويجله ويعترف له بالتقدم والإمامة الفذة بما لم يحصل لمعاصر لابن تيمية ولا لأحد من شيوخه ولا تلامذته، ولا أحد ممن أتى بعده أصلا.
لكن اللافت للنظر هنا أمر:أن على مدرسة شيخ الإسلام ومعظميه استقر المذهب، بحيث يمكن أن يقال هنا للشانئين والحاقدين ما قاله سبط ابن العجمي المعروف بالبرهان المحدث للتقي الحصني -لما دخل التقي إلى حلب ولم يتوجه البرهان لزيارته لسبب ما فتحامي قصده،فما وسع الحصني إلا المجيء إليه فوجده نائما بالمدرسة الشرقية، فجلس حتى انتبه ثم سلم عليه، فقال له: لعلك التقي الحصني! فقال: أنا أبو بكر. ثم سأله عن شيوخه فسماهم له-، فقال له: إن شيوخك الذين سميتهم هم عبيد ابن تيمية أو عبيد من أخذ عنه، فما بالك تحط أنت عليه! فما وسع التقي إلاّ أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر يرد عليه!ونفس هذا يقال لكل زاعم أنه حنبلي وفي نفسه شيء على ابن تيمية: وهل أحد ممن تأخذ المذهب من كتبهم من المتأخرين وتستكثر بأقوالهم= إلا عبيد ابن تيمية أو من أخذ عنه!ولذا قلت:لا تصح حنبلية أحد حتى يعظم ابن تيمية ويصحح معتقده، وإلا كان دعيا، وهذا حتى لو خالفه في مسائل أصلية وفرعية= فما ادعى أحد أن ابن تيمية معصوم، وقد عارضه ابن رجب في مسائل، وفي توسعه في الرد على الفلاسفة والمتكلمين، وكذا فعل الذهبي، مع تعظيمهما التام له= ولم يقولا إنه ابتدع في اعتقاده أو أخطأ فيما ينسبه لأحمد والأئمة، أو يقولا ما يقوله بعض الأغرار المعاصرين تلطفا= إن لوازم أقواله باطلة لكنه لم يلتزمها، وإنما هم يطنطنون ولا يفقهون لازما ولا ملزوما.فالمقصود: أن هؤلاء الفحول من أئمة الحنابلة المعظمين للرجل المترجمين له الناقلين عنه المعتنين بأقواله= لم يأت عنهم حرف واحد في تخطئته عقديا ولا حتى باللازم من أقواله، ولا حذروا من قول عقدي له مطلقا، بل منهم من صرح كالبهوتي: أنه نصر مذهب السلف على مذهب المتكلمين وأيده الله عليهم وأنه بريء من البدع كلها، فأي شيء يراد بعد هذا؟!ولنرجع إلى ما كنا نقرره، وهو أن مدرسة شيخ الإسلام من تلامذته وتلامذة تلامذته والمعظمين له والناقلين أقواله؛ هم من استقر المذهب عليهم وعلى ترجيحاتهم؛ فالمنتهى والإقناع فرعان للمرداوي، وللإقناع مزيد توسع، ومؤلفه ينقل في متنه عن الشيخ كثيرا ولا يفعل هذا مع غيره، ويلقبه دون غيره بالشيخ= مع أن هذا اللقب كان قبله يقال للموفق ابن قدامة رحمه الله.
والعلاء المرداوي من أكثر الناس تعظيما للشيخ ونقلا لأقواله بما ليس موجودا بيننا في مصنفات الشيخ المطبوعة كلها، وما من مسألة للشيخ فيها اختيار في الفروع ولا في الأصول إلا يذكرهثم لو نظرت في أهم عالم اعتمد عليه المرداوي في تصحيح المذهب فهو ابن مفلح، وهو تلميذ ابن تيمية المباشر والمعظم له والناقل لأقواله والناشر لها في (فروعه) و(أصوله) و(آدابه)!
وكذلك ابن رجب وابن قندس، والأول فرع من فروع ابن تيمية فهو تلميذ ابن القيم، وترجمته للشيخ حافلة وإن خالفه في مسائل وانتصر للمذهب، فليس الكلام في المخالفة، بل هذه من مميزات ابن مفلح وابن رجب والمرداوي.وحينئذ فالمذهب إنما استقر على كتب واختيارات وتصحيحات تلامذة الشيخ ومعظميه والناقلي أقواله، فأي شيء بقي لشانئ أو منكِر أو من يرى بدعية أقوال الشيخ ولو باللازم؟!
فمن كان كذلك فليبحث له عن مذهب آخر فليس له عند الحنابلة مكان، ولو تمسح بما تمسح وتسمى بما تسمى وتلقب بما تلقب، فلا توضع فوق الرؤوس النعال، وليس يبغض ابن تيمية الرجال.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله.