ملخص السؤال:
سيدة كانت متزوجة من رجل وطلقها، ثم تزوجتْ من رجل خلوق وصاحب دين، وتسأل: هل طلاقي ابتلاءٌ ليغفر الله لي ذنوبي؟ أو عقاب لي على ذنوبي؟ وهل سيُعاقبني الله لأني كنتُ أغضب مِن طليقي؟
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا لا أقول عن نفسي: أنا مَلاكٌ؛ فأنا بشرٌ أُخطئ وأُصيب، كنتُ متزوِّجة مِن رجلٍ مُقيم في الخارج، ودام زواجي سنة، وكنتُ أحبه، ولم أُرِد الطلاق.في المدة التي كنتُ فيها زوجتَه كان يحدُث بيننا سُوء تفاهُم كأيِّ زوجَيْن جديدَيْن، لكنه كان سريعَ الغضب؛ كان كلما جرى بيننا خلافٌ حكاه لأحدِ أقاربي - وهو صديقه أيضًا - فكان ينصحه بأنه لا يجبُ عليه أن يُخرِجني كل يوم، وأنه لا يجب عليه أن يشتريَ لي الملابس بكثرةٍ، وما أشبه ذلك، علمًا بأن زوجي كان يؤكد عليَّ ألا أحكيَ أي شيء يحدُث بيننا لأحدٍ، وأن مشاكلنا يجب أن نحلَّها معًا!بعد ذلك اتهمني اتهاماتٍ شنيعةً جدًّا، وكان يُصَدِّق أي شيءٍ يُقال عني، ثم طلَّقني بعد ذلك دون سبب بيِّنٍ، ثم زوَّجني أخي لأحد أصدقائه، وابنتي مِن طليقي تُريد زيارة أبيها باستمرار.فهل طلاقي ابتلاءٌ؛ ليغفر الله لي ذنوبي، أو عقاب لي على ذنوبي؟ وهل سيُعاقبني الله على أنني كنتُ أغضب مِن طليقي هذا في بعض الأحيان؛ مع أني كنتُ أطلب منه السماح ويقبل؟!وهل طلاقي مِن الممكن أن يكونَ خيرًا لي لأني ربما لم أكنْ لأعيش معه عيشة حسنة، خاصة أنه كان يُصَدِّق كل شيء يُقال عني وهو في الأصل كذبٌ؟! وهل عليَّ ذنبٌ لأني في بعض الأحيان كنت أفكِّر في طليقي هذا؛ فقد أحببتُه كثيرًا، وعملتُ كل جهدي لكيلا ننفصل؟!أريد نصائحكم لكي أحافظَ على زوجي الثاني؛ فهو - والحمد لله - ذو خُلُق ودين، ولا أظنُّ أن يصلَ به الحد أن يتَّهمني مثل الأول بدون دليلٍ، إلا أنني خائفة أن يأتيَ يومٌ ويندم زوجي الثاني على زواجه مني؛ لأنني لستُ بكرًا، وعندي أولاد.
وبارك الله فيكم

الجواب

وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته.قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "ومِن رحمتِه أن نغَّص عليهم الدنيا وكدَّرها؛ لئلَّا يسكنوا ولا يطمئنُّوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره؛ فساقهم إلى ذلك بسياطِ الابتلاء والامتحان؛ فمنعهم ليعطيَهم، وابتلاهم ليعافيَهم، وأماتهم ليحييَهم". (إغاثة اللهفان مِن مصايد الشيطان).فكلُّ ابتلاءٍ يقَع للمؤمن، ويشتد عليه، ويُنغِّص عيشه، ويُكدِّر صفْوَه، رغم كل ما يظهر فيه مِن شر مُبين وألم عظيم؛ إلا أنَّ الخير بباطنِه، والسعادة بين طياته، ولا يستشعر ذلك، ولا يُدرك تلك الرحمة إلا ثلة قليلة ممن اصطفاهم الله واختصَّهم، وآتاهم من العلم والحكمة ما لم يؤتِ غيرهم من الناس.تسألين: "هل طلاقي ابتلاء ليغفر الله لي ذنوبي؟ أو عقاب لي على ذنوبي؟".يجيبكِ على ذلك ابن تيميَّة - رحمه الله -: "فإنَّ الله يبتلي بالحلوِ والمُر؛ كما قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168].فمَن ابتلاه الله بالبأساء والضراء، وقدَر عليه رزقَه؛ فليس ذلك إهانةٌ له، بل هو ابتلاء، فإن أطاع الله في ذلك كان سعيدًا، وإن عصاه في ذلك كان شقيًّا، كما كان مثل ذلك سببًا للسعادة في حق الأنبياء والمؤمنين، وكان شقاء وسببًا للشقاء في حق الكفار والفجار.وقال تعالى: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]"؛ اهـ.فما مِن ابتلاء يُقَدِّره الله على عبده المؤمن الصابر إلا كان خيرًا له، ولو عَلِم عِظم أجرِه وجزاء صبرِه؛ لهان عليه كلُّ ألم، وصغرتْ في عينه كلُّ بليَّة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))، وقال: ((ما يُصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب، ولا هَمٍّ ولا حَزَن، ولا أذى ولا غَمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها؛ إلا كفَّر الله بها من خطاياه))، كلُّ هذه بشاراتٌ نبويَّة تُثلج صدور المبتلَين، وتمحو ألم المتألمين، وتخفِّف أوجاع المُعذَّبين، فلتستبشري بها خيرًا، ولتحمدي الله في كل حين؛ فهو أرحم بكِ مما تظنين."هل الله سيعاقبني على أنني كنتُ أغضب مِن طليقي في بعض الأحيان؟".الله تعالى لا يحاسبنا على ما لا طاقة لنا به، فالغضبُ في حدِّ ذاته لا يستلزم الخطأ ولا يستدعيه إلا في حالة تمادي المرء معه، وإطلاق لسانه بما في قلبه، وتجاوز الحدِّ في فعله.وعلى كلِّ حال لا أرى داعيًا لكِ للتفكير في ذلك إلا من باب التعلُّم وتفادي مثل هذه التصرُّفات مع زوجكِ الحالي، وإلا فما حاجتُنا للتنغيص على أنفسنا، واجترار الذكريات الأليمة، ولوم النفس بما لن يفيد؟وأما عن ابنته ورغبتها في زيارة والدها أكثر مِن مرة في الأسبوع، فبإمكانها إخبار والدها بذلك عِوَضًا عنكِ، ولا داعي لإقحام زوجِته الجديدة في الأمر، بل إن الطفلة تستطيع أن تفعل ما تريد في تلك الزيارة، وأرجو ألَّا تُفكري في التواصل معه لأجل الطفلة؛ فقد يفتح ذلك بابًا من أبواب الشرِّ الذي لا طاقة لكِ به، وكل رجل تجد المرأة له مكانة في قلبها عن غير إرادة منها، فلا ينبغي لها التعرُّض له في أي موقف، ولا ينبغي لها التواصُل معه بأيِّ شكلٍ، ويحسن بها صرفُ التفكير عنه بقَدْر الاستطاعة، ولعل الله أن يجعلَ في زوجكِ الحالي خيرَ عِوَض لكِ عمَّا تعرضتِ له، وما لحق بكِ من أذى معه، وإن كان العجبُ يملأ قلبي حول محبتكِ له رغم أنه يضربكِ ضرب الدَّابَّة!فلْتحمدي الله أن مَنَّ عليكِ وأكرمكِ بهذا الزوج، ولترعي حقه، ولتحفظيه في حله وغيابه، ولتكوني له نِعْمَ الزوج.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل