ملخص السؤال:شابٌّ يسأل عن مَشروعية إغماضِ العينينِ في الصلاة، وهل هذا جائزٌ أو لا. تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا شاب عمري 17 عامًا، سمعتُ مِن بعض الناس أن إغماض العين في الصلاة محرم، فهل هذا الكلام صحيح؟ علمًا بأني أغمض عيني لأنه يحققُ لي خشوعًا كبيرًا في الصلاة.

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فثَبَّتَك اللهُ على الحقِّ أيها الابن الكريم، ورزقنا وإياك الخشوع في الصلاة مع اتباع السنة المشرَّفة.إنَّ مَن تأمَّل سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم علِمَ يقينًا أنه كان يصلي وهو مفتوح العينين، كما رُوي عن عائشة: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى طأطأ رأسه، ورمى ببصره نحو الأرض؛ رواه الحاكم (ا/479)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافَقه الألباني في صفة الصلاة، وكان إذا جلس للتشهد يُشير بإصبعه التي تلي الإبهام إلى القبلة، ويرمي ببصره إليها، كما رواه ابن خُزيمة، وفي رواية: وأشار بالسَّبَّابة، ولم يجاوزْ بصرُه إشارته؛ رواه أحمد وأبو داود.فهل يُقال: إن إغماض العينين في الصلاة لِمَنْ يشعُر بمزيد خشوع مخالفٌ للسنة أو بدعة؟ أو إن المسألة فيها تفصيل، ومردها إلى أعلى المصلحتين، وأنَّ السُّنة عدم الإغماض، إلا إذا دعتِ الحاجة لتحصيل الخشوع؟!وقد حقَّق تلك المسألةَ شيخُ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى، فقال في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (1/ 283-285): "فصلٌ في كراهة تغميض العينين في الصلاة: ولم يكنْ مِن هدْيِه صلى الله عليه وسلم تغميضُ عينيه في الصلاة، وقد تقدَّم أنه كان في التشهُّد يُومئ ببصره إلى إصبعه في الدعاء، ولا يجاوز بصره إشارته.وذكَر البخاريُّ في "صحيحه" عن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كان قِرامٌ لعائشةَ سترتْ به جانب بيتها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أميطي عني قِرامك هذا، فإنه لا تَزال تَصاويرُه تَعرِضُ لي في صلاتي))، ولو كان يغمض عينيه في صلاته لما عرضتْ له في صلاتِه!وفي الاستدلالِ بهذا الحديث نظر؛ لأنَّ الذي كان يعرض له في صلاته: هل تذكُّر تلك التصاوير بعد رؤيتها؟ أو نفس رؤيتها؟ هذا محتملٌ، وهذا محتملٌ، وأبينُ دلالةٍ منه حديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خَميصةٍ لها أعلامٌ فنَظَر إلى أعلامِها نظرةً، فلما انصرف قال: ((اذهبوا بخَميصتي هذه إلى أبي جَهْمٍ، وأتوني بأنْبِجانِيَّةِ أبي جَهْمٍ، فإنها ألْهَتْنِي آنفًا عن صلاتي))، وفي الاستدلالِ بهذا أيضًا ما فيه؛ إذ غايتُه أنه حانتْ منه التفاتة إليها، فشَغَلَتْهُ تلك الالتفاتة، ولا يَدُلُّ حديث التفاتِه إلى الشعب لما أرسل إليه الفارس طليعة؛ لأن ذلك النظَر والالتفات منه كان للحاجة، لاهتمامه بأمورِ الجيش، وقد يدلُّ على ذلك مد يده في صلاة الكسوف؛ ليتناول العنقود لما رأى الجنة، وكذلك رُؤيته النار وصاحبة الهرة فيها، وصاحب المِحْجَن، وكذلك حديث مُدافعته للبهيمة التي أرادتْ أن تمرَّ بين يديه، ورده الغلام والجارية، وحجزه بين الجاريتين، وكذلك أحاديث رد السلام بالإشارة على مَن سلَّمَ عليه وهو في الصلاةِ، فإنه إنما كان يُشير إلى مَن يراه، وكذلك حديث تعرُّض الشيطان له فأخذه فخنقَه، وكان ذلك رؤية عين، فهذه الأحاديثُ وغيرها يُستفاد مِن مجموعِها العلم بأنه لم يكنْ يُغْمِضُ عينيه في الصلاة.وقد اختلف الفقهاءُ في كراهته؛ فكَرِهَهُ الإمامُ أحمد وغيره، وقالوا: هو فِعْلُ اليهود، وأباحه جماعةٌ ولم يكرهوه، وقالوا: قد يكون أقرب إلى تحصيل الخشوع الذي هو روح الصلاة وسرها ومَقصودها.والصوابُ أن يُقال: إن كان تفتيحُ العين لا يُخل بالخشوع، فهو أفضلُ، وإن كان يَحُول بينه وبين الخشوع لما في قِبلتِه مِن الزخرفة والتزويق أو غيره مما يُشوش عليه قلبه، فهنالك لا يكره التغميض قطعًا، والقولُ باستحبابه في هذا الحال أقربُ إلى أصول الشرع ومقاصده مِن القول بالكراهة، والله أعلم". اهـ.وقد ذكرتَ أيها الابن الكريم أنك إذا فتحتَ عينيك في الصلاة فقدتَ جميعَ الخُشوع الذي هو روح الصلاة، ومِن ثَم فتغميضُ العينين في حقك أفضل؛ لأنَّ مدار المسألة - كما قرَّره العلامةُ ابن القيِّم - على مراعاة مصلحة المصلي في تحصيل الخُشوع.
رزقنا الله جميعًا الاعتصام بالكتابِ والسُّنَّة