قبس من ((كتابي الصحيح من الترغيب والترهيب من الكتاب والسنة الجزء الثاني ص 481))
الترغيب في كِتَابَةِ العِلْمِ([1])
فالعلم صيدٌ والكتابة قيده، والقيد للعلم أمان ، فكم ضاع ما لم يُدوَّن ، لاسيما نوادر المسائل والتقسيمات والفوائد والتي تكون في غير مظانها ، فقد يندم بعد علي عدم كتابتها([2]) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ([3]).

قال أبوزكريا النووي في ((المنهاج11/85))
قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَيَنْقَطِعُ تَجَدُّدُ الْثوَابِ لَهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ وَهِيَ الْوَقْفُ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الزَّوَاجِ لِرَجَاءِ وَلَدٍ صَالِحٍ .
وَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَبَيَانُ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالْحَثُّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَالتَّرْغِيبُ فِي تَوْرِيثِهِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيفِ وَالْإِيضَاحِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْعُلُومِ الْأَنْفَعَ فَالْأَنْفَعَ وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاءَ يَصِلُ ثَوَابُهُ إِلَى الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَهُمَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا.
وَذَكَرَ الْقَاضِي تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ أَنَّ حَمْلَ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ عَلَى التَّأْلِيفِ أَقْوَى لِأَنَّهُ أَطْوَلُ مُدَّةً وَأَبْقَى عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ.
وقَالَ الْأَخْنَائِيُّ فِي كِتَابِ الْبُشْرَى بِمَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنَ الثَّوَابِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ هُوَ مَا خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ وَرِوَايَةٍ وَرُبَّمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ نَسْخُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَتَسْطِيرُهَا وَضَبْطُهَا وَمُقَابَلَتُهَ ا وَتَحْرِيرُهَا وَالْإِتْقَانُ لَهَا بِالسَّمَاعِ وَكِتَابَةُ الطَّبَقَاتِ وَشِرَاءُ الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ شَرْطُهُ أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ ([4]).


وقَالَ الطِّيبِيُّ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ تَقْدِيرُهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا يَنْقَطِعُ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ لَا يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ أَعْمَالِهِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْعَمَلِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بِمَوْتِهِ إِلَّا فِعْلًا دَائِمَ الْخَيْرِ مُسْتَمِرَّ النَّفْعِ مِثْلَ وَقْفِ أَرْضٍ أَوْ تَصْنِيفِ كِتَابٍ أَوْ تَعْلِيمِ مَسْأَلَةٍ يُعْمَلُ بِهَا، أَوْ وُلِدٍ صَالَحٍ، وَجَعَلَ الْوَلَدَ مِنَ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي وُجُودِهِ([5]).
للمزيد أنظر ((كتاب ال الصحيح من الترغيب والترهيب لأبي عبدالرحمن عيدبن أحمد فؤاد الجزء الثاني ص481))http://up.top4top.net/downloadf-top4...8a531-pdf.html


([1])تنبيه :
أخرج مسلم في صحيحه ((3004))عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنِّي، وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ - قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ قَالَ - مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. (لا تكتبوا عني)
قال القاضي كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث اكتبوا لأبي شاه وحديث صحيفة علي رضي الله عنه وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب وغير ذلك من الأحاديث وقيل إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما أمن ذلك أذن في الكتابة وقيل إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ] قاله النووي في ((المنهاج18/130))

([2])قاله شيخنا في ((أدب طلب العلم ))

([3]) صحيح أخرجه مسلم ((1631))

([4])حاشية السندي على سنن النسائي ((6/251))


([5])مرقاة المفاتيح ((عندحديث 203))