كيف نحفظ أولى ضروريات الإسلام؟

لا يكاد يختلف اثنان اليوم في مسألة شدة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها دين الله الحق (الإسلام)، من قبل أعدائه. لا أقول على الصعيد العقدي -الذي هو الأهم بالتأكيد- فحسب, بل على الصعيد الفكري والثقافي والتربوي أيضا. مستخدمين آخر ما توصل إليه العقل البشري من تقنية متطورة؛ وعلى رأسها الأخطبوط الأشد فعالية وتأثيرا في الآونة الأخيرة، ألا وهو الشبكة العنكبوتية "الإنترنت"، وما يسمى "وسائل التواصل الاجتماعي", بالإضافة لوسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء.

والحقيقة أن الحرب التي تشنها الصهيونية والصليبية العالمية منذ قرون على دين الله تعالى لم تهدأ يوما، أو تتوقف، كما يتوهم البعض! بل ها هي تشتد وتزداد ضراوة مع مرور الأعوام والسنون, باسم محاربة "الإرهاب"، الذي جعله أعداء دين الله مقرونا بالمسلمين من أهل السنة تحديدا؛ وإن كان مصدر الإرهاب الحقيقي في العالم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا!
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الحملة المجوسية الصفوية المعاصرة على دين الله وأهل السنة تحديدا, فإن أوار هذا الحرب المعلنة ضد دين الله الحق قد باتت مكشوفة, وإن آثار تكالب القاصي والداني على الإسلام أضحت مقروءة ومسموعة ومنظورة, ويكفي ما يحدث في كل من سورية والعراق وفلسطين.. وغيرها دليلا على ذلك.

وإذا كنا كمسلمين موقنين بحقيقة حفظ الله تعالى لدينه: ((إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))، الحجر: 9, ومؤمنين بحماية الله له من أي تحريف أو تبديل أو تغيير, فإن هذا لا يعني ترك الواجب المتمثل بتطبيق أوامر هذا الدين، واجتناب نواهيه, والالتزام به على أرض الواقع, والدعوة إليه, وإقامة الحكم على أساس تشريعاته, والذود والذب عن أحكامه, والجهاد من أجل إعلاء كلمته, ورد كل ما يخالفه, وردع كل من يستهزأ به أو يرتد عنه.

لقد استنبط علماء المقاصد الوسائل التي يمكن من خلالها حفظ أولى ضروريات الإسلام (الدين), معتبرين أن مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة مرتبطة بحفظ الدين, فمع حفظ الدين يمكن حفظ بقية المقاصد, ومع ضياع الدين أو فواته تفوت بقية المقاصد وتضيع.
وإذا كانت وسائل حفظ الدين معروفة ومبثوثة في كتب المقاصد والأصول, إلا أنه لا بد من تناولها بما يتناسب مع التطور الرهيب الذي طرأ على ما تملكه الأطراف المعادية للإسلام من وسائل حديثة, والتي يأتي في مقدمتها الإعلام والتطور التقني الغربي في مختلف مجالات الحياة.

ومن خلال ما سبق يمكن الإجابة عن كيفية حفظ أولى ضروريات الإسلام "الدين" بما يلي:

العمل بمقتضى أوامر ونواهي هذا الدين الحنيف: والذي سيكون له بلا شك أثر كبير في حفظه, فالدين ليس ألفاظا نحفظها أو نرددها فحسب, بل هو بعد الاعتقاد بالجنان والتلفظ باللسان عمل بالجوارح والأركان, ومرحلة العمل هي الأهم بطبيعة الحال, حيث إنها تجسد حقيقة الإيمان في القلب, وتبرهن على مدى صدق تلفظ اللسان بشهادة الإيمان.
وإذا كانت أوامر الدين منها العيني ومنها الكفائي, فإن عمل المسلمين بكلا الفرضين على الوجه الصحيح المطلوب سيكون له كبير الأثر في حفظ هذا الدين. كيف لا وإقبال كثير من غير المسلمين على هذا الدين إنما كان بأثر التزام بعض المسلمين بأوامر ونواهي هذا الدين, بينما كان عدم العمل والالتزام من البعض الآخر من المسلمين السبب الأهم في إحجام ونفور كثير من غير المسلمين عن اعتناق هذا الدين.

إن دور العمل بالدين في حفظه لا يحتاج إلى كثير من الأدلة لإثباته. فالتاريخ يؤكد أن السلف الصالح حين كانوا أنموذجا في تطبيق تعاليم الإسلام, ومثالا في الالتزام بأوامر هذا الدين ونواهيه, كان الدين محفوظا قويا يدخل الناس فيه أفواجا, وحين حصلت الفجوة بين الدين كألفاظ وتعاليم وبين العمل به من قبل المسلمين كان ذلك إيذانا بمرحلة جديدة من تجرئ أعداء الإسلام على دين الله, مستشهدين بتخلف المسلمين وتقصيرهم في الالتزام بما يدعون إليه ويبشرون به الناس.


ولا يفوتني هنا التنويه والتأكيد على التفريق بين الإسلام كدين، وبين مدى التزام المسلمين به, أما الإسلام كدين فهو تام وكامل، ولا يحتمل الخطأ أو التشكيك, وأما عمل المسلمين بمقتضى هذا الدين فهو الذي قد يقع فيه خطأ أو تقصير أو ما شابه ذلك, وهو في الحقيقة المعنى المقصود من ارتباط حفظ الدين بمدى التزام وعمل المسلمين بمقتضاه.

كما لا يفوتني التنويه –أيضا- بأن المقصود من العمل بمقتضى الدين الإسلامي هو الدين كله بعقيدته الصحيحة, وعباداته الشعائرية والتعاملية وسلوكياته الأخلاقية..الخ, وليس المقصود بتطبيق الدين مجرد أداء الشعائر التعبدية من صلاة وزكاة وصيام فحسب، على أهميتها ومكانتها في الإسلام، كما يفعل بعض المسلمين اليوم, فلا يظهر أثر العمل بالإسلام كعامل من عوامل حفظ الدين إلا إذا كان متكاملا لا يستثن جانبا من جوانبه.
ا
لحكم بدين الله: الذي يعتبر من الوسائل المهمة لحفظ أولى ضروريات الإسلام, حيث إن وجود الحاكم المسلم الذي يطبق أحكام الشريعة الإسلامية على المجتمع, ويصبغ الحياة العامة في بالصبغة الإسلامية, ويجعل الإسلام هو المهيمن على جميع مؤسسات الدولة المعاصرة.. يساهم بشكل كبير في ترسيخ مفاهيم الدين الحنيف في النفوس, ويسد الباب على أهل البدع والأهواء والتيارات الفكرية الهدامة من أن تجد لها آذانا صاغية أو مكانا في المجتمع.


والحقيقة أن غياب هيمنة أحكام الإسلام على كثير من الدول الإسلامية في هذه الأيام, واعتماد الكثير من تلك الدول على القوانين الوضعية الغربية.. قد ساهم بشكل كبير في انتشار الكثير من الأفكار المنحرفة, وتغلغل الفرق والحركات الضالة, ناهيك عن تسلل الفكر الإلحادي إلى عقر ديار الإسلام والمسلمين.


ولم يقتصر الأمر في بعض الدول الإسلامية في ظل غياب الاحتكام لشرع الله وأحكام دينه الحنيف على تلك المظاهر السابقة, بل يمكن ملاحظة تجرأ الكثير من العلمانيين على دين الله, من خلال محاولة التشكيك بكثير من أحكامه الثابتة كالحجاب والحدود, ناهيك عن الطعن بمصادر الدين الأصلية وخصوصا السنة النبوية. وما الحملة على صحيح البخاري والطعن بمروياته الصحيحة إلا مثالا صارخا على ذلك الأمر الذي يؤكد ما لتحيكم شرع الله في المجتمعات الإسلامية من دور في حفظ الدين، وما لغياب هذا التحكيم من نتائج معاكسة.

الدعوة إلى الإسلام وأثرها في حفظ الدين: لا شك أن الدعوة إلى الله وبيان محاسن الإسلام من أهم الوسائل المساهمة في المحافظة على حقيقة هذا الدين نقيا, ورد كل ما قد يروجه أعداؤه من أباطيل وأهام لتشويه صورته وتشكيك الناس فيه.

وإذا كانت الدعوة إلى الله في حفظ أولى ضروريات الإسلام الدين من الأهمية بمكان منذ عصر النبوة وحتى الآن, فإنها تزداد أهمية وإلحاحا في هذه الأيام مع التطور الرهيب في وسائل أعداء الإسلام لنشر أباطيلهم وشبهاتهم حول دين الله الحنيف؛ حيث تشير الإحصائيات إلى هيمنة شبه كاملة لأعداء هذا الدين على وسائل الاتصال, بدءا بوسائل الإعلام المشاهد والمسموع والمقروء, وليس انتهاء بالإنترنت الذي غزا المسلمين حتى بات في جيب كل مسلم تقريبا!


ومن هنا فإن استثمار هذه الوسائل الحديثة لمواجهة الهجمة الشرسة على دين الله باتت ضرورة ملحة, كما أن استخدام هذه الوسائل للرد على المحاولات المستمرة لإلصاق تهمة التطرف و"الإرهاب" بدين الله الإسلام على وجه الخصوص أصبح من لوازم حفظ دين الله من التشويه.

وإذا ما أضفنا إلى ما سبق دور الدعوة إلى دين الله في تعريف الجاهلين من المسلمين بحقيقة دينهم, وتحصين الجبهة الداخلية الإسلامية من السيل الجارف من الشبهات والشهوات القادمة من الغرب والشرق.. فإنه يتبين ما لهذه الوسيلة من أهمية في حفظ الدين.


الجهاد في سبيل الله: الذي يعتبر من أهم وسائل حفظ الدين, حيث إن احتمال مقابلة الدعوة الإسلامية من بعض غير المسلمين بالرفض أو الجحود والإنكار وارد, بل إن الواقع المعاصر يشير إلما هو أخطر من ذلك بكثير, فأعداء الإسلام قد أعدوا لمواجهة هذا الدين الحنيف والصد عنه بالقوة المادية الاقتصادية والعسكرية والتقنية, بينما تقاعصت الدول الإسلامية عن امتثال قول الله تعالى: ((وأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُم))، الأنفال: 60.
لقد شرع الله تعالى الجهاد في سبيل الله إن تم منع تبليغ الدعوة الإسلامية في أي بلد من البلدان, أو تم منع اعتناق الناس للإسلام وإقامة الحياة في المجتمع على أساسه, حتى لا تكون هناك أي عقبة أمام دين الله من الانتشار, أو أي حاجز يمنع وصول الحق إلى الناس.
وفي ذلك يقول الشيخ الألباني: "اعلم أن الجهاد على قسمين؛ الأول: فرض عين, وهو صد العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين.. والآخر: فرض كفاية،.. وهو الجهاد في سبيل نقل الدعوة الإسلامية إلى سائر البلاد حتى يحكمها الإسلام, فمن استسلم من أهلها فبها, ومن وقف في طريقها قُوتل حتى تكون كلمة الله هي العليا"[1].
ويكفي دليلا على ضرورة الجهاد كوسيلة لحفظ الدين ما جاء في سورة الحج: ((ولَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وبِيَعٌ وصَلَوَاتٌ ومَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيرًا ولَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))، الحج: 40. قال القرطبي: "أَي لَولَا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلأَنبِيَاءِ والـمُؤمِنِينَ مِن قِتَالِ الأَعدَاءِ لَاستَولَى أَهلُ الشِّركِ وعَطَّلُوا مَا بَيَّنَتهُ أَربَابُ الدِّيَانَاتِ مِن مَوَاضِعِ العِبَادَاتِ، ولَكِنَّهُ دَفَعَ بِأَن أَوجَبَ القِتَالَ لِيَتَفَرَّغَ أَهلُ الدِّينِ لِلعِبَادَةِ. فالجِهَادُ أَمرٌ مُتَقَدِّمٌ فِي الأُمَمِ، وبِهِ صَلَحَتِ الشَّرَائعُ وَاجتَمَعَتِ الـمُتَعَبَّدَا تُ"[2].
الرد على كل ما يخالف دين الله من الأقوال والأعمال, من خلال الذود عن دين الله بالكلمة التي هي اختصاص العلماء, وبتطبيق أحكام الإسلام التي هي من صلاحيات السلطان:

أما الأقوال: فمن خلال تفنيد علماء الأمة لشبهات المغرضين المبغضين, والرد على بدعة المبتدعين, وتصحيح الأفكار المنحرفة عن صحيح الدين, وفي ذلك يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى... ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين, الذين عقدوا ألوية البدع, وأطلقوا عقال الفتنة.."[3].


وأما الأفعال: فمن خلال تنفيذ الحكام لأحكام الإسلام الواجبة على أهل الأهواء والخارجين عن دين الله, بإنزال العقوبة المناسبة على كل واحد منهم, والتي يعتبر من أعظمها وأشهرها عقوبة قتل المرتد بضوابط هذا الحد وشروطه المعروفة في كتب الفقه. والحقيقة أن هذه العقوبة الإسلامية تعتبر من الوسائل المهمة في حفظ الدين, حيث سيفكر الذي يريد العبث بهذا الدين ألف مرة قبل أن يفعل ذلك, بعد أن يعلم أن عقوبة من يرتد عن دين الله، بعد أن يدخل فيه بكامل حريته وقناعته القتل -بعد الاستتابة. فقد ورد في الحديث الصحيح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقتُلُوهُ)[4].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنه لو لم يقتل ذلك -يعني المرتد- لكان الداخل في الدين يخرج منه, فقتله حفظ لأهل الدين والدين, فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج منه.."[5].

هذه أهم الوسائل التي يمكن من خلال حفظ أولى ضروريات الإسلام (الدين), وقبل أن أختم هذا المقال لا بد من الإشارة إلى بعض الإجراءات التي يمكن أن تساعد أيضا في حفظ الدين، في العصر الذي نعيش فيه، وأهمها:

تشريع بعض القوانين الرادعة لأولئك المستهزئين بدين الله من الغربيين وغيرهم, من خلال الرسوم الكاركاتورية تارة، كما حدث أكثر من مرة في بعض مجلات الدنمارك وفرنسا وغيرها، أو من خلال الأفلام المسيئة لدين الله ورموزه, والتي تفتقد إليها كثير من الدول الإسلامية لردع من تسول له نفسه من داخل تلك الدول للترويج لتلك الصور المسيئة, أو الإساءة للدين بأي وجه أو طريقة مشابهة.
إنشاء مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت لمواجهة موجة الإلحاد المتزايدة في بعض الدول العربية والإسلامية, وللرد على شبهات الملحدين والعابثين بعقول فتيان وشباب المسلمين, بأسلوب يتناسب مع التطور المذهل في وسائل الاتصال والمعلوماتية, وبطريقة علمية شرعية مدروسة ومتخصصة, تأخذ بعين الاعتبار طريقة تفكير الشباب المعاصر, ومدى انخداعه وتأثره وانبهاره بالثقافة الغربية.
الاهتمام بوسائل الاتصال عموما, وبالإنترنت و وسائل الإعلام المرئية على وجه الخصوص, وتسخيرها لخدمة حفظ دين الله, من خلال بيان جوهر وحقيقة هذا الدين الحنيف ومزاياه وكنوزه, والرد على محاولات تشويه صورته في عقول ونفوس الناس.

__________

[1] العقيدة الطحاوية، شرح وتعليق للشيخ ناصر الدين الألباني: ص49.
[2] الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: ج12/70.
[3] الرد على الجهمية، للإمام أحمد بن حنبل: ص85.
[4] صحيح البخاري: برقم 6922.
[5] مجموع الفتاوى: ج20/102.
___
كتبه: د. عامر الهوشان.
رابط الموضوع:

http://taseel.com/articles/4813