ملخص السؤال:
سيدة كان متزوجة كزوجة ثانية، ثم طُلِّقَتْ من زوجها بسبب الخلافات والغيرة بين الزوجتين، ثم تزوجتْ مِن رجل حسن الخلُق يُعاملها معاملة حسنة، وطليقها ندم على طلاقها ويريد إرجاعها، وهي في حيرة من أمرها: هل تطلب الطلاق من زوجها الحالي، أو تظل معه؟
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا سيدة متزوجة الآن، كنتُ متزوجة من قبلُ لمدة 4 سنوات، وكنتُ أحب زوجي، وكان شعورنا متبادلاً، بالرغم من أني كنتُ زوجةً ثانيةً.بعد الزواج حصلت مشكلات كثيرة بسبب الغيرة، وكنتُ ألتمس العذر لزوجته الأولى، وبسبب المشكلات الكثيرة طلقني زوجي ثلاث طلقات، وعشتُ فترةً صعبةً جدًّا بعد الانفصال، لكن وقفتُ على رجلي مرةً أخرى، واشتغلتُ وسافرتُ، وكنتُ أرفض الزواج ثانيةً، وبعد مرور عامين مِن الطلاق تقدَّم لي شابٌّ من عائلة محترمة وتزوَّجنا.كان الشابُّ في البداية عصبيًّا ويتعاطى الحشيش، لكنه كان طيب القلب، وكنتُ أكنُّ له من المودة والاحترام الكثير، لكن ما زال قلبي متعلقًا بزوجي الأول، وكنتُ أرى أني أظلم زوجي بفعلي هذا، خاصة أنه كان لا يساعدني على أن أحبَّه.فوجئتُ أن طليقي كان يسأل عني طوال المدة السابقة عن طريق والدتي، وعلمتُ أنه تزوَّج وأنجب، وما زال يُحبني، وحزن عندما عرَف أنني تزوَّجتُ!زوجي الحالي تاب ويُصلي، وتغيَّر كثيرًا للأفضل، ويُعاملني معاملةً حسنة، وللأسف أنا لا أُحبه ولا أشعُر به.طليقي يريد أن يُعيدَني إليه، ويعتذر عن كل ما فات، استشرتُ مَن حولي بشأن تَرْكي لزوجي ورجوعي لطليقي، فأخبَرَني بعضُهم بأني لا يَحْسُن أن أترك زوجي وأني سأكون ظالمةً له، وهناك مَن أخبَرني أن الإنسان يعيش مرةً واحدةً، وهذه حياتي لا بد أن أعيشها، وما دمتُ غير سعيدة مع زوجي الحالي وأُحب طليقي فلي الحق في أن أعودَ له.أنا في حيرة كبيرة، ولا أعلم ماذا أفعل؟ طليقي ظلَمني بطلاقه لي إرضاءً لزوجته الأولى، وعاد الآن نادمًا، وأخاف أن أظلمَ زوجي الحالي بطلبي للطلاق وليس له أي ذنبٍ!
لا أعلم ماذا أفعل؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فلا عجب مِن أن قلبك ما زال ينبض بحب طليقك، فهو أولُ زوج لك، فسَكَنَتْ محبتُه في قلبك، كما قال أبو تمام:
نَقِّلْ فؤادَك حيث شئتَ مِن الهوى
ما الحبُّ إلاَّ للحبيبِ الأوَّلِ


كَمْ منزلٍ في الأرضِ يَألفه الفتى
وحنينُه أبدًا لأوَّل مَنْزلِ!
ولكن العجبَ لا يكاد ينتهي أيتها الأخت الفاضلة مِن استرسالك مع هذا الحبِّ لهذا المدى، وإمداده بأسباب الحياة وأنت في ذمة رجلٍ آخر، فهذا لا يحلُّ لك، بل إن الشارع الحكيم جعَلَ انشغال القلب بحبٍّ مُحرَّمٍ وهو الحبُّ خارج نطاق الزوجية - جعَلَهُ نوعًا من الزنا، كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُتِبَ على ابن آدم نصيبه مِن الزنا، مُدرك ذلك لا محالة، فالعينانِ زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجل زناها الخطا، والقلبُ يَهوَى ويتمنَّى، ويُصدِّق ذلك الفرجُ ويُكذبه)).والحكمةُ مِن جَعْلِ هوى القلب وتمنيه مِن الزنا ما يؤول به مِن تضييع حقوق الزوج، وعدم الرِّضا به، ومن ثم عدم القيام بحقوقه، إلى غير ذلك مما هو معلومُ القبح، فالحب والخطرات تولد فكرة وشهوة وإرادة وعزيمة جازمة، فيقع الفعلُ ما لم يمنعْ منه مانعٌ، فاصبري وجاهدي نفسك على نسيان طليقك، فإن ذلك أيسر مِن الصبر على ألَمِ ما بعده.أما تحيُّرك وميلُك للعودة لطليقك فسببُه هوى النفس الذي ما ذكَرَه الله في موضعٍ مِن كتابه إلاَّ ذمَّه كما قال ابن عباس، وقال الشَّعْبيُّ: إنَّما سُمِّيَ هوًى لأنه يهوي بصاحبه، فإن الحبَّ يتركَّب من الهوى، والمشاكلة والإلف وهو حبُّ الهوى، وربما وافق الحقَّ والاختيار، وربما عدل عنهما، ولذلك قيل: "عين الهوى لا تصدق"، وقيل: "حبُّك الشيء يعمي ويصم"، ولذلك تجدين المحبَّ كثيرًا ما يحب غير النِّهاية في الجمال، ولا الغاية في الكمال، ولا الموصوف بالبراعة والرشاقة، ثم إن سئل عن حجَّته في ذلك لم تقمْ له حجة.وأظن أنك أيضًا لا تستطيعين أن تجيبي عن هذا السؤال: إن كان طليقُك يُحبك حقًّا فلِمَ طلَّقك ثلاث مرات؟ هل يُعقل أن يكون محبًّا لك حقًّا ويفعل هذا؟! ثم كيف برجل حقيقيٍّ يُخبِّب زوجةً على زوجها؟ هل يفعل هذا مُحبٌّ؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً على زوجها، أو عبدًا على سيده))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.وأَجملُ ما ورد في فساد الاختيار القائم على الحبِّ ما قاله بعض الحكماء، كما في الأمثال لابن سلام (ص: 224): "إذا أشكل عليك أمران فلم تدرِ أيهما أدنى إلى الصواب والسداد، فانظرْ أثقلهما عليك فاتبعه، ودَعِ الذي تهوى، فإنك لا تدري لعل الهوى هو الذي زيَّنه في قلبك، وحسَّنه عندك".وقال أبو العتاهية:
إذا طالَبتْك النفسُ يومًا بشهوةٍ
وكان عليها للخلافِ طريقُ


فخالِفْ هواها ما استطعتَ فإنما
هَواك عدوٌّ والخلافُ صديقُ
وقال آخر:
وفي الحلمِ والإسلام للمرءِ وازعٌ
وفي ترْكِ طاعات الفؤادِ المتيمِ
فللمحبة في سلوك الإنسان وفي غدوه ورواحه وفي أعماله وآماله الأثر الكبير، فاحذري أيتها الأخت الكريمة من التضحية بزوجك، والسير وراء سراب، وتذكَّري أنك قبلتِه كزوجة ثانية، ومع هذا فرَّطَ فيك وطلَّقك، ولم يُطلِّقك مرة أو مرتين، بل استنفذ الطلقات الثلاث.فراقبي بارك الله فيك خطراتك، واقنعي بما رزقك الله به من زوج قد ذكرتِ أنه طيب القلب، وأنه قد تغيَّر للأحسن، وتاب مما كان يفعل، وكونه لم يُساعدك على حبِّه فبَيِّني له ذلك، وأرشديه لسبيل تلك المساعدة، وادعي الله أن يهبك حبه، وينزع حب الآخر مِن قلبك.الحبُّ عاطفة إنسانية نبيلة، ونعمة ربانية جليلة، تُلبِّي متطلبات الإنسان في حياته، وتُسعده في أغلب أوقاته، وتلبِّي رغبته الفطرية والضرورية، فينتشر التعاطُف والتلاطُف الذي يَحصل به التآلف والمشاركة في بناء الحياة، حتى يشعرَ المحبُّ أنَّ كل ما في الوجود مُعجبٌ مَحبوبٌ، وهذا ما يطرد البؤس، ويحث على العمل، ويُذلل الشدائد والصعاب، غير أن الحب بين الزوجين يتولَّد مع مرور الأيام والليالي، ومن ثَم قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].وفي الختام أنقُل لك حديثًا مِن مشكاة النبوة لتتأمليه وتتدبريه؛ روى أحمد وأبو داود عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة سألتْ زوجها الطلاق في غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحة الجنة)).
وفقك الله لكل خير، وقدر لك الخير حيث كان