السؤال
السلام عليكم ورحمة الله:أنا لَدَي مشكلة وعجزتُ عن حلِّها، مع أنِّي شخصٌ لا يَصْعب عليّ حلُّ المشكلات، فلمْ أجدْ إلا أنتم لكي تساعدوني، أنا قبل ثلاث سنوات خطبتُ فتاةً هي بنت خالِي، طبعًا كنتُ راضيًا بها ومقتنعًا، والْخِطبة كانتْ بحفلة بين الأهل؛ لأننا عائلة واحدة خالاتي وأخوالي وأجدادي، أنا الكبير بين إخوتي الشباب، وهي البنت الكبيرة أيضًا بين إخوتها. أقول هذا لأُعْلمك مَدَى فرحة عائلتنا بنا، أنا حاليًّا طالبٌ في أمريكا في مرحلة اللغة؛ أيْ: إنَّ مستقبلي ليس مضمونًا بعدُ، وعُمري 24 سنة وخَطيبتي عُمرها 19، أدخل في الموضوع:في عاداتنا لا أستطيع أن أُكلِّم خطيبتي إلا بعد الملكة ونحن لَم نتَّفِق على موعد؛ لأن البنتَ تُريد إكمال دراستها وأنا أيضًا، الحاصل أنني بعد الْخِطبة بسنة - أي: قبل سنتين - عانيتُ من مشكلة خاصة، وكانتْ هناك فتاة وقفتْ بجانبي وساعدتْني، تعرَّفَ كلٌّ منَّا على الآخر، وارتحتُ لها جدًّا وهي أيضًا. بعد مرور سنة أحبَّ كلٌّ منَّا الآخر، واعترفتُ لها واعترفتْ لي، عُمرها 21 سنة، مع أني أخبرتُها من أوَّل يومٍ أنني شخصٌ خاطب، ولا أنوي الحبَّ، ولكن ليس بيدي أو بيدها، الحب الذي اختارَنا وليس نحن. أحبَّ كلٌّ منَّا الآخر حبًّا فوقَ الخيال، وكنَّا نتكلَّم عن طريق الجوَّال و"الماسنجر"، أنا أعلم يا دكتور أنه أمرٌ خاطئ، ولا يجوز ولكنِّي تعلَّقْتُ بها، وهي تعلَّقَتْ بي، ولا تستطيع ترْكي، ولا أنا أيضًا. لَم أَعُدْ أُفكِّر في خطيبتي أبدًا، مع العلم أنَّ أهْلي لاحَظوا قلة اهتمامي في اختيار الهدايا، ولكنَّهم هم الذين يختارون الهدايا ويُرسلونها إليها، ويقولون: فلان أتَى لكِ بهذا، يعني المعروف بين الأهل أني أريدها، وأنا حاليًّا لا أريد إلاَّ الفتاة التي أحبُّها. المشكلة أني لا أستطيع أن أفسخَ الْخِطبة، كلَّما قلتُ لنفسي: لا بدَّ من فسخها، أفكِّر فيما أقوله لأهلي ولأبيها، ولها ولأجدادي، والكلُّ حينئذٍ سينظر إليّ نظرة تقول: مرَّ على ارتباطِك بالبنت ثلاث سنوات، والآن تقول: لا أريدها! لماذا؟ وما هي الأسباب؟ ليستْ هذه الأسئلة التي تُزعجني، ولكن لو فعلتُ ذلك، فسأكون منبوذًا من أهلي؛ لأن الفتاة من قبل أنْ أخطبَها والْخُطَّاب يَطلبونها، لكن أباها لَم يكنْ مقتنعًا بهم، ولا واثقًا فيهم، ووَثِق بي؛ لأنه يعرف تربيتي، حتى من بعد خِطبتي لها لَم يتوقفوا عن طلبها، إلا عندما أقاموا الحفلة وعرَف الجميعُ. أنا لا أعلم ماذا أفعل؟ الفتاة التي أحبُّها لا تريد رجلاً في حياتها إلا أنا، وأنا لا أريد إلا هي، مع العلم أنها الأخرى لَم تَسْلم من الْخُطَّاب، وكلما جاء شخصٌ يَخطبها، تبكي ولا توافق، وأنا أغضب؛ لأني لا أريدها أن تتزوَّج غيري. الشيء الثاني: لو فرضْنا أني فسختُ الْخِطبة - مع العلم بمجرَّد تفكيري فقط - فلا أستطيع أن أفكِّر ماذا أقول للأهْل، فما بالك في الواقع؟! ولكن لو فرضْنا أني فسختُها، فماذا أقول لأهلي؟ أريد أن أتزوَّج، سيردون: مَن؟ وبنت مَن؟ وكيف عرَفْتها؟ وألف سؤال، خاصة لو عَلِموا أنَّ هذه المعرفة عن طريق النت، فسيكون قولُهم: تتركُ بنت خالك التي وافقت عليها، وتتزوَّج من النت؟ أضفْ إلى ذلك أن الفتاة التي أحبُّها لا تريد أن يعلمَ أهلي وأهلها أننا عرَفْنا بعضَنا عن طريق النت؛ خوفًا من أن يتعرَّض لها أحدٌ بكلمة تُسيء لها، أو على تربية أهلها. ولو فرضْنا للمرة الثالثة بأن أهْلي وافقوا على أن أتزوَّجها، كيف سأُخبر أهْل الفتاة التي أحبُّها؟ وعندما يعلمون أنه عن طريق النت، وأن ابنتَهم كانتْ تتكلَّم مع غريب طوال سنتين وأكثر، فماذا سيكون ردُّ فِعْلهم؟ الافتراض الرابع: لو أني صنعتُ خُطَّة، وعرَّفتُ أُختي على البنت؛ لكي أقول من طرف أُختي، نأتي لمشكلة أكبر وأكبر، الأولى: أنا لستُ من قبيلتهم، وأظنُّ أنَّ الشيء هذا ليس سهلاً، الشيء الثاني: أنا لستُ مؤهَّلاً لأني لَم أُوَظَّف، وما زلتُ أدرس اللغة؛ يعني: - لا سمح الله - إذا أخفقتُ ضاع مستقبلي، إلا أنَّ الأقارب لا يزوِّجون إلا رجلاً قادرًا على إسعاد بنتهم، فما بالك بشخصٍ لا يعرفون عنه شيئًا، ولا عنده وظيفة، ومستقبله مهزوز!! أنا أعلم يا دكتوري الفاضل أني قد أوقعتُ نفسي في مشكلات كنتُ في غنًى عنها، ولكنَّ منْعَ الخطيب من خطيبته حتى بالكلام يَجعلنا وبكلِّ سهولة - عندما نجد الحبَّ والحنان والرومانسية من فتاة تُشاركنا أفكارنا - نقعُ في حبِّها. أنا لا أريد أن أعلِّق البنت، وأجعلها ترفض الْخُطَّاب، وأنا لستُ أعلم ما هو مستقبلي، ولا أستطيع عمل أيِّ شيءٍ، كما فسرتُ لك، وأخبرتها بذلك، ولكنَّها تقول: لا أريد إلا أنت. دكتوري الفاضل كأني أعرف ردَّك من قبل أن تجيبَني، ولكنِّي أقول لك: أنا شخص فاهمٌ وعاقل، وأعلم أنه ليس التعارفُ وليس شبابُ وبنات النت كلهم سواءً؛ فنحن يحترم كلٌّ منَّا الآخر جدًّا، وينصح كلٌّ منَّا الآخر، ويثِق كلٌّ منَّا في الآخر تمام الثقة، ومن الطبيعي أنه لا يريد شخصٌ أن يرتبطَ بشخص لا يَثِق به. ولقد عجزتُ عن حلِّ هذه المشكلة، وهي المشكلة الوحيدة التي لَم أستطعْ حلَّها، ولكن الفتاة قالتْ لي بأنَّ هناك موقعًا وفيه أشخاص ذو خِبرة في الحياة وفي العلم، هم مَن يستطيعون الجواب، أريدك يا دكتور أن تريحَ بالَنا بالصواب والصحيح والأفضل لها ولي؛ لأنها أيضًا تشاهد ردَّك، أريد من حضرتك أن يكون الخطاب لنا الاثنين، وأن يكون توجيه نصائحك وحلولك لنا، كلُّ الشكر لك.

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.سبحان الله! لا أدري لماذا كُلما قرأتُ رسالة عن علاقة إنترنت, أو أي علاقة غير شرعيَّة بين شابٍّ وفتاة, لا بد وأنْ أقرأَ فيها هاتين الكلمتين: "احترام متبادل", "قمة الثقة", وإلى الآن لستُ أدري ما علاقة الاحترام والثقة العمياء بذلك النوع من العلاقات؟!! اسمحْ لي بالتعليق على بعض العبارات الواردة في رسالتك والتي استوقفتْني, أو رُبَّما حيَّرَتْني! تقول: "في عاداتنا لا أستطيع أن أُكَلِّم خطيبتي إلا بعد الملكة". أعتقد أنَّ في عاداتكم كذلك ألا تُكَلِّم فتيات غير خطيبتك, فلِمَ لَم تمنعْك العادات من مخاطبة الأجنبيَّة والاسترسال في الحوارات غير الشرعيَّة، كما منعتْك من التحدُّث إلى مخطوبتك؟! أم أنَّنا نعلِّق أخطاءنا على شَماعة العادات, وننسبُ لها كلَّ قبيحٍ ونردُّ إليها كلَّ بليَّة؟! تقول: "الحبُّ الذي اختارنا وليس نحن، أحبَّ كلٌّ منَّا الآخر حبًّا فوقَ الخيال، أيضًا نتكلم عن طريق الجوال، والماسنجر ". سبحان الله! يا لقوة هذا الحب وسَطوته! كيف يختار مَن لا يتعدَّى حدود عادات بلده, فضْلاً عن شريعة دينه؟! كيف يختار مَن يغضُّ بصره، ويعفُّ نفسه؟! بل كيف يسوِّل لشباب المسلمين ويُزيِّن لهم أعمالَهم، فيريهم الحقَّ باطلاً، ويريهم الباطل حقًّا؟! يصوِّر لهم العلاقات غير الشرعيَّة على أنَّها الحنان المفقود، والسعادة المنشودة! يُعطيهم مسلَّمات وقوانين ما أنْزَل الله بها من سلطان، ويُجبرهم على الرضا والقَبول, مَهْمَا خالفتِ الشرع، ومَهْمَا جانبتِ الصواب، يوقِعهم تحت تأثيره ويُدخلهم في عالَمه المظْلِم؛ شاؤوا أم أبوا، ما أشدَّ تأثيرَه! وما أقوى بَطْشه! لن أُطيل في هذا المقام أكثر من ذلك, فلعلَّ مقصدي قد اتَّضَح لكما، خاصَّة أنَّك لا يَصعب عليك حلُّ المشكلات في الغالب, فلنْ تعجزَ عن فَهم مَقْصدي! صدَق مَن لا ينطق عن الهوى؛ حيث قال: ((ما تركتُ بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء))؛ متفق عليه. ورَد في "فتح الباري": "قال بعضُ الْحُكماء: مع أنَّها ناقصة العقْل والدِّين، تحملُ الرجل على تعاطي ما فيه نقْصُ العقل والدين، كشغله عن طلب أمور الدِّين، وحَمْله على التهالُك على طلب الدنيا، وذلك أشدُّ الفساد". وقال د. مصطفى ديب البغا, تعليقًا على الحديث: "بإغرائهنَّ وإمالتهنَّ عن الحقِّ إذا خرجْنَ واختلطْنَ بالرجال، ولا سيَّما إنْ كنَّ سافراتٍ متبرِّجات". عذرًا إنْ كان في حديثي بعض القسوة أو كثير منها, لكن القلب يَحزن والله على ما آلَ إليه حالُ شبابنا، صاروا يستخدمون وسائل التكنولوجيا الحديثة - والتي هي من نعم الله علينا - للفساد والإفساد! صاروا يعيشون في أوهام، ويَحيون تحت تأثير الأحلام! قبل أن أقترحَ عليكما ما تفعلانه، أتوجَّه إليكما بهذا السؤال، وأرجو أن يجيبَ كلٌّ منكما على حِدَة: أتطمئنُّ نفسُك إلى مَن تُراسلك دون علمِ أهلها وتتحدَّث إليكَ في السرِّ؟ أتأمنُها على بيتك وحياتك، وتضمن أنَّها لنْ تقعَ تحت تأثير حبٍّ جديد، ولو لَم يكنْ لها يدٌ؟ أعني لو اختارَها الحبُّ مرَّة أخرى، كما اختارها الآن! وأنتِ أيتها الفتاة، من يَضمن لكِ ألاَّ يحدِّثَ زوجُكِ نفسه - إن قَدَّر الله لكما الزواج - أنكِ قد تفعلين مع غيره مثلما تفعلين معه الآن من أحاديث ومُرَاسلات؟ بل أتثقين فيه وتضمنين أنَّه لا يعود ويحدِّث نفسه بقريبته التي لَم تتعدَّ حدودَ الله، ولَم تُحادِثِ الشباب، ويقارن بينكما؟ وهل تأْمَنين أنْ يختارَه الحبُّ من جديد؛ ليحيا قصة أخرى مع فتاة أخرى تراسله لأيِّ سببٍ, فتقع في حبِّه وتُوقِعه بأساليبها التي لا أظنُّها تَخفى عليكِ؟ أخي الكريم, أختي الفاضلة, قد أخرجتُ ما في قلبي ووضَّحْتُ بما أظنُّ أنه يكفي، وبما يُخيّل إليّ أنَّه صوابٌ, ولكن ليس لي أنْ أجبركما على اتِّخاذ قرارٍ, وليس لي أنْ أحول دون إتمام زواجكما, وإنْ أبيتُم إلاَّ الاستمرار, فلا خير في التواصل الآن، وقد أقيمتْ عليكما الْحُجة، وأخبرتكما بِحُرمة تلك العلاقة، ووجوب التوقُّف عن جميع أنواع المراسلات. كيف تتزوجان؟ اعْلَم - رحمك الله - أنَّ حياتك الزوجيَّة واختيار شريكتك أمرٌ راجع إليك وحْدَك, وأنَّ أهلك وإنِ اعترضوا فلنْ يَلْبثوا أن يَقبلوا ويرضوا بالأمر الواقع، وتعود العلاقات إلى طبيعتها، ويتناسوا كلَّ أسًى مع أوَّل مولود لابنهم, فلا داعي لشغْل النفس بهذا الأمر أكثر مما ينبغي. نأتي للنقطة الأخرى وهي كيفيَّة تواصُل الأهل, وقد حللتَ المشكلة - كعادتك - بتوسيط أُختك وائْتِمَانها على الأمر, لكن قبل اتِّخاذ أيِّ خُطوة، على الفتاة أنْ تتأكَّد من أمر قَبول غير القبيلي, وقد يُتاح لها التحدُّث إلى والدتها، والتيقُّن من الخبر قبل اتِّخاذ أيِّ خُطوة، وقبل ذهابك إليهم. ثم عليكَ أن تبحث عن عمل - ولو يسيرًا - يدِرّ عليك القليل، ويُشعر أهل الفتاة بجدِّيتك، وأنَّك على قدْرِ المسؤولية ولن تُضيِّعَ ابنتهم, تأكَّد أنَّك لن تجدَ مَن يزوِّجك وأنت بلا عمل، وقد يكون خالك حالة استثنائيَّة لحبِّه لكَ أو لِحِرْصه على تزويج ابنته بِمَن يعرف أهْله، ويأْتمنُهم عليها. فإن تمكَّنْتَ من الالتحاق بوظيفة طيِّبة وعمل لا بأْس به، فلتبدأ من التأكُّد من قَبول أهل الفتاة للشباب من خارج قبيلتهم, وقد اتَّخذتْ بعضُ العائلات تلك الْخُطوة الإيجابيَّة، وأصبحوا يزوِّجون من غير قبيلتهم, على عكس السابق, فلعلَّ الله أن ييسِّرَ لكما الأمر ما كان فيه الخير. نأتي لنقطة مهمة وحيويَّة, وهي تلك الفتاة التي انتظرتْ ثلاث سنوات كاملة, وهذا في الحقيقة من سلبيَّات الْخِطبة الطويلة, فإن كنتَ تشعر بالظُّلم لها, فمن أظْلم الظُّلم أن تستمرَّ في الْخِطبة وأنت عازمٌ على ترْكها, وأنصحك أن تتلطَّفَ مع خالك وتوضِّح له أنَّ زواجَك من ابنته شرفٌ عظيم, لكنَّ قلبَ الإنسان ليس ملكه, وإن تعذَّر عليك الزواجُ بمن تحبُّ فلا يبدو لي أنَّكَ ترغب في ابنة خالك, فلا داعي للاستمرار فيما لا فائدة منه في جميع الأحوال, وهي بفضْل الله ما زالتْ صغيرة, وأسألُ الله أن يرزقَها من يُقدِّرها ويستحقُّها، وأن يخلفَ على كلٍّ منكما خيرًا. أخيرًا:يقول الشاعر:
بَنَاتُ حَوَّاءَ أَعْشَابٌ وَأَزْهَارُ
فَاسْتَلْهِمِ الْعَقْلَ وَانْظُرْ كَيْفَ تَخْتَارُ

وَلاَ يَغُرَّنَّكَ الْوَجْهُ الْجَمِيلُ فَكَمْ
فِي الزَّهْرِ سُمٌّ وَكَمْ فِي الْعُشْبِ َعقَّارُ
وقريبٌ من هذا المعنى يقول بعض الْحُكماء: "الحبُّ أعمى, لكنَّه يستعيدُ بصرَه بعد الزواج"! هداكما الله لِمَا فيه الخير والصلاح، وغَفر الله لكما وجنَّبكما الضلالَ والزَّيْغ والفساد, ولا تَنسَ صلاة الاستخارة قبل الإقدام على تلك الْخُطوة بترْك مخطوبتك واستبدال مَن تحبُّ بها.