قد فرق العلماء بين ما لا يتم الوجوب إلا به، وبين ما لا يتم الواجب إلا به، فما لا يتم الوجوب كالشروط التي رتب الحكم عليها، مثل الاستطاعة للحج، وملك النصاب في الزكاة، وتمام الحول، فهذه لايجب تحصيلها باتفاق.



قال القرافي: (أسباب الوجوب وشروطه وانتفاء موانعه فإنها لا تجب إجماعًا). شرح الكوكب المنير 1/357، 358 أنظر الفتاوي 20/160.


قال الفتوحي: (ما لا يتم الوجوب إلا به سواء قدر عليه المكلف كاكتساب المال للحج وللكفارات ونحوها، أو لم يقدر عليه كحضور الإمام لجمعة، وحضور العدد المشترط فيها، لأنه من صنع غيره فإنه ليس بواجب مطلقاً وحكي إجماعًا). شرح الكوكب المنير 1/357، 358.


لأنه لو وجب ذلك لأدى إلى اسقاط كونه شرطاً وأصبح الوجوب متحققاً مع الشرط وعدمه وهذا غير مراد، بل الوجوب متوقف على حصول الشرط، فإذا حصل الشرط وجب، وإلا فلا شيء على المكلف كقول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا). فوجوب الحج مشروط بالاستطاعة وهي الزاد والراحلة التي يصل بها إلى مكة المكرمة فمن تحقق له ذلك وجب عليه الحج، وأما من لم يستطع فلا يجب عليه شيء. فمقدمات الوجوب ليست واجبة). البحر المحيط 1/223.


قال الزركشي: (ما يتوقف عليه الواجب إما أن يكون توقفه عليه في وجوبه أو في إيقاعه بعد وجوبه، فأما ما يتوقف عليه إيجاب الواجب فلا يجب بالإجماع لأن الأمر حينئذ مقيد لا مطلق، وسواء كان سبباً أو شرطاً أو انتقاء مانع.



أما مقدمات الواجب الذي تحقق وجوبه إما لكونه مطلقاً من الشروط أو لتحقيق وحصول شرطه، كمن ملك الزاد والراحلة في الحج، فإن تلك المقدمات لا تخلو من أمرين:
أولاً: إما أن تكون غير ممكنة للمكلف فهذه ليست واجبة، لأن الله سبحانه لم يكلفنا بمحال، وما جعل علينا في الدين من حرج، ولم يأمرنا به ابتداءً فكذا في ما لا يتم إلا به إن كان محالاً فغير واجب. ولا مراد هنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).انظر المستصفي 1/71 شرح تنقيح الفصول 161 شرح الكوكب المنير 1/361.
مثاله أن الله سبحانه وتعالى عذر المريض والأعمى والأعرج عن الجهاد في سبيل الله بأنفسهم لما فيه من المشقة عليهم وقد يكون بعضهم ممكن منه لكن الشرع جاء ينفي الحرج فلم يوجبه عليهم مع كونه ممكناً منهم فمن باب أولى المحال أنه غير واجب على المكلف في كل حال.
فالنتأمل في يسر الشريعة وعظمتها: فإن الواجبات لا تتضمن إلا الخير في الدنيا والأخرى وليس فيها أي عسر أو ضرر على أي مخلوق من حين نزولها إلى أن تقوم الساعة، لأنها من العليم الحكيم سبحانه بل العسر على من تنكر منهج الله وخالف شرعه. إذا فغير الممكن ليس واجباً.


ثانياً: أن تكون ممكنة للمكلف وفي مقدوره وهذه موضع القاعدة ومراد العلماء فيها ذكره الغزالي، وإمام الحرمين، والزركشي، والآمدي، وابن تيمية، وابن قدامة، والفتوحي، وابن الحاجب، والقرافي، وغيرهم. من العلماء.المسنصغي 1/71 التلخيص 1/293 الاحكام في الأحكام 1/110-111 نهاية السول 1/211

قال القرافي: (وعندنا وعند الجمهور، ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور للمكلف فهو واجب لتوقف الواجب عليه). شرح تنقيح الفصول 160.
وعليه فقد تحرر لك المراد بالقاعدة وبعد ذلك نبنيها وما يترتب عليها من الفروع الفقهية.
http://www.alukah.net/web/sowayegh/0/19191/