ملخص السؤال:
سيدة متزوجة وزوجُها يريد التعدُّد لحاجته، والمرأة ترفُض وتريد الطلاق، والزوج الآن يريد أن يتزوَّج ويعيشَ مع الأخرى ويزور الأولى مِن وقت لآخر.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا سيدة متزوجة منذ 6 سنوات، ولديَّ طفلان، زوجي يحبني كثيرًا، ولا يطيق فراقي، لكن المشكلة الكُبرى أنه يَعشق النساء، ويُريد أن يتزوَّجَ مِن 4 نسوة، لكنني أقول له: إن تزوَّجتَ عليَّ فطَلِّقني؛ لأنني لا أستطيع العيش في مشاركة امرأة أخرى.بعد 3 سنوات مِن زواجي اكتشفتُ أنه عندما كان مُسافرًا تزوَّج مِن 3 سيدات، وكانتْ صَدمةً كُبرى بالنسبة لي، ولكنه قال: هذا ليس له علاقة بك، وأنا غيرُ مُقصرٍّ معه!أنا أعلم أنه يُحبني، وعلى استعدادٍ أن ينفصلَ عنهنَّ مِن أجلي، وفعلًا تحمَّلْتُه وحاولتُ احتواءه وتفهُّمه، ورغم جرحي وألمي بقيتُ معه حتى طَلَّقهنَّ!مشكلتُه أنه يُحاول البُعد عن النساء، لكنه يرغب في أن يتزوجَ مرة أخرى، ويخاف الوقوع في الحرام.بعد أن طلَّقهنَّ، اكتشفتُ أنه تزوَّج مِن أخرى بعقدٍ عرفي، ولم يدخلْ بها حتى أُوافِق أنا على زواجه، وللأسف فقد خدَعني إذ أخبَرني أنها شريكته في عملٍ، وبعد أن عرفتُ وصفتُه بأنه خائن وكذابٌ، فقال لي: سأتركُها مِن أجلك؛ فأنتِ أُمُّ أولادي وحبيبتي، ولا أريد أن أغضبك.ورغم ذلك لم يترُكْها، وما زال يُحادثها، وينتظر موافقتي ليدخلَ بها!هو يُريد أن أعينَه على الحلال، وألا أكون أنانية، أنا أعيش حياة مليئة بالشك وعدم الاستقرار، ولم أَعُدْ أثق بحبِّه لي!قرَّر الزواج ولن يُطلقني، لكنه سيترك البيت ويعيش مع مَن سيتزوجها، وسيأتي لأولاده مِن حين لآخر!
أكاد أُجَنَّ مما يفعل، فأخبروني ماذا أفعل؟

الجواب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فلا يخفى عليك أيتها الأختُ الكريمة أن الإسلامَ لم يشرعْ تعدُّد الزوجات ولم يأمُرْ به ابتداءً، لكنه جاء فوَجدَهُ نظامًا اجتماعيًّا قائمًا فعالَجَ الوضع القائم، ووَضَعَ له ضوابطَ وشروطًا لا يَتجاوزها الرجل المسلمُ، وأباحه بإمكان العدل، وإلا فالاكتفاء بواحدةٍ عند خوف العجز عن العدل، فلم يترُك الأمر لهوى الرجل، كما روى الترمذيُّ أن غَيْلانَ بنَ سَلَمَةَ الثقفيَّ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اختَرْ منهنَّ أربعًا))، وقال قيس بن الحارث: "أسلمتُ وعندي ثمانية نسوة، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له، فقال: ((اختَرْ منهنَّ أربعًا))؛ رواه أبو داود وابنُ ماجه.فالإسلام أيتها الأخت الكريمة نظامٌ واقعيٌّ إيجابي تعامَل مع النفس البشرية وفق بشريتها، فيعمل على إنشاء مجتمعٍ نظيف تُصان فيه الأخلاقُ، وتُحفظ فيه الأعراضُ، ولما كانتْ طبيعةُ كثيرٍ مِن الرجال أنهم لا يكتفون بزوجة واحدةٍ في مُزاوَلة نشاطهم الفطري، وهم في نفس الوقت لا يَقْوون على كبتِ رغباتهم الجنسية المُلحَّة التي لا يجدي معها محاولات إثنائهم عنها، فهو فوق طاقتهم، وضد احتمالهم العصبي والنفسي، أصبح الرجلُ أمام طريقين: إما أن يقعَ في الحرام، فيُخادن ويسافح مَن يشاء من النساء - عياذًا بالله. أو أن يُبيح له الشارعُ اللطيفُ الخبير التعدُّد كرخصةٍ وملاذٍ شرعيٍّ.وهذه حقيقةٌ لا يمكن تجاهلها، أنَّ كثيرًا من الرجال لا يَحْصُل لهم الغناء الكامل بزوجة واحدةٍ، وهذا مِن أسرار إباحة الله للتعدُّد في الشرائع السماوية المنَزَّلة، لمصلحة كلٍّ مِن الزوج والزوجة على حد سواء؛ لأنَّ إعنات الزوج يَؤول بالحياة الزوجيةِ للفشل، وينزع مِن البيت السكَن، أو يهوى به إن كان رقيقَ الديانة لأوحال الرذيلة، ولذلك كان تعدُّد الزوجات هو وحده الذي يُلبي ضرورات تلك الغريزة الحادة والملحَّة عند البعض، وفي ذات الوقت يَحفظ للزوجة الأولى كرامتَها ووضعَها الاجتماعي، ويُحَقِّق رغبة كلا الزوجين في الإبقاء على عشرتهما القديمة.وقد ذكرتِ بارك الله فيك أن زوجك يَعشق النساء، ولا يقوى على الصبر عنهنَّ، وهو في نفس الوقت يُحبك كثيرًا، ولا يطيق فراقك، وهذا يؤكد ما ذكرتُه لك آنفًا، فهذه طبيعةُ الرجل وهي تختلف عن طبيعة المرأة.أيضًا قد ذكرتِ أنه قد تزوج بالفعل، ومِن ثَم فكلُّ مُحاولة لمنعِه أمحل مِن حديث خرافة.فحاولي أن تتفهَّمي مشكلةَ زوجك، وكوني عونًا له على طاعة الله، فالزواجُ الثاني يكون ضروريًّا في بعض الحالات، والتي منها: عدم صبر الزوج عن النساء، أو تكون زوجته غير قادرةٍ على إشباعه جنسيًّا، فاحذري أن تدفعيه برفضك للزواج الثاني إلى الوقوع في الحرام لشدة حرصه عليك، والله قد أغنى الرجلَ بنكاح ما طاب مِن النساء مثنى وثلاث ورباع عن الزنا والفواحش؛ حيث قال سبحانه: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 3]، والله يحكم سبحانه لا مُعقِّب لحُكمِه، ولا يسأل عما يَفعل؛ ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، فاللهُ تعالى لكمالِ حكمته وعدلِه وفضلِه وَضَع الأمر في موضِعه الذي لا يليق غيره، فالحمدُ للهِ ربِّ العالمين.وعلى المؤمنِ العاقل الرَّشيد الانقِياد لدين الله القويم، وشرعه الحكيم غير معترضٍ ولا مترددٍ؛ فالله جلَّ وعلا يقول: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وفقكِ الله لكل خيرٍ، وقدر لكما الخير حيث كان