ملخص السؤال:
فتاةٌ مخطوبةٌ تسأل عن كيفية معاملة خطيبها بأسلوب لبقٍ، وعن الأُسُس والمواضيع التي يجب أن يتَّفِقا عليها مِن البداية، وكيفية تفادي العوائقَ للوصول للزواج.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.أنا فتاةٌ مخطوبةٌ منذ عامين، ولا أعرف كيف أُعامِل خطيبي بشكلٍ لبقٍ؟ فإذا حدَّثَني في أمرٍ لا أستطيعُ أن أردَّ عليه حتى تكونَ أمِّي معي؛ خوفًا مِن أن يغويني الشيطانُ؛ كي لا أرتكبَ حماقةً أندم عليها طيلةَ حياتي.أعتقد أنني أفتقِر لِلَبَاقةِ الكلام؛ لأنني - ومنذ أن تفتَّحتْ عيني على الدُّنيا - لا أجرُؤ على الحديثِ مع ولدٍ أو شابٍّ أجنبيٍّ عني، حتى أبناء أعمامي لا يملكون الجُرأة على التَّحدُّث معي؛ خوفًا مِن شراستي حينما أسمع مِنْ كلامِهِم ما لا يليق؛ لأنَّ حديثَهم يحوي ألفاظًا غير مُهَذَّبة!زميلاتي يُنادونني بـ: المُعَقَّدة! ويُوضِّحون لي طريقةَ الانفتاح مع الشباب خاصة؛ لكنني لا أرضَخ لطلَبِهم هذا!أرجو أن تدلوني على طريقةٍ أتعامَل بها مع خطيبي؛ لأنني أحبُّه حقًّا، ولا أريده أن يَترُكَني؛ علما بأنني راقبتُه كثيرًا مُسبقًا؛ لأعلمَ قدْر استقامتِه، وتأكدتُ مِن أنه مُلتزم، ولهذا السبب لا أتحمَّل فقدانه.لديَّ أيضًا بعض الأسئلة التي أودُّ الإجابة عنها: ما الأُسُس والمواضيع التي يجب أن نتَّفقَ عليها مِن البداية؟ كيف يُمكننا أن نتفادَى العوائقَ لنصلَ للمرحلة الثانية مِن العلاقة؛ أي: الزواج؟
وأخيرًا، لكم منِّي كل الاحترام والتقدير على ما تُقَدِّمونه مِن خدمات لأجل السائلينأُحبكم في الله، وجزاكم الله خيرًا

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.حياكِ اللهُ أخيتي الكريمة، وبارك فيكِ، وشكَر لكِ ثقتكِ الغالية.بدأتِ رسالتكِ بإلقاء السلام؛ عملًا بقول رسولِنا صلى الله عليه وسلم: ((أَوَلَا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلْتُمُوه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم))؛ مسلم.ثم عَرَضْتِ رسالتكِ بأسلوبٍ عمليٍّ مُهذَّبٍ، واختَتَمْتِها بشُكر الألوكة، وإعلان محبتكِ لنا في الله؛ فأحبَّكِ اللهُ الذي أحببتِنا فيه، ولا يدلُّ كلُّ ذلك إلَّا على أنكِ تتمتَّعين بحُسْن خُلقٍ ولباقةٍ عاليةٍ، قلَّ أن تتوفَّر لفتاةٍ في عمركِ!لا أظن المشكلة لديكِ في الافتِقار إلى اللباقةِ؛ فاللباقةُ يُعرِّفها بعضُ الحكماء بأنها: "براعة الحديث التي تُكسبك الفوزَ في الجدالِ، دون أن تكسبَ عدوًّا"، وقال عنها آخرون: "إنها لا تحدث إلَّا عندما يكونُ الكلام مِن ذهَبٍ دون السكوت"، كلُّ ذلك لا أجد لديكِ فيه نقصًا، ولا أرى لكِ فيه حاجة، وإنما جُلُّ مُشكلتكِ - كما تفضَّلتِ بالقول -: "لا أستطيعُ أن أردَّ عليه حتى تكونَ أمِّي معي؛ خوفًا مِن أن يغويني الشيطانُ؛ كي لا أرتكبَ حماقةً أندم عليها طيلةَ حياتي"!فليس الخوفُ مِن الارتباكِ في الحديث، أو الافتقارِ إلى اللطْف إذًا، وإنما خوفُكِ من المعصية كان الدافعَ الرئيسَ لتجنُّب الحوارات مع خاطبكِ، وإن كانت الحاجةُ إلى اللباقة لا تتجلى عند محادثة خاطبكِ أو غيره مِن الشباب، فليس في الأمر مُشكلةٌ؛ إذ من المنطقيِّ أن تشعرَ فتاةٌ خُطبتْ وهي في مثْلِ عمركِ بالحياء أو الارتباك عند محادثةِ رجلٍ أجنبيٍّ عنها، وهذا هو الأصلُ يا عزيزتي، أن تشعرَ الفتاةُ البكرُ - التي تربَّتْ بعيدًا عنْ مُخالَطة الأجانب - بكثيرٍ مِنَ الرهْبةِ والحياء عند التعامُل مع شخصٍ غريبٍ جديدٍ، لا عهد لها بمثلِهِ، ولا خبرة لها في كيفيَّة محادَثتِه وخوْضِ حواراتٍ معه.إن لم يكنْ عقدُ الزواج قد تَمَّ بعدُ، وكانت العلاقةُ بينكما هي مجرد خطبةٍ، فلستِ في الحقيقة في حاجة للتفكير في كيفيَّة التواصُل معه، أو فتْحِ حوارات خاصَّة، أو اتباع سلوك معينٍ للتعامل معه، أو التصرُّف بلباقةٍ، فالخاطبُ أجنبيٌّ كغيرِه مِن الرِّجال، ومجردُ إعلان الخطبة - وهي وعْدٌ غيرُ ملزمٍ بالزواج - لا يُبيحُ التعامُل معه، والخروجَ والجلوسَ والتحاوُرَ على النحو الذي تفْعَلُهُ الفتياتُ، وتراه تأهيلًا جيدًا للزواج، واختبارًا نافعًا للشخصيات ومدى توافُقِها.سؤالكِ: "ما الأُسُس التي يجب أن نتَّفق عليها مِن البداية؟".ليستْ هناك أشياءُ محددةٌ، أو خطواتٌ معينةٌ، أو منهجٌ خاصٌّ يضَع نقاطًا واضحةً لكلِّ كبيرةٍ وصغيرة في الحياة الزوجيَّة؛ إذ تستجدُّ أمورٌ دائمًا لم تكنْ في الحُسبان، تتولَّد مع العِشْرة، وتنشأ مع الاحتكاك بين الزوجَيْن وأهليهما، تتغيَّر باختلاف المواقف الحياتيَّة، والتعامُلات اليوميَّة، ويَحسن بالزوجين الاتفاق قبل بداية الزواج على مناقشة الأساسيات والأمور الرئيسيَّة، التي ترسم خُطُوطًا واضحةً، وتضع خطوات بيِّنَةً تتفرَّع عنها سائرُ الأمور.عليكِ أن تتعرَّفي على ما يحبُّ بصفةٍ عامَّة وما يَكْرَه، وكيف يحبُّ زيارات الأهل والأصدقاء والجيران، وما يحب مِن أنواع الأطعمة؛ لتتعلَّمي إعدادَها وإتقانَها قبل الزواج، وما يرضيه في بيتِه، وما يُثير غضبَه؛ لتنعمي بحياةٍ زوجيةٍ سعيدةٍ - بإذن الله.سؤالكِ: "كيف يُمكننا أن نتفادَى العوائقَ لنصل للمرحلة الثانية مِن العلاقة؛ أي: الزواج؟".مَن أراد أن يتفادَى العوائقَ فعليه أن يتذكَّر أنَّ هذه الحياةَ لم يخلقْنا اللهُ فيها لنتشاحَنَ، أو نتجادَلَ، أو نُسيءَ الظنَّ، أو نُثبتَ أننا الأفضل، أو الأعلم، أو الأقوى؛ فالزوجةُ تتربَّص بزَوْجِها إن بدَر منه ما يدلُّ على إهمالِه، أو عدم اعتنائه بها، وهو يتربَّص بها أن تفرضَ سيطرتَها عليه، أو تُسيء الظنَّ بأهلِه، ثم تتولَّد سلسلةٌ مِن المشاحَنات التي تقضي على الحبِّ، والمهاترات التي تُحَطِّمُ أسوارَه، وما كانتْ بنا حاجة إلى ذلك كلِّه، بيد أنَّ كثيرًا مِن الأزواجِ لا يُفكِّر فيما تفَكِّرين فيه الآن، ولا يهتمُّ بتخطِّي العوائق، وتفادي المشكلات لينعمَ بحياةٍ طيبةٍ!باختصارٍ: عليكِ أن تمنحي نفسَكِ بعض الثِّقة؛ فشراستُكِ مع الأجانب لا تستلزم الشراسة مع الزَّوج، والفتاةُ العاقلةُ تعرف كيف تتعامَل مع كلِّ شخصٍ على حسب موقعِه ومكانته منها.ولكي تتجنَّبي المشكلات، وتتغلَّبي على العوائق، عليكِ أن تتذَكَّري أنَّ هذه الحياةَ ليستْ انتقالًا مِن عالَمِ الواقع لأرض الخيال، وإنما هي استمرارٌ للحياة على أرض الواقع، مع زيادة الأعباء ومُضاعَفة المسؤوليات.اعلمي قبل بَدْء هذه الحياة أنها تقوم على التعاوُن، وتُبنَى على الاحترام والموَدَّة المتبادَلة، تدعمها التَّضْحيات، ويُقوِّيها التفاهُم، تحميها المحبةُ، ويَصونها الوِئامُ، تصونها الثقةُ، ويثبِّتها الإخلاصُ.حاولي أن تفهميه جيدًا، وتلْمَحِي ما يحبُّ قبل أن يتفَوَّه به، تغاضي عنِ الزَّلَّات ما لم تكنْ مُوبقات، واكتمي سِرَّه.تقرَّبي إليه، واستشعري رقَّتكِ وأُنُوثتكِ معه، فلستِ شرِسةً ولا عنيفةً كما تظنين بنفسكِ، بل أنتِ قويةٌ في وجه الباطل، ثابتةٌ أمام الفِتَنِ، وهذا مِن فَضْل الله عليكِ، ولُطفه بكِ، أنْ عَصَمَكِ - ونحن في زَمَن الفِتَن - مِن تلك العلاقات، والنُّزول إلى مستواها الوضيع.أخيرًا، مِن أكثر ما يجعل الحديث طيِّبًا، والكلامَ عذبًا، والحوارَ غير مملٍّ، كثرةُ الاطِّلاع والقراءة؛ فالقراءةُ تَجُولُ بكِ العالَمَ، وتطوف بكِ شتَّى الأماكن، تُعطيكِ ثمرة الخبرات، وخُلاصة العلوم، وزبد الحِكَم، تمنحكِ في ساعةٍ ما يمنحكِ السفرُ في أيام، تخبركِ بحال الأُمَمِ، وتروي لكِ عجيبَ القصص.مَن يُكثِر المطالَعَة ويُنَمِّي عقلَه بالقراءة قلَّ أن يُعاني قلة اللباقة، أو يشكو حاجة الحديث، أو يجهل كيفيَّة التحاوُر المُمتِع؛ عن عبدالله بن سعيد قال: بعث عبدُالملك بن مروان إلى الشَّعبيِّ، فقال: يا شعبي، عهدي بك وإنك لغلام الكُتَّاب، فحدِّثني، فما بقي معي شيء إلا وقد ملكته سوى الحديث الحسَن، وأنشد:
وَمَلِلْتُ إلَّا مِنْ لِقاءِ مُحَدِّثٍ
حَسَنِ الْحدِيثِ يَزِيدُني تَعلِيمًا

فتَمَتَّعي، ومتِّعي زوجكِ بما تقرئين مِن طرائفَ، أو لطائفَ، أو بديعِ قصص، وجميلِ أخبار، ولن تجِدِي تعثُّرًا، ولن تُحَيِّركِ الكلمات، أو تخونكِ العباراتُ، وتوكَّلي على الله.يسَّر اللهُ زواجَكِ، وأتمَّه على خيرٍ، وأقَرَّ عينكِ بزوجكِ، وأقرَّ عينه بكِ، وبارَكَ لكِ وبارَكَ عليكِ، وجمَع بينكما في خيرٍ.
والله الموَفِّق، وهو الهادي إلى سواء السَّبيل