السؤال:
ما صحة هذه القصة ؟ ورد أن ثابتا البناني كانت تُسمع تلاوة القرآن من قبره ، وورد عن الذي أدخله في قبره أنه قال: "أنا ، والذي لا إله إلا هو ، أدخلت ثابتًا البناني لحده ، فلمّا سوّينا عليه اللَّبِنَ سقطت لَبِنَةٌ (يعني حجر) ، فنـزلتُ فأخذتها من قبره ، فإذا به يصلي في قبره !! فقلت للذي معي: أتراه؟ قال: اسكت، فلمّا سوّينا عليه التراب ، وفرغنا ، أتينا ابنته ، فقلنا لها: ما كان عمل ثابت ؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها، فقالت: كان يقوم الليل خمسين سنة ، فإذا كان السَحَرُ قال في دعائه: اللهمّ إن كنت أعطيت أحدًا الصلاة في قبره ، فأعطِنيها !! فما كان الله ليردَّ ذلك الدعاء".
الجواب :
الحمد لله
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه :
حدثنا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : ثَابِتٌ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَدًا الصَّلَاةَ فِي قَبْرِهِ ، فَأَعْطِنِي الصَّلَاةَ فِي قَبْرِي " .
وهكذا رواه ابن سعد في " الطبقات " (7/174) ، وأبو العباس الأصم في جزئه (18) من طريق عفان به .
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم .
وله شاهد رواه البيهقي في " الشعب " (4/ 519) ، وابن الجعد في مسنده (ص209) ، وأبو نعيم في " الحلية " (2/319) من طريق ضَمرَة، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، قَالَ: " سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، يَقُولُ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، يُصَلِّي لَكَ فِي قَبْرِهِ : فَأعْطِنِيهِ .
ورواه ابن الجعد أيضا (ص: 209) من طريق سَيَّار، نا جَعْفَرٌ قَالَ: " سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَذِنْتَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي قَبْرِهِ، فَأْذَنْ لِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي قَبْرِي " .
فهذا الأثر إلى هذا الحد صحيح .
ولكن روى أبو نعيم في " الحلية " (2/ 319) من طريق مُحَمَّد بْن سِنَانِ الْقَزَّاز، قَالَ: ثنا شَيْبَانُ بْنُ جِسْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَنَا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَدْخَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ لَحْدَهُ ، وَمَعِيَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ ، أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ -شَكَّ مُحَمَّدٌ- قَالَ: فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ اللَّبِنَ سَقَطَتْ لَبِنَةٌ ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ، فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعَهُ: أَلَا تَرَى؟ قَالَ: اسْكُتْ .
فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ ، وَفَرَغْنَا ، أَتَيْنَا ابْنَتَهُ ، فَقُلْنَا لَهَا: مَا كَانَ عَمَلُ أَبِيكَ ثَابِتٍ؟!
فَقَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُمْ؟
فَأَخْبَرْنَاهَ ا !!
فَقَالَتْ: كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ خَمْسِينَ سَنَةً ، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ ، قَالَ فِي دُعَائِهِ: " اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ الصَّلَاةَ فِي قَبْرِهِ فَأَعْطِنِيهَا "، فَمَا كَانَ اللهُ لِيَرُدَّ ذَلِكَ الدُّعَاءَ " .
وابن سنان القزاز : كذبه أبو داود ، وابن خراش ، وقال الدارقطني: لا بأس به ، ووثقه مسلمة بن قاسم .
انظر "التهذيب" (9/206) .
وشيبان بن جسر لم نجد له ترجمة .
وأبو جسر بن فرقد ضعيف ، ضعفه ابن معين ، والبخاري ، والنسائي .
انظر : "الميزان" (1/398) .
فهذا إسناد ضعيف ، واهٍ .
وله شاهد : رواه ابن أبي الدنيا في " القبور " (132) من طريق خالد بن يزيد القسام ثنا الربيع بن صبيح قال : " لما مات ثابت البناني دخلت أنا وحميد الطويل وجسر أبو جعفر قبره ..." فذكره .
والربيع : ضعفه ابن معين ، والنسائي ، وابن المديني ، وغيرهم .
انظر : "الميزان" (2/41) .
والقسام لم نجد له ترجمة .
فالثابت عن ثابت رحمه الله : إنما هو دعاؤه بأن يعطى ذلك في قبره .
وأما حصوله في قبره : فلم نقف عليه من وجه يثبت ، والرواية فيه ضعيفة ، على ما تقدم بيانه آنفا .
ولذلك قال الذهبي رحمه الله في "السير "(5/ 520):
عَفَّانُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ ، قَالَ: كَانَ ثَابِتٌ يَقُوْلُ: " اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَعْطَيْتَ أَحَداً الصَّلاَةَ فِي قَبْرِهِ فَأَعْطِنِي الصَّلاَةَ فِي قَبْرِي " .
فأثبت ذلك بالسند الصحيح ، ثم قال :
" فَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الدَّعْوَةَ اسْتُجِيْبَتْ لَهُ، وَإِنَّهُ رُئِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، فِيْمَا قِيْلَ " انتهى .
فذكر ذلك بصيغة التمريض : " فيقال " ، " فيما قيل " إشارة منه إلى عدم ثبوت ذلك بالسند الصحيح .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (142769) .
والله أعلم.
https://islamqa.info/ar/240559