تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: مشروعيَّة التَّعزير بالعقوبات الماليَّة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي مشروعيَّة التَّعزير بالعقوبات الماليَّة

    مشروعيَّة التَّعزير بالعقوبات الماليَّة
    من كتاب : المنتخب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية :
    ( التعزير بالعقوبات المالية مشروع في مواضع مخصوصة في مذهب مالك في المشهور عنه، ومذهب أحمد في مواضع بلا نزاع عنه، وفي مواضع فيها نزاع عنه، والشافعي في قول؛ وإن تنازعوا في تفصيل ذلك، كما دلت عليه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثل إباحته سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده، ومثل أمره بكسر دنان الخمر وشق ظروفه، ومثل أمره عبد الله بن عمرو بحرق الثوبين المعصفرين؛ وقال له: أغسلهما؟ قال: ((لا، بل أحرقهما)) (1) ، وأمره لهم يوم خيبر بكسر الأوعية التي فيها لحوم الحمر، ثم لما استأذنوه في الإراقة أذن؛ فإنه لما رأى القدور تفور بلحم الحمر أمر بكسرها وإراقة ما فيها؛ فقالوا: أفلا نريقها ونغسلها؟ فقال: ((افعلوا)) (2) ؛ فدل ذلك على جواز الأمرين لأن العقوبة بذلك لم تكن واجبة.
    ومثل هدمه لمسجد الضرار ومثل تحريق موسى للعجل المتخذ إلهاً، ومثل تضعيفه - صلى الله عليه وسلم - الغرم على من سرق من غير حرز، ومثل ما روى من إحراق متاع الغال، ومن حرمان القاتل سلبه لما اعتدى على الأمير.
    ومثل أمر عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، ومثل أخذ شطر مال مانع الزكاة، ومثل تحريق عثمان بن عفان المصاحف المخالفة للإمام، وتحريق عمر بن الخطاب لكتب الأوائل، وأمره بتحريق قصر سعد بن أبي وقاص الذي بناه لما أراد أن يحتجب عن الناس؛ فأرسل محمد بن مسلمة وأمره أن يحرقه عليه؛ فذهب فحرقه عليه.
    وهذه القضايا كلها صحيحة معروفة عند أهل العلم بذلك، ونظائرها متعددة.
    ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك عن أصحاب مالك وأحمد؛ فقد غلط على مذهبهما، ومن قاله مطلقاً من أي مذهب كان؛ فقد قال قولاً بلا دليل، ولم يجىء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قط ما يقتضي أنه حرم جميع العقوبات المالية؛ بل أخذ الخلفاء الراشدين وأكابر أصحابه بذلك بعد موته دليل على أن ذلك محكم غير منسوخ.
    وعامة هذه الصور منصوصة عن أحمد ومالك وأصحابه، وبعضها قول عند الشافعي باعتبار ما بلغه من الحديث.
    ومذهب مالك وأحمد وغيرهما أن العقوبات المالية كالبدنية تنقسم إلى ما يوافق الشرع وإلى ما يخالفه، وليست العقوبة المالية منسوخة عندهما، والمدعون للنسخ ليس معهم حجة بالنسخ؛ لا من كتاب ولا سنة ) (3) .
    _________
    (1) رواه مسلم في (اللباس والزينة، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، 2077) ؛ من حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما.
    (2) رواه بمعناه البخاري في (المظالم والغصب، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، رقم 2477، وفي المغازي، باب غزوة خيبر، 4196) ، ومسلم في (الجهاد والسير، باب غزوة خيبر، 1802) ؛ من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
    (3) ((مجموع الفتاوى)) (28 / 110 - 111) .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    التعزير بالمال
    المال لغة: معروف ما ملكته من جميع الأشياء. والجمع: أموال والمال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب: على الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم. ومال الرجل: أي صار ذا مال[1].

    المال في الاصطلاح: قيل: إن المال: هو اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار[2]، وهذا هو تعريف الحنفية.

    وعرفوه أيضاً: بما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة[3].

    وقيل: إن المال: هو ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة[4]. وهذا هو تعريف الحنابلة.

    والفرق بين التعريفين: أن الحنفية لا يعتبرون المنفعة مالاً.

    وأما الحنابلة ووافقهم الشافعية: فيرون أن المنفعة تعتبر مالاً.

    ولا شك أن جعل المنفعة من الأموال أو عدم جعلها منها يترتب على ذلك آثار تتجلى عند التطبيق في المسائل الفرعية، ليس هذا محل بسطها.

    معنى التعزير بالمال
    من قال من العلماء بجواز التعزير بالمال مطلقاً اختلفوا في تفسير التعزير به.

    فقال بعضهم: إن معناه أن يمسك القاضي شيئاً من مال الجاني مدة حتى يكون ذلك زاجراً له عما اقترفه، ثم يعيده لصاحبه عندما تظهر توبته، وليس معناه أن يأخذ الحاكم مال الجاني لنفسه أو للخزانة العامة.

    وعللوا ذلك: بأنه لا يجوز أخذ مال إنسان بدون سبب شرعي يبرر هذا الأخذ[5].

    وفسره على هذا الوجه أبو يحيى الخوارزمي: وهو ما يفعل في خيول أهل البغي وسلاحهم، فإنها تحبس عنهم زمناً حتى إذا تابوا أعيدت إليهم. وصوب هذا الرأي الإمام ظهير الدين التمرتاشي الخوارزمي[6].

    أما إذا أيس الحاكم من توبته فله أخذه والتصرف فيه حسب ما يرى من المصلحة.

    وقالت طائفة: إن معناه أن يأخذه الحاكم ويدعه في بيت المال ويحرمه من ماله.

    وهذا هو المقصود من التعزير بالمال، لأنه أبلغ في الزجر والردع.

    الأدلة على مشروعية التعزير بالمال:
    هناك أدلة كثيرة تدل على مشروعية التعزير بالمال من الكتاب والسنة والإجماع، نذكر طرفاً منها هنا.

    وهناك أدلة أخرى نذكرها عند سوقنا للخلاف في التعزير بالمال.

    أولاً: الأدلة من الكتاب:
    1- قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين َ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾[7].

    وجه الاستدلال:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهدم مسجد الضرار عقوبة لأصحابه لكونه بني ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا تفسير للآية فكانت الآية دليلاً على جواز التعزير بالمال.

    ثانياً: من السنة:
    1- حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فأنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء» رواه أحمد والنسائي وأبو داود. وفي رواية قال: «وشطر ماله»[8].

    وجه الدلالة:
    أن أخذ شطر مال مانع الزكاة عقوبة مالية، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فدل على مشروعية التعزير بالمال.

    2- ما روى صالح بن محمد بن زائدة قال دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالماً عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه» قال فوجد في متاعه مصحفاً فسأل سالماً عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه[9]. رواه أحمد وأبو داود.

    وجه الدلالة من الحديث:
    أن الرسول صلى الله عليه سلم أمر بإحراق متاع الغال فدل ذلك على جواز التعزير بالمال.

    3- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق فقال: «من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة».

    وفي رواية قال سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي تؤخذ من مراتعها قال فيها ثمنها مرتين وضرب نكال، وما أخذ من عطنة ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن، قال يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها، قال: من أخذ بفيه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال" رواه أحمد والنسائي[10].

    وجه الدلالة من الحديث:
    قوله صلى الله عليه وسلم: "عليه غرامة مثليه" وقوله في الرواية الأخرى: "عليه ثمنه مرتين" فهذا يدل على جواز التعزيز بالعقوبة المالية.

    4- عن عبدالله بن عمر عن نافع ومعمر عن أيوب عن نافع عن صفية ابنة أبي عبيد قالت وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بيت رويشد الثقفي خمراً وقد كان جلد في الخمر فحرق بيته، وقال ما اسمك؟ قال: رويشد، قال: بل فويسق[11].

    وجه الاستدلال:
    إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حرق بيت رويشد لما وجد فيه الخمر وهذا تعزير بالمال.

    1- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها فقال: أغد علي بها، ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته" رواه أحمد[12].

    وجه الدلالة من الحديث:
    أن شق الرسول صلى الله عليه وسلم لزقاق الخمر وأمره بذلك، دليل على جواز التعزير بالمال.

    ثالثاً: من الإجماع:
    فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على جواز التعزير بالمال فإن ذلك اشتهر عنهم في قضايا متعددة جداً ولم ينكر منهم منكر.

    فقد حرق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع فيه الخمر.

    وكذلك حرق عمر رضي الله عنه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية.

    وكذلك مزق ثوب الحرير الذي لبسه ابن الزبير. فقال له الزبير: أفزعت الصبي يا عمر، فقال عمر: لا تكسوهم الحرير.

    وكذلك ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه حرق المصاحف المخالفة للإمام إلى غير ذلك.

    فكل هذه الوقائع وغيرها دليل على جواز التعزير بالعقوبات المالية[13].

    آراء العلماء في التعزير بالمال
    اختلف العلماء في جواز التعزير بالمال على قولين:
    القول الأول:
    يرى جمهور الفقهاء جواز التعزير بالمال سواء كان ذلك بإتلاف المال أو أخذه.

    وإليك بعض النصوص من كل مذهب من المذاهب الثلاثة[14] تبين آرائهم في ذلك:
    أولاً: المذهب الحنفي:
    يرى الحنفية جواز التعزير بالمال:
    قال في الدر المختار نقلاً عن شرح الوهبانية (ويكون) أي التعزير: (بالهجوم على بيت المفسدين وبالإخراج من الدار وبهدمها وكسر دنان الخمر وإن ملحوها[15] .

    وقال في الحاشية نقلاً عن البزازية: (ذكر الصدر الشهيد من أصحابنا أنه يهدم البيت على من اعتاد الفسق وأنواع الفساد في داره[16].


    أما بالنسبة للتعزير بأخذ المال فقد منع ذلك أبو حنيفة ومحمد ابن الحسن، وجوزه الإمام أبو يوسف من الحنفية.

    قال ابن الهمام رحمة الله عليه: (وعن أبي يوسف يجوز التعزير للسلطان بأخذ المال وعندهما) أي أبو حنيفة ومحمد بن الحسن (وباقي الأئمة لا يجوز. وما في الخلاصة سمعت من ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي ذلك أو الوالي يجوز ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ ماله مبني على اختيار من قال بذلك من المشايخ كقول أبي يوسف[17].

    ثانياً: المذهب المالكي:
    يرى المالكية جواز التعزير بالمال أخذاً أو إتلافاً.

    قال ابن فرحون: (والتعزير بالمال قال به المالكية ولهم تفصيل في ذلك، فمن ذلك ما روي: عن مالك أنه قال في الفاسق الذي يأوي إليه الفساق وأهل الخمر يخرج من داره وتباع عليه، وكذا روي عنه أنه كان يستحب أن يحرق بيت الخمار المسلم الذي يبيع الخمر، وكذا النصراني بعد أن يزجر عن ذلك ولم ينزجر. وسئل رحمه الله تعالى عن اللبن المغشوش أيهراق قال لا، ولكن أرى أن يتصدق به إذا كان هو الذي غشه، وقال في الزعفران والمسك مثل ذلك سواء كان قليلاً أو كثيراً، وكذا روي عنه في الذي يتلقى السلع أنه ينهى عن ذلك، فإذا عاد تنزع منه وتباع لأهل السوق والربح بينهم، والوضيعة على المتلقي لئلا يستبد أهل القوة بالسلع دون الضعفاء.

    وأفتى أحد علمائنا – وهو ابن القطان الأندلسي- في الملاحف الرديئة النسج بأن تحرق، وأفتى غيره وهو عتاب بتقطيعها والصدقة بها. ثم قال: والفاسق إذا آذى جاره ولم ينته تباع عليه داره، وهو عقوبة في المال والبدن. ومن مثل بأمته عتقت عليه وذلك عقوبة بالمال[18].

    وقال العدوي: (ويكون التعزير بالمال بأخذ أجرة العون من المطلوب الظالم[19] .

    ثالثاً: المذهب الحنبلي:
    الأظهر عند الحنابلة هو القول بجواز التعزير بالمال سواء كان بالأخذ أو بالإتلاف.

    قال في كشاف القناع: (والتعزير بالمال سائغ قولاً واحداً "وقول الموفق" أبي محمد المقدسي لا يجوز أخذ ماله منه إلى ما يفعله الحكام الظلمة[20] .

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والتعزير بالمال سائغ إتلافاً وأخذاً وهو جار على أصل أحمد لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها وقول الشيخ أبي محمد المقدسي "ولا يجوز أخذ مال المعزر" فإشارة منه إلى ما يفعله الولاة الظلمة[21].

    ومعنى قوله: ("جار على أصل أحمد" أي موافق لأصل مذهب الإمام أحمد وليس مروياً عنه، لأن الذي روي عنه جواز التعزير بالعقوبات المالية في مواضع معينة بلا نزاع عنه، ومواضع أخرى فيها نزاع عنه[22].

    وقال في الأحكام السلطانية: (وإذا جاهر رجل بإظهار الخمر فإن كان مسلماً أراقها، وإن كان ذمياً أدب على إظهارها وتراق عليه، لأنها غير مضمونة وكذا المجاهر بإظهار النبيذ فهو كالخمر وليس في إراقته غرم، وكذا المجاهرة بإظهار الملاهي المحرمة فعلى المحتسب كسرها ولا يتشاغل بتفصيلها سواء كان خشبها يصلح لغير الملاهي أو لا يصلح[23].

    وقال ابن القيم: (روي عن الإمام أحمد أنه قال: يقتل الخنزير ويفسد الخمر ويكسر الصليب[24] .

    وقال ابن رجب في القواعد: (القاعدة الأربعون بعد المائة: من سقطت عنه العقوبة بإتلاف نفس أو طرف مع قيام المقتضي له المانع فإنه يتضاعف عليه الغرم ويتخرج على ذلك مسائل: منها:
    إذا قتل مسلم ذمياً عمداً ضمنه بدية مسلم، ومنها: من سرق من غير حرز، فإنه يتضاعف عليه الغرم نص عليه. وقيل: يختص ذلك بالثمر والكثر، ومنها: الضالة يضمن بقيمتها مرتين، نص عليه أحمد في رواية ابن منصور معللاً بأن التضعيف في الضمان هو لدر القطع، وهذا متوجه على أصله في قطع جاحد العارية، ومنها، لو قلع الأعور عين الصحيح فإنه لا يقتص منه وتلزمه الدية كاملة نص عليه، ومنها: السرقة من الغنيمة إذا قلنا هي كالغلول وأن الغال يحرم سهمه منها على رواية، فيجتمع عليه غرم ما سرقه مع حرمان سهمه المستحق منها، وقد يكون قدر السرقة أو أقل أو أكثر[25].

    أدلة المجيزين للتعزير بالمال:
    استدل المجيزون للتعزير بالمال أخذاً أو إتلافاً بأدلة كثيرة ذكرنا جزءاً منها عند حديثنا عن مشروعية التعزير بالمال ونزيد عليها هنا ما يأتي[26]:
    1- قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾[27].

    وجه الدلالة من الآية:
    أن إبراهيم عليه السلام قد كسر أصنام المشركين، وهذا إتلاف للمنكر لردع الكفار وزجرهم، وتبين أن الأصنام لا تنفع ولا تضر، وقد قص الله سبحانه وتعالى علينا ذلك من غير إنكار فكان شرعاً لنا، وكان دليلاً على جواز التعزير بالمال.

    2- قوله تعالى: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾[28].

    وجه الدلالة:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخيل ليهود بني النضير وقطع أشجارهم ليجبرهم على التسليم له أثناء الحصار وأنزل الله تعالى هذه الآية يؤيد فعل الرسول ذلك، فدل على جواز التعزير بالمال إذ أن الشجر والنخل من المال.

    3- كذلك ما ورد أن موسى عليه السلام حرق العجل الذي اتخذه اليهود من ذهب إلهاً لهم، قال تعالى: ﴿ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّه ُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ﴾[29] فدل على جواز التعزير بالمال.

    4- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نيراناً تتوقد يوم خيبر فقال: "علام توقد هذه النيران؟ قالوا: على الحمر الأنسية، قال اكسروها، قالوا ألا نهرقها ونغسلها؟ قال اغسلوا" رواه مسلم[30].

    وجه الدلالة:
    أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكسرها دليل على جواز التعزير بالمال، فإن قيل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عدل عن أمره – قلنا: وإن عدل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأمر بأمر لا يجوز، وكذلك لعله لما رأى طاعتهم وخضوعهم خفف عنهم العقوبة.

    5- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء" رواه البخاري ومسلم[31].

    وجه الدلالة:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم همَّ بإحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة، فدل على جواز التعزير بالمال، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما هو جائز.

    6- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن زنباعاً أبا روح وجد مع غلام له جارية له فجدع أنفه وجبه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فعل هذا بك؟ قال: زنباع، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما حملك على هذا، فقال: كان من أمره كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: للعبد اذهب فأنت حر، فقال يا رسول الله مولى من أنا؟ فقال: مولى لله ولرسوله". رواه أحمد[32].

    وجه الدلالة:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعتق العبد من سيده، ولا شك أن العبد من المال، فدل على جواز التعزير بالمال.

    7- عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال: أمك أمرتك بهذا؟ قلت أغسلهما يا رسول الله؟ قال: بل أحرقهما زاد في رواية: أن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما". رواه مسلم وأبو داود والنسائي[33].

    وجه الدلالة:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يحرقهما عقوبة له لمشابهته الكفار، فدل على جواز التعزير بالمال.

    وقد نوقشت هذه الأدلة من قبل المانعين بمناقشتين:
    المناقشة الأولى: أن العقوبة بإتلاف المال كانت في أول الإسلام ثم نسخت.
    الرد على المناقشة:
    قد رد على هذا الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فقال: (ومن قال أن العقوبات المالية منسوخة وأطلق ذلك فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلاً واستدلالاً فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك وفعل الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضاً لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم ثم قال ومن ادعى أنها منسوخة بالإجماع فهذا خطأ أيضاً فإن الأمة لم تجمع على نسخها، ومحال أن ينسخ الإجماع السنة[34].

    كذلك فإن دعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ.

    المناقشة الثانية: أن الجمهور أجمعوا على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة، والغال من الغنيمة لأنها ثابتة بالدليل.


    الرد على المناقشة:
    أن دعوى الإجماع على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة، والغال من الغنيمة غير مسلمة، وذلك لأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ومن بعدهم قد عزروا بالتحريق فقد ورد عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما حرقا دور الخمر، وحرق علي طعام المحتكرين وغيرها من الوقائع كثير.

    وكذلك قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عمرو ابن العاص بأن يحرق الثوبين المعصفرين، وقد مر معنا ذلك، ولا شك أن هذه الوقائع حدثت في غير المتخلف عن الصلاة وغير الغال من الغنيمة، وما كان لعمر وعلي بن أبي طالب وأمثالهما أن يخالفوا إجماعاً لو كان واقعاً ولم يقرهم الصحابة على ذلك أيضاً، ثم أن التحريق والتكسير وما سواهما كلها من باب التعزير فما الذي يبيح هذا ويحرم ذاك؟.


    القول الثاني:
    يرى بعض العلماء عدم جواز التعزير بالمال، وهذا قول الشافعية في المذهب الجديد، أما القديم: فهو موافق للجمهور، وقد قال به بعض العلماء غير الشافعية.

    قال العلامة أبو الضياء الشبراملسي رحمه الله تعالى: (ولا يجوز على الجديد بأخذ المال[35] .
    وقال الجرداني: (ولا يجوز التعزير بحلق اللحية ولا بأخذ المال[36] .

    ولهم تفصيل في إتلاف بعض الملاهي والمنكرات:
    قال الإمام النووي: (آلات الملاهي كالبريط والطنبور وغيرهما، وكذا الصنم والصليب لا يجب في إبطالها شيء لأنها محرمة الاستعمال ولا حرمة لتلك الصفة.

    وفي الحد المشروع في إبطالها وجهان:
    أحدها: تكسر وترضض حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منها لا الأولى ولا غيرها.


    وأصحها: لا تكسر الكسر الفاحش، ولكن تفصل، وفي حد التفصيل وجهان:
    أحدهما: قدر لا يصلح معه الاستعمال المحرم حتى إذا رفع وجه البريط وبقي على صورة قصعة كفى.
    الثاني: أن يفصل إلى حد لو فرض اتخاذ آلة محرمة ففصلها لنال الصانع التعب الذي يناله في ابتداء الاتخاذ. وهذا بأن يبطل تأليف الأجزاء كلها حتى تعود كما كانت قبل التأليف، وهذا أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه وجماهير الأصحاب) ثم قال بعد ذلك: (وما ذكرناه من الاقتصار على تفصيل الأجزاء هو في ما إذا تمكن المحتسب منه، أما إذا منعه من في يده ودافعه على المنكر فله إبطاله بالكسر قطعاً[37].

    أدلة المانعين من التعزير بالمال:
    استدل الشافعية ومن وافقهم على منع التعزير بالمال بأدلة منها:
    أولاً: عموم الآيات التي تنهى عن أخذ مال المسلم إلا بحق، ومنها:
    أ*- قوله تعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[38].
    ب*- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾[39].

    وجه الدلالة من الآيتين:
    أن الله جلا وعلا حرم أخذ أموال الناس بالباطل والتعزير بأخذ المال يعتبر من أخذ أموال الناس بالباطل فلا يجوز إذاً.

    ثانياً: حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام". رواه البخاري[40].

    وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه" رواه الدارقطني[41].

    وجه الدلالة من الحديثين:
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم مال المسلم إلا بحق، وأخذه عن طريق التعزير أخذ لمال المسلم بغير حق وبغير طيب نفسه فدل على عدم جواز التعزير بالمال.

    ونوقشت هذه الأدلة بما يلي:
    1- أن هذه الأدلة عامة، والأدلة على جواز التعزير بالمال خاصة، فيخصص الخاص العام[42].
    2- أنا لا نسلم أن أخذ المال تعزيراً أخذ للمال بغير حق وبدون مقابل، فإنه في مقابل الجرم والمعصية التي حصلت منه.

    ثالثاً: أن إباحة التعزير بالمال قد يغري الحكام الظلمة فيأخذون أموال الناس بالباطل[43].

    ونوقش: بأن هذا فيه تعطيل لكثير من الأحكام إذ أن هناك أحكام كثيرة يخشى من الجور والظلم في تطبيقها، ولكن لا مناص من إقامتها، ثم إن جعل التعزير من طريق المحاكم الشرعية فإنه لم يعد هناك تخوف من أخذ أموال الناس بالباطل.

    وكذلك فإن الوالي الظالم سيستعمل ظلمه في كل مجال يتاح له سواء بالجلد أو الحبس أو بأخذ المال أو غير ذلك، فليست هذه حجة للمنع من التعزير بالمال فقط بل تنجر إلى غيره، وهذا لا يجعلنا نعطل أحكام الله لمثل هذه الحجة.

    رابعاً: أن إباحة التعزير بالمال تؤدي إلى تمييز الأغنياء على الفقراء لأن الغني يستطيع أن يدفع دائماً، أما الفقير فلا يستطيع ذلك[44].

    ونوقش: بأن عقوبة التعزير بالمال مفوضة للقاضي وراجعة لاجتهاده، فله أن يزيد في التعزير وينقص حسب الحالات والأشخاص، فالغني يزاد عليه في الغرامة والفقير يخفف عنه، وبهذا ينتفي التمييز.

    القول الراجح:
    والذي يترجح عندي والله أعلم هو القول بجواز التعزير بالمال، وذلك لقوة أدلتهم ولما ورد على أدلة المخالفين من مناقشة، ولأن التعزير بالمال قد يكون أشد زجراً من غيره من العقوبات، وذلك لحب الناس للمال وحرصهم الشديد عليه.

    أقسام العقوبة بالمال
    قسم شيخ الإسلام ابن تيمية العقوبات المالية إلى ثلاثة أقسام[45]:
    1- الإتلاف.
    2- التغيير.
    3- التمليك.

    أولاً: الإتلاف:
    وذلك كإتلاف المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعاً لها، مثل الأصنام المعبودة من دون الله تعالى لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها، فإذا كانت حجراً أو خشباً ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها، وكذلك آلات الملاهي مثل الطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وكذلك أوعية الخمر يجوز تكسيرها وتخريقها، والحانوت الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه، وكذلك تتلف الكتب التي تدعو إلى الزيغ والإلحاد وتؤدي إلى زعزعة المسلمين وتضليلهم وانحرافهم وما يشبه ذلك من إراقة اللبن المغشوش الذي قد شيب بالماء كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أفتى طائفة من العلماء بجواز إتلاف المغشوشات في الصناعات من الثياب التي نسجت نسجاً رديئاً أنه يجوز تمزيقها وتحريقها، وكذلك الطعام المغشوش من الخبز والطبيخ والشواء كالخبز إذا لم ينضج أو خلط طعام رديء بجيد، وأظهر الجيد ليدلس على الناس، وقد اختار بعض العلماء أن يتصدق بالمغشوش من الأطعمة والألبسة والأشربة التي لم تكن فاسدة ولا ضارة على الفقراء، لأن في ذلك نفع للفقراء والمحتاجين، وفيه زجر للغاش وعقوبة بحرمانه منه وإتلافه عليه.

    أما بالنسبة للأموال الكثيرة إذا كانت مغشوشة ففي جواز إتلافها خلاف:
    فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز إتلافها ولا التصدق بها لأنه يذهب في ذلك أموال عظيمة على صاحبها ولكن يعاقب الغاش بعقوبات أخرى تردعه وتزجره ولا تضره ضرراً بليغاً كالضرب والحبس مثلاً.

    وذهب بعضهم إلى جواز إتلاف الأموال المغشوشة وإن كانت كثيرة قياساً على القليلة وذلك إذا وجد السبب المبيح للإتلاف كالغش ونحوه.

    ويدخل فيما تقدم من الأشياء التي يجوز إتلافها مما جد في وقتنا الحاضر آلات اللهو كالعود والمزمار وجميع آلات الموسيقى على اختلاف أسمائها، وكذلك الأشرطة الخليعة سواء ما كان منها مسموعاً أو مرئياً أو هما معاً، وذلك كأشرطة الغناء وأشرطة الفيديو والإسطوانات، وكذلك أنواع المعلبات والأدوية المغشوشة أو انتهت صلاحيتها وغير ذلك.

    ثانياً: التغيير:
    وذلك بتغيير المحرم عن هيئته وشكله أو تغيير مادته وذلك كتغيير الرسول صلى الله عليه وسلم تمثال الرجل الذي في بيته بقطع رأسه إلى أن صار كهيئة الشجرة وتغييره الستر الذي فيه تماثيل بتقطيعه وجعله في وسادتين منتبذتين توطآن.

    ويدخل في هذا تفكيك آلات الملاهي وطمس الأشرطة الخليعة وإبدال مادتها بالقرآن أو الخطب أو المحاضرات النافعة وهكذا.

    وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا مما اتفق عليه السلف.

    ثالثاً: التمليك:
    وذلك بإضعاف الغرم على من سرق الثمر المعلق قبل أن يؤويه إلى الجرين، ومن سرق الماشية قبل أن تأوي إلى المراح وإضعاف الغرم على كاتم الضالة.

    وكما أضعف عثمان بن عفان الدية على المسلم إذا قتل ذمياً وقد أخذ بهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

    الغرامة والمصادرة
    مما يدخل في العقوبات المالية على وجه التعزير، هو ما يسمى في النظم الحاضرة بعقوبتي الغرامة والمصادرة.

    والغرامة في اللغة: هي ما يلزم أداؤه[46].
    وفي الاصطلاح: هي تكليف المخالف بدفع مال جزاء على مخالفته.

    ومن الأمثلة التي قيل فيها بالغرامة ما يلي:
    1- إضعاف الغرم على من سرق ما دون النصاب أو من غير حرز أو الثمر المعلق قبل إحرازه. لحديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سئل عن الثمر المعلق فقال: "من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة[47]".
    2- إضعاف الغرم على من يسرق الماشية قبل أن تأوي إلى المراح. لحديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحريسة التي تؤخذ من مراتعها قال: "فيها ثمنها مرتين وضرب نكال[48]".
    3- إضعاف الغرم على كاتم الضالة، لحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها"[49].
    4- إضعاف الغرم على مخالفة التعاليم والنظم التي وضعت للمصلحة العامة كنظام المرور مثلاً، وغير ذلك من الأمثلة.

    والغرامة: ليس لها حد معين لا في الأدنى ولا في الأعلى بل ذلك راجع لاجتهاد القاضي حسب ما تقتضيه المصلحة مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الحالات والأشخاص.

    وقد تكون الغرامة هي العقوبة الأصلية الوحيدة وقد تكون مع غيرها من العقوبات الأصلية كالجلد مثلاً. وقد ذكرنا أمثلة على ذلك فيما مضى.

    المصادرة:
    المصادرة هي: أخذ الأشياء التي توجد مع الجاني أثناء جنايته غالباً، وقد تتناول ماله صلة بارتكاب الجريمة وإن لم يوجد مع الجاني أثناء القبض عليه.

    ومن الجرائم التي قيل فيها بالمصادرة:
    1- الولاة والجباة ونحوهم: إذا استغلوا مناصبهم لكسب الأموال لخاصة أنفسهم بطريق الهدايا والهبات وغيرها كما روي أن عمر شاطر بعض عماله أموالهم. فقد أخذ اثني عشر ألفاً من أبي هريرة رضي الله عنه عامله على البحرين[50].
    وكذلك شاطر سعد بن أبي وقاص ماله حينما عزله عن ولايته وغير ذلك.

    2- الأشياء المحرمة لعينها أو صفتها من الأصنام وآلات الملاهي والخمور ومعاملها، فهذه الأشياء تصادر وتتلف أو تغير عن شكلها الأول.

    3- استيراد أو تصدير بعض المحرمات كالمخدرات على اختلاف أنواعها فتصادر وتتلف.

    4- استيراد أو تصدير ما منعت الدولة مما يضر بالمصلحة العامة أو يخشى منها زعزعة أمن البلاد.

    5- ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد مع السائل من الطعام فوق كفايته وهو يسأل أخذ ما معه وأطعمه إبل الصدقة[51].

    والمصادرة: قد تكون عقوبة كالغرامة تؤدى عيناً متى وقعت على أشياء لا خطر منها ولا جريمة في حيازتها. كأخذ شطر مال مانع الزكاة.

    وقد تكون واقعة على أشياء مباحة ولكنها استعملت في المنكر والمحرم مثل آنية الخمر، ومادة آلات الملاهي وغير ذلك.


    [1] لسان العرب 3/550.
    [2] حاشية ابن عابدين 4/502.
    [3] حاشية ابن عابدين 4/501.
    [4] كشاف القناع 3/141.
    [5] حاشية ابن عابدين 4/61.
    [6] الفتاوى البزازية 2/457.
    [7] سورة التوبة آية: 107-110.
    [8] المنتقى من أخبار المصطفى 2/121.
    [9] سنن أبو داود 2/283.
    [10] نيل الأوطار 7/134.
    [11] مصنف عبدالرزاق 9/227.
    [12] المنتقى من أخبار المصطفى 2/414.
    [13] الحسبة في الإسلام ص: 32، والطرق الحكمية ص: 309.
    [14] لأن المذهب الشافعي قد خالف في ذلك وسيأتي الحديث عنه في القول الثاني.
    [15] الدر المختار 4/64 بهامش حاشية ابن عابدين.
    [16] حاشية ابن عابدين 4/65.
    [17] شرح فتح القدير 5/345.
    [18] تبصرة الحكام 2/163 وما بعدها بتصرف.
    [19] حاشية العدوى على شرح الخرشي لمختصر خليل 8/110.
    [20] كشاف القناع 6/125.
    [21] الاختيارات الفقهية ص: 516، 517.
    [22] الحسبة في الإسلام ص: 31.
    [23] الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص: 278.
    [24] الطرق الحكمية ص: 315.
    [25] القواعد في الفقه الإسلامي ص: 311، 312.
    [26] ذكر الأدلة مجملة بإيجاز ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الطرق الحكمية ص: 318.
    [27] سورة الأنبياء آية: 58.
    [28] سورة الحشر آية: 97.
    [29] سورة طه آية: 97.
    [30] صحيح مسلم بشرح النووي 13/371.
    [31] فتح الباري شرح صحيح البخاري 2/125.
    [32] مسند الإمام أحمد 2/182.
    [33] جامع الأصول من أحاديث الرسول 11/281.
    [34] الطرق الحكمية ص: 309.
    [35] حاشية أبو الضياء الشبراملسي على نهاية المحتاج 8/19.
    [36] فتح العلام بشرح مرشد الأنام 3/906.
    [37] روض الطالبين 5/17، 18.
    [38] سورة البقرة آية: 188.
    [39] سورة النساء آية: 29.
    [40] سبل السلام 2/264.
    [41] المنتقى من أخبار المصطفى 4/140.
    [42] نيل الأوطار 4/140.
    [43] حاشية ابن عابدين 4/61، والتشريع الجنائي الإسلامي 1/706.
    [44] التشرع الجنائي الإسلامي 1/ 706
    [45] الحسبة في الإسلام ص: 33-36، ومجموع الفتاوى 28/ 113-119.
    [46] مختار الصحاح ص: 473.
    [47] نيل الأوطار 7/134.
    [48] المرجع السابق.
    [49] سنن أبي داود 2/239.
    [50] الأموال لأبي عبيد ص: 381.
    [51] تبصرة الحكام 2/298.
    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/37930/#ixzz44DDmszeq
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •