ملخص السؤال:
شابٌّ في مرحلة المراهَقة يشاهد الأفلامَ الجنسيةَ الشاذَّة، ويعشق أقدام النساء، ويريد أن يعود إلى ما كان، ويترك هذه الأفلام ويعيش حياةً طبيعية.
تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ عمري 16 عامًا مِن بلدٍ عربي، أعاني مِن مشكلةٍ كبيرة، وهي عدم ميلي للنساء، لكني أعشق أقدامهنَّ، وهو ما يعرف بمشكلة: الفتشية والمازوخية! وكثيرًا ما أقول لنفسي: أريد أن أكونَ رجلًا وأترك ما أفعله، لكني لا أستطيع.
ذهبتُ إلى المرشد النفسيِّ في المدرسة، وهو مَن أشار عليَّ بطبيب نفسيٍّ، وأرشدني إلى حلِّ مشكلتي النفسية. كنتُ أُخَطِّط لحياتي أن أحلَّ مشكلتي النفسية، وأدرسَ، وأنمِّي قدراتي في الحياة، لكن ذهَب كلُّ ذلك سُدًى، وانقلبتْ حياتي رأسًا على عقب. أما الطبيبُ فقد طلَب مني أن أشاهدَ مواقع إباحية طبيعية، ليس فيها شُذوذ، وحاولتُ أن أفعلَ ذلك، لكني كلما رأيتُها أشعُر باشمئزاز. شعرتُ بعد ذلك بأن حياتي تتوقَّف، ولم تعُدْ طبيعيَّةً، فقد توقفت الدراسة، ولم أعدْ أهتم بصِحتي، وتركتُ الرياضة، وأدمنتُ التدخين، وتركتُ الصلاة، وضعفت علاقتي بربي.
أشعُر بأن الاكتئابَ لا يتركني، أريد أن أتخلَّصَ مِن حالة الإهمال التي أعيش فيها، أخبروني كيف أتخطى ما أنا فيه؟!

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ابني العزيز، لقد أثبتَّ أنت بنفسك أنك لا تخلو مِن العزيمة والتفكير السليم في تجاوُز ما تظن أنك تُعاني منه، فهناك الكثيرُ مِن الرجال والنساء يمُرُّون بنزوات جنسيةٍ غريبةٍ يشعرون مِن جرَّائها بالخجَل والخوف والهزيمة، يمكن أن تتحدَّث عن هذه النزوات على أنها أفكار يُسميها الكثير بـ: الوسواس، ولكن التعبير الأكثر دقَّة هو ما أسميه: "حصارًا فكريًّا" حاصرْتَ نفسَك به.
هذا الحصارُ الذي يحيط الإنسان يكون على أَشُدِّه عندما تكون الأفكارُ مَشحونةً بغريزةٍ جنسيةٍ، لا يستطيع الإنسانُ أن يتعامَلَ معها بسبب عوامل اجتماعية وعائلية وتعليمية وروحية، هذا الحصارُ الفكري الذي يُواجِهُك يمكن أن تستوعبَه كمُواجهةٍ بينك وبين نفسك.
مشكلتُك ليستْ صعبةَ العلاج، ولكنك طرَقْتَ الطريقَ الخاطئ للحلِّ، ويستحيل أن نطفئ الحريق الناتج عن البنزين بالكيروسين، ولا يمكن أن نعالجَ المشكلة بالتعلق بمشكلة أخرى!
يا ولدي، أنت ما تزال في مُقتبل العمر، فلا تسمحْ لحياتك ومستقبلك بالضياع بين جنسٍ ودخانٍ، وها أنت بدأتَ بالحصاد المرِّ لما أوقعتَ نفسك به.
نحن - المُخْتَصِّين النفسيين - مُوقِنُون بأنَّ الأمراض والشذوذات لا تُصيب الإنسان إلا بمحض إرادته.
عزيمتُك وإصرارك ولَهْجَتُك القوية تَدُلُّ على رجلٍ رائعٍ صاحب أهداف حقيقية ومبادئ كامنة في داخلك، فأريدك أن تنسى كلَّ ما قيل لك، وكل ما تعتقده عن نفسك، وتُفَكِّر بشكلٍ منطقيٍّ أكثر؛ والدتُك وإخوتك فرحوا كثيرًا عند ولادتك، ويُريدونك رجلًا قويًّا مُدافعًا عنهم، فكِّر كيف ستُسعدهم حقًّا لو درستَ واجتهدتَ وعدتَ مِنْ جديدٍ لإعمار بلادك، ركِّز على ما وَهَبَك اللهُ مِنْ قدراتٍ ذكَرْتَ بعضَها، ولا تستسلمْ لليأس، ولا ترمِ نفسك في سُلوكياتٍ اصطلح عليها في علم النفس بمسمى: "السلوك الهادم للذات"، دَعْ عنك الثقافة الغربية وثقافة الأفلام والمواقع، وقمْ وتوَضَّأ بماء باردٍ، مُستشعرًا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا توضَّأَ العبدُ المسلمُ فغسلَ وجهَهُ، خرجَتْ مِن وجهِهِ كلُّ خطيئةٍ نظرَ إليها بعينيهِ مع الماءِ، أو معَ آخرِ قَطرِ الماءِ، فإذا غسلَ يديهِ خرجت مِن يديهِ كلُّ خطيئةٍ بطشَتها يداهُ مع الماءِ، أو مع آخرِ قَطرِ الماءِ، فإذا غسلَ رِجليهِ خرجَت كلُّ خطيئةٍ مسَّتْها رجلاه مع الماءِ، أو مع آخرِ قطرِ الماءِ، حتَّى يخرُجَ نقيًّا منَ الذُّنوبِ)).
وصلِّ ركعتين بخشوعٍ، أطِلْ فيهما سُجودك، واسْمَحْ لقلبك أن يُرَفْرِفَ مُحَلِّقًا في السماء، سائلًا الله التوبة والهداية والتوفيق.
أدِمْ على هذا، خاصَّة عندما تضعُف أمام شهوات ونزواتٍ، وابتعدْ كليًّا عن كل ما يُثيرك مِن مواقع وبرامج.
إنَّ ما تُعانيه مِن كراهية للدراسة وغيرها - عنصرٌ نفسي سيئٌ؛ لأنه يقعُد بالهِمَم عن العمل، ويُشَتِّت القلبَ بالقلَق والألم، ويقتُل فيه رُوح الأمل.
والعبدُ المؤمنُ لا يَتَمَكَّن اليأس مِن نفسه أبدًا، فكيف يَتَطَرَّق اليأسُ إلى النفس وهي تُطالع قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]؟ أم كيف يتمكَّن منها الإحباطُ وهي تعلم أن كلَّ شيءٍ في هذا الكون إنما هو بقَدَرِ الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾[الحديد: 22، 23].
فإذا أيقن بهذا فكيف يَيْئَس؟ إنه عندئذٍ يتلَقَّى الأمور بإرادة قويةٍ ورضًا تامٍّ، وعزمٍ صادقٍ على الأخْذِ بأسباب النجاح.
إنَّ القرآن يزْرَعُ في نفوس المؤمنين رُوح الأمل والتفاؤل: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53].
قال بعضُ العلماء: لولا الأملُ ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارسٌ غرسًا.
وَلَا تَيْئَسَنْ مِنْ صُنْعِ رَبِّكَ إِنَّهُ ضَمِينٌ بِأَنَّ اللهَ سَوْفُ يُدِيلُ
فَإِنَّ اللَّيَالِي إِذْ يَزُولُ نَعِيمُهَا تُبَشِّرُ أَنَّ النَّائِبَاتِ تَزُولُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّيْلَ بَعْدَ ظَلَامِهِ عَلَيْهِ لِإِسْفَارِ الصَّبَاحِ دَلِيلُ


لما جاءتْ إبراهيم - عليه السلام - البُشرى بالولد في سنٍّ كبيرٍ أبدى تعجُّبه؛ فـ: ﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُون ِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ [الحجر: 54]، فقالت الملائكة: ﴿ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ ﴾ [الحجر: 55]، قال - عليه السلام -: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
إنَّ الأمور وإن تعقدتْ، وإن الخطوبَ وإن اشتدتْ، والعُسرَ وإن زاد، فالفرَجُ قريب؛ ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، ولا يغلب عسرٌ يسرين: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].
ما دام الإنسانُ حيًّا يتحَرَّك، فلا ينبغي له أن ييئَس، هكذا علَّمَنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - فقد دَخَل عليه حَبَّة وسواء ابنا خالد - رضي الله عنهم - وهو يُصْلِح شيئًا فأعاناه عليه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَيْئَسَا مِنْ طلب الرزق ما تهززت به رُؤوسكما، فإن الإنسان تلده أمُّه أحمر، ليس عليه قشر، ثم يرزُقه الله - عز وجل))؛ صححه ابنُ حِبَّان وابنُ حجَر.
إنَّ الإنسان مُعَرَّضٌ في حياته لأنواع مِن الفشَل في بعض التجارب، وحَرِيٌّ أن يُوقِظَ في نفسه رُوح الأمل، فيراجع نفسه باحثًا عن أسباب الفشل ليَتَجَنَّبها في المستقبل، ويرجو مِن ربه تحقيق المقصود، ويجعل شعاره: لا يأس مع الحياة.
أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالآمَالِ أَرْقُبُهَا مَا أَضْيَقَ العَيْش لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أكبرُ الكبائر الإشراكُ بالله، والأمنُ مِن مَكْر الله، والقنوطُ مِن رحمة الله، واليأسُ مِن روح الله".
عليك بالإكثار مِن الصِّيام، كي تقودَ شهوتك وتُهَذِّبها؛ تحقيقًا لِوَصِيَّةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلينكح، فإنه أغَضُّ للبصر، وأحصن للفرْج، ومَنْ لا، فلْيَصُمْ فإنَّ الصومَ له وِجاء))؛ أي: حافظٌ ومُعينٌ.

أسْهِم في كل عمل خير؛ مِن تعليم وتدريس، وكل خير تستطيع القيام به
وفَّقك اللهُ وأسْعَدك ونفَع بك، وجَعَلَك قُرَّة عين والديك