قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)) (1/ 122، 123) طبعة عالم الفوائد:
وَقَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نَبَاتَةَ : إنَّ شَابًّا شَكَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفَرًا ، فَقَالَ : إنَّ هَؤُلَاءِ خَرَجُوا مَعَ أَبِي فِي سَفَرٍ .
فَعَادُوا وَلَمْ يَعُدْ أَبِي ، فَسَأَلْتهمْ عَنْهُ ، فَقَالُوا : مَاتَ ، فَسَأَلْتهمْ عَنْ مَالِهِ ؟ فَقَالُوا : مَا تَرَكَ شَيْئًا ، وَكَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ ، وَتَرَافَعْنَا إلَى شُرَيْحٍ ، فَاسْتَحْلَفَهُ مْ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ ، فَدَعَا عَلِيٌّ بِالشُّرَطِ ، فَوَكَّلَ بِكُلِّ رَجُلٍ رَجُلَيْنِ ، وَأَوْصَاهُمْ أَلَّا يُمَكِّنُوا بَعْضَهُمْ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ بَعْضٍ ، وَلَا يَدَعُوا أَحَدًا يُكَلِّمُهُمْ ، وَدَعَا كَاتِبَهُ ، وَدَعَا أَحَدَهُمْ .
فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي هَذَا الْفَتَى : فِي أَيِّ يَوْمٍ خَرَجَ مَعَكُمْ ؟ وَفِي أَيِّ مَنْزِلٍ نَزَلْتُمْ ؟ وَكَيْفَ كَانَ سَيْرُكُمْ ؟ وَبِأَيِّ عِلَّةٍ مَاتَ ؟ وَكَيْفَ أُصِيبَ بِمَالِهِ ؟ وَسَأَلَهُ عَمَّنْ غَسَّلَهُ وَدَفَنَهُ ؟ وَمَنْ تَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ ؟ وَأَيْنَ دُفِنَ ؟ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَالْكَاتِبُ يَكْتُبُ ، ثُمَّ كَبَّرَ عَلِيٌّ فَكَبَّرَ الْحَاضِرُونَ ، وَالْمُتَّهَمُو نَ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ قَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ دَعَا آخَرَ بَعْدَ أَنْ غَيَّبَ الْأَوَّلَ عَنْ مَجْلِسِهِ ، فَسَأَلَهُ كَمَا سَأَلَ صَاحِبَهُ ، ثُمَّ الْآخَرَ كَذَلِكَ ، حَتَّى عَرَفَ مَا عِنْدَ الْجَمِيعِ ، فَوَجَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِضِدِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، قَدْ عَرَفْت غَدْرَك وَكَذِبَك بِمَا سَمِعْت مِنْ
أَصْحَابِك ، وَمَا يُنْجِيك مِنْ الْعُقُوبَةِ إلَّا الصِّدْقُ ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ إلَى السِّجْنِ ، وَكَبَّرَ ، وَكَبَّرَ مَعَهُ الْحَاضِرُونَ ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْقَوْمُ الْحَالَ لَمْ يَشُكُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ ، فَدَعَا آخَرَ مِنْهُمْ ، فَهَدَّدَهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِمَا صَنَعُوا ، ثُمَّ دَعَا الْجَمِيعَ فَأَقَرُّوا بِالْقِصَّةِ ، وَاسْتُدْعِيَ الَّذِي فِي السِّجْنِ ، وَقِيلَ لَهُ : قَدْ أَقَرَّ أَصْحَابُك وَلَا يُنْجِيك سِوَى الصِّدْقِ ، فَأَقَرَّ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْقَوْمُ ، فَأَغْرَمَهُمْ الْمَالَ ، وَأَقَادَ مِنْهُمْ بِالْقَتِيلِ .