تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين))

  1. #1

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين))

    هذه مجامع بعض الفوائد والفرائد التى يُستعان بها في تحرير هذه القضية، كنت قد قيَّدتُها في الجواب عن الكتاب المذكور، وقد خَلَّط فيه صاحبُه، ونحا فيها منحىً لم يُسبق إليه؛ إذ ذهب إلى أن إجماعَ المحدثين – ومنهم ابن المديني والبخاري – موافقٌ لما ذهب إليه مسلم من عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين.
    وقد رأيتُ أن أورد مجامعَ هذه النِّكات ههنا؛ تتميما للفائدة، دون استقصاءٍ للقضية المذكورة، فلها موضع آخر.
    (1) تصدير البحث بعبارات لا تراها إلا في كلام العوني.
    @ قال: " لا أُحِلُّ لمن لم يتشرّب قَلْبُه ودمُه وعظامُه الدعوةَ السلفيّةَ، القائمة على نَبْذِ التقليد واعتماد الدليل= أن يقرأ هذا البحث، فإنك لستَ محدِّثًا قومًا بحديثٍ لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. وأي فتنةٍ أعظم من فتنة من يرى التقليدَ هو الدين، ويَعُدُّ اتباعَ الدليل هو البدعة، إذا ما قرأ بحثًا قائمًا على ضدِّ ما يراه؟!"
    فأقول: من عجائب هذا التصدير أنه اقتضى:
    حُكمه المسبق على قاريء هذا البحث إن لم يقتنع بما فيه = أنه لم يتشرّب قَلْبُه ودمُه وعظامُه الدعوةَ السلفيّةَ، القائمة على نَبْذِ التقليد واعتماد الدليل.
    كذلك حكمه عليه بأن عقله لا يبلغ إدراك هذا البحث ولا فهمه.
    وفي هذا من التخويف بإلقاء التهم المسبقة ما يرهب قليل البضاعة في هذا الشأن والعامي فيه.
    والواجب في مثل هذا هو دعوة المتخصصين للنظر وإبداء الرأي فيما وصل إليه مطمئنا إلى أن قوله صواب يحتمل الخطأ! لا أنه كالوحي المنزل الذي يرفضه الأغبياء الذين لا يبرحون التقليد!!

  2. #2

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين))

    ((المنشور الثاني))
    (2) @ ثم قال العوني: في هذا البحث قد ناقشت إحدى مُسَلَّمات التقليد، وسمحتُ لنفسي أن أجعلها مسألةً قابلةً للبحث والعَرْض على الدليل.
    فأوصلني هذا النظرُ السلفيُّ إلى نَسْفِ تلك المُسَلَّمة، وبيان أنها خطأٌ محضٌ، ليس لها من الحقّ نصيب!!
    ... أقول هذا كُلَّه، لشدّة ثقتي بصحّة ما توصّلتُ إليه، .... لكن ماذا أعمل؟! والحقُّ أمامي أراه كالشمس، والأدلّةُ تتوارد تَتْرى على إحقاقه وإزهاق الباطل..... ولا أعلم أحدًا من قرون متطاولة قد أفصح بما ذكرته، ولا قرّر ما حرّرته ... ومن مناقشة تلك المسلَّمة وُفّقْتُ إلى الصواب (بحمد الله تعالى)!!اهـ
    ((أقول)): عاد ليرهب الناظر في بحثه من مخالفة النظر السلفي الذي هو نظر نفسه بالطبع.
    ومقتضى رميه لمخالفه بالحيدة عن المذهب السلفي هو اتهام لأجيال متعاقبة من المحدثين والأئمة والمحققين بذلك، من أول القاضي عياض وهلم جرا، حسب قول العوني نفسه عقب ذلك: حتى جاء القاضي عياض (ت 544هـ)، فنسب ذلك الشرط الزائد، (الذي بدّعه مسلم ونقل الإجماع على خلافه) إلى الإمام البخاري وشيخه علي بن المديني وغيرهما.
    ومن هنا تحوّلت المسألة تحوُّلاً خطيرًا، حيث تبنَّى ابنُ الصلاح (ت 643هـ) الرأيَ المنسوب إلى البخاري. وتتابع العلماء على ذلك، حتى هذا العصر.
    بل صَنّفَ أحدُ العلماء كتابًا منفردًا في ترجيح المذهب الذي نُسب إلى البخاري على مذهب مسلم، وهذا العالم هو أبو عبدالله محمد بن عمر بن محمد الفِهْرِي الشهير بابن رُشَيد السبتي (ت 721هـ)، وذلك في كتابه (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن).اهـ
    وكثير من العبارات التي استعملها العوني مثل: (نَسْفِ تلك المُسَلَّمة) (خطأٌ محضٌ) (لشدّة ثقتي بصحّة ما توصّلتُ إليه) (وإزهاق الباطل) (وُفّقْتُ إلى الصواب) وقبل ذلك (وفيه-أي كتابه المرسل الخفي- نتائج لم أسبق إلى التنصيص عليها من قَبْلُ أبدًا في كتب المصطلح وعلوم الحديث) وغيرها= فيه زهو وإطراء، وأقول له ما قاله العلامة المعلمي في صدر كتابه: (الأنوار الكاشفة): " كنتُ أحبّ له لو ترفَّع عن ذلك وترك الكتاب يُنْبِئ عن نفسه، فإنه - عند العقلاء - أرفع له ولكتابه إن حمدوا الكتاب، وأخفّ للذمِّ إذا لم يحمدوه".

  3. #3

    Post كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين))

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    ((المنشور الثالث))
    (3) قال العوني:
    (أمر يتعلق بتحرير شرط البخاري المنسوب إليه: وهو:
    ما هو حكم الحديث المعنعن الذي لم يتحقق فيه العلم باللقاء أو السماع عند البخاري بناءً على هذا الشرط المنسوب إليه، هل يُحكم بانقطاعه؟ أم يُكتفى بالتوقّف عن الحكم له بالاتّصال؟
    لازمُ هذا الشرط المنسوب إلى البخاري، ومقتضى دليله: أنه لا يُجزم بانقطاع الإسناد الذي لا يتحقق فيه شرط العلم باللقاء، وإنّما يُكتفى بالتوقف، لأن اشتراط العلم باللقاء إنما توجَّهَ عند القائلين به لاحتمال عدم اللقاء، لا لتحقق عدم اللقاء، فإذا لم نعلم باللقاء يقينًا، يبقى احتمال اللقاء واحتمال عدمه احتمالين متساويين، فالتوقّف حينها هو الواجب.
    وهذا هو ما نصَّ عليه مسلم في نقله لمذهب مخالفه، حيث ذكر مذهبه في الحديث المعنعن بين المتعاصرين اللذين لم يُعلم لقاؤهما، ثم قال في حكم هذا الحديث عند ذلك المخالف: ((وكان الخبر عنده موقوفًا، حتى يرد عليه سماعُه منه لشيءٍ من الحديث، قلَّ أو كَثُر..)).
    وهذا هو ما نصَّ عليه ابن القطان الفاسي (ت 628هـ) أيضًا، ونسبه إلى البخاري وعلي بن المديني، حيث قال في الحديث المعنعن الذي لم يُعلم انتفاء اللقاء بين رواته: ((فإن الحكم فيه أن يُحكم له بالاتصال له عند الجمهور، وشرط البخاري وعلي بن المديني أن يُعلم اجتماعُهما ولو مَرّةً واحدة، فهما -أعني البخاري وابن المديني- إذا لم يعلما لقاء أحدهما للآخر لا يقولان في حديث أحدهما عن الآخر: منقطع، وإنما يقولان: لم يثبت سماع فلان من فلان.
    فإذن ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان: أحدهما: هو محمول على الاتصال، والآخر: لم يُعلم اتصال ما بينهما. فأمّا الثالث: وهو منقطع، فلا. فاعلم ذلك، والله الموفّق)).
    أمّا الذهبي فتعقّب ابن القطان بقوله: ((بل رأيهما دالٌّ على الانقطاع)).
    قلت: لكن لازم المذهب، ونصّ مسلم في مقدمته، كلاهما يؤيدان ما ذكره ابن القطان، كما سبق. أمّا موقف الذهبي فغريب مضطرب، لأنّه يصحح نسبة اشتراط العلم باللقاء إلى البخاري، وهذه النسبة إنما تصح على المذهب الذي ذكره ابن القطان هنا، لا على ما اختاره الذهبي.. كما سيأتي شرحه مستقبلاً) انتهى كلام العوني
    ______________________________ __________
    (أقول)
    ثبوتُ الاتصال شرطٌ من شروط قبول الحديث، فإذا لم يثبت الاتصال وفق شرطه عند قائله، لزم عدمُ قبول الحديث حتى يثبت، وعليه فلا يلزم من أجل رَدِّ الحديث الجزمُ بالانقطاع؛ لأن ذلك يحتاج إلى دليل آخر.
    إذًا، فسواء جزم الناقد بالانقطاع، أو توقف فى ثبوت الاتصال، فالنتيجة واحدة من حيث عدم القبول، وإن كان الثاني أخفَّ باعتبار أنه يحتمل أن يقف الناقد فيما بعدُ على شرطه فى الاتصال. لكن إذا وجدنا الناقد ينفي علمه بثبوت ما يدل على الاتصال فى كتابٍ مصنف له، فهل نقول مع ذلك: إنه متوقف فقط، غير جازم بالانقطاع، لعله يقف على ما نفاه بعد ذلك؟ فيه بُعدٌ واضحٌ.
    وهذه هى ثمرة التفريق بين التوقف فى ثبوت الاتصال، والجزم بالانقطاع، وهو افتراض جدلي، لا يُعوِّل عليه أحدٌ فيما أعلم؛ لأن الأصل أن نفي الإمام ما ذكرنا لا يكون إلا مع استقصاء البحث والنظر.
    إذًا، فكلام ابن القطان إذا كان تقسيمًا من حيث التسمية فقط، فلا بأس، أما مِن حيث الحُكم فحسبما قدمنا.
    ولذا فقد تعقبه الذهبي بكلام عمليّ إذ قال: بل رأيهما دال على الانقطاع. يعني بذلك الانقطاع الحكمي، وهو المعتبر هنا.
    وموقف الذهبي – فى ضوء ما حررتُه آنفا – منضبطٌ لا إشكال فيه، وليس فيه غرابةٌ ولا اضطرابٌ كما زعم العوني.

  4. #4

    Post كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين))

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    ((المنشور الرابع))
    (4) قال العوني (ص22):
    تطبيقاتٌ لمسلم تدل على مراعاته للقرائن:
    تجنّب الإمامُ مسلم الإخراجَ للحسن البصري عن عمران بن حصين رضي الله عنه في صحيحه خوفًا من عدم تحقق السماع بينهما، مع أن الحسن البصري وُلد سنة (21هـ)، وتوفي عمران بن حصين سنة (52هـ أو 53هـ). فالحسن معاصرٌ لعمران زيادةً على ثلاثين عامًا، ساكنَ الحسنُ خلالها عمران بين حصين في بلد واحد (هو البصرة) خمس عشرة سنة. ثم إن عمران بين حصين رضي الله عنه كان أحدَ فقهاء الصحابة الذين بعثهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتعليم الناس بالبصرة، فكان عمران بن حصين بذلك متصدِّرًا للتعليم في بلد الحسن البصري، ولم يكن منعزلاً أو محجوبًا بإمارة أو ولاية.
    ومع ذلك كلِّه يقول الحاكم في (المستدرك) عقب حديث للحسن عن عمران رضي الله عنه: ((حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه بطوله. والذي عندي أنهما لم يُخرجا من ذلك خشية الإرسال. . .))...
    ..... فلمَ خشيَ مسلمٌ الإرسالَ، مع تحقق المعاصرة الطويلة؟!
    ______________________________ ______________________________ _
    ((أقول))
    لم يذكر العوني القرينة التى راعاها مسلم في نفي سماع الحسن من عمران – إذا صحَّ ما نسبه الحاكم إلى مسلم – والبخاري – في جزمهما بهذا النفي.
    لكن من الدلائل البيِّنة التى تُراعَى في سماع المتعاصريْن، والتي لا يسعُ مسلما ولا غيره إهمالها: ورود نفي السماع من إمام معتمد في هذا الباب، كيحيى القطان وابن مهدي، وأحمد وابن معين، فقولهم حجة في مثل هذا عند الشيخين، إذا لم يقم عندهما أو أحدهما دليل مناهض لهذا القول.
    وقد قال بعدم سماع الحسن من عمران بن حصين: ابن المديني، وأحمد، وبهز بن أسد العمي، ويحيى بن معين، وهو قول أبى حاتم وغيره.

  5. #5

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين)5

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    ((المنشور الخامس))
    (5) في ص(23 – 25) شنشنة طويلة في تسفيه قول من زعم أنه يقول بأن مسلمًا إنما اكتفى بالمعاصرة وانتفاء التدليس، دون اعتبار بالقرائن، حتى قال:
    وانظر كيف قاد اعتقادُ عدمِ مراعاة مسلم للقرائن إلى ظُلمِ مسلم عليه رحمة الله وذلك في قول ابن رجب: ((ويردُّ على ما ذكره مسلمٌ: أنه يلزمه أن يحكم باتّصال كل حديث رواه من ثبت له رؤيةٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، بل هؤلاء أولى، لأن هؤلاء ثبت لهم اللُّقِيّ، وهو يكتفي بمجرّد إمكان السماع. ويلزمه أيضًا الحُكْمُ باتصال حديث كل من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمكن لُقِيُّهُ له، إذا روى عنه شيئًا، وإن لم يثبت سماعه منه، ولا يكون حديثُه عن النبي مرسلاً، وهذا خلافُ إجماع أئمة الحديث))
    ______________________________ ___________________________
    ((فأقول))
    مسلمٌ قد نَصَّ في مقدمة صحيحه أن من شروط اتصال الإسناد المعنعن: عدم وجود دلالة بينة على عدم اللقاء أو السماع.
    فإذا وجدت الدلالة، اتفق الجميع على الحكم بانقطاع ذلك الإسناد: مسلمٌ؛ لِنَصِّهِ على ذلك، ومخالفُه من بابٍ أَوْلى؛ لأن شرطه أبعد من هذا.
    وإنما محل الخلاف: إذا لم توجد دلالة بينة أو قرينة على ذلك، فمسلم – بحسب كلامه فى ذاك الموضع – لا يتردد – مع توفر الشرطين الآخرين – في أن الرواية على السماع حتى تكون هناك دلالة على خلافه.
    وأما من نَقل مسلمٌ قولَه، فلا يحكم لتلك الرواية بالاتصال حتى يتبين له بالدليل وقوع اللقاء أو السماع ولو مرة.
    في ضوء ذلك يمكن توجيه وفهم ما ألزم به ابنُ رجب مسلما، فأقول:
    من ثبتت له رؤية النبى ﷺ ، فإن كان حينئذ رضيعا أو صغيرا لا يضبط، فتلك دلالة تاريخية بينة على عدم السماع المعتد به، فمسلم كغيره، يرى تلك الرواية مرسلة، لأن الرؤية حصلت في سِنٍّ لا يحتمل، ولذا فقد ذكرهم مسلم فى طبقة ما قبل كبار التابعين؛ لأن لهم حُكمهم.
    وهؤلاء لا يعنيهم ابنُ رجب فى قوله: «ويَرِدُ على ما ذكره مسلم: أنه يلزمه أن يحكم باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من النبى ﷺ ، بل هؤلاء أَوْلى؛ لأن هؤلاء ثبت لهم اللقي، وهو يكتفي بمجرد إمكان السماع»، وإنما يعني من كان وقت الرؤية بالغا، ولم يرد ما يدل على ثبوت السماع أو ما يدل على حضوره مجلس النبي ﷺ ، أو مصاحبته في سفر، أو نحو ذلك مما يمكن معه سماع شىء من حديثه.
    وهذا مُتصور فيمن أسلم يوم الفتح، ولم يهاجر إلى النبي ﷺ، فإنه لا يمتنع أن يسمع من النبى ﷺ شيئا ذلك اليوم، وليست هناك دلالة على عدم السماع، ولم يرو ما يدل على نحو ما سبق، فيكون على قول مسلم حديثه متصل، وعلى قول مخالفه حديثه مرسل، ولو مع ثبوت الرؤية التى هى أبلغ من مجرد إمكان السماع، حتى يثبت السماع ولو مرة.
    ومثل هؤلاء مَن قدم على النبي ﷺ في حجة الوداع، وقد ثبتت رؤيتهم للنبي ﷺ في هذا الجمع الغفير.
    والمخالف لمسلم لا يرى ذلك كافيًا في ثبوت سماعهم لغير ما سمعه عامة الصحابة في خطبة الوداع.
    وكذلك مَن أسلم في حياة النبي ﷺ من أهل الجزيرة، فقد عاصره، وأمكن لقاؤه له، لقرب دار بعضهم، ولم تقم دلالة على عدم سماعه منه. فهذا على قول مسلم ههنا حديثه متصل، ومخالفه لا يرى ذلك كافيا، بل لابد من قيام دليل على لقائه للنبي ﷺ، أو سماعه منه ولو مرة.
    فإذا قامت دلالة بينة على عدم اللقاء أو السماع، كقدومه على النبي ﷺ مسلما إلا أنه لم يدركه؛ لِوَفاته ﷺ، فالجميع متفقون على أن حديثه مرسل.
    وهذا الصنف الأخير من «المخضرمين» وقد ذكرهم مسلم فى طبقاته سردا، ولم يذكر لكل واحدٍ دلالةً على عدم سماعه من النبي ﷺ، إلا أن يكون اعتمد قولَ مَن سبقه من الأئمة في وصف هؤلاء بذلك، أو استدل مع ذلك بكون جُل رواية هؤلاء عن الصحابة، وليس فيها رواية عن النبي ﷺ، ولعله لذلك قد نصَّ ابن رجب في إلزامه بأن يكون مُعاصر النبي ﷺ مع إمكان لقائه: روى عنه شيئا، فحينئذ يكون الإلزام قائما، والله وتعالى أعلم.

  6. #6

    Post كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين)6

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    ((المنشور السادس))
    -----------------مغالطة مكشوفة:----------------------
    (6): قال العوني: ص(27):
    تعبيرُ بعضِ أهل العلم: ((بأن البخاري يشترط العلم باللقاء أو السماع، وأن مسلمًا لا يشترط العلم بذلك)) تعبيرٌ فيه تجوُّزٌ وتسمُّحٌ، الداعي إليه عند هؤلاء العلماء: الاختصارُ، وعدم خفاء المعنى المقصود لدى السامعين. ذلك أن الشيخين كليهما -في الحقيقة- يشترطان العلم بالسماع، لأن هذا هو مقتضى شرط الاتّصال الذي يتّفقُ الشيخان عليه. وإنما يظهر الفرق بين المذهب المنسوب إلى البخاري ومذهب مسلم في وسيلة العلم بالسماع، لا في العلم بالسماع المتّفق عليه بالاتفاق على اشتراط الاتصال. فالبخاري (في الشرط المنسوب إليه) لا يعلم بالسماع حتى يقف على نصٍّ صريح يدل عليه، ومسلمٌ لا يعلم بالسماع إلا بالشروط الثلاثة المذكورة سابقًا.
    لذلك فإن الأدقّ أن يقال في التعبير عن شرط الشيخين: إن البخاري (فيما يُنسب إليه) يشترط أن يثبت لديه نصٌّ صريح دالٌّ على اللقاء أو السماع، وأمّا مسلم فلا يشترط ذلك. مع اشتراطهما جميعًا الاتصال، الذي إنما يُتَصَوَّرُ حصوله باللقاء والسماع.
    وأنبِّه إلى هذا حتى لا يقع في بعض الأذهان أن مسلمًا لا يشترط العلم باللقاء والسماع، بمعنى أنه لا يشترط الاتصال!!

    ومع هذا التنبيه فلا أجدُ عليَّ من غضاضةٍ إذا ما استخدمتُ العبارة المختصرةَ التي استخدمها العلماءُ من قبل، تجوُّزًا وتسمُّحًا أيضًا*. اهـ
    فأقول:
    إنما قال مسلم «... وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا فى عصر واحد...».
    فمسلم قد صرح بأنه يُكتفى بإمكانية اللقاء والسماع للمعاصر، شريطة ألا يقوم دليلٌ ينقض تلك الإمكانية، فالحديث عنده على الاتصال بهذه الإمكانية مع تحقق الشرطين الآخرين، فهو لا يشترط العلم بالسماع بدليل خاص، بل يكتفي بما قدمنا.
    أما مخالفُه فيشترط تحقق العلم باللقاء أو السماع بدليل خاص؛ كثبوت تصريحه بما يدل عليه من ألفاظ الاتصال المعروفة، كسمعت وحدثنا، أو ما يدل على حضور مجلسه أو مماشاته أو نحو ذلك من الأدلة الخاصة المُثبِتة لوقوع اللقاء أو السماع ولو مرة.
    فمسلم لا يشترط – لثبوت الاتصال – تحقُّق العلم باللقاء أو السماع، بل إذا توفرت الشروط التى ذكرها، فالأصل هو حصول اللقاء والسماع.
    ومخالفُه لا يراه أصلا فى ذلك، بل هو على الاحتمال حتى يأتي دليلٌ خارجي يُثبت ذلك، ولو مرة.
    فليس في تعبير أهل العلم بأن البخاري يشترط العلم باللقاء أو السماع، وأن مسلما لا يشترط العلم بذلك: أيّ تجوّز أو تسمّح أو اختصار، بل هي كبد الحقيقة، والله تعالى أعلم.

  7. #7

    Post كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين 7

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    (7) ((المنشور السابع))
    ________تنبيه مهم جدا يكثر فيه الخطأ________
    قال العوني ص(31):
    «من كان مختصا بشيخٍ ملازما له حُملت عنعنته عنه على الاتصال، ولو كان من مشاهير المدلسين، كما هو مقرر فى هذا العلم».اهـ
    أقول:
    هذا الكلام فيه نظر من جهة أنه أطلقه، والصواب أن يكون ذلك أغلبِيًّا.
    وحجة العوني فيما يظهر هي قول الذهبي في ترجمة الأعمش من «الميزان» (2/224). «هو مدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: «حدثنا» فلا كلام، ومتى قال: «عن» تطرّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخٍ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال». اهـ.
    قلت: إبراهيم هو النخعي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة، وأبو صالح: ذكوان.
    وما قاله الذهبي توافقه العادة الجارية، فإنَّ مَنْ أكثر عَنْ شيخٍ حتى كاد أن يستوعب ما عنده من الحديث، فإنه ليس بحاجة إلى التدليس عنه، فإن ما عنده عنه يكفيه ويُغنيه عن مثل هذا، وإنما ربما دلَّس عمن فاته أكثرُ حديثه، فاحتاج إلى الرواية عنه بواسطة، ثم يُسقط تلك الواسطة، ويدلس عن ذاك الشيخ؛ تكثرًا من الرواية عنه مباشرة، ولأسباب أخرى معروفة.
    لكن لا يخفى أن هذا أمرٌ أَغْلَبِيٌّ، والرجل إذا كان مدلِّسًا، وأكثر عن فلانٍ من الناس، ولم يقل: أنا لا أُدَلِّسُ عنه، فإنه لا يمتنع أيضًا أن يسمع عنه حديثًا بواسطة، فيدلسه؛ استحياءً أن يحدث عنه بواسطة مع ما عرف عنه من اختصاصه به وإكثاره عنه، ولأسباب أخرى لا تقضي العادة بامتناعها.
    فهذا المدلِّس وإن كان الأصل في روايته عن شيخه ذاك أنه سمع منه، فهو كمثل سائر القضايا الحديثية أنها أَغْلَبِيَّةٌ، فإذا قيل: فلان ثقة ضابط متقن، لم يخدش في هذا القولِ خطؤه في أحاديث قليلة بالنسبة إلى كثرة ما روى. وإذا قيل: فلان أثبت من فلان في شيخ معيَّن، لم يُطعن في ذلك بانعكاس القضية في بعض الأحوال إذا قامت القرائن على ذلك، وهذا أمر مستفيض ودلائله منتشرة في صنيع الأئمة.
    والناقد إذا استنكر خبرًا، أو وجده مباينًا لما صح واستقر بخلاف معناه، نظر في إسناده مستحضرًا الأحوال التفصيلية لرواته، ويَنْفُذُ في تعليله من خلال مواطن الخلل فيه، معتمدًا على القرائن المعتبرة في كل حالة.
    ومما يؤيد ما يتعلق برواية الأعمش عن مثل هؤلاء الثلاثة الذين أكثر عنهم، ما رواه ابن أبي حاتم في «تقدمة الجرح والتعديل» (ص167) من طريق أبي داود الطيالسي، قال: «نا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم: أن عليًّا كان يجعل للأخوة من الأم - يعني في المشتركة. فقلت للأعمش: سمعته من إبراهيم؟ فقال برأسه، أي: نعم». اهـ.
    فلم يمنع إكثار الأعمش عن إبراهيم أن يسأل شعبة عن سماعه منه؛ احتمالًا لوقوع التدليس.
    وفي «التقدمة» أيضًا (ص72): «قال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قال سفيان -يعني الثوري-: إن الأعمش لم يسمع حديث إبراهيم عن النبي صص في الضحك في الصلاة». اهـ. فقد دلسه عن إبراهيم. وانظر لزامًا: «جامع التحصيل» (ص189-190).
    وفيها أيضًا (ص71): «قال زائدة: كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر، ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له، فيقول: ليس هذا من حديث الأعمش، فنقول: هو حدثنا به الساعة، فيقول: اذهبوا فقولوا له إن شئتم، فنأتي الأعمش فنخبره بذلك، فيقول: صدق سفيان، ليس هذا من حديثنا». اهـ.
    فعلَّق العلَّامة المعلمي في حاشية «التقدمة» (ص70) بقوله: «كان الأعمش رحمه الله كثير الحديث، كثير التدليس، سمع كثيرا من الكبار، [أقول: كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح] ثم كان يسمع من بعض الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار، فيدلسها عن أولئك الكبار، فحديثه الذي هو حديثه هو ما سمعه من الكبار، فمعنى قول سفيان «ليس هذا من حديثه» أنه ليس من حديثه عمن سَمَّاهُ، وإنما سمعه من بعض من دونه فدلسه». اهـ.
    وتنظر ترجمة الأعمش من كتابي (النكت الجياد) رقم 327

  8. #8

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين 8

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    (8) ((المنشور الثامن))
    _______________دعوى ساقطة_________
    قال العوني:
    نسبة القول باشتراط العلم بالسماع إلى البخاري:
    الذي لا يختلف فيه اثنان: أن البخاري لم يُصَرِّح بالشرط المنسوب إليه، وهو اشتراطُ النصِّ الدال على اللقاء أو السماع، وأنه لا صَرّح بذلك في صحيحه ولا خارج صحيحه.
    وهذه قاعدةٌ، نبني عليها، لأنها محلّ اتّفاق.اهـ
    ______________________________ ____
    فأقول:
    أما عدم تصريح البخاري بالشرط المنسوب إليه، فشأنه في ذلك شأن عامة المتقدمين من الأئمة، لا يذكرون مناهجهم وشروطهم بعباراتٍ تعريفية أو بحدودٍ فاصلة، على طريقة متأخري المتكلمين والأصوليين، بل جرت عادتهم باستعمال اللغة الخاصة بأهل هذا الفن، فإذا لم يفهم غيرهم المراد من مفردات تلك اللغة، فالعتْبُ عليهم؛ إذ لم يرجعوا إلى أصحاب التخصص فى ذلك.
    وليس عدمُ نصِّ أئمة هذا الشأن على ما ذكرنا بمسوِّغٍ لمدعٍ: أن يطلق العنان لنسبة ما يتراءى له من شروطٍ للأئمة أو مناهجَ لهم.
    بل الأمر بحاجة إلى طول النظر، والبحث المتواصل، مع توفر الملكة والأدوات اللازمة لفهم تصرفات الأئمة وعباراتهم.

  9. #9

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين 9

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    (9) ((المنشور التاسع))
    _______________مجازفة شنيعة_________
    قال العوني:
    والقاعدة الثانية: أن كتاب (صحيح البخاري) لا ينفع أن يكون دليلاً على صحة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري، ولو تحقّق فيه ذلك الشرط فعلاً دون انخرام، فكيف والشأن أنه لم يتحقق فيه!!!
    أمّا عدمُ صَلاَحِيَتِهِ لإثبات نسبة ذلك الشرط إلى البخاري ولو كان الشرطُ مُتحقّقًا فيه= فلأن البخاري أسَّسَ كتابه على شدّة الاحتياط، وبناه على المبالغة في التحرِّي. فتحقُّقُ ذلك الشرط في صحيح البخاري (لو تحقق) لا يلزم منه أن البخاريَّ كان يشترطه، لأنه حينها خرج مخرج الاحتياط والتَّحَرِّي. فكم من حديثٍ صحيح عند البخاري، لم يخرجه في الصحيح احتياطًا لصحيحه، وكم من رجل ثقةٍ عنده تجنّب التخريج له في الصحيح زيادةً في التنزيه لكتابه. فكما لم يدل تركه لذلك الحديث أنه غير صحيح عند البخاري، وكما لم يدل تجنُّبُهُ ذلك الراوي أنه ضعيف عنده= فكذلك تجنُّبُهُ لحديث من عَنْعَنَ عمّن عاصره ولم يأت ما ينصُّ على لقائه به (لو التزمه البخاري) لا يدل على أن البخاري يردّ هذه الحالة من حالات الحديث المعنعن، ولا يدل (بالتّالي) أنه يشترط العلم باللقاء.
    فإن قيل: هذا فيه مَيْلٌ إلى ترجيح قَوْلِ من زَعَمَ أن شَرْطَ البخاري المنسوب إليه شَرْطُ كمال، بمعنى أنه شرطٌ له في (الجامع الصحيح) لا في أصل الصحّة. فأقول: لا، حاشا أن نميل إلى قولٍ لا دليل عليه، بل الدليل ينقضه. فإني أقول لأصحاب هذا الرأي: أبرزوا الدليل على ما تقولون؟ فالبخاري لم يصرّح به، و(الصحيح) ينقضُه (كما يأتي)، والعلماء لمّا أعلُّوا بعض أحاديث (الصحيح) بعدم السماع -كما يأتي-، لم يعتبروا لهذا الشرط وجودًا، وإلا لكانوا أعرف الناس بقاعدة (من علم حجّة على من لم يعلم)، فما بالُهم بَنَوْا تعليلهم على المشاحّةِ في ذلك؟*! اهـ
    ______________________________ _____________
    فأقول:
    أما عدم صلاحية (صحيح البخاري) لإثبات نسبة شرطٍ ما من شروط الصحة إلى البخاري بحجة أن البخاري قد أسَّسَ كتابه على شدة الاحتياط والمبالغة في التحري، فهذه مجازفةٌ ، تُفقد (صحيح البخاري) أيَّ اعتبارٍ لناظر، أو مجالٍ لباحث، أو متأملٍ لدارس.
    فما عساهُ ينفع النظر والبحث والدرس في كتابِ إمامٍ يبالغ في التحري والاحتياط، فلا يُقاسُ على أحكامه، ولا تصرفاته.
    هذا لو سلمنا بافتراض أن تكون المبالغةُ في التحري أو شدةُ الاحتياط أمرًا خاصًّا بالبخاري، زائدًا على تصرفات الأئمة في تعاملهم مع النصوص، فهل يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد وابن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة، لا يبالغون في الاحتياط في حكمهم على الحديث أو على الرواة؟ وهل لا يوصف الإمام بذلك إلا إذا صنف كتابا في «الصحيح»؟
    لقد اتفق المحققون من أئمة هذا الفن على أن الحديث لا يصلح فيه حُسْنُ الظنِّ، وأنَّ مَبْناه على الاحتياط والتحري، فهو أصلٌ فيه، وكُلُّ أحكامهم وقواعدهم تؤيد ذلك وتؤكده، وما حادَ مَن حادَ مِمَّن بعدهم عن منهج النقد إلا بسبب التفريط في هذا الأصل.
    وهذا موضوعٌ مِن الأهمية بمكان، وقد حاولتُ بَسْطَ القول فيه في رسالتي «القواعد المهمة فى إحياء مناهج الأئمة»، وهي قَيْدُ الجَمع، يسَّر الله إتمامها.
    وللمنشور بقية في المنشور التالي.

  10. #10

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين10

    كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    (10) ((المنشور العاشر))
    _____________البخاري وصحيحه____________
    أقول: البخاري قد صنف كتبا عِدَّة، منها ما جمع فيه ما احتج به طوائف أهل العلم في بعض المسائل محل النظر، ككتاب «القراءة خلف الإمام» و«خلق أفعال العباد»، ورجح من ذلك ما رآه راجحا.
    ومنها ما صنفه ليكون ما يخرجه فيه حجةً بينه وبين الله تعالى، وسماه «المسند الصحيح». فما لم يخرجه فيه، فإن جاء عنه نقلٌ -لا إشكال فيه- أنه صحَّحه، فإن كان مِمَّا لا يَسَعُهُ تركُه؛ لظهور الحاجة إليه في أبوابٍ قد خرجها فى صحيحه، فإنه لم يُغفله – مع وضوح الاحتياج إليه، واستغناء البخاري بالخفي فى ذلك – إلا لأنه لم ير ذلك الحديث صالحا لأن يخرج في مصافِّ ما يُحتج به في بابه، وأما إن كان مما يَسَعُهُ إغفالُه؛ لإخراجه ما يُغني عنه في بابه، فإن كانا سواء، فقد استغنى البخاري بما خرجه، ولم ير في الثاني مزيدَ فائدة، وإن كان في الثاني ما ليس فيما خرجه، فتَرْكُ البخاري له مع ذلك يُشعر بما قدمنا.
    ومن المعلوم لِكل باحثٍ أن البخاري قد أودع اختياراتِه وما يذهب إلى القول به في أبواب العلم المختلفة: فيما بوَّب به، وما خرجه في تلك الأبواب، حتى إنه قد اشتهر بين المحققين أن «فقه البخاري» في تراجمه، فهل بالغ أيضا فى التحري والاحتياط في اختياراته تلك، بحيث لا يمكن أن يُستفاد مما فيها من أحكام ونظر واجتهاد، إلا لمن أراد الاحتياط والتحري البالِغَيْن؟.
    فالحَقُّ أن هذه النظرة لكتاب «الصحيح» للبخاري قد اخترعها بعضُ متأخري المحققين، ولا أثر لها عند المتقدمين،َ لكن مما أَكْسَبَ كَتاب «الصحيح» مكانتَهُ: نُدْرَةَ ما صفا للنقاد من تعقباتهم على البخاري فيه، بخلاف غيره من الكتب.
    فزَعْمُ أن البخاري قد وضع لأحاديث هذا الكتاب ورواته شروطا: هي فوق المقاييس التى تعارف عليها النقاد حينئذٍ؛ زيادةً في الاحتياط والتحري: زعمٌ خالٍ من أي تحقيق أو تحرير.
    وقد عاد العوني فنقض ما ذكره من أن كتاب (صحيح البخاري) لا يصلح أن يكون دليلا على صحة نسبة ذلك الشرط إلى البخاري للسبب الذى ذكرناه عنه آنفا، بِرَدِّهِ على مَن زعم أن شرطَ البخاري المنسوبَ إليه شرطُ كمال، بمعنى أنه شرطٌ له في (الجامع الصحيح) لا في أصل الصحة، مع أن ما ردَّه هو من مقتضيات ما أكَّدَهُ قبل ذلك، لكنه فضَّل انتفاء هذا الشرط عن البخاري أصلا.

  11. #11

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين11

    11- كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    ((المنشور الحادي عشر))
    قال العوني: ص(37 – 38)
    العلماء الذين استدلّوا - على اشتراط البخاري السماع- لم يلجؤوا إلى (صحيح البخاري) لانتزاع الأدلّة منه، وإنما ذهبوا إلى كتب البخاري الأخرى كـ (التاريخ الكبير) و(الأوسط) و(القراءة خلف الإمام). فعلوا ذلك مع أن (صحيح البخاري) هو المُسْتَدَلُّ له والمقصود بالمسألة أصلاً، وفعلوا ذلك مع خبرتهم الكبيرة بـ (صحيح البخاري)، كصاحبي (فَتْحَيِ الباري). ابنِ رجب، وابنِ حجر**!! تأمَّلْ هذا الأمر وتدبَّرْهُ: لِمَ فعلوا ذلك؟! فستصلُ إلى أن جوابَ هذا الموقفِ الغريبِ في أحد احتمالين: إمّا أنّهم لم يجدوا فيه الدليل*! أو أنّهم عرفوا أنه لا يصلح للاستدلال (كما سبق بيانه)! وأيَّ الجوابين رضيتَ، فهو الذي سيعينُك على معرفة الحق في هذه المسألة (إن شاء الله تعالى).اهـ
    __________________________
    فأقول: لا هذا ولا ذاك، فإنه لا فرقَ بين مذهب البخاري فى (الصحيح) وغيره في أصل ما يَتوقف عليه قبولُ الحديث أو ردُّه، لكن قد يتخفف البخاري من بعض الشروط خارج (الصحيح) في مفردات أسانيد يراها دالةً بمجموعها على صحة ما يستدل عليه.
    والباحث عن دليل شيء يعمد إلى الأصرح والأوضح من ذلك.
    وصنيعُ البخاري في غالب صحيحه إنما هو : «تصرفاتٌ» تحتاج إلى فهم خاص، مع البحث في قرائن خارجية، أما في كتبه الأخرى فهي عباراتٌ صريحةٌ وواضحةٌ، وذِكْرُ إدراكِ ولقاءِ وسماعِ الرواة بعضهم من بعض في تلك الكتب- لا سيما التاريخ- من أعظم المقصود فيها، كما يُعلم باستقراءها.

  12. #12

    افتراضي كشف شبهات الدكتور حاتم العوني في كتابه: ((إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين12

    12- كشف شبهات الدكتور/ حاتم العوني .
    (12) ((المنشور الثاني عشر))
    عاد العوني ليدعي (42 – 43) أنه لا فرق بين قولهم: «لا أعرف لفلان سماعا من فلان» و: «لم يسمع فلان من فلان» وأنهما جميعا جزمٌ بالانقطاع.
    ____________________________
    فأقول:
    سبق أن ذكرتُ أن تحققَ الاتصال شرطٌ في ثبوت صحة الرواية، ومقتضى كونِ الشىء شرطا لصحة أمرٍ ما: أنه ما لم يتحقق ثبوتُ ذلك الشرط، لا يمكن الحُكم بصحة ذلك الأمر، فنافِي الصحة: على أصله حتى يتبين له أو لغيره – ممن هو على مذهبه- ثبوتُ ذلك الشرط.
    فإذا تحقق من عدم ثبوته جزم بعدم الصحة، وإذا لم يتحقق من ذلك، ولم يقف على ما يفيد الثبوت كان على أصله في لزوم ثبوت الشرط.
    ففى الحالتين لا يثبت عنده ذلك الأمر: تارة للجزم بالبطلان، وتارة لتخلف شرط الصحة.
    ففي مسألتنا هذه يُعبر الناقد عن الحال الأولى بقوله مثلا: «فلان عن فلان منقطع» أو «مرسل» أو «لم يسمع فلان من فلان»، وفي الحال الثانية يقول: «لا أعرف أو: لا أعلم لفلان سماعا من فلان» ونحو ذلك من العبارات الدالة على ما قدَّمنا.
    فلما لم يتحقق عدم ثبوت السماع بدليل خاص- فلم يجزم بالانقطاع-، اكتفى بالتنصيص على عدم توفر شرطه فى الاتصال وهو العلم بالسماع، ليدل على عدم اعتداده بهذه الرواية حتى يثبت عنده ذلك، فربما قال حينئذ: هذا إسناد ليس بمتصل مثلا، يعني لم يتوفر فيه عنده شرط صحة الاتصال.
    فاحتجاج المحققين بقول البخاري وغيره: «لا أعلم لفلان سماعا من فلان» على أنه اشتراطٌ للعلم بالسماع لثبوت الاتصال احتجاجٌ صحيحٌ وواضح.
    ● وقد ينفي الناقدُ علمَه بسماع راوٍ من آخر، فهو على أصله السابق ذِكْرُه، ثم يدعم ذلك بقرينةٍ تُقَوي ثبوت عدم السماع - الذى لم يتحقق من ثبوته – كأن يقف على رواية بواسطة بين الراويين، أو كأن يذكر أنه لم يعلم ما يدل على إدراك الراوي الأول للثاني.
    ● وقد يجزم الناقد – مع عدم علمه بالسماع – بالانقطاع أو الإرسال بناءً على أصله في لزوم تحقق شرط العلم بالسماع، فالحديث عنده مرسل لِما سبق من فَقْد شرط الاتصال.
    ولا يلزم أن يكون الانقطاع مجزوما به في كل موضع، بل إذا تخلف شرط الاتصال كان للإسناد حُكم الانقطاع كما بيناه آنفا.
    ● وقد ينفي الناقدُ العلمَ بالسماع في وقتٍ، وتستقر نفسُه على ذلك، فيجزم بعدم السماع في وقتٍ آخر؛ لدليل وقف عليه، أو لغلبة ظن، أو لقرينة، ونحو ذلك، لكن هذا قليل جدا، بل نادر الوقوع، ويمكن حمله على محامل أخر.
    ● وقد يختلف ناقدان؛ فيجزم أحدهما بالانقطاع، ويتوقف الثاني، بحسب قوة ما توفر لكل منهما من الدلائل، وإن كانا جميعا لا يريان فيه حجة كما سبق.
    والمقصود هنا أن نفي العلم بالسماع ليس هو نفيا للسماع في نفس الأمر، وإن كان له حُكمه، والله تعالى أعلم.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •