الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد :

فهذه الحلقة الثانية من سلسلة المقالات التي أعدها تبرئة للأئمة مما نسب إليهم من عقائد المرجئة .

وسأتناول في هذه الحلقة الإمام ابن سحمان رحمه الله ؛ حيث استُدِلَّ بكلام له أن تارك أعمال الجوارح لا يكفر ؛ مع أنني اعتقد والله أعلم أن الإمام رحمه الله لم يخطر بباله ولو لوهلةٍ شيئا من هذه العقيدة الفائلة (1) .

والكلام الذي فُهِمَ على غير مقصوده هو قوله رحمه الله : ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله، إذا قامت عليه الحجة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه ..اهـ المراد من الضياء الشارق

قلت : وسأنقل لك أخي القارئ شيئا من أقوال الإمام التي تُظهِر لك جلياً أن ما بين النقل والفهم كما بين المشرقين !

1- تكفير الشيخ لتارك الصلاة حيث قال في قصيدة له :

ومن لا يصلي فهو لا شك كافر ... كما قاله المعصوم أكمل سيد

والذي يكفر تارك الصلاة فهو بلا شك يكفر تارك أعمال الجوارح !

2- توضيحه لمعاني أحاديث الشفاعة :

قال رحمه الله كما في الدرر السنية (2/250-251) :

وقد أخرج البخاري في صحيحه، بسنده عن قتادة ، قال : حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم " ومعاذ، رضي الله عنه رديفه على الرحل" قال : يا معاذ ! , قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : يا معاذ ! , قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثلاثا، قال : ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرم الله تعالى عليه النار. قال: يا رسول الله، أفلا أخبر الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكِلوا . فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً.
قال شيح الإسلام وغيره في هذا الحديث ونحوه : أنه فيمن قالها ، ومات عليها كما جاءت مقيدة ، لقوله : خالصاً من قلبه . غير شاك فيها بصدق ويقين ، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة، فمن شهد أن لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه، دخل الجنة، لأن الإخلاص، هو انجذاب القلب إلى الله تعالى، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحا، فإذا مات على تلك الحالة نال ذلك.
فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، وما يزن خردلة ، وما يزن ذرة ؛ وتواترت بأن كثيرا ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار ثم يخرج منها ؛ وتواترت بأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود من ابن آدم(2) ، (( فهؤلاء كانوا يصلون، ويسجدون لله )) ؛ وتواترت بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله وشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال .اهـ

وفي هذا التوضيح إزالة للإشكال الحاصل مؤخراً من أحاديث الشفاعة حيث جاء التصريح بأن هؤلاء الذين لم يعملوا خيراً قط (( كانوا يصلون ! )) .

3- تصريح الشيخ رحمه الله أن العمل ركن من أركان الإيمان لا يكون المرء مسلماً إلا به ؛ حيث قال كما في الدرر السنية (2/350) :

فلا بدّ في شهادة ألا إله إلا الله من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، (( وعمل بالأركان ))، فإن اختل نوع من هذه الأنواع لم يكن الرجل مسلماً , فإذا كان الرجل مسلماً. وعاملاً بالأركان، ثم حدث منه قول ، أو فعل أو اعتقاد يناقض ذلك لم ينفعه قول : لا إله إلا الله ؛ وأدلة ذلك في الكتاب والسنة ، وكلام أئمة الإسلام ، أكثر من أن تحصر .اهـ

وفي هذا إن شاء الله بيان شافٍ من الريبة كافٍ في إيصال المراد لمن قصد اتباع الحق.

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد.

________

(1) التافهة .
(2) رواه البخاري 806 , وفيه : حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُ مْ وَيَعْرِفُونَهُ مْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ قَدْ امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ .الحديث
فتأمل قوله : يعرفونهم بأثر السجود . وأيضا قوله : وهو آخر أهل النار دخولا الجنة ليزول عنك الإشكال .

_________________________


أتممته في :
يوم الخميس 2 جمادي الأولى 1437هـ

كتبه :نواف الشمري