72- في تعاليل القائسين للأحكام والمعلّلين للأفعال:
ذكر بعض أهل العلم أن تعاليل القائسين للأحكام والمعلّلين للأفعال، أفسدت من الشريعة أكثر مما أصلحت، ونبّهت العقول على ما لم تكن به شعرت. ولم يكُ في القياس و التعليل ما يرضي العقول من هذه الإقناعيات التي قامت بإزائها اعتراضات الأوائل و جدل المتكلمين.
قال له قائل: فما الحيلة في ذلك ؟
قال حنبلي:
يكفي أن يكون الإنسان مستطرحا على باب التسليم للحكيم الأزلي - جلّت عظمته - بلا اعتراض يحوِج الى الاعتلال.
قال له العالم: يا هذا، تطلبون من الناس الإمساك عما لم يستطع الأنبياء الإمساك عنه! أليس هذا الكليم يقول لعالم قد أعلمه الباري أنه آتاه علما من لدنه: (أَخَرَقْتهَا لِتُغْرِق أَهْلهَا) (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ). ليس في العقول أن تصبر عن الاعتراض وهي معايير التحسين و التقبيح. و الباري سبحانه لم يقل له: ( ليس لك هذا، ولا جواب لاعتراضك )، بل عدل الى إجابته بمثل ما نطق به العلماء من التعاليل الاقناعية التي لا ترضي هؤلاء الذين زعمتَ أنهم يعترضون.
فإنا إذا قلنا لهم: ( كسر السفينة لئلا تؤخذ في الصخرة) (وقتل الغلام لئلا يبلغ فيكفر ويكفر أهله) تضاحكوا بهذه التعاليل، وأخلدوا الى التعطيل، وقالوا : ( أليس كان في سعة القدرة منع الفساد بغير فساد ؟ فما بال هذا العلاج بالإفساد ؟ )
ومعلوم أن الله سبحانه قنع به بياناً لحكمة الكسر و القتل، وموسى قنع به عذرا لما وقع، فإذا لم يقنع به آحاد أهل وقتنا، كان ذلك تعطيلا لتعاليل الشرع.
فإذا عاد الواحد بعد هذا الرد للتعليل يقول (أنا أرجع الى الرضا و التسليم ) قلنا له إنما يكون هذا منك حسنا إذا كان اطّراحك لكل علة نطق بها مخلوق و استخرجها متكلم، فأما إذا كنت تقول (أنا لا أرضى بهذا التعليل الذي صرّح به الشرع )، وكان عدم رضاك ، لأنه عذر غير شاف في العقل، فلا فرق بين قولك هذا لرد تعليل الشرع و بين قولك هذا في أفعاله التي لم يكشف عن التعليل لها، فإما أن تسلم الكل، الأفعال المعللة بعلل الشرع و الغير معللة، وترضى بعلل الشرع وبيان وجه الحكمة التي بيّنها، وإما أن لا ترضى بالكل، ثم تقول ( أنا أسلم)، فلا تسليم مع ردك التعليل، كما لا تسليم مع ردك للأخبار، لأن الجميع منه سبحانه.
فأما أن تقول ( أنا أسلم أفعاله، وأرضى بها كيف كانت، ولا أرضى بتعليله )، فلا فرق بين ردك لفعله، أو لمصلحة فعله التي بيّنها وكشف عنها ورضي بها.
ومثال أذكره لإبطال هذا المذهب :
إن قائلا لو قال: ( أنا أثق الى حكمة هذا الطبيب، فأيّ شيء طبني به من دواء أو فصد سلّمته لحكمته ) حَسُن هذا القول منه، فإذا فصده ذلك الطبيب فصدة منكرة فقال له هذا المسلِّم: ( لمَ فصدتي هذه الفصدة ؟ ) فقال: ( لكذا وكذا ) -أمرٌ ذكره من الأمراض وادعى أنه يصلح له الفصدة المنكرة- فقال المدّعي الثقة الى حكمته ( ما هذا تعليل يرضي ولا يقوم لك به عندي العذر) لَعُدَّ متناقضا في قوله، حيث ادعى جملة الحكمة و التسليم لها، ثم إنه اعترض على التعليل الصادر عن الفاعل بالحكمة. فيعطي هذا أن من وجبت الثقة به في الفعل وجبت أن تحصل الثقة به في تعليل الفعل. والله أعلم.
(كتاب الفنون)
73- قصة دارٌ مسكونةٌ بالجنّ:
حكى ابن عقيل في الفنون، قال:
كان عندنا بالظفرية دار كلما سكنها ناس أصبحوا موتى. فجاء مرة رجل مقريء، فقال: أكروني إياها.
فقالوا: قد عرفت حالها.
قال: قد رضيت.
فبات بها وأصبح سالماً. فعجب الجيران، وأقام بها مدة، ثم انتقل، فسئل عن ذلك فقال: لما دخلتها صليت العشاء، وقرأت شيئاً، وإذا بشاب قد صعد من البئر، فسلم علي، فبهت، فقال: لا بأس عليك، علمني شيئاً من القرآن. فشرعت أعلمه. فلما فزعت قلت: هذه الدار كيف حديثها؟ قال: محن قوم من الجن مسلمون نقرأ ونصلي، وهذه الدار ما يكتريها إلا الفساق، فيجتمعون على الخمر، فنخنقهم.
قلت: وفي الليل أخاف منك فأجعل مجيئك في النهار.
قال: نعم. فكان يصعد من البئر في النهار، ووالفته. فبينما هو قاعد عندي يقرأ إذا بمعزم في الدرب يقول: المرقي من الدبيب ومن العين ومن الجن.
فقال: إيش هذا؟ قلت: هذا معزم يعرف أسماء الله، ويفعل ما تسمع.
فقال: اطلبه. فقمت وأدخلته، فإذا بالجني قد صار ثعباناً في السقف، فضرب المعزم المندل وعزم، فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل. فقام ليأخذ ويدعه في الزنبيل، فمنعته، فقال: أتمنعني من صيدي؟ فأعطيته ديناراً وأخرجته. فانتفض الثعبان، وخرج الجني وقد ضعف واصفر وذاب، فقلت: ما لك؟ قال: قتلني هذا الرجل بهذه الأسامي، وما أظنني ألفح، فاجعل بالك الليلة، متى سمعت من البئر صراخاً فانهزم.
قال: فسمعت تلك الليلة النعي، فانهزمت.
قال ابن عقيل: وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار.
(آكام المرجان للشبلي)
74- حكمة:
لا ينبغي للملك ولا لصدر من الصدور أن يُظهر من الغضب إلا بحسب ما أعدّ له من العقوبة. فإن كانت بطشته دون غضبه، حُقّر غضبه، واستهين بسخطه، وانكشف عجزه.
وقد قال الناس في ذلك: (إذا ما غضب السّوقيّ ، فالحبة تٌرضيه ).
(كتاب الفنون)
75- شذرة:
قال ابن مفلح: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ :
وَاَللَّهِ مَا أَعْتَمِدُ عَلَى أَنِّي مُؤْمِنٌ بِصَلَاتِي وَصَوْمِي، بَلْ أَعْتَمِدُ إذَا رَأَيْتُ قَلْبِي فِي الشَّدَائِدِ يَفْزَعُ إلَيْهِ ، وَشُكْرِي لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ.
قَدْ صُنْتُكَ بِكُلِّ مَعْنًى عَنْ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا لِعَبْدٍ وَأَعْلَمْتُكَ أَنِّي أَنَا الْخَالِقُ الرَّازِقُ فَتَرَكْتَنِي وَقَبِلْتَ عَلَى الْعَبِيدِ ، كُلُّكُمْ تَسْأَلُونِي وَقْتَ جَدْبِ الْمَطَرِ ، وَبَعْدَ الْإِجَابَةِ يَعْبُدُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. { أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }.
(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي).
76- وعظ وإرشاد:
قال ابن مفلح: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ:
أَمَا تَسْتَحْيِي وَأَنْتَ تُعَلِّمُ كَلْبَ الصَّيْدِ يَأْخُذُ إبْقَاءً عَلَيْكَ فَيَقْبَلُ تَعَلُّمَكَ وَتَكْسِرُ عَادِيَةَ طَبْعِهِ وَتُكَلِّبُ نَفْسَهُ عَنْ الْفَرِيسَةِ وَهُوَ جَائِعٌ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا ، حَتَّى إذَا أَخَذْتَ الصَّيْدَ إنْ شِئْتَ أَطْعَمْتَهُ وَإِنْ شِئْت حَرَمْتَهُ ، يَنْتَهِي حَالُك مَعِي وَأَنَا الْمُنْعِمُ الَّذِي أَنْشَأْتُك وَغَذَّيْتُك وَرَبَّيْتُك إنَّنِي كَلَّفْتُك أَنْ تُمْسِكَ نَفْسَكَ عَنْ الْبَحْثِ فِيمَا يُسْخِطُنِي ، لَمْ تَضْبِطْ نَفْسَكَ بَلْ غَلَبَتْك عَلَى ارْتِكَابِ مَا نُهِيت وَعِصْيَانِ مَا أُمِرْت ، بَلَغَتْ الصِّنَاعَةُ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ الْخَسِيسِ أَنْ يَأْتَمِرَ إذَا أُمِرَ ، وَيَنْزَجِرَ إذَا زُجِرَ ، عُلِّقَتْ الْآدَابُ بِالْبَهِيمِ وَمَا تَعَلَّقَ بِقَلْبِك طُولُ الْعُمْرِ وَكَمَالُ الْعَقْلِ.
تَنْشَطُ لِزَرْعِ نَوَاةٍ وَغَرْسِ فَسِيلَةٍ وَتَقْعُدُ مُنْتَظِرًا حَمْلَهَا ، وَيَنْعَ ثَمَرِهَا ، وَرُبَّمَا دُفِنْت قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ عِشْت كَانَ مَاذَا وَمَا قَدْرُ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا ؟ وَأَنْتَ تَسْمَعُ قَوْلِي { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وَقَوْلِي : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ } هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ لَا تَنْشَطُ أَنْ تَزْرَعَ عِنْدِي مَا تَجْنِي ثِمَارَهُ النَّافِعَةَ عَلَى التَّأْبِيدِ ، هَذَا لِأَنَّك مُسْتَبْعِدٌ مَا ضَمِنْت فِي الْأُخْرَى ، قَوِيُّ الْأَمَلِ فِي الدُّنْيَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ }.
وَتَسْمَعْ : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } . وَأَنْتَ تُحَدِّقُ إلَى الْمَحْظُورَاتِ تَحْدِيقَ مُتَوَسِّلٍ أَوْ مُتَأَسِّفٍ كَيْفَ لَا سَبِيلَ لَك إلَيْهَا.
وَتَسْمَعْ قَوْله تَعَالَى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ }. تَهِشُّ لَهَا كَأَنَّهَا فِيكَ نَزَلَتْ ، وَتَسْمَعُ بَعْدَهَا { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } فَتَطْمَئِنُّ أَنَّهَا لِغَيْرِك .
وَمِنْ أَيْنَ ثَبَتَ هَذَا الْأَمْرُ ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الطَّمَعُ ، اللَّهَ اللَّهَ هَذِهِ خُدْعَةٌ تَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّقْوَى .
(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي).
77- فصل:
قال ابن مفلح: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ:
الطِّبَاعُ الرَّدِيَّةُ أَبَالِسَةُ الْإِنْسَانِ ، وَالْعُقُولُ وَالْأَدْيَانُ مَلَائِكَةُ هَذَا الشَّأْنِ .
وَفِي خِلَالٍ تَعْتَلِجُ وَلَهَا أَخْلَاقٌ تَتَغَالَبُ وَالشَّرَائِعُ مِنْ خَارِجِ هَذَا الْجِسْمِ لِمَصَالِحِ الْعَالَمِ وَمَا دَامَ الْعَبْدُ فِي الْعِلَاجِ فَهُوَ طَالِبٌ ، فَإِذَا غَلَّبَ الْعَقْلَ وَاسْتَعْمَلَ الشَّرْعَ فَهُوَ وَاصِلٌ .
(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي).
78- فصل كلاميّ على جاحدي النبوات:
إن جاءت الحكماء بما واطأ العقل، - كقول القائل منهم للتلاميذ استثارة للرأفة و الرحمة: (يا هؤلاء ! لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان! ألا تستحيون ؟ هذا الحيوان البهيم أسير في أيديكم، يحب الحياة كما تحبون، ويؤلمه من الحجر والحديد والخشب ما منه تألمون، وأنتم عليه متسلّطون!) - فقد قابل ذلك ما جاءت به الرّسل مما أبهر العقل من الأمور الخارقة. وليس حكمة المخلوق بأكثر من حكمة الخالق. والحكيم سبحانه قد آلم الحيوان البهيم ولم يطعن ذلك عند الحكماء في حكمته. فتشريعه لإيلام الحيوان لا يكون طاعنا في حكمته، لأن التعليل لإماتة الحيوان بحكمة إما ظاهرة أو باطنة، وكذلك تشريع ذبحه. فإذا لم يطعن في الحكمة عندكم إماتة الحيوان بفعله، لم يطعن في الشرع عندنا تشريع قتل الحيوان وذبحه.
(كتاب الفنون)
79- مناظرة للمعتزلة:
قال ابن القيم: قال ابن عقيل في مناظرته لبعض المعتزلة:
أنتم اعتمدتم في نفي التثنية على دليل التمانع. وهو بعينه ينقلب عليكم في خلق الأفعال.
لأنا إذا قدرنا أنه تعالى أراد تحريك جسم، وأراد العبد تسكينه، فلا يخلوا إلى آخره ..
وفعل الله لا يدخل تحت مقدور العبد. وفعل العبد لا يدخل تحت مقدور الله عندكم. فلا انفكاك لكم البتة عن هذا السؤال. فأين توحيدكم؟!
(بدائع الفوائد لابن القيم).
80- (بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ):
قوله تعالى: (بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) يدل ذلك على أن لنا استكبارا بحق، وهو الاستعلاء والتعاظم على أهل البغي والكفر والظلم، فذلك استكبار بحق. ولهذا لما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلا يخطر بين الصفين في مشيته فقال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا المقام.
وكذا من أسماء الله المتكبر، إسم مدحة، لأنه عظيم متكبر بالحق، لأنه يتكبر على العصاة والكفار.
(كتاب الفنون)
81- بركات الإخلاص في العمل:
قال ابن القيم: قال ابن عقيل:
شهدت شيخنا ومعلمنا المناظرة، أبا إسحاق الفيروزبادي، لا يخرج شيئا إلى فقير إلا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق، دون التزين والتحسين للخلق، ولا صنف مسالة إلا بعد أن صلى ركعات. فلا جرم شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقا وغربا، هذه بركات الإخلاص.
(بدائع الفوائد لابن القيم).
82- وجدت في تعاليق بعض العلماء :
لايكون الرجل مؤمنا حتى يندرج في مدارج كل واحدة منها تبيّن عند معرفته كفرا لكن غير مؤاخذ به لتركه و الخروج عنه. وذلك أن الباحث يترامى به النظر كل مرمى. كإبراهيم قال عند رؤية النجم (هذا ربي ) وكذلك القمر و الشمس. حتى انتهى به النظر إلى إثبات الفاطر..
وكفر البحث والزلات مغفورة. وأول الإيمان خطور الباري بالبال بحسب الحال التي تكون في المكلف في أول وهلات نظره بإخطار النظر بباله عليها.
وموسى أول قوله (أَرِنِي) وآخر قوله (تُبْتُ إِلَيكَ وَأنا أوّلُ المؤمِنِين).
(كتاب الفنون)
83- ما أعجب شأن العارف، وأعجب شأن الخلق معه !
ما أعجب شأن العارف، وأعجب شأن الخلق معه ! تبذّلَ التجار منهم في طلب الأرباح وتعبئة الأموال ولم يعابوا، وتبذّلَ المحبّون والعشاق والمتيّمون في محبة الأشخاص ولم يلاموا، و تبذّلَ قوم في محبة الخيل والطيور والصيد ولم يعابوا.
تبذّلَ قوم في عبادة بارئهم فكثُر اللوّام والعذّال، واستُهجنت منهم الأحوال والأقوال، وقيل فيهم كل مقول، ونُسبوا الى كل عظيم من الخطأ و مهُول، وقيل: (ما لهم عقول).
ومعلوم أنّ المتبذِّل في الله لا يُلام عقلًا، لأنه ليس فوق إنعامه إنعام، ولا على إحسانه إحسان، نعمه تنهال، وبره لم يزل ولا يزال، يمدح على القليل وهو المعطي، ويرضى باليسير وهو الموفّي. إنكم لفي قول مختلف. لا أرى لك ثبات قدم على ندم، ولا جود، ولا موجود. ما لهذا خُلقت، ولا بذا أُمرت، فارجع وأنب، واستغفر وتب، فقد رحل إخوانك سابقين، و بقيت أنت مع المتخلّفين!
(كتاب الفنون)