تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: دليلُ سلفية أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي:

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    Post دليلُ سلفية أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيّدنا محمد إلى يوم الدين.

    دليلُ سلفية أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي:



    كتاب (جزء في أصول الدين، مسألة في القرآن، لابن عقيل الحنبلي) هو كتاب يمثل الجانب المُشرق من حياة ابن عقيل، ويجسد معتقد السلف الصالح، خاصة في باب الأسماء والصفات.
    وهو كتاب ألّفه أبو الوفاء ابن عقيل في آخر حياته، حيث يقول محقّق الكتاب (الدكتور سليمان بن عبد الله العُمير) يقول عن الكتاب: تاريخ النسخ يعود إلى أوائل القرن السادس كما هو مستفاد من البيانات المثبتة على ظهر النسخة الخطية.
    قلتُ: ومعلوم أن ابن عقيل ~رحمة الله عليه~ توفّي سنة ٥١٣ هجرية.
    وقد اخترتُ منه فصلا. حيث يقول
    ابن عقيل في معرض الرد على الأشاعرة:

    فصل :
    قالت الأشاعرة بالتهجم على تأويل المتشابه وصرف الأحاديث عن ظاهرها بالرأي وحكم العقل خلاف الشرع. وذلك خطر عظيم و غرر جسيم وإثم موبق ودخول في من قال الله عز وجل في حقه: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ).
    فمذهب السلف وأئمة الخلف الإيمان بالأسماء و الصفات توقيفاً لا يخرج عن ظاهرها إلى تأويل دليل العقول و شواهد النظر، و لا يقومون بتفتيش صفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله وتلقتها الصحابة و القرابة بالإيمان بها و التسليم لها من غير رد و لا تأويل لها كما ابتدعته الأشاعرة والكلابية ومن وافقهما من المبتدعة. و قد علموا بأن النقل لما وصل إليهم أنه سئل عليه السلام عن الروح أهو شيء مخلوق يناله الحدوث؟ قال الله له: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) فلما شذَّ عنهم علم باب صفة الروح من أوصافنا، فبأن نمنع من تفتيش وصفه أولى وأحرى. فوجب أن نتلقاه تسليما، ولا نكيّف فنقول ما اليدان وما النفس وما المجيء وما الإتيان وما الوجه وما السمع وما البصر وما النزول وما الضحك؟ وجميع الصفات التي نقلها الثقات والأئمة الأثبات. فيكون سؤالنا عن أوصافه بعد كتمه هذا وصفا من أوصافنا غباوة وجهلا. بل نقول كما قال و نمسك عما وراء ذلك.
    ولو قدمنا على أخذها بقياس أفعالنا جاء من هذا الكفر المحض. فإن من بنى فأتقن ثم هدم، وجمع ثم فرّق، وأمكن من مخالفته فأنظر إبليس مع علمه بأن إنظاره يعود بفساد أكثر خلقه و مخالفة أكثر أوامره. وهذا جميعه في الواحد منّا سفه وهو جل وعز منه حكمة. فإذا كانت أفعاله كذا لا يقوم لها تأويل ولا يصح في العقل لها تعطيل، كان غاية أمرنا التسليم، فأوصافه أولى لأن مفعولاته مخلوقة وأوصافه قديمة.
    ولأن الأشاعرة لا تخلو أن تكون صدقت النقلة فيما روته من أخبار الصفات أو كذبت.
    فإن كانت صدقت: وجب المصير إلى ما قالته و نقلته و ترك تأويله وإمراره كما جاء على ما جاء من ظاهره.
    وإن كانت كذبت: وجب ترك ما قالت ولم يجب تأويله.
    ووجدنا رواة أخبار الصفات أئمة المسلمين و صدورهم و المرجوع إليهم في الفتاوى، كسفيان الثوري، ومالك بن أنس، و الحمّادَيْن، وسفيان بن عيينة، و الأوزاعي، والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، و الشافعي، و يحي بن معين، وأبي عبيد بن سلام، والحميدي، وأبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبي داود السجستاني، والبخاري، ومسلم، ومحمد بن يحي الذهلي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبي زرعة الدمشقي، وأبي عبد الرحمان النسائي، وأبي عيسى الترمذي، وإبراهيم الحربي، وعثمان الدرامي، والمروذي، والأثرم، وأبي بكر بن أبي عاصم، وابن خزيمة، وعبد الله بن أبي داود، وعبد الرحمان بن أبي حاتم، وأبي بكر الأنباري، وأبي سليمان البستي، والدارقطني، وعبد الله الطبري، وغير هؤلاء من الحفاظ الأثبات، هم والله سرج البلاد و نور العباد، فغير جائز أن يكون خبرهم إلا صحيحا.
    وقد ذكرأبو بكر بن الأنباري عن عبد الله بن مسعود وابن عباس قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) قالوا كلهم بأجمعم: الواو للإستئناف و ليست عاطفة. وكذلك قال الفراء وأبو عبيد.
    وذكر أبو سليمان البستي أن الوقف التام في هذه الآية عند قوله: ( إِلاَّ اللَّهُ) وما بعده استئناف. وحكى في ذلك قول ابن مسعود وابن عباس وعائشة.
    وقال إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه: لا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت.
    وقال أيضا: قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمان.
    وقال: خلق آدم على صورته وخلق آدم بيده. كل ذلك نقول به لورود الحديث به.
    وقال أيضا في الأحاديث التي تروي أن الله ينزل إلى السماء الدنيا، وإن الله يضع قدمه في النار، وما أشبه ذلك: نؤمن به ونصدّق به ولا كيف ولا معنى، ولا نردّ شيئا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح.
    وقال أيضا: يضحك الله، ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول.
    وقال أيضا: إن المشبّهة تقول: يدٌ كيدي وقدمٌ كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه.
    وقال أيضا: من قال إن الله خلق آدم على صورته على صورة آدم، فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه!؟
    وقال إسحاق بن راهويه: قد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله خلق آدم على صورة الرحمان، وإنما علينا أن ننطق به.
    وقال ابن قتيبة: إن الذي عندي والله أعلم، أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والسمع والبصر والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لها لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأتنا في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع.
    وذكر أبو عيسى الترمذي في كتابه: (و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم روايات كثيرة منها رؤية الرب يوم القيامة وذكر القدم و ما أشبه هذه الأشياء. والمذهب في هذا كله عند أهل العلم مثل سفيان و مالك و ابن المبارك ووكيع و ابن عيينة و غيرهم أنهم قالوا: أمِّروها و لا تقولوا كيف؟ و هذا أمر أهل العلم الذي اختاروه و ذهبوا إليه). وبالله التوفيق.
    والحمد لله على فضله و أياديه أولاً وآخراً. و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً.


    أنظر خزانة التراث العربي: جزء في الأصول لابن عقيل الحنبلي {مسألة القرآن}.



  2. #2

    افتراضي

    شيخ الإسلام قال في موضع من المجموع أنه عاد إلى السنة المحضة في كتابه الإرشاد

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى :
    وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَمْثَالُهُ قَدْ يَقُولُونَ أَحْيَانًا هَذَا لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ . فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ ... اهــ

    وقال في موضع آخر :
    فَابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِ الْمَادَّةُ الْمُعْتَزِلِيّ َةُ بِسَبَبِ شَيْخِهِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ التَّبَّانِ المعتزليين ؛ وَلِهَذَا لَهُ فِي كِتَابِهِ " إثْبَاتِ التَّنْزِيهِ " وَفِي غَيْرِهِ كَلَامٌ يُضَاهِي كَلَامَ المريسي وَنَحْوِهِ لَكِنْ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَامٌ كَثِيرٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي كِتَابِ " الْإِرْشَادِ " مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِي الْإِثْبَاتِ لَكِنْ مَعَ هَذَا فَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ قُدَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّة ِ والْكُلَّابِيَة فِي أَنَّهُ يُقِرُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَيَتَأَوَّلُ غَيْرَهُ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْحَنْبَلِيَّة ِ: أَنَا أُثْبِتُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ تَعْطِيلِ ابْنِ عَقِيلٍ وَتَشْبِيهِ ابْنِ حَامِدٍ .. اهــ

    وقال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة :
    وذلك:
    أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد، وابن التبان شيخي المعتزلة. وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة، وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله ... اهــ

  4. #4

    افتراضي

    جزاك الله خيرا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    Post


    ومن الدليل على سلفية أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي أيضا:


    فصل:

    وأما دعوى الاشاعرة موافقة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فباطل. أين هم عن قول أحمد رضي الله عنه: (من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر)؟
    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: تكلم الله بصوت. وقال: لا ينكر هذا إلا الجهمية.
    وقال عبد الله: سألت أبي عن رجل قال: التلاوة مخلوقة والقرآن غير مخلوق. فقال: هذا كافر، وهذا فوق المبتدع، وهذا كلام الجهمية ومن وافقهم.
    وقال أيضا فيما رواه عنه صالح ابنه وابن عمه حنبل: قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ). فجبريل سمعه من الله والنبي سمعه من جبريل وسمعه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقال إمامنا أحمد لأبي أحمد الأسدي: يوجه القرآن على خمس جهات: حفظ بالقلب وتلاوة باللسان وسمع بأذن وبصر بعين وخط بيد. ~قال أبو أحمد الاسدي~ فأشكل علي قوله وبقيت متحيرا في ذلك. فقال لي ما حالك؟ القلب مخلوق و المحفوظ به غير مخلوق. واللسان مخلوق و المتلو به غير مخلوق. والاذن مخلوقة والمسموع اليها غير مخلوق. واليد مخلوقة و المخطوط بها غير مخلوق. والعين مخلوقة والمنظور اليها غير مخلوق. قال: فقلت: يا أبا عبد الله، العين تنظر الى السواد و الورق. فقال لي: مه. أصح شيء في هذا حديث ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تسافروا بالقرآن الى أرض العدو) ولم يذكر حبرا ولا ورقا. وهل نهاهم إلا عن الحروف المضمنة فيه ؟
    والاشاعرة تقول: إن جبريل لم يسمع كلام الله من الله. و القراءة عندهم والتلاوة و الكتابة مخلوقة، و القرآن صفة قائمة في نفس المتكلم لا تظهر لاحساس المكلفين، وانما الحروف والاصوات حكايتها.
    واعتمدوا على نفي الحروف والأصوات بأن الحروف متغايرة مختلفة: الألف غير الجيم والميم غير الغين، و القديم لا يتغير ولا يختلف لانه ذات واحدة، ولأن الاصوات تحتاج الى اصطكاك أجرام، والحروف تحتاج إلى مخارج مخصوصة من مجوفات الاجسام، والباري تعالى ليس بجسم ولا ذي آلات ولهوات، فبطل أن يكون الكلام الا وصفا قائما بنفس المتكلم .
    وهذا باطل والجواب عنه من وجوه:
    أحدها: من حيث اللغة. والثاني: القرآن المرتب بظهوره على اللغة. والثالث: السنة. والرابع: أدلة العقول.
    أما طريق اللغة: فإنه إجماع أهل اللسان على أن الممسك عن الحروف والاصوات من غير آفة ساكتٌ وإن كان يمكن أن يكون متفكرا. فلو كان الكلام هو لتصوير في النفس لكان المتفكر أحق بإسم المتكلم من الذي تظهر منه الحروف والاصوات، ولوجب ألا يسمى القارئ غير المتفكر فيما يقوله متكلما، ولوجب ان يكون المعتبر متكلما لانه على أصلهم متكلم، وسقط عنه تسمية الاعتبار والتفكر وإن لم يبد منه النطق وإنما قام فيه فكر في النفس.
    وأجمع فقهاء شريعة الاسلام على ان من حلف لا يتكلم فتفكر لم يحنث. وبخلاف هذا من ظهرت منه الحروف والاصوات سمي متكلما وان لم يكن له فكر ولا تزوير ولا اعتبار. ولهذا سمى الله الأيدي والأرجل متكلمة بقوله: (وَتُكَلِّمنَا أَيْدِيهمْ) لكونها تنطق بالشهادة عليهم و ان لم يوجد منها فكر ولم يكن لها نفس يقوم بها الكلام الذي يشير إليه الاشاعرة.
    ولهذا قال الله عز وجل: ( وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). ولا يخلو أنه عز وجل يريد ألاّ يسمعهم صوته .. لا جائز أن يريد ألاّ يكون في نفسه كلام لهم، لأن عند الاشعري أن كلام الله الذي هو وعيد الكفار وامرهم ونهيهم هو قائم في نفسه اليوم ويوم القيامة وكل يوم من ايام الابد لا يزول عنه. لم يبق إلا أنه أراد ألاّ يسمعهم صوته. فثبت أن كلامه تعالى هو الصوت المسموع بالمعاني المخصوصة ليقع به الفهم. فهذا دليل اللغة.
    وأما دليل الكتاب: فقوله تعالى: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) فسمى الذي سمع من القارئ كلاما له. وعند الاشعري أن المسموع ليس بكلام وإنما الكلام هو المعنى القائم بالنفس. وهذا خلاف ظاهر لنصه سبحانه وتعالى.
    وقال تعالى: (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى). وقال: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) إلى قوله (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) فقرن النداء بالسمع. ومعلوم أن السمع لا يحله شيء سوى الصوت سيما وقد قرن به النداء، و النداء لا يكون إلا صوتا. ولقد وردت به السنن والآثار أكثر من أن تحصى، منه ما روي أنه نادى عليه السلام بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار)، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم: (رفع صوته بالتلبية)، وأشباه ذلك كثير.
    وفي سياق الآية ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ). ولا يقول غير الله أَنَا اللَّهُ إلا ويكون كاذبا. كيف وقد خص الله ذلك بقوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ)؟ وقد عنَّف نبيا من أنبيائه بقوله: (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ).
    وقال سبحانه وتعالى: (طسم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ). فذكر جل جلاله حروفا وكنى عنها بأنها آيات الكتاب.
    وأما من جهة السنة: فما رواه البخاري في كتابه الصحيح عن عبد الله بن أنيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الله العباد حفاة عراة ُ: " يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ قَالَ: الْعِبَادَ عُرَاةً، غُرْلا، بُهْمًا، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الدَّيَّانُ) وذكر عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إقرأوا القرآن تؤجرون عليه بكل حرف منه عشر حسنات) إلى آخر الحديث.
    وكذلك خرّج البخاري في كتابه الصحيح حديث عبد الله بن عمر (لا تسافروا بالقرآن الى أرض العدو) وكذلك خرجه مسلم، وما منع السفر به إلا الحروف المكتوبة .
    وأما من حيث المعقول: فإن ما ليس بحرف ولا صوت وإنما هو في النفس فقد انفرد بتسميته في الشاهد، وهو كونه فكراً ووسوسة وخاطرا وغير ذلك مما يهجس في النفس، ولأنه يستغنى بإرادة الأحداث للأصوات المضمنة الأمر والنهي عن الكلام القائم في النفس، فإن الذي نشير إليه هو هذه الحروف المخصوصة و الاصوات المسموعة المتضمنة المعاني المفيدة، فلا معنى لتسمية الشيء الواحد بإسميْن وقد يوجد الاجتزاء باحدهما عن الاخر.
    وأما ما ذكروه من أن الحروف تتغاير وتختلف فذلك يوجب حدوثها، يبطل على الأشاعرة بنفس الكلام لكونه أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا. وليس الأمر هو النهي بل هو ضده، لأن الأمر استدعاء الفعل، والنهي استدعاء الترك. فما هربت منه الأشاعرة وقعت فيه، لأنها هربت من إثبات الحروف خوف التغاير، ووقعت في تغاير الكلام بكونه خبرا و استخبارا وأمرا ونهيا ووعدا ووعيدا. فإن كابرت الأشاعرة وقالت (ليس الأمر غير النهي) ساغ أن يقال لهم (إن الألف ليس غير الجيم). وهذا ركوب الجهالات.
    ولأن الأشاعرة فد أثبتت الصفات من العلم و القدرة والحياة والارادة والكلام و الوجه واليدين والسمع والبصر، وكل واحد من هذه الصفات ليس هو الآخر، ولم يدخل فيه التغاير والاختلاف، كذلك هاهنا.
    وأما قول الأشاعرة إن إنكارنا الحروف و الاصوات خوفا أن يؤدي إلى إثبات الجسم والأدوات والمخارج المخصوصات وذلك مستحيل على القديم واستحال ما لا يحتاج إليه إثباته، فغلط. لأنه قد لزم الأشعري مثل هذا في إثبات قائم بالنفس. فإن ما يكون في أنفسنا نحن إنما هو محتاج إلى محل يقوم به من آلات تخيل وفكر، وهو القلب والرأس والشيء المخصوص الذي يتعاهد على إحداث الفكر فإذا أثبته في النفس ولم يخرج الى آلات التفكر في حقنا و ما يقوم بأنفسنا، هذا ما نثبته كلاما على حد ما نعقله لا بالآلات و أدوات، ولا انفصال عن هذا إلا إلى الهوس والهذيان والتدليس على من يعجز عن إقامة البرهان. والله الموفق للصواب.

    أنظر خزانة التراث العربي: جزء في الأصول لابن عقيل الحنبلي {مسألة القرآن}.




  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أمينة المصري مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا
    وجزاك مثله أخانا الكريم.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2016
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    166

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى :
    وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَمْثَالُهُ قَدْ يَقُولُونَ أَحْيَانًا هَذَا لَكِنَّ ابْنَ عَقِيلٍ الْغَالِبُ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ عَنْ السُّنَّةِ أَنْ يَمِيلَ إلَى التَّجَهُّمِ وَالِاعْتِزَالِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ ؛ بِخِلَافِ آخِرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ . فَقَدْ خَرَجَ إلَى السُّنَّةِ الْمَحْضَةِ ... اهــ

    وقال في موضع آخر :
    فَابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِ الْمَادَّةُ الْمُعْتَزِلِيّ َةُ بِسَبَبِ شَيْخِهِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ التَّبَّانِ المعتزليين ؛ وَلِهَذَا لَهُ فِي كِتَابِهِ " إثْبَاتِ التَّنْزِيهِ " وَفِي غَيْرِهِ كَلَامٌ يُضَاهِي كَلَامَ المريسي وَنَحْوِهِ لَكِنْ لَهُ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَامٌ كَثِيرٌ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي كِتَابِ " الْإِرْشَادِ " مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِي الْإِثْبَاتِ لَكِنْ مَعَ هَذَا فَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ قُدَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّة ِ والْكُلَّابِيَة فِي أَنَّهُ يُقِرُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَيَتَأَوَّلُ غَيْرَهُ ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ الْحَنْبَلِيَّة ِ: أَنَا أُثْبِتُ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ تَعْطِيلِ ابْنِ عَقِيلٍ وَتَشْبِيهِ ابْنِ حَامِدٍ .. اهــ
    ــ
    --
    جزاكم الله خيرا، هل من الممكن أن تُفسّروا لنا، قولكم عن ابن عقيل الحنبلي: (فَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ قُدَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّة ِ والْكُلَّابِيَة فِي أَنَّهُ يُقِرُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَيَتَأَوَّلُ غَيْرَهُ )؟

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو أمينة المصري مشاهدة المشاركة
    شيخ الإسلام قال في موضع من المجموع أنه عاد إلى السنة المحضة في كتابه الإرشاد
    الذي وقفت عليه لشيخ الإسلام عكس ما ذكرتَ.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى) (6/ 268):
    ((وصْفُهُ تعالى " بالصفات الفعلية " - مثل الخالق والرازق والباعث والوارث والمحيي والمميت - قديم عند أصحابنا وعامة أهل السنة: من المالكية والشافعية والصوفية. ذكره محمد بن إسحاق الكلاباذي حتى الحنفية والسالمية والكرامية. والخلاف فيه مع " المعتزلة " و " الأشعرية ". وكذلك قول ابن عقيل " في الإرشاد " وبسط القول في ذلك وزعم أن أسماءه الفعلية - وإن كانت قديمة - فإنها مجاز قبل وجود الفعل وذكر ذلك عن القاضي في " المعتمد " في مسائل الخلاف مع السالمية))اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    موضوع ذات صلة-http://majles.alukah.net/t152501/

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المجد الفراتي مشاهدة المشاركة
    --
    جزاكم الله خيرا، هل من الممكن أن تُفسّروا لنا، قولكم عن ابن عقيل الحنبلي: (فَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ قُدَمَاءِ الْأَشْعَرِيَّة ِ والْكُلَّابِيَة فِي أَنَّهُ يُقِرُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ وَيَتَأَوَّلُ غَيْرَهُ )؟
    قال رحمه الله في مجموع الفتاوى 2 / 146:
    وأئمة أهل السنة والحديث من اصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم يثبتون الصفات الخبرية لكن منهم من يقول: لا نثبت إلا ما في القرآن والسنة المتواترة وما لم يقم دليل قاطع على إثباته نفيناه كما يقوله ابن عقيل وغيره أحيانا، ومنهم من يقول: بل نثبتها بأخبار الآحاد المتلقاة بالقبول، ومنهم من يقول: نثبتها بالأخبار الصحيحة مطلقا، ومنهم من يقول: يعطى كل دليل حقه فما كان قاطعا في الإثبات قطعنا بموجبه وما كان راجحا لا قاطعا قلنا بموجبه فلا نقطع في النفي والإثبات إلا بدليل يوجب القطع وإذا قام دليل يرجح لأحد الجانبين بينا رجحان أحد الجانبين، وهذا أصح الطرق .اهـ

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: دليلُ سلفية أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي:

    .............................. .........................

    يقول الموفق ابن قدامة رحمه الله في كتاب ( تحريم النظر في كتب الكلام )

    قال بعد حمد الله و الصلاة على نبيه صلى الله عليه و سلم

    أما بعد فإنني وقفت على فضيحة ابْن عقيل الَّتِي سَمَّاهَا نصيحة وتأملت مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْبدع القبيحة والشناعة على سالكي الطَّرِيق الْوَاضِحَة الصَّحِيحَة فَوَجَدتهَا فضيحة لقائلها قد هتك الله تَعَالَى بهَا ستره وَأبْدى بهَا عَوْرَته وَلَوْلَا أَنه قد تَابَ إِلَى الله عز وَجل مِنْهَا وتنصل وَرجع عَنْهَا واستغفر الله تَعَالَى من جَمِيع مَا تكلم بِهِ من الْبدع أَو كتبه بِخَطِّهِ أَو صنفه أَو نسب إِلَيْهِ لعددناه فِي جملَة الزَّنَادِقَة وألحقناه بالمبتدعة المارقة .

    وَلكنه لما تَابَ وأناب وَجب أَن تحمل مِنْهُ هَذِه الْبِدْعَة والضلالة على أَنَّهَا كَانَت قبل تَوْبَته فِي حَال بدعته وزندقته
    ثمَّ قد عَاد بعد تَوْبَته إِلَى نَص السّنة وَالرَّدّ على من قَالَ بمقالته الأولى بِأَحْسَن كَلَام وأبلغ نظام وَأجَاب على الشّبَه الَّتِي ذكرت بِأَحْسَن جَوَاب وَكَلَامه فِي ذَلِك كثير فِي كتب كبار وصغار وأجزاء مُفْردَة وَعِنْدنَا من ذَلِك كثير .
    فَلَعَلَّ إحسانه يمحو إساءته وتوبته تمحو بدعته فَإِن الله تَعَالَى يقبل التَّوْبَة عَن عبَادَة وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات .

    وَلَقَد كنت أعجب من الْأَئِمَّة من أَصْحَابنَا الَّذين كفروه وأهدروا دَمه وأفتوا بِإِبَاحَة قَتله وحكموا بزندقته قبل تَوْبَته وَلم أدر أَي شَيْء أوجب هَذَا فِي حَقه وَمَا الَّذِي اقْتضى أَن يبالغوا فِيهِ هَذِه الْمُبَالغَة حَتَّى وقفت على هَذِه الفضيحة
    فَعلمت أَن بهَا وبأمثالها استباحوا دَمه .

    وَقد عثرت لَهُ على زلات قبيحة وَلَكِن لم أجد عَنهُ مثل هَذِه الَّتِي بَالغ فِيهَا فِي تهجين السّنة مُبَالغَة لم يبالغها معتزلي وَلَا غَيره . وَكَانَ أَصْحَابنَا يُعَيِّرُونَهُ بالزندقة فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْخطاب مَحْفُوظ بن أَحْمد الكلواذاني رَحمَه الله تَعَالَى فِي قصيدته يَقُول فِيهَا /

    (ومذ كنت من أَصْحَاب أَحْمد لم أزل .... أُنَاضِل عَن أعراضهم وأحامي)
    (وَمَا صدني عَن نصْرَة الْحق مطمع .... لَا كنت زنديقا حَلِيف خصام)

    يعرض بِابْن عقيل حَيْثُ نسب إِلَى ذَلِك .

    وَبَلغنِي أَن سَبَب تَوْبَته أَنه لما ظَهرت مِنْهُ هَذِه الفضيحة أهْدر الشريف أَبُو جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى دَمه وَأفْتى هُوَ وَأَصْحَابه بِإِبَاحَة قَتله .

    وَكَانَ ابْن عقيل يخفى مَخَافَة الْقَتْل فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا رَاكب فِي سفينة فَإِذا فِي السَّفِينَة شَاب يَقُول تمنيت لَو لقِيت هَذَا الزنديق ابْن عقيل حَتَّى أَتَقَرَّب إِلَى الله تَعَالَى بقتْله وإراقة دَمه .فَفَزعَ وَخرج من السَّفِينَة وَجَاء إِلَى الشريف أبي جَعْفَر فَتَابَ واستغفر .

    وَهَا أَنا أذكر تَوْبَته وصفتها بِالْإِسْنَادِ ليعلم أَن مَا وجد من تصانيفه مُخَالفا للسّنة فَهُوَ مِمَّا تَابَ مِنْهُ فَلَا يغتر بِهِ مغتر وَلَا يَأْخُذ بِهِ أحد فيضل وَيكون الْآخِذ بِهِ كحاله قبل تَوْبَته فِي زندقته وَحل دَمه .

    أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام الثِّقَة الْمسند أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن طبرزد الْبَغْدَادِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وسِتمِائَة بمسجدنا المحروس بِظَاهِر دمشق حرسها الله تَعَالَى قلت لَهُ أخْبركُم القَاضِي الْأَجَل الْعَالم أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد الْبَزَّار إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا قَالَ حضرت يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن من الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة تَوْبَة الشَّيْخ الإِمَام أبي الْوَفَاء بن عقيل فِي مَسْجِد الشريف أبي جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى فِي نهر مُعلى وَحضر فِي ذَلِك الْيَوْم خلق كثير

    قَالَ

    يَقُول عَليّ بن عقيل إِنَّنِي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى من مَذَاهِب المبتدعة الاعتزال وَغَيره وَمن صُحْبَة أربابه وتعظيم أَصْحَابه والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلاقهم وَمَا كنت علقته وَوجد بخطي من مذاهبهم وضلالاتهم فَأَنا تائب إِلَى الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى من كِتَابَته وقراءته وَإنَّهُ لَا يحل لي كِتَابَته وَلَا قِرَاءَته وَلَا اعْتِقَاده .

    وَذكر شَيْئا آخر ثمَّ قَالَ فَإِنِّي أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ من مُخَالطَة المبتدعة الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم ومكاثرتهم والترحم عَلَيْهِم والتعظيم لَهُم فَإِن ذَلِك كُله حرَام لَا يحل لمُسلم فعله لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عظم صَاحب بِدعَة فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام .

    وَقد كَانَ سيدنَا الشريف أَبُو جَعْفَر أدام الله علوه وحرس على كافتنا ظله وَمن مَعَه من الشُّيُوخ والأتباع سادتي وإخواني أحسن الله عَن الدّين والمروة جزاءهم مصيبين فِي الْإِنْكَار عَليّ لما شاهدوه بخطي فِي الْكتب الَّتِي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى مِنْهَا واتحقق أنني كنت مخطئا غير مُصِيب .

    وَمَتى حفظ عَليّ مَا يُنَافِي هَذَا الْخط وَهَذَا الْإِقْرَار فلإمام الْمُسلمين أعز الله سُلْطَانه مكافاتي على ذَلِك بِمَا يُوجِبهُ الشَّرْع من ردع ونكال وإبعاد وَغير ذَلِك وأشهدت الله تَعَالَى وَمَلَائِكَته وأولي الْعلم على جَمِيع ذَلِك غير مجبر وَلَا مكره وباطني وظاهري فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ الله تَعَالَى {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عَزِيز ذُو انتقام}

    ثمَّ كتب الشُّهُود خطوطهم وَهَذِه نسختها

    أشهدني الْمقر على إِقْرَاره بِجَمِيعِ مَا تضمنه هَذَا الْكتاب وَكتب عبد الله بن رضوَان فِي الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِمثل ذَلِك أشهدني وَكتب مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق بن أَحْمد بن السّني فِي التَّارِيخ

    أشهدني الْمقر على إِقْرَاره بِجَمِيعِ مَا تضمنه هَذَا الْكتاب وَكتب الْحسن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن يُوسُف بِخَطِّهِ
    سَمِعت إِقْرَار الْمقر بذلك وَكتب مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن أشهدني الْمقر على نَفسه بذلك وَكتب عَليّ بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن يُوسُف آخرهَا

    وَكتب مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد بن عبد الله وَحضر فِي هَذَا الْيَوْم فِي مَسْجِد الشريف خلق كثير

    فَهَذِهِ الفضيحة من جملَة مَا تَابَ مِنْهُ إِلَى الله تَعَالَى وَأقر بِأَنَّهُ ضلال وبدعة وَأَنه مَتى وجد بِخَطِّهِ وَجَبت مُقَابلَته عَلَيْهِ وينتقم الله مِنْهُ .

    فَكيف يحْتَج بقول هَذَا مُحْتَج أَو يغتر بِهِ مغتر أَو يَقُول بِهِ قَائِل أَو يتَعَلَّق بِهِ مُتَعَلق مَعَ شَهَادَة قَائِله عَلَيْهِ بالضلال وَإِجْمَاع الْعلمَاء من أهل بلدته على استتابته مِنْهُ وإهدار دَمه بِهِ وبأمثاله وَهَذَا أدل شَيْء على خطئه وضلاله وَإِن كَانَت هَذِه الْمقَالة صدرت مِنْهُ بعد تَوْبَته فَهَذَا دَلِيل على زندقته وإصراره على بدعته ورجوعه إِلَى ضلالته .

    فَإِن معنى الزندقة إِظْهَار الْحق واعتقاد خِلَافه وَهُوَ النِّفَاق الَّذِي كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُسمى الْيَوْم الزندقة .

    وَهَذَا الرجل قد صنف فِي نفي تَأْوِيل الصِّفَات وَالرَّدّ على متأولها جُزْءا مُفردا وصنف فِي الْحَرْف وَالصَّوْت جُزْءا مُفردا وصنف كتاب الِانْتِصَار للسّنة وَغَيرهَا من الْكتب وملأها من السّنة وَالرَّدّ على المبتدعة .

    فَإِن كَانَ يظْهر ذَلِك ويبطن هَذَا ويعتقده فَهُوَ زنديق فَكيف يجوز أَن يحْتَج مُحْتَج بمقالته أَو يرضى لنَفسِهِ بِمثل حَاله أَو يضل بضلالته ونعوذ بِاللَّه تَعَالَى وَلَا يظنّ بِهِ هَذَا وَلَكِن لما علمت مِنْهُ حالتان حَالَة بِدعَة وَحَالَة تَوْبَة نسبنا كل مَا وجد من كَلَامه من الْبدع إِلَى حَالَة الْبِدْعَة لَا غير .

    وَمَا عادتي ذكر معائب أَصْحَابنَا وإنني لأحب ستر عَوْرَاتهمْ وَلَكِن وَجب بَيَان حَال هَذَا الرجل حِين اغْترَّ بمقالته قوم واقتدى ببدعته طَائِفَة من أَصْحَابنَا وشككهم فِي اعْتِقَادهم حسن ظنهم فِيهِ واعتقادهم أَنه من جملَة دعاة السّنة . فَوَجَبَ حِينَئِذٍ كشف حَاله وَإِزَالَة حسن ظنهم فِيهِ ليزول عَنْهُم اغترارهم بقوله وينحسم الدَّاء بحسم سَببه
    فَإِن الشَّيْء يَزُول من حَيْثُ ثَبت وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والمعونة ونسأل الله تَعَالَى أَن يثبتنا على الْإِسْلَام وَالسّنة

    وعَلى كل حَال فَهُوَ قد نفر من التَّقْلِيد وَأنكر حسن الظَّن بالمشايخ . فَكيف يحسن الظَّن فِيمَن يُنكر حسن الظَّن بِهِ وَكَيف يقبل قَول من ينْهَى عَن قبُول قَول غَيره وَيَنْبَغِي لنا أَن نقبل قَوْله فِي نَفسه فيساء الظَّن بِهِ وَلَا نقبل قَوْله فِي غَيره كمن أقرّ بِشَيْء عَلَيْهِ وعَلى غَيره قبل قَوْله عَلَيْهِ وَلم يقبل على غَيره . انتهى المقصود




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •