في الفتوى الحموية:
"والقول في اللفظ والملفوظ؛ وكذلك في الاسم والمسمى بدعة".
((اللفظ والملفوظ))؛ يعني هل اللفظ بالقرآن مخلوق أو لا؟ هل يجوز أن يقول قائل: لفظي بالقرآن مخلوق؟ لما قَوِيَ أهل السنة صارت هذه الكلمة (لفظي بالقرآن مخلوق) لا يقولها إلا جهمي؛ لأنه يريد أن يهرب من إلزامه بشيء.
فاللفظ مصدر:
يُعنى به تارة التلفظ.
ويُعنى به تارة الملفوظ.
مثل (خَلْقٌ) يعني به التخليق، ويُعنى به المخلوق.
مثال: نقول هذا خلق الله، يعني: تخليقه سبحانه الذي هو فعله، أو ما انفصل عن فعله وهو المخلوق.
وهذا كثير في المصادر التي على وزن فعل، إما يعنى به الحدث وإما يعنى بها المحدث.
فاللفظ، تقول: لفظي هل تعني به التلفظ، أو تعني به الملفوظ؟ هل هو الملفوظ الخارج أو حركة اللسان التلفظ؟
معلوم أنه إن أريد الأول وهو التلفظ: فالتلفظ من أفعال العبد، وأفعال العباد مخلوقة.
وإن عُني باللفظ: الملفوظ فالملفوظ هو القرآن.
لهذا صارت الكلمة محتملة، واستعمال المحتملات في العقيدة بدعة؛ فإنه لا يجوز أن تستعمل مثل هذه العبارة التي قد تحتمل شيئا آخر فيفهم الناس منها فهم غير سليم.
ولهذا كان الإمام أحمد يقول: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع أيضا.
لأنها تحتمل هذه وهذه والإطلاق سكت عنه السلف، قد قال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا}.
كلمة (رَاعِنَا) من المراعاة كلمة طيبة؛ لكن يستعملها اليهود من الرُّعُونة.
ولهذا نهي عنها للاحتمال، فأخذ أهل السنة من هذا أصلا عظيما وهو: أنَّ الألفاظ المحتملة فيما يتصل بذات الله جل وعلا أو صفاته أو أفعاله أو أمور العقيدة والغيبيات لا يجوز استعمالها، فينهى عنها، فاستعمال مع بقاء الاحتمال والإجمال بدعة.
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله:
فعليك بالتفصيل والتبيين** فالإجمال والإطلاق دون بيان. قد أفسدا هذا الوجود.
فالمجملات والمحتملات لا يستعملها السلف في العقيدة، كلامهم واضح فيها لأن المقام مقام وضوح.
أما الاسم والمسمى، فهذا متعلق بشيئين:
إما بأسماء الله جل وعلا؛ يعني هل الاسم هو عين المسمى؟ أو هو غيره؟ هل اسم الله الديان أو اسم الله الرحيم هل هو عين الله؟ أو هو غير الله؟ محتملة:
إن قلنا: الاسم هو عين المسمى. فهذا صحيح باعتبار؛ لأن اسم الله جل وعلا دال على ذلك، فالرحيم هو الله جل وعلا، والقدير هو الله جل وعلا، فالاسم دال على المسمى.
وإن قلنا هنا: الاسم غير المسمى فأيضا صحيح؛ لأن الاسم زائد على الذات.
الأسماء والصفات زائدة على الذات، فالاسم مشتمل على صفة، وصفات الله جل وعلا قائمة بذاته، فهي ليست هي الذات ولا غير الذات؛ يعني: باعتبار؛ ولا ليست هي الذات باعتبار، ولا هي غير الذات باعتبار آخر، لهذا صار المقام يحتاج إلى تفصيل.
فمن أهل البدع من قال الاسم هو عين المسمى، ومنهم من قال: لا، الاسم ليس عين المسمى.
وأهل السنة لا يطلقون لا هذا ولا هذا؛ يعني: في أكثر أقوالهم أو جمهورهم لا يطلقون هذا ولا هذا؛ لأن هذه من المسائل المحدثة؛ ولأنها محتملة، قد يعنى بها وقد يعنى بها هذا، وفي كل مقام له حكم.
وأيضا يًعنى بالاسم والمسمى مسألة الأسماء والأحكام؛ يعني المسلم والإسلام، والمؤمن والإيمان، فالاسم الإسلام والمسمى به المسلم، والاسم الإيمان والمسمى به المؤمن، والاسم الفسوق والمسمى به الفاسق، والاسم الكفر والمسمى به الكافر، والاسم البدعة والمسمى به المبتدع، وهكذا.
وعندهم هناك الثنائية لا يلزم من وجود الكفر أن يكون كافرا، ولا وجود البدعة أن يكون مبتدعا، ولا يدخلون في أمثال ذلك؛ لكن المسلم من حقق الإسلام فهو مسلم، يطلق عليه هذا، ولا نقول هو مسلم -إن شاء الله- باعتبار الحال؛ بل نقول هو مسلم الآن، وباعتبار المآل يجوز أن نقول: إن شاء الله، هو مؤمن مادام معه إيمان فهو مؤمن بلا استثناء.
وباعتبار المآل -يعني ما يموت عليه- نقول: مؤمن إن شاء الله؛ يعني: إن شاء الله يموت على الإيمان وهكذا.
والظاهر أنه يعني بالاسم والمسمى المسألة الأولى المتعلقة بالصفات؛ لأن الأكثر يستعمل كلمة الاسم في الأسماء والأحكام أو الاسم والحكم على الصورة الثانية التي ذكرتها.
[الشيخ صالح آل الشيخ ص 271-275]