التركيب اللغوي له شقان :
- الشكل الخارجي (الكلام المنطوق نفسه) ويراد به النحو بقواعده
-والمعني الداخلي ، ويراد به الدلالة الممثلة للأفكار التي يريد نقلها إلي المخاطبين .
وهذا كله يؤكد أن النحو لا يستغني عن الدلالة ، والدلالة لا تكون بغير نحو ، لذا ينبغي أن يكون النحو قريبا من المعني وتابعا له وعلي المتكلم أن يتخير ألفاظ نصه للغرض الذي يتحدث فيه وأن يحسن التأليف بينهما حتي ينتج التراكيب التي تكفل له نقل أفكاره إلي المحيطين به في سهولة ويسر ووضوح . كما أنه يجب علي المتكلم أن يأخذ بمعطيات علم النص التي تكفل له الترابط والتماسك بين جزئيات نصه وفقراته حتي يبدو كأنه جملة واحدة مستعملا السبك والحبك والإحالة والتكرار ، هذا عن انتاج النص وصياغته . أما إذا انتقلنا إلي مرحلة التعامل مع النص وتفسيره فإننا نراها تقوم علي الآتي :
1- التعرف علي العناصر المكونة للنص من الأسماء والأفعال والحروف والأدوات . 2- الوقوف علي الوظائف النحوية التي يشغلها كل عنصر من عناصر التركيب . 3- التعرف علي العلاقات التي تربط بين هذه العناصر داخل التركيب . 4- استخراج الدلالات التي يوحي بها كل عنصر في موقعه . 5- التعرف علي المعايير النحوية والظواهر اللغوية التي تكفل ترابط النص وتماسكه .
انظر مثلا : قوله تعالي "يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"
*أ- فإننا نتعرف أولا علي عناصر الآية ومكوناتها ، فلفظة (يمحو) فعل مضارع ولفظ الجلالة (اسم) و (ما) اسم موصول و (يشاء) فعل مصارع و(الواو) حرف عطف ، و (يثبت) فعل مضارع و (الواو) للحال ، و (عند) ظرف مضاف و(الهاء) ضمير مضاف إليه و (أم) اسم مضاف و (الكتاب) اسم مضاف إليه .
*ب- ثم يحدد علامات إعراب هذه العناصر فيعرف أن (يمحو) فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة تمنع الواو للثقل و(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة و (ما) اسم موصول بمعني الذي مبني علي السكون في محل نصب مفعول به ..... الخ
*ج- ثم نتعرف علي العلاقات التي تربط بين هذه العناصر داخل التركيب ، فمثلا يفتقر الفعل (يمحو) إلي الفاعل (الله لفظ الجلالة) لإتمام معني الجملة التي لا تقوم إلا به ، كما أن الفعل (يمحو) يفتقر إلي المفعول (ما) اسم الموصول لأنه قعل متعد ، كما أن اسم الموصول (ما) يفتقر إلي جملة الصلة بعدة لتعرفه وتتممه ، وحرف العطف يفتقر إلي المعطوف لكي يقوم بعملية (التضام) بين المعطوف والمعطوف عليه .
*د-وبعد أن يقوم المفسر بالتعرف علي العلاقات التي تربط بين عناصر التركيب بتنتقل إلي معرفة الدلالات التي يوحيها كل عنصر من هذه العناصر كالآتي :
1- التعبير بالفعل المضارع (يمحو) و (يثبت) يدل علي التجدد والتنوع بما يوحي بأن المحو والإثبات تتم علي نحو مستمر .
2- ذكر لفظ الجلالة (الله) صراحة يوحي بأنه سبحانه يقصر المحو والإثبات عليه وحده دون غيره .
3- استخدام اسم الموصول المشترك (ما) دون المخفي ، يوحي بالعموم والشمول بمعني أن هذا المحو والإثبات لا يكون لفئة دون غيرها .
4- استخدام الضمير المستتر العائد علي لفظ الجلالة فاعلا لكل من الفعل يشاء ويثبت والضمير البارز في (عنده) يحقق الإيجاز والاختصار وهذا قمة البلاغة الذي تتميز به اللغة العربية دون غيرها .
5- تقديم الخبر (عنده) علي المبتدأ (أم الكتاب) يوحي باختصاص الله – تبارك وتعالي – بامتلاك اللوح المحفوظ وحده .
*ه-وفي النهاية علي المفسر للنص ألا يغفل المعايير والظواهر اللغوية التي تضمن ترابط النص وتماسكه مثل :
1- المقابلة بين (يمحو) و (يثبت) تفيد الربط بين عمليتي المحو والإثبات .
2- الإحالة باسم الموصول (ما) حيث تدل علي فحوي عمليتي المحو والإثبات .
3- الإحالة بالضمير في الظرف (عنده) تربط بين لفظ الجلالة وبينه .
4- الربط بالضمائر المستترة بعد (يمحو – يشاء – يثبت) وبين لفظ الجلالة في أول الآية توحي بربط عناصر التركيب كلها بعضهما ببعض كالسلسلة المترابطة الحلقات .
وبهذا يكون المفسر قد تملك جميع الإمكانات التي يوفرها له علم النحو ، وهي التي تعينه بدورها علي تفسير النص تفسيرا صحيحا .

من كتاب التحليل النحوى للنص الشعرى