تمايز معنى التراكيب في إطار الصيغة

"إنَّ" آكد وأقوى من "أنَّ"
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في هذين التركيبين اللذين يتمايزان من حيث المعنى في إطار الصيغة نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التراكيب:

نقــول: خرجتُ فإذا إِنَّ زيدا جالس .
ونقول: خرجتُ فإذا أَنَّ زيدا جالس .
التركيب الأول آكد وأقوى من التركيب الثاني لأن الكسرة أقوى من الفتحة ، هذا من ناحية اللفظ ،أما من جهة المعنى فإنَّ ما بعد "إذا" في التركيب الأول جملة تفيد معنى يحسن السكوت عليه ، ومما يدل على ذلك أنَّ هذه الجملة تقع في صلة الموصول ،وهي مفيدة فائدة تامة ، نقول :جاءني الذي إنه عالم ، والأمر ليس كذلك في التركيب الثاني ، حيث لا تشكل "أنّ " وما بعدها جملة تامة ، فهي معتمدة على ما قبلها ، كما أنَّ "إنَّ" لا تقلب معنى الجملة إلى المفرد ،أمَّا "أنَّ" فتقلب معنى الجملة إلى مفرد فيصير في حكم المصدر المؤكد ،"جلوس" وكما أنَّ معنى الجملة أقوى وأثبت من معنى المفرد ، فكذلك توكيد معنى الجملة أثبت وأقوى من توكيد معنى المفرد ،فالتوكيد مع "إنَّ" للجملة أمَّا توكيد "أنَّ" فهو للمصدر،"جلوس" كما أنه ليس من حكمة العربي أو الإنسان بشكل عام أن يضع حرفين لنفس المعنى ،فكل حرف له معناه الخاص به .

قال الشاعر:
وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا //إذا إنه عبد القفا واللهازم
يروى هذا البيت بكسر وفتح همزة إن ،فمن كسر أراد العبد نفسه ومن فتح أراد المصدر العبودية ،وتقدير الكسر:إذا هو عبد القفا واللهازم ،وهذا يعني مشاهدة الشخص نفسه على غير صفته ،وتقدير الفتح :فإذا العبودية ،وهذا يعني مشاهدة نفس المعنى الذي هو العبودية أو الخدمة ،ففتحوا موضع المفرد وكسروا موضع الجملة ،والجملة أقوى من المفرد ،ومن هنا فإنَّ "أنَّ" أضعف من "إنَّ" في الدلالة على التوكيد ،ومما يدل على ذلك أننا نقول :
نقـول:لا جرم إنك قائم .
ونقول:لا جرم أنك قائم .
فمن كسر فعلى معنى القسم ،وجرم بمعنى حقا ،وجاء بإن مكسورة الهمزة مع القسم لأنها أقوى وآكد ،ومن فتح فعلى معنى لا بدَّ أو لا محالة قيامُك ، فـ"إن" أقوى وآكد من "أنَّ" ،جاء في معاني النحو"
وتقول :حلفت أنك مسافر .
وتقول :حلفت إنك مسافر .
فهنا يجوز الأمران ولكل معنى ،فإذا أردت:حلفت على هذا الأمر،أي:حلفت على سفرك ، فتحت ،وإن أردت أنَّ هذا جواب الحلف كما تقول:والله إنك مسافر ،كسرت "(1)فمع القسم نكسر الهمزة لأن الكسر أقوى .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى وإعراب ونظم التراكيب ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس، ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض .
============================== =
(1)د.فاضل السامرائي –معاني النحو-ج1ص300