تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الأربعون النووية بين الرواية والدراية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    105

    افتراضي الأربعون النووية بين الرواية والدراية

    الحديث السادس
    عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " .
    رواه البخاري ومسلم.


    الحديث رواية :
    أخرجه البخاري (52) , ومسلم (1599-107), وأبو داود (3330) , والترمذي (1205) , وابن ماجه (3984) , وأحمد 4/ 270 ، وابن أبي شيبة 6/ 560-561 ، والدارمي (2573) ت :الداراني , وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 396 و 397 , والبزار (3271-البحر الزخار) , والقضاعي في "مسند الشهاب" (1030) ، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (750) ، والبيهقي 5/ 64 ، وفي "السنن الصغير" (1914) , وفي "الشعب" (5740) و (5741) وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 336 ، والبغوي في "شرح السنة" (2031) : من طرق عن زكرياء، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعته يقول:
    سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: - وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه - "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات
    لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى،
    يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد
    الجسد كله، ألا وهي القلب ".
    وقال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح , وقد رواه غير واحد، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير".
    قلت : هو كما الترمذي رحمه الله تعالى فإن له طرقا عن الشعبي:


    أخرجه البخاري (2051) , ومسلم (1599-107), والحميدي (918)، وأحمد 4/ 271 و 275 , والبزار (3269) و(3273)- البحر الزخار) , وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 398 , وتمام في "الفوائد" (1678-الروض البسام) , وأبو الشيخ الأصبهاني في "الأمثال" (121) ,
    والبيهقي 5/ 334 و 264، وفي "الشعب" (5742) ، وفي "المعرفة" (20851), وفي "الآداب" (485) :
    من طرق عن أبي فروة الهمداني ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة ، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم ، كان لما استبان أترك ، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم ،
    أوشك أن يواقع ما استبان ، والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه " .


    وأخرجه البخاري (2051) ، وأبو داود (3329) ، والنسائي (4453) و (5710)، وفي "الكبرى" (5219) و (6040) ، وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 397 , وابن الجارود في "المنتقى" (555) ، والبزار (3267-البحر الزخار) , والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (749) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2016) مختصرا ، وابن حبان (721) ، والطبراني في "الأوسط" (2493) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/ 270 و326، وابن المستوفى في "تاريخ إربل" 1/ 147 و204 والبيهقي 5/ 334 :من طرق عن عبد الله بن عون , ومسلم (1599-107), وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 398 من طريق مطرف , ومسلم أيضا (1599-107) من طريق عبد الرحمن بن سعيد , وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 399 , والطبراني في "الأوسط" (9003) , وابن المقرئ في "المعجم" (48) من طريق سعيد بن عبدالرحمن , ومسلم (1599-108) ، وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 399 , وأبو نعيم في "الحلية " 4/ 269-270، والبيهقي في "الزهد الكبير" (863) من طريق عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود , وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 400 , والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (751) من طريق مغيرة , والقضاعي في "مسند الشهاب" (1029) من طريق إسماعيل بن أبي خالد مختصرا، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق " 1/ 147 من طريق عيسى الحناط : كلهم عن الشعبي،عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات- وأحيانا يقول: مشتبهة- وسأضرب لكم في ذلك مثلا:
    إن الله حمى حمى، وإن حمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحمى، يوشك أن يخالطه، وإن من يخالط الريبة، يوشك أن يجسر" وهذا لفظ رواية ابن عون .
    وقال ابن الجارود : "قال ابن عون: فلا أدري هذا ما سمع -يعني الشعبي- من النعمان، أو قال برأيه". ونحو ذلك قال البيهقي أيضا، ولم يسق البخاري وأبو نعيم لفظ رواية ابن عون.
    وقال الحافظ في "الفتح" 1/ 128 : "تردد ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مدرجا لأن الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه فلا يقدح شك بعضهم فيه وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرواة كأبي فروة عن الشعبي لا يقدح فيمن أثبته لأنهم حفاظ...".


    وأخرجه أبو عوانة في "المستخرج" 3/ 399 , والطبراني في "الأوسط" (9003) , وابن المقرئ في "المعجم" (48) , وابن حبان (5596): من طريق ابن عجلان ، عن الحارث بن يزيد العكلي، عن عامر الشعبي أنه سمع النعمان بن بشير، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله في الأرض محارمه".
    محمد بن عجلان : ثقة اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة , هذا ما تحقق لي من ترجمته وكتبت ذلك في "المنارة في حديث الإشارة" .


    وأخرجه الترمذي (1205) , وأحمد 4/ 269 , والحميدي (919) , وأبوالشيخ في "الأمثال" (260) , والبزار (3273)- البحر الزخار) , والطبراني في "الأوسط" (2285) ، وفي "مسند الشاميين" (511) : من طريق مجالد ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول :
    " الحلال بين والحرام بين ، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس ، أمن الحلال هي أم من الحرام ، فمن تركها استبراء لدينه وعرضه ،
    فقد سلم ، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام ، كما أنه من يرعى حول الحمى ، يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه " .
    ومجالد بن سعيد : ضعيف .


    وأخرجه أبو عوانة في "المستخرج" 3/ 400 : من طريق عيسى بن المسيب ، عن أبي الحر الأسدي ، عن عامر الشعبي ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
    " الحلال بين والحرام بين " وذكر الحديث .
    وإسناده ضعيف , أبو الحر الأسدي : مجهول , وعيسى بن المسيب : ضعيف الحديث .


    وأخرجه أحمد 4/ 267 , والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (752): من طريق عاصم، عن خيثمة، والشعبي، عن النعمان بن بشير، قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حلال بين، وحرام بين، وشبهات بين ذلك، من ترك الشبهات، فهو للحرام أترك، ومحارم الله حمى، فمن أرتع حول الحمى، كان قمنا أن يرتع فيه " .
    وأخرجهة البزار (3270-البحر الزخار ) , وابن الأعرابي في "معجمه" (260) : من طريق عاصم عن الشعبي وحده .
    وإسناده حسن , عاصم هو ابن بهدلة : صدوق له أوهام .


    وأخرجه وأبو عوانة في "المستخرج" 3/ 400 من طريق الحسن بن بشر، قثنا زهير,عن عبد الملك بن عمير , وابن عدي في "الكامل" 5/ 1692، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 105 , وابن البختري في "أماليه" (19) : من طريق عمر بن شبيب ، عن عمرو بن قيس ، عن عبد الملك بن عمير، عن النعمان بن بشير به.
    وإسناده ضعيف, قال أبو نعيم: "رواه زهير، عن عبد الملك مثله، صحيح ثابت من حديث الشعبي عن النعمان، رواه الجم الغفير، وحديث عبد الملك عن النعمان لم يروه عنه إلا زهير وعمرو".
    وعمر بن شبيب ضعيف , والحسن بن بشر قال فيه الإمام أحمد : روى عن زهير أشياء مناكير .


    وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (7729): من طريق الحارث بن منصور ، نا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير ،
    أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ، فقال في خطبته : " " إن الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهة ، وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه "
    وقال الطبراني : "لم يرو هذا الحديث عن سماك إلا إسرائيل" .
    والحارث بن منصور : صدوق يهم .

    وأخرجه بحشل في "تاريخ واسط" (ص46-47) من طريق الحكم بن فضيل، عن خالد بن سلمة، عن النعمان، به.
    والحكم بن فضيل : قال أبو زرعة: ليس بذاك.
    وقال الأزدي: منكر الحديث.

    ولهذا الحديث شواهد لا تخلو من ضعف من حديث ابن عمر , وجابر , وعمار بن ياسر , وابن مسعود , وابن عباس .




    الحديث دراية :


    قال الخطابي: "هذا الحديث أصل في الورع وفيما يلزم الإنسان اجتنابه من الشبهة والريب ".
    قال ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" 2/ 211: قوله: " الحلال بين " لأن الشرع قد أوضح أمره. والمشتبهات: التي لا يقال فيها حلال ولا حرام، فهي تشتبه بالشيئين " فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه " أي احتاط له. وقوله: " يرتع " أي يرتع إبله وغنمه . وقوله: " ألا " قال الزجاج: هي كلمة يبتدأ بها ينبه بها المخاطب تدل على صحة ما بعدها.
    والحمى: الممنوع. " وحمى الله محارمه " أي التي منع منها وحرمها. وقوله: " وإن في الجسد مضغة " المضغة: قدر ما يمضغ. وسمي القلب قلبا لتقلبه في الأمور. وقيل: بل لأنه خالص ما في البدن ، وخالص كل شيء قلبه, والقلب أمير البدن، ومتى صلح الأمير صلحت الرعية".
    وقال النووي في "شرح مسلم" 11/ 27 :" أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام , قال جماعة هو ثلث الإسلام وإن الإسلام يدور عليه وعلى حديث الأعمال بالنية وحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . وقال أبو داود السجستاني يدور على أربعة أحاديث هذه الثلاثة وحديث لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقيل حديث ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس قال العلماء : وسبب عظم موقعه أنه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها وأنه ينبغي أن يكون حلالا وأرشد إلى معرفة الحلال وأنه ينبغي ترك المشتبهات فإنه سبب لحماية دينه وعرضه وحذر من مواقعة الشبهات وأوضح ذلك بضرب المثل بالحمى ثم بين أهم الأمور وهو مراعاة القلب ".
    قوله (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس) قال الحافظ في "الفتح" 1/ 127 : " الحلال بين والحرام بين أي في عينهما ووصفهما بأدلتهما الظاهرة قوله وبينهما مشبهات بوزن مفعلات بتشديد العين المفتوحة وهي رواية مسلم أي شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين وفي رواية الأصيلي مشتبهات بوزن مفتعلات بتاء مفتوحة وعين خفيفة مكسورة وهي رواية ابن ماجه وهو لفظ بن عون والمعنى أنها موحدة اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين ورواه الدارمي عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ وبينهما متشابهات ,قوله لا يعلمها كثير من الناس أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا في رواية الترمذي بلفظ لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام ومفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها
    ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين ..
    قوله (فمن اتقى الشبهات) أي حذر منها (فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي برأ دينه من النقص وعرضه من الطعن فيه لأن من لم يعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه , وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة.
    قوله ( ومن وقع في الشبهات وقع في لحرام ) اختلف في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء أحدها تعارض الأدلة كما تقدم ثانيها اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى ثالثها أن المراد بها مسمى المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك رابعها أن المراد بها المباح ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه وهو منزع حسن ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه والمعنى أن الحلال حيث يخشى أن يؤل فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغي اجتنابه كالإكثار مثلا من الطيبات فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق أو يفضي إلى بطر النفس وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول على ما سأذكره ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه كما تقرر قبل ودونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم إذا كان من جنسه أو يكون ذلك لشبهة فيه وهو أن من تعاطى ما نهي عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ووقع عند المصنف-البخاري- في البيوع من رواية أبي فروة عن الشعبي في هذا الحديث فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان له أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان وهذا يرجح الوجه الأول...
    قوله : ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه ) جملة مستأنفة وردت على سبيل التمثيل للتنبيه بالشاهد على الغائب والحمى المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول وفي اختصاص التمثيل بذلك نكتة وهي أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له ولو اشتد حذره وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو يمحل المكان الذي هو فيه ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقا وحماه محارمه ...والمراد بالمحارم فعل المنهي المحرم أو ترك المأمور الواجب ولهذا وقع في رواية أبي فروة التعبير بالمعاصي بدل المحارم ".
    وقال الشاطبي في "الاعتصام" : " إن من عادة الشرع أنه إذا نهى عن شيء وشدد فيه, منع ما حواليه، وما دار به ورتع حول حماه، ألا ترى إلى قوله عليه السلام: " الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة" , وكذلك جاء في الشرع أصل سد الذرائع، وهو منع الجائز, لأنه يجر إلى غير الجائز، وبحسب عظم المفسدة في الممنوع يكون اتساع المنع في الذريعة وشدته ".
    قال النووي في "شرح مسلم" 11/ 27: "الأشياء ثلاثة أقسام حلال بين واضح لا يخفى حله كالخبز والفواكة والزيت والعسل والسمن ولبن مأكول اللحم وبيضة وغير ذلك من المطعومات وكذلك الكلام والنظر والمشي وغير ذلك من التصرفات فيها حلال بين واضح لا شك في حله , وأما الحرام البين فكالخمر والخنزير والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنى والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك , وأما المشتبهات فمعناها أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يدركون حكمها وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غير خال من الإحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ".
    وقال ابن دقيق العيد في " إحكام الأحكام" 2/ 278 : " المباح قد يطلق على ما لا حرج في فعله، وإن لم يتساو طرفاه وهذا أعم من المباح المتساوي الطرفين فهذا الذي ردد فيه القول. وقال: إما أن يكون مباحا أو لا فإن كان مباحا فهو مستوي الطرفين يمنعه إذا حملنا المباح على هذا المعنى، فإن المباح قد صار منطلقا على ما هو أعم من المتساوي الطرفين، فلا يدل اللفظ على التساوي، إذ الدال على العام لا يدل على الخاص بعينه.
    الثاني: أنه قد يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته، راجحا باعتبار أمر خارج ولا يتناقض حينئذ الحكمان. وعلى الجملة: فلا يخلو هذا الموضع من نظر فإنه إن لم يكن فعل هذا المشتبه موجبا لضرر ما في الآخرة، وإلا فيعسر ترجيح تركه، إلا أن يقال: إن تركه محصل لثواب أو زيادة درجات وهو على خلاف ما يفهم من أفعال الورعين فإنهم يتركون ذلك تحرجا وتخوفا، وبه يشعر لفظ الحديث".
    وقال في "شرح الأربعين"(ص:44) : "اختلف العلماء في المشتبهات التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فقالت طائفة: هي حرام لقوله: "استبرأ لدينه وعرضه"
    قالوا: ومن لم يستبرئ لدينه وعرضه فقد وقع في الحرام، وقال الآخرون: هي حلال، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "كالراعي يرعى حول الحمى" فيدل على أن ذلك حلال وأن تركه ورع. وقالت طائفة أخرى: المشتبهات المذكور في هذا الحديث لا نقول إنها حلال ولا إنها حرام فإنه صلى الله عليه وسلم جعلها بين الحلال البين والحرام البين فينبغي أن نتوقف عنها وهذا من باب الورع أيضا.
    وقد ثبت في حديث الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى شبها بينا بعتبة فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة" فلم تره سودة قط فقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش وأنه لزمعة على الظاهر وأنه أخو سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأنها بنت زمعة وذلك على سبيل التغليب لا على سبيل القطع ثم أمر سودة بالاحتجاب منه للشبهة الداخلة عليه فاحتاط لنفسه وذلك من فعل الخائفين من الله عز وجل إذ لو كان الولد ابن زمعة في علم الله عز وجل لما أمر سودة بالاحتجاب منه كما لم يأمرها بالاحتجاب من سائر إخوانها عبد وغيره.
    وفي حديث عدى بن حاتم أنه قال: يا رسول الله إني أرسل كلبي وأسمي عليه فأجد معه على الصيد كلبا آخر قال: "لا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" فأفتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشبهة أيضا خوفا من أن يكون الكلب الذى قتله غير مسمى عليه فكأنه أهل لغير الله به وقد قال الله تعالى في ذلك: {وإنه لفسق} . فكان في فتياه صلى الله عليه وسلم دلالة على الاحتياط في الحوادث والنوازل المحتملة للتحليل والتحريم لاشتباه أسبابها وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
    قوله ( ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )(ألا) للتنبيه على صحة ما بعدها وفي إعادتها وتكريرها دليل على عظم شأن مدلولها قوله مضغة أي قدر ما يمضغ وعبر بها هنا عن مقدار القلب في الرؤية وسمي القلب قلبا لتقلبه في الأمور أو لأنه خالص ما في البدن وخالص كل شيء قلبه أو لأنه وضع في الجسد مقلوبا وقوله إذا صلحت وإذا فسدت هو بفتح عينهما وتضم في المضارع وحكى الفراء الضم في ماضي صلح وهو يضم وفاقا إذا صار له الصلاح هيئة لازمة لشرف ونحوه
    والتعبير بإذا لتحقق الوقوع غالبا وقد تأتي بمعنى إن كما هنا وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه والإشارة إلى أن لطيب الكسب ...".
    وقال السندي: " ترغيب في الاهتمام في إصلاح القلب، لكونه كالأمير، وسائر الأعضاء كالرعية تابعة له في الصلاح والفساد، فينبغي الاهتمام به حتى يسري الصلاح إلى الكل" .
    قال الشيخ اسماعيل الأنصاري : يستفاد من الحديث :

    1-الحث على فعل الحلال .


    2-اجتناب الحرام والشبهات .


    3-أن للشبهات حكما خاصا بها ، عليه دليل شرعي يمكن أن يصل إليه بعض الناس وإن خفي على الكثير .


    4-المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة .


    5-أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه ، ويعتبر هذا الحديث من أصول الجرح والتعديل لما ذكر .


    6-سد الذرائع إلى المحرمات ، وأدلة ذلك في الشريعة كثيرة .


    7-ضرب الأمثال للمعاني الشرعية العملية .


    8-التنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على إصلاحه ، فإن أمير البدن بصلاحه يصلح ، وبفساده يفسد .


    9-إن لطيب الكسب أثرا في إصلاحه .


    وكتب
    أبو سامي العبدان
    حسن التمام
    17 ربيع الثاني 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    3,205

    افتراضي

    بارك الله فيكم
    ولو زدت في الفوائد لعظمت الفائدة

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    105

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبد الأعلى مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم
    ولو زدت في الفوائد لعظمت الفائدة
    وفيك بارك الله أخي الحبيب , صدقت أخي فإن هذا الحديث فوائده كثيرة وعظيمة ولكني اكتفيت بكلام الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله تعالى ...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •