تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 49

الموضوع: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    هذا بحث نفيس للقاضي سليمان الماجد _حفظه الله_
    بعنوان_ضابط البدعة وماتدخله _ وأرجوا من الاخ الفاضل :ربيع الاطلاع عليه ,والتعليق بعد ذلك ........وسوف أضعه على حلقات ,لانه بحث فيه طول ......
    رابط البحث:http://www.alukah.net/Articles/Artic...عة&soption=0

    الحلقة الاولى:
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد..
    فلم يتنازع المسلمون قديماً ولا حديثاً في كون البدعة في الدين محرمة مذمومة، وإنما وقع النزاع في الأعمال المعينة: هل تُعتبر بدعة، أو أنها صحيحة مشروعة، ومنشأُ هذا النزاع عدمُ اعتبار القواعد والضوابط.
    وإذا ضاعت الأصول وقع الاضطراب في الحكم على القضايا المعينة؛ فترى الناس يفرقون بين المتماثلات، ويجمعون بين المتناقضات، وتصير القاعدة التي لا تنخرم - عند بعضهم - هي تحكيم العادات والمألوفات، وإذا بلغ الحال إلى ذلك فإن كثيراً من تنازع الناس إنما هو بين مألوف ومألوف؛ لا بين اجتهادين معتبرين.
    وحينئذ يضيع التحقيق العلمي بين أقدام وجلبة المتعصبين ممن يُحكِّم مألوفه وبيئته.
    فإن قال أحد سواه ببدعية أمر أو مشروعيته: رأى أنه لم يقل بذلك إلا تأثراً ببيئته ومحيطه، أو مجاملة لبيئة أو محيط آخرين؛ فيكون هذا أشبه بتنازع السوقة والدهماء؛ لا أهل الفقه والعلماء.
    وبسبب اضطراب الناس فيما تدخله البدعة وما لا تدخله، أو ما هو محل جريانها؟ أخطأ بسبب ذلك فريقان:
    الأول: من أجرى البدعة في العاديات، ومن مفاسد هذا نوعٌ من البدعة خفي، وهو: اعتبار ما ليس عبادةً من العبادة؛ كحال من اعتبر التعبد والتوقيف في الوسائل.
    والثاني: من أجاز الحدث في محل التعبدات؛ فوقع في البدعة المذمومة.
    ولهذا كان اعتبار القواعد والتعليل لها بعد التجرد للحق هو السبيل الصحيح لتحقيق الكلام في هذه المسائل.
    الاتجاهات في المسألة:
    وبتأمل ما يرى الناس جريان البدعة فيه وجدته لا يخرج عن أمور:
    الأول: ما أريد به القربة في أصل شرعه: وذلك كالذكر والدعاء والصلاة والصيام والحج، ولم يُجروه في غيرها من المعاملات والعادات والمناكح؛ مما لم تُعتبر القربة في أصل مشروعيته.
    الثاني: أنها تجري مع ما ذُكر في وسائل العبادات التي وجد المقتضي لفعلها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع من فعلها ثم لم تفعل.
    وذلك لقربها من العبادة، ولأن للوسائل أحكام المقاصد، ولأن هذا هو فهم السلف؛ حيث أنكر ابن مسعود على الذين يسبحون بالحصى؛ فهو اعتبار منه للتوقيف في وسائل التعبدات.
    فعلى قولهم هذا تكون كل وسيلة إلى عبادة قام المقتضي لفعلها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع من القيام بها ثم لم يفعلها صلى الله عليه وسلم فإن فعلها بدعة، ومن فروع ذلك عندهم: خطوط ضبط الصفوف في الصلاة، وخط بداية الطواف، والسبحة لعد الذكر، ووسائل الدعوة.
    ولا يدخل في حكم البدعة - عندهم - ما جاءت به المخترعات الحديثة من وسائل العبادات؛ كمكبرات الصوت في الأذان والصلاة؛ لوجود المانع، وهو عدم التمكن من تحصيل هذه الوسيلة في عهده صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا بمشروعيتها.
    الثالث: ما كان تعبداً محضاً، وقُيِّد بأحوال مخصوصة؛ كالمكان أو الزمان أو الصفة أو العدد أو حال الأشخاص، والتعبد المحض هو الذي شُرع على وجه لا يُعقل معناه على التفصيل؛ ولو لم يكن قربة، وتكون البدعة فيه بإيقاعه على غير الوجه الوارد زماناً أو مكاناً أو صفة أو حالاً.
    ولمناقشة هذه الاتجاهات يُقال:
    يتبع

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة الثانية:
    أما الاتجاه الأول وهو اعتبار القربة:
    فإنه مع افتقاره إلى دليل صحته فهو غير مانع ولا جامع:
    فهو غير مانع لأنه يُخضِعُ لأحكام البدعة أعمالاً لا يراد منها في أصل شرعها إلا القربة والأجر؛ كالجهاد فِي سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأمور مما لا تدخلها البدعة؛ فلم يقل أحد: إن هذه الأشياء من الأمور التوقيفية التي لا يُحدث فيها، ولا يُجدد في أعمالها إلا بدليل خاص.
    وهو غير جامع لأنه يُخرج أعمالا تُعد من التعبدات المحضة، ويسمى المحدث فيها في الشريعة مبتدعاً، وهي مع ذلك ليست مما يُراد بها القربة؛ حيث يُخرج الطلاق فِي الحيض، ويُخرج الأعياد الزائدة على الأعياد الشرعية؛ فقد استقر عمل العلماء على تسمية الطلاق الذي وقع على غير الوجه المشروع بالبدعة، وتسمية العيد الجديد بالعيد المبتدع؛ فهو إذاً غير جامع.

    وأما الثاني: وهو جملة "المقتضي والمانع" في وسائل العبادات:
    فقد انتشر بين طلاب العلم اعتبارها ضابطاً يرون أنه فرقُ ما بين البدعة وغيرها.

    والذي يظهر عند التحقيق - والله تعالى أعلم - أنها لا تصلح ضابطاً لا في العادات ولا في العبادات ولا في وسائلها؛ لوجهين:
    الأول: أن كل قاعدة لا بد لها من أدلة تصححها، ولا أعلم دليلاً يوصل إلى المطلوب، وأما كون هذه السمات موجودة في البدع والسنن فلا يكفي لاعتبارها ضابطاً جامعاً مانعاً.
    الثاني: أن هذه الجملة لم تتضمن تحرير المحل الذي تُجرى فيه: هل يكون في التعبدات، أو في العادات والمعاملات ؟

    فإن قيل: لا تُجرى إلا في التعبدات؛ فيُقال: اعتبار جريان الحدث والبدعة في التعبدات لا يفتقر إلى هذه الجملة؛ فكل تغيير في بِنْيَة الفعل التعبدي بزيادة أو نقص كلي أو جزئي، أو إيقاعه في غير المحدد له شرعاً من: مكان أو زمان أو حال أو صفة نقول عن ذلك كله بأنه بدعة؛ كقولنا بالبدعة في التلفظ بالنية في الصلاة، والأذان للعيدين، ودعاء الختم في الصلاة، وصلاة الرغائب، وركعتي السعي، والتنفل بالسعي مفرداً في غير حج ولا عمرة، وغسل حصى الجمار تديناً، وعيد المولد والعيد القومي، ولا نحتاج أن نقول بعد ذلك: وجد المقتضي لهذه المحدثات وانتفى المانع منها فهي بدعة؛ وذلك لأن مجرد التغيير بالزيادة أو النقص فيما حدته الشريعة بدعة في الدين.

    وإن قيل: تُجرى في العادات والمعاملات فهذا أظهر في البطلان؛ إذْ لا يُشترط في المعاملات إجراء هذه القاعدة؛ فهي كثيرة متجددة، وأغلبها وجد المقتضي لفعله وانتفى المانع من ذلك الفعل؛ ولم يقل أحد بجريان البدعة فيها.

    وإن قيل تُجرى في وسائل العبادات دون غيرها من العادات والمعاملات؛ فهذا غير صحيح لما يلي:
    أولاً: أن الأصل في الأشياء أن لا تكون تعبدية؛ فأين الدليل من الشريعة الذي يُخرج من ذلك الأصل؛ فيجعل الوسائل من جملة الدين المُنَزَّل الذي لا يجوز الإحداث فيه ؟
    فاختيار الوسائل لحكم التوقيف دون غيرها نوع تحكم يعود على القول بالبطلان.

    ثانياً: أن الشريعة لا تترك مثل هذا دون بيان، وهو من أعظم الأمور، وأكثر الحاجات؛ فدل ذلك على أن محل وسائل العبادة ليس توقيفياً.

    ثالثاً: من المعلوم - من حيث الأصل - أنه لا مقصد لأي مطاع في نوع وكيفية وسائل إنفاذ أوامره على المتبوعين، وإنما مراده تحقيق المأمور به على الوجه المطلوب؛ فإذا كان هناك ما يُخرج أوامر الباري سبحانه وتعالى من ذلك الأصل فعلى مدعيه الدليل.

    رابعاً: أن الأمة بعملها لا زالت تخترع وتجدد في وسائل العبادات دون نكير:
    فمن ذلك نقط المصحف، وضبطه بالشكل، ثم تحزيبه وترقيمه.
    ومن ذلك ما أحدثوه من تصنيف العلم على طرق ووسائل متعددة؛ فهناك السنن والآثار والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من الرواة، والتبويب على أبواب الفقه.
    ومن ذلك جعل والٍ لتدبير شؤون العبادة والمساجد والأئمة، وإدارة هذه الولاية بالأنظمة الحديثة.
    وأكثر هذه الأشياء وُجد المقتضي لفعلها، وانتفى المانع من ذلك فلم تُعدَّ بدعة، ولم يحكم عليها أحد بحدث.

    ثم يقال أيضاً: إن من المعلوم أن التعبدات المحضة قد فُرغ منها بانقطاع الوحي، ولا يُمكن أن يتصور أن يكون التطور مؤثراً في حكمها من حيث المشروعية أو عدمها؛ كالذي قالوه في بعض الوسائل؛ كمكبرات الصوت في الأذان؛ بحيث تكون مشروعيتها مرتبطة بالإمكان أو عدمه.

    وإذا كنت لا تتصور أن يكون التطور مؤثراً في عدد الركعات أو الجمرات أو المواقيت أو فترة الصيام - لأننا نقول: إنها توقيفية - فلا يجوز أن نتصور أن يؤثر التطور في نوع آخر من التوقيف.
    ولا يصح أن نقول إن للوسائل حكماً بالتوقيف والتعبدية يختلف عن بقية ما حكمه التوقيف؛ كالصلاة والصيام والحج؛ إذْ لا بد من بيان الحدود والفواصل بين النوعين، وبيان الدليل على كل فرق؛ فإن وجدت هذه الحدود وإلا فالضابط باطل لا اعتبار له.

    خامساً: أن أظهر سمة لما تدخله البدعة أنه تعبدي لا يُعقل معناه على التفصيل، وأظهر سمة للعاديات هي معقولية المعنى؛ فما هو الأشبه بالوسائل ؟ لا ريب أن الأشبه بحالها هو عقل المعنى لا التعبد؛ فعليه لا تدخل البدعةُ وسائل العبادات.
    وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي في "الاعتصام" عن تبليغ الشريعة: (.. والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة؛ لأنه من قبيل معقول المعنى؛ فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة، وكذلك لا يتقيد حفظه عن الزيغ والتحريف بكيفية دون أخرى).

    وأما تعليل البعض بقرب الشيء من العبادة أو ملابسته لها أو مجاورته إياها فليس دليلاً على أنه يأخذ حكمها، وإلا لأخذ اللباس أثناء الصلاة حكم التوقيف؛ بحيث يعتبر مبتدعاً كل من صلى في غير ما صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من إزار ورداء، أو قميص، واللباس وسيلة لشرطها، وهو ستر العورة.
    وأما نقلهم قول بعض الأصوليين: إن للوسائل أحكام المقاصد؛ فإنما هو من حيث الحكم التكليفي؛ فالمقاصد الواجبة وسائلها واجبة، والمستحبة وسائلها مستحبة بشروط ذلك، ولم أجد أن أحداً منهم قال: إنها تأخذ جميع أحكامها حتى اعتبارَ التوقيف.

    وأما إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على قوم اجتمعوا يذكرون الله؛ فيقول أحدهم سبحوا فيسبحون، ويقول: كبروا فيكبرون، ويعدون ذلك بالحصى فلا دليل فيه على أن الأصل فِي وسائل العبادة هو التوقيف؛ لأن إنكاره رضي الله عنه يحتمل أشياء منها:
    1. الاجتماع على الذكر.
    2. الذكر بصوت واحد جماعة.
    3. عد التسبيح في غير الصلاة؛ حيث يراه بعض السلف بدعة.
    4. التسبيح بالحصى.

    فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه من هذه الأشياء؟ فالأمر محتمل للأربعة، وإذا كان أهل التوقيف فِي الوسائل يقولون بما اقتضته أصول البدعة من أن الذكر الجماعي بصوت واحد محدث، والاجتماع على الذكر ولو دون صوت واحد محدث أيضاً، كما أن بعض السلف يرى أن عد التسبيح في غير دبر الصلاة بدعة؛ فلماذا تخيروا التسبيح بالحصى ليجعلوه مناط إنكار ابن مسعود رضي الله عنه ؟
    فالأقرب أنه إنما أنكر الأمور الثلاثة الأُوَل، أو بعضها، ومن ادعى توجه إنكاره على التسبيح بالحصى فعليه الدليل.

    وهذا ما مال إليه الإمام السيوطي رحمه الله؛ كما في رسالة "الاتباع" ص 18 حيث قال عن الذكر: (.. وقد كره ابن مسعود وغيره من الصحابة اعتياد الاجتماع في مكان مخصوص).
    ووجّه في "تبيين الحقائق" (1/166) إنكاره ذلك على عد التسبيح خارج الصلاة.

    • • • • •

    فإن قيل: إن بعض العلماء ذكر قاعدة المقتضي والمانع فما القول في ذلك؟
    فالجواب أن هذه الجملة اُشتهرت عن إمامين جليلين هما الشاطبي وابن تيمية رحمهما الله، ولكن سياق كلامهما لا يدل على أنها ضابط للبدعة عندهما، وقد ساقوها لأغراض منها:
    الأول: الإزراء على المبتدع، وإلزامه بلازم الاستدراك على الشريعة؛ فكأنهم يقولون: كيف ترى شرعية عملك وصحة تعبدك بهذا العمل التوقيفي مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنه م قد تركوه مع قيام المقتضي لفعله وانتفاء المانع من ذلك الفعل ؟ إلا أن يكون تركهم هذا لمعنى الحدث والبدعة.
    وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص280) بعد ذكره هذه الجملة بحروفها: (.. فإن كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة، أو يستدل به من الأدلة قد كان ثابتاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم..).
    وذكر رحمه الله في المرجع نفسه ص295 هذه القاعدة لمثل هذا الغرض، وذلك في حكمه بالبدعة على الاحتفال بالمولد فقال: (.. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيرا محضاً، أو راجحاً، لكان السلف رضي الله عنه م أحق به منا..).

    الغرض الثاني: التعليل لشرعية وسنية عبادات لم تُفعل في وقته صلى الله عليه وسلم لوجود مانع؛ كالمداومة على قيام رمضان جماعة في المسجد؛ وذلك لأجل خوف أن تُفرض على الناس، وبناء على ذلك يُعتبر الدوام عليها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة؛ ولو لم يداوم عليها.
    فقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (21/318):
    (.. السنة هي ما قام الدليل الشرعي عليه بأنه طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء فعله رسول الله، أو فعل على زمانه، أو لم يفعله، ولم يفعل على زمانه؛ لعدم المقتضي حينئذ لفعله، أو وجود المانع منه؛ فإنه إذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة) أهـ.
    فهو هنا يُثبت سنية ومشروعية المداومة في قيام رمضان جماعة في المسجد، وأن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم المداومة لا يسلبها وصف السنة؛ فهي في غير السياق الذي يقول به أهل التوقيف في الوسائل.

    الثالث: أنهما لم يذكرا ضبط البدعة بهذه الجملة في "الوسائل"؛ كالذي ذكره بعض المتأخرين؛ فتخصيصها بالوسائل زيادة على كلامهما.
    أما تطبيقاتهما في مسائل البدعة فهي تدل على أنهما لا يريان إجراءها في غير العبادات المحضة؛ فلم يوجد - فيما وقفت عليه في كلامهما - أنهما حكما بالبدعة في وسيلة عبادة، أو في أمر عادي مجاور لعبادة؛ كالذي تنازع فيه الناس اليوم؛ بل قال ابن تيمية بجواز التسبيح بالسبحة، وقال الشاطبي بشرعية كل وسيلة لتبليغ الدين؛ كما تقدم قريباً.

    وكان كلامهما في هذه القاعدة إنما يدور على تعبدات محضة:
    فالشاطبي قال في "الاعتصام" (1/361). بعد ذكره هذه القاعدة: (.. لأنه لما كان الموجب لشريعة الحكم موجوداً ثم لم يشرع كان صريحاً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد الشارع؛ إذْ فُهم من قصده الوقوف عند ما حُدَّ هنالك بلا زيادة ولا نقصان منه).
    فقوله: (الوقوف عند ما حُدّ هنالك) يدل على أن كلامه على محدود، وهو ما خُلص في هذا البحث بأنه التعبد الذي تدخله البدعة، والوسائل لا تحديد فيها.
    وذكرها الإمام ابن تيمية في تعبدي محض، وهو الأذان للعيدين.

    كما صرح فِي "مجموع الفتاوى" (26/172) بأنها تُجرى في التعبدات فقال بعد ذكره للقاعدة: (.. فأما ما تَرَكه من جنس العبادات مع أنه لو كان مشروعاً لفعله، أو أذن فيه ولفعله الخلفاء بعده والصحابة؛ فيجب القطع بأن فعله بدعة..).
    ومتى صححت الإيرادات ببطلان هذه الجملة حداً بين السنة والبدعة؛ فرُدَّ المشتبه من كلام البشر إلى محكمات الأدلة، وصحيح التعليلات.

    وقد كان اعتقادها ضابطاً صحيحاً للبدعة من أسباب التنازع والبغي والعدوان بين المختلفين؛ فالذي يستدل بها يجعل محل البدعة مضمراً في نفسه لا يعرف هو له خطاماً ولا زماماً؛ فيضطرب قوله، وتختلف أحكامه؛ فيرى منازعُه أنه يحكم على الشيء بالبدعة، ويحكم على مثله - بمقتضى القاعدة نفسها - بالسنة؛ مما يزيد غيض مخالفيه عليه، ويحصل له من ذلك التهمة بالهوى، ومجرد الخضوع لمعهود أو بيئة.

    فكان تحرير مسألة ضابط البدعة وما تدخله من أهم مهمات هذا الباب؛ لما فيه من معرفة البدعة للحذر منها، وما يتضمنه أيضاً من عدم اعتقاد شيء من الدين بأنه تعبد محض، وليس هو كذلك؛ إذْ إن هذا ضرب من البدعة أيضاً.
    يتبع

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة الثالثة:

    الراجح بين هذه الاتجاهات:
    وقد ظهر باستقراء الأدلة وكلام أهل العلم أن المحل الذي تدخله البدعة هو الذي عينت الشريعة له حدوداً بمكان أو زمان أو عدد أو اتجاه أو صفة أو حال، وكانت هذه الحدود مما لا يُعقل لها معنى على التفصيل.
    وتدخل البدعة بهذا الاعتبار في أي عمل سواء أُريد به القربة؛ كالصلاة والصيام والحج والذكر والدعاء، أو لم تُرد به القربة؛ كالأعياد والطلاق وعٍٍدَد النساء.
    فهذا هو المحل الذي تدخله البدعة.

    كما ظهر أن الحكم بالبدعة على الشيء يدور على قواعد ثلاث:
    القاعدة الأولى: أن كل تغيير في ذلك المحدود بالزيادة أو النقص أو الصفة أو إبدال المكان أو الزمان أو الموضع أو الحال على وجه لم يأذن به الله كله بدعة في الدين.

    القاعدة الثانية: أن نية التعبد المحض في فعل وترك الأمور العادية على وجه لم ترد به الشريعة تحيل العمل والترك إلى عبادة محضة؛ فيصير بدعة.
    وذلك كالتعبد بلبس نوع معين من الثياب، وإطلاق شعر الرأس والشارب شعثاً، والتعرض للشمس، والمشي إلى الحج مع توفر مراكب سريعة بلا كلفة، والتغني بالقصائد تعبداً.
    هذا في الأفعال، ومثله في التروك، وذلك بأن يترك المسلم الشيء تعبداً؛ كترك الماء البارد وجميل الثياب التي لا إسراف فيها تقرباً إلى الله وابتغاء الأجر. أما تركها لمعارض أرجح؛ كالسرف في تبريد الماء، أو في تحصيل جميل الثياب؛ فهو مباح أو مستحب؛ لأجل عقل المعنى، ولهذا وصف العلماء الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً.

    القاعدة الثالثة: مضاهاة المكلف للتعبدات المحضة.
    ويجري حكم البدعة بمضاهاة التعبدات في صورتين:
    الصورة الأولى: تخصيص العبادة المحضة، أو تقييدها بمكان أو زمان أو حال أو صفة؛ سواء كان ذلك باعتقاد المشروعية على الوجه الخاص أو المقيد، أو أن يقع هذا التخصيص أو التقييد بمحض العادة، ومطلق المداومة.
    والصورة الثانية: تخصيص العادات بمحدودات من مكان أو زمان أو حال أو صفة لا يُعقل لهذه المحدودات معنى على التفصيل؛ ولو لم يُرد بها القربة لله أو للبشر؛ كضرب المكوس والوظائف على الدوام، وتنكيس العلم أو الصمت حداداً، وزيارة نصب الجندي المجهول، والأعياد القومية.
    أدلة ضابط ما تدخله البدعة وقواعد الابتداع:

    وقبل أن نستدل لما رُجح هنا فيحسن أن نتأمل مصطلح "التعبد" عند العلماء؛ فهو مهم لفهم كثير من مسائل الباب؛ حيث تجده يُطلق، ويراد بها معان ثلاثة:
    المعنى الأول: ما لم يُعقل له معنى على التفصيل من القربات المحضة التي لا تصرف إلا لله؛ كالصلاة والحج والصوم، وأنواع الذكر مطلقاً ومقيداً؛ فهذا تدخله البدعة؛ إذا وجد تغيير في بنية العبادة أو مكانها أو زمانها، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف.
    ويدخل في هذا المعنى كل ما حدته الشريعة بحدود زمانية أو مكانية وأحوال مخصوصة لا يُعقل لحدودها معنى على التفصيل؛ كَعِدَد النساء، والأعياد، والطلاق.

    المعنى الثاني: ما لم يُعقل له معنى في أصل شرعه في المعاملات، وهو ما اصطلح الأصوليون عليه بأنه المعدول به عن سَنَن القياس؛ كالنهي عن تلقي الركبان عند من يراه تعبداً لا يُعقل معناه: هل هو لحظ الجالب، أو هو لحظ أهل البلد حماية لهم من احتكار المتلقي أو رفعه الأسعار ؟ فلتزاحم الأوصاف التي يُحتمل تأثيرها امتنع القياس؛ فصار عند البعض تعبدياً، وكالنهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وكالشفعة واللعان والعرايا عند من يرى امتناع القياس في هذا النوع من المعاملات؛ فلامتناع القياس سماه تعبداً؛ أي لا علة له.
    وهذا المعنى لا تدخله البدعة؛ لعدم وجود مقدر ومحدود من زمان أو مكان أو صفة أو عدد؛ لأن إلحاق حكم البدعة لا يُتصور إلا بتغيير في محدود، ولا يوجد في هذا النوع شيء من ذلك؛ فالتعبد هنا إنما اعتبر في أصل شرع الحكم؛ لا في تفاصيله.

    وآثار وصف "التعبد" هنا هي: منع إجراء القياس، لعدم وجود ركنه وهو العلة، أما الأحكام المعللة فهي التي تُعدى فيها العلة إلى الفرع محل النزاع؛ فالتعبدي هنا ثابت، والمعلل عرضة للتغير.
    وانظر في منع القياس في التعبدات "المجموع" (3/342) للنووي، و"الاعتصام" (2/62) للشاطبي.

    ومن آثار التعبدية هنا أيضاً: اعتبار الحكم الوضعي بالفساد بمجرد المخالفة؛ لعدم معرفة العلة التي يُعرف بها فساد الشيء وصحته.
    ومعقول المعنى على التفصيل يُخرج معقول المعنى على الإجمال؛ فجميع الشرائع الربانية أريد بها مصالح العباد في الدين والدنيا؛ فهذا معنى إجمالي، ولكن تفاصيل الأحكام التعبدية؛ من الأعداد والأمكنة والأزمنة غير معقولة المعنى على التفصيل.

    والمعنى الثالث للتعبد: هو المعنى العام للعبادة، والذي عرفه بعض العلماء بأنه: كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ فيدخل فِي ذلك الأعمال الصالحة التي شرعت فِي نفسها لتحصيل مقاصدها الشرعية على وجه الاستحباب أو الوجوب، ويُقصد منها آثارها الحسنة، وكذلك ما يترتب عليها من الثواب؛ كحسن الخلق وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والدعوة إلى الله تعالى، وكالنفقة على العيال وطلب الرزق بنية الاستغناء به عن الناس، وكذلك الأكل والشرب والنوم بنية الاستعانة على الطاعة، أو الجماع بنية العفاف والولد، ونحو ذلك.

    فهذا لا تدخله البدعة بلا خلاف أعلمه إلا بنية التعبد، أو حصول المضاهاة.

    • • • • •

    وإذا أردنا أن نلج إلى الأدلة فلنبدأ بضابط محل البدعة؛ حيث دل لصحته أن النصوص التي جاءت بها الشريعة في ذم البدعة بينت ذلك بطرق عديدة منها: الإحداث في "أمر الدين" في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه من حديث عائشة. ومنها: التحذير من محدثات الأمور في قوله صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور" رواه أحمد من حديث العرباض بن سارية.

    فما هو الدين أو الأمر الذي نُهينا عن الإحداث فيه؟
    فإن قيل: هو كل ما يباشره المرء في حياته من عادة ومعاملة ومأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن، وغيرها من أمور المعاش - لأنها محكومة بالدين - فإن من لازم ذلك إجراء حكم البدعة فيما اتفقت الأمة على عدم دخولها فيه مما ذُكرت أمثلته من العادات والمعاملات، وهذا باطل؛ فلم يبق من الدين الذي تدخله البدعة إلا ما حدته الشريعة بعدد أو صفة أو مكان أو زمان؛ لأنه هو الدين المُنَزَّل يقيناً.

    ولك أن تقول بعبارة أخرى: إن لك التصرف في كل شيء - بمقتضى أصل الإباحة - من العادات والمعاملات والوسائل حتى تجد حدوداً وضعتها الشريعة؛ فهاهنا يكون الدين الذي منعنا من التصرف فيه، أو التغيير في محدوداته؛ ويُسمى هذا التغيير وذلك التصرف بدعة في الدين.
    وهذا - كما ترى - سهلُ المدرك واضحُ التطبيق.

    وكان من طريقة العلماء أنهم لم يجروا البدعة في عادة أو معاملة، وأجروها في جميع المحدودات التعبدية:
    أما العبادات المحضة التي يراد بها القربة؛ كالصلاة والصيام والحج فالأمر فيها ظاهر، وأحكامهم فيها معلومة.

    وأما ما سواها من المقدرات والمحدودات؛ فمنها:
    1. الأعياد الزمانية؛ حيث قال العلماء بأن الأعياد المحدثة بدع مذمومة؛ كعيد المولد، والأعياد القومية؛ كالثورة والاستقلال، والأعياد التاريخية مما له أصول دينية، أو لم يكن؛ كالنيروز وشم النسيم.
    ومن المعلوم أن العيد الزائد عن الأعياد الشرعية ليس عبادة محضة، وإنما وجدت البدعة فيه لكون الأعياد قد حُصرت في عيدين فقط؛ فالزيادة عليهما حدث.
    2. نكاح التحليل؛ كما قال بذلك الشاطبي في "الموافقات" (2/290) أقول: وأقرب تعليل لذلك ما يتضمنه التحليل من تعطيل مقاصد الشريعة في المحدودات، وهي الطلاق الثلاث في أحوال مخصوصة وأعداد مقدرة، وآثارها من البينونة الكبرى، ويكون هذا التعطيل بمنع وقوعها على الوجه الذي حدته الشريعة.
    3. إيقاع الطلاق الثلاث جملة؛ كما في "المبسوط" للسرخسي (6/4).
    4. إيقاع الطلاق في الحيض الذي وقع على خلاف الحال الذي حددته الشريعة، رغم تجرده من معنى القربة؛ فسموه طلاق بدعة، وهذا محل اتفاق في كتب المذاهب الأربعة، وغيرها.
    5. عدة المتوفى عنها زوجها، وانظر "الموافقات" للشاطبي (2/213).
    وقد ذهب إلى اعتبار عدم معقولية المعنى لجريان حكم البدعة الإمام الشاطبي رحمه الله؛ فقال في "الموافقات" (2/222): (.. التعبد راجع إلى عدم معقولية المعنى، وبحيث لا يصح إجراء القياس، وإذا لم يعقل معناه دل على أن قصد الشارع فِي الوقوف عند ما حدّه لا يتعدى..).
    وقال رحمه الله: (.. لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهي عنه؛ فهو المراد بالتعبدي، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادي).
    وقال في "الاعتصام" (1/347): (فإن كان مقيداً بالتعبد الذي لا يعقل معناه فلا يصح أن يُعمل به إلا على ذلك الوجه).
    وفي "الشرح الكبير" (1/672) قال الدردير رحمه الله: (.. إن الشارع إذا حدد شيئاً كان ما زاد عليه بدعة).
    والدليل على أثر النية في تحويل الفعل والترك العاديين إلى عبادة محضة قوله: "إنما الأعمال بالنيات" متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب.
    يتبع

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة الرابعة:وأما تحقق وصف البدعة بالمضاهاة في التخصيص والتقييد أو بمجرد الإلف والعادة؛ فيُقال في تعليل ذلك: إن سمات التعبد المحض هي قصد الشريعة في العمل المعين أن يؤتى به على الوجه المعين، وأن أظهر سمات العبادات المحضة اعتبار محدودات منها:
    1. مواضع معينة محددة من الجسم؛ كأعضاء الوضوء.
    2. المكان؛ كما في الحج، وهو من أبرز سمات المناسك.
    3. الزمان؛ كما في مواقيت الصلاة والصيام والحج.
    4. الهيئة أو الصفة؛ كما في الصلاة.
    5. الاجتماع؛ لصلاة الجمعة والعيدين؛ فلا تصحان إلا بالاجتماع، وبالحركة الموحدة في الأركان، وبالصوت الواحد في التأمين، وقد شُرع لضبطها وجود إمام للمصلين.
    6. التكرار والمداومة؛ لمعنى التعبد، وتحصيل الأجر.
    7. الاتجاهات؛ كما في القبلة في الصلاة والطواف في المناسك.
    8. الأعداد والمقادير؛ كما هو في جميع التعبدات المحضة من الصلاة والصيام والزكاة والحج والطلاق وعدد النساء.
    ولو تأملت في الجامع لهذه السمات في التشريع رأيته ضرباً من التخصيص والتقييد بهذه السمات أو بعضها دون معنى معقول على التفصيل؛ فقصد المكلف في العبادات إلى خصوصٍ أو تقييدٍ لم تدل عليه الشريعة هو ضرب من مضاهاة الشريعة في سنها للأحكام التعبدية؛ فيكون فعلها على هذا الوجه المعين ضرباً من البدع.

    وذلك مثل الذكر جماعة بصوت واحد، وتخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام من بين الليالي، وتحرى الدعاء الذي لله عند قبر من القبور، أو عند باب المسجد إذا هم بسفر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند تناول البخور، والتعوذ عند التثاؤب، والمداومة في خطبة الجمعة على قراءة آية: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان.." الآية، أو التزام خطيب الجمعة أمر الناس بالاستغفار نهاية الخطبة الأولى.
    وكل هذه الأمثلة يُمكن أن يستدل لها صاحب البدعة بدليل عام أو مطلق.

    وأظهر تعليل على أن العمومات والمطلقات لا تصح دليلاً على الصفات المخصوصات والمقيدات هو أنه يلزم من ذلك أن تُحدث صلاة سادسة على صفة صلاة الفجر أو المغرب يجتمع لها الناس ضحى ويؤدونها جماعة في المسجد، ويُستدل لها بمطلق الأمر بالصلاة أو الأمر بعبادة الله، وبمشروعية الجماعة للنوافل، وهذه الأدلة العامة أو المطلقة هي نفسها التي استدل بها المبتدع في الأمثلة المذكورة قريباً.
    وقد أشار إلى هذا اللازم الإمام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/132).

    فعلى هذا: إما أن يكون استدلال المبتدع بالمطلق والعام لاعتبار الصلاة السادسة صحيحاً، أو أن يكون استدلالنا بها لتصحيح ما ذُكر في هذه الأمثلة باطلاً؛ فلا مناص من أحد الأمرين إلا طريقة ثالثة وهي سنة المتبعين: أن الاستدلال بالعمومات على الصفات المخصوصات كله باطل، وما ينتجه هذا الاستدلال من صفات مركبة جميعه بدعة في الدين، حتى ولو كان كل واحد من هذه الصفات مشروعاً على الانفراد.
    وقد قرر هذه القاعدة جمع من الأئمة منهم الإمام ابن دقيق العيد في كلامه عن دلالة العام على الخاص؛ فقال في "إحكام الأحكام" (1/200و201): (.. إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة، والفعل المخصوص: يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه..).
    ورجح رحمه الله أن طلب الدليل الخاص على الشيء المخصوص أصح من إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات، ثم استدل بطريقة السلف حين حكموا بالبدعة على أعمال؛ لأنه لم يثبت عندهم فيها دليل، ولم يروا إدراجها تحت العمومات.

    وقال الإمام الشاطبي فِي تقرير هذه القاعدة: (ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقة: أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليل توهماً أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل، وذلك بأن يُقيّد إطلاقها بالرأي..). انظر "الموافقات" (3/211) فما بعدها.

    وقال في "الاعتصام": (.. فإن أتى به المكلف فِي ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مقارناً لعبادة مخصوصة، والتزم ذلك بحيث صار مُتخيلاً أن الكيفية أو الزمان أو المكان مقصودة شرعاً من غير أن يدل الدليل عليه: كان الدليل بمعزل عن هذا المعنى المستدل عليه).

    وذكر رحمه الله في "الموافقات" (3/123) جملة من نكير السلف على من داوم على بعض الأعمال دون دليل خاص، ثم قال: (.. هذا فيما لم يظهر الدوام فيه؛ فكيف مع الالتزام ؟ والأحاديث في هذا والأخبار كثيرة، جميعها يدل على أن التزام الخصوصات في الأوامر المطلقات مفتقر إلى دليل، وإلا كان قولاً بالرأي واستناناً بغير مشروع، وهذه الفائدة أنبنت على هذه المسألة؛ مع مسألة أن الأمر بالمطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد).

    وهذا هو رأي الإمام السبكي فقد ذكر ذلك العلامة ابن حجر الهيتمي في "فتاواه" (2/80) في كلامه على تخصيص ليلة النصف من شعبان بالقيام حيث قال: إن ذلك بدعة، ونقل عن السبكي تقريره بأن ما لم يرد فيه إلا مطلق طلب الصلاة، وأنها خير موضوع فلا يطلب منه شيء بخصوصه؛ فمتى خَصَّ شيئاً منه بزمان أو مكان أو نحو ذلك دخل في قسم البدعة، هذا ملخص كلامه رحمه الله.

    وعبر الإمام ابن تيمية عن هذه القاعدة بقوله: (شرع الله ورسوله للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعاً بوصف الخصوص والتقييد؛ فإن العام والمطلق لا يدل على ما يختص بعض أفراده ويقيد بعضها؛ فلا يقتضي أن يكون ذلك الخصوص والتقييد مشروعاً ولا مأموراً به).
    وتقع المضاهاة بالمداومة على الفعل أو التزامه دون دليل خاص على ذلك، وهو من التخصيص والتقييد غير المشروع؛ لعدم الدليل على الخصوص.

    قال الإمام الشاطبي في "الاعتصام" (1/345) فِي أنواع المداومات: (.. ووجه دخول الابتداع هنا أن كل ما واظب عليه رسول الله من النوافل وأظهره فِي الجماعات، فهو سنة، فالعمل بالنافلة التي ليست بسنة عن طريق العمل بالسنة إخراج للنافلة من مكانها المخصوص بها شرعاً..).
    ويرى رحمه الله أن العبد إذا خص يوماً للصيام مثلاً كالجمعة بعينه، أو أياما من الشهر بأعيانها لا من جهة ما عينه الشارع فإن ذلك ظاهر بأنه من جهة اختيار المكلف؛ كيوم الأربعاء مثلاً فِي الجمعة والسابع والثامن فِي الشهر، وما أشبه ذلك، وأنه إذا قيل له: لم خصصت تلك الأيام دون غيرها لم يكن له بذلك حجة غير التصميم، أو يقول: إن الشيخ الفلاني مات فيه، أو ما أشبه ذلك. ويرى أن هذا رأيٌ محض بغير دليل ضاهي به تخصيص الشارع أياما بأعيانها دون غيرها؛ فصار التخصيص من المكلف بدعة؛ إذ هي تشريع بغير مستند، هذا ملخص ما ذكره في "الاعتصام"(2/ 12).
    وقال العلامة الدسوقي في "الحاشية" (1/317) (.. لا تصلى النافلة جماعة فِي مكان مشتهر ولو كانوا قلة، ولا يصلون كثرة ولو فِي مكان خفي، ولا يداوم عليها فِي سر ولا علن..).
    وما ذكره العلامة الدسوقي ظاهر في الالتفات إلى خصائص التعبدات المحضة، وأن محاكاتها ضرب من الحدث والبدعة، وهذا بين؛ فلو أن الإمام قال لجماعته: لنصل نافلة العشاء جماعة لاستنكر الناس ذلك ورأوا أنه جاء ببدعة؛ رغم مشروعية النافلة، ومشروعية الجماعة فيها، ولكنها حين ضاهت المشروع مُنعت.

    وقرر الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ كما في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص303) أنه لا تُشرع المداومة على الجماعة في صلاة التطوع أو استماع القرآن أو ذكر الله ونحو ذلك، وأنه إذا فُعل أحياناً فهو حسن، وأن اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة، وأن ذلك هو المبتدع المحدث، ونقل عن أحمد أنه سئل: هل يكره أن يجتمع القوم يدعون الله، ويرفعون أيديهم ؟ فقال: ما أكره للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد، وبنى هذا على: (.. أن العبادات المشروعة التي تتكرر بتكرر الأوقات حتى تصير سنناً ومواسم: قد شرع الله منها ما فيه كفاية للعباد؛ فإذا أُحدث اجتماع زائد على هذه الاجتماعات يعتاد: كان ذلك مضاهاة لما شرعه الله وسنه..).
    إلى أن قال رحمه الله: (.. وكذلك تطوع القراءة والذكر والدعاء جماعة وفرادى. وتطوع قصد بعض المشاهد، ونحو ذلك كله من نوع واحد: يفرق بين الكثير الظاهر منه والقليل الخفي والمعتاد وغير المعتاد، وكذلك كل ما كان مشروع الجنس لكن البدعة اتخاذه عادة..).

    وقرر في ذلك قاعدة بقوله في "مجموع الفتاوى" (20/197): (مضاهاة غير المسنون بالمسنون بدعة).

    وانظر المرجع السابق (1/132).

    المضاهاة في العادات:
    التعبد - وهو الأمر بما لا يُعقل معناه على التفصيل - حق لله وحده، وإذا أوقع أحدٌ الفعل أو القول على هذا الوجه التعبدي، وجعلهما في عادة فقد اخترع عبادة جديدة وصرفها لغير الله، ومن هنا استحقت وصف البدعة؛ لأنه تشريع فهو من أعظم البدع.
    فإحداث التعبد و صرفه لله بدعة عظيمة؛ فإن صُرف لغير الله كان أشنع وأشد.
    وإذا أردنا أن نتصور هذه المسألة فلنضرب لها مثالاً: فلو أن أحداً أراد أن يُعظِّم أباه فكان عند استيقاظه يقف صامتاً متوجهاً إلى منزل والده، وهو مع ذلك يتمتم ببيت معين من الشعر، ويحرك يديه بطريقة معينة يداوم عليها؛ فإذا سئل عن ذلك قال: هذه مجرد عادة لا مدخل فيها لبدعة، ولي أن أعظم والدي بأي طريقة أراها!

    فماذا نحن قائلون؟ لا ريب أن حكم كل من رآه أن يقول: إن هذا الفعل يشبه العبادة المشروعة، ومن هنا كان السلوك بالعادات مسلك التعبدات بدعة محرمة.
    ولا يؤثر في الحكم أن تكون السمات التعبدية واحدة أو مجموعة؛ فإن كانت مجموعة؛ - كالذي قلنا في مثال تعظيم الوالد - كان أظهر في معنى الحدث، وإن كانت سمة واحدة فهي داخلة في دائرة التعبد؛ فكان ذلك من البدع.
    إن الأشياء التعبدية المحضة التي لا يُعقل معناها على التفصيل لا تكون إلا من الله ولا تُصرف إلا إليه؛ ولهذا يصدق عليها اسم البدعة في الحالين.

    قال الشاطبي في "الاعتصام" (2/80) بعد ذكره وضع المكوس في معاملات الناس بأن ذلك قد يكون على قصد حجر التصرفات وقتاً ما، أو لنيل حطام الدنيا؛ كعمل الغاصبين (.. أو يكون على قصد وضعه على الناس كالدِّين الموضوع، والأمر المحتوم عليهم دائماً، أو في أوقات محدودة علي كيفيات مضروبة بحيث تضاهى المشروع الدائم الذي يُحمل عليه العامة ويؤخذون به، وتوجه على الممتنع منه العقوبة؛ كما في أخذ زكاة المواشي... فأما الثاني فظاهر أنه بدعة إذ هو تشريع زائد، وإلزام للمكلفين يضاهي إلزامهم الزكاة المفروضة... فمن هذه الجهة يصير بدعة بلا شك؛ لأنه شرع مستدرك.. فتصير المكوس على هذا الفرض لها نظران: نظر من جهة كونها محرمة.. ونظر من جهة كونها اختراعاً لتشريع يؤخذ به الناس إلى الموت [أي دائماً]؛ كما يؤخذون بسائر التكاليف؛ فاجتمع فيها نهيان: نهىٌ عن المعصية، ونهى عن البدعة، وليس ذلك موجوداً في البدع في القسم الأول، وإنما يوجد به النهي من جهة كونه تشريعاً موضوعاً على الناس أمر وجوب أو ندب، إذ ليس فيه جهة أخرى يكون بها معصية؛ بل نفس التشريع هو نفس الممنوع).

    بين البدعة والمعصية:
    فإن قيل: إن المعصية بترك الواجب وفعل المحرم إيقاع للشيء على غير الوجه الذي أرادته الشريعة فلم لم تُدخل في البدع؟
    فالجواب: أن هذا الإيراد من أسهل مسائل هذا الباب؛ وذلك للاتفاق على أن ترك الواجب، وفعل المحرم عزيمة لا خيرة فيها للمكلف؛ كوجوب الترك لما نتفق على كونه بدعة، بخلاف مسائل البدع الأخرى فالخلاف واقع في جواز الفعل.
    وغاية ما يريده الباحثون في موضوع البدعة هو الوصول إلى صدق اسم البدعة ليُوصل به إلى حكم المنع، والمنع في المعصية متحقق باتفاق؛ فلأجل ذلك كان هذا المبحث سهلاً يسيراً.
    ولو قيل: إن المعصية بدعة لكان له وجه؛ لما ذُكر في هذا الإيراد؛ لكن الأظهر أنها لا توصف بذلك؛ لأن النهي عن فعل المحرم عام مطلق لم يُحدد بزمان أو مكان أو صفة، وإنما أُريد من المكلف فيه مطلق الترك، وكذلك واجب الفعل إذا كان مطلقاً.
    كما أن المخالف للأمر والنهي لا توجد عنده نية التعبد بالمخالفة، ولا إيقاعها على وجه محدد، ولم يقع فيها مضاهاة لما شرعه الله.
    وقد تأيد هذا الأصل بترك جماهير السلف إطلاق اسم البدعة على المعصية المجردة.
    يتبع

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة الخامسة:
    مسائل تدخلها البدعة:إعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية:
    إعلان بعض الأعمال التعبدية مقصود للشريعة؛ كإعلان الأذان؛ حيث صار شعاراً لها؛ فإن وُجد عمل تعبدي الأصل فيه عدم الإعلان فلا يجوز أن يُسلك به هذا السبيل، وتُعتبر هنا قاعدة المضاهاة؛ فلا يُشرع تعمد إعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية.

    ولا مجال هنا للتعليلات العقلية؛ كقول البعض: إن هذا ينبه الغافل على أن الصلاة قد أقيمت؛ فإن هذا تعبدي، وقد وجد المقتضي لفعل مثله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو إعلان الإقامة على أبواب المساجد أو أسطحها ولم يُفعل فدل على أنه غير مشروع.
    والله عز وجل قد شرع الأذان لإحاطة الناس بقرب إقامة الصلاة، وشرع الإقامة لإحاطة من في المسجد بأوان الشروع فيها؛ فلا يجوز أن تراعى معاني أخرى لم تقصدها الشريعة؛ فإن هذا عين الاستدراك عليها.

    وإذا كان إعلان التلاوة مجردة من خلال هذه المكبرات غير مشروع، ويستنكره قلب كل من سمعه فإن إعلان شعائر الصلاة لا يختلف عن هذا.
    كما أن الناس يستنكرون إعلان دعاء الأذان المشروع في المكبرات بعد أدائه، والذي حدث هو مجرد الإعلان.
    ولنحذر في هذا المقام من تأثير الإلف والعادة؛ فإنها المانعة من التأمل والنظر.

    ولا يسري هذا على نقل شعائر الصلاة من خلال وسائل الإعلام؛ فإن هذه الوسائل لا تُبث في أماكن عامة حتى تأخذ صفة الشعار؛ فالتحكم فيها بيد مالك الوسيلة من تلفاز أو مذياع؛ بخلاف إعلان شعائر الصلاة عبر مكبرات الصوت الخارجية فهي ظاهرة ملزمة.

    وقارن في هذا بين الدعاء وشعائر الصلاة، وكلاهما تعبدي؛ فلو تم الدعاء في وسيلة إعلامية لم يظهر فيه ما يُستنكر، ولكن لو اُتخذت مكبرات المساجد الخارجية لهذا الغرض لظهرت هنا معاني الشعار ومضاهاة المشروع، وقل مثل ذلك في تلاوة القرآن تظهر شرعيتها في هذه الوسائل، ولا تظهر هذه الشرعية في إعلانها في مكبرات المساجد الخارجية.

    السلام والمصافحة بعد السلام من الصلاة:
    كثير من الناس يستدل لشرعية هذا العمل بعمومات النصوص، أو إطلاقاتها. والناس فِي هذه المسألة طرفان ووسط:
    فمنهم من يستحب المصافحة بعد الصلاة مباشرة وقبل أداء الأذكار الواردة، حتى وإن كان قد سلّم على صاحبه قبل الصلاة، ولم يفصل بينهما إلا أداؤها، وتراه يداوم على ذلك؛ فهذا قد اعتقد الخصوص أو التقييد بغير دليل، وخالف بذلك القاعدة؛ لأنه لا معنى يفهم من ذلك إلا أن السلام مستحب بذاته بعد الصلاة مباشرة.

    ومنهم من لا يسلم على من جاوره مطلقاً خشيةً من وقوعه فِي البدعة - على حد زعمه - فيثير الوحشة مع إخوانه المسلمين من غير مستند.

    ومنهم وسط متبع للشريعة مؤد للحقوق؛ فإن كان قد سلم على صاحبه قبل الصلاة، ولم يفصل بينهما إلا الصلاة فإنه لا يُعيد السلام؛ لأن الصلاة لا تعتبر فِي الشريعة فاصلاً، ولأنه لا يتمحض من هذا السلام إلا اعتقاد استحباب السلام بعد الصلاة على الخصوص دون دليل خاص، وإن لم يسلم عليه قبل الصلاة؛ فسلم عليه بعد إتيانه بالأذكار المشروعة؛ فليس في فعله محظور ولا بدعة؛ بل هو مأجور مشكور، وكان بفعله هذا قد استعمل نصوص السلام على إطلاقها دون تقييد.

    وممن قال بعدم مشروعية السلام بعد الصلاة عز الدين ابن عبد السلام والشاطبي وغيرهما.
    وقال القرافي في "الفروق" (4/253): (.. ما يفعله أهل الزمان من المصافحة عند الفراغ من الصلاة بدعة غير مشروعة، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام ينهى عنه، وينكره على فاعله).
    يتبع

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة السادسة:دعاء ختم القرآن:
    الأظهر أن دعاء ختم القرآن غير مشروع لا في الصلاة ولا خارجها، وهذا هو مذهب مالك رحمه الله؛ ففي "المدخل" لابن الحاج (2/299) أنه قال حين سئل عنه: (ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن، وما هو من عمل الناس).
    ودليل ذلك هو: عدم ثبوت فعله ولا إقراره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُقال: ربما فعله أو أقره ولم يُنقل؛ فالجواب أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للشيء التعبدي مع وجود المقتضي لفعله وانتفاء المانع من الفعل، وكون هذا الشيء مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فإن تركه، وعدم نقل فعله والحال هذه كالنص من الشارع على النهي عنه، أو الحكم عليه منه بأنه بدعة.
    ودعاء ختم القرآن من هذا الجنس؛ إذْ يستحيل أو يكاد أن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا يُنقل، وقد نُقل عمن هو دونه، وهو أنس رضي الله عنه.

    وأما فعل أنس رضي الله عنه فلا يدل على مشروعيته؛ فقد ترك المحققون من العلماء أفعال الصحابة أو أقوالهم إذا لم يكن عليها ظاهر هدي النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تركاً.

    فمن ذلك: غرس الجريد على القبر؛ حيث ثبتت الوصية بذلك عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

    ومن ذلك التعريف فِي الأمصار، وهو الاجتماع للدعاء فِي المساجد يوم عرفة من غير الحجاج؛ حيث ثبت فعل ابن عباس رضي الله عنه ما له.

    ومن ذلك تعليق التمائم من القرآن والسنة؛ فقد ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ما في ذكر الفزع عند النوم وهو: "بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" أنه كان يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه.

    ومن ذلك قصد الصلاة في مواضع صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه ما أنه كان يتتبعها.

    ومن ذلك الزيادة فِي الوضوء على أعضائه؛ كغسل العضد إلى الكتف مع اليد، والساق إلى الركبة مع الرِجْل؛ فقد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يفعل ذلك.
    وكل هذه المسائل لم يرها كثير من العلماء أعمالاً مشروعة يُستحب فعلها؛ بل نهوا عنها، وسماها كثيرون باسم البدعة.

    قال الإمام ابن تيمية فِي "مجموع الفتاوى" (1/279) فِي معرض كلامه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم: (.. ومثل هذا لا تثبت به شريعة؛ كسائر ما يُنقل عن آحاد الصحابة فِي جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات؛ إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه - وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه لا يوافقه - لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها؛ بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة؛ فيجب رده إلى الله والرسول).

    وقد ساق في "مجموع الفتاوى" (1/279) كلاماً مطولاً قرر فيه أن اجتهاد الصحابي لا يكون حجة إذا خالف جمهورهم، وضرب لذلك أمثلة، ثم قال رحمه الله: (.. ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين. فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس لغيره أن يسن، ولا أن يشرع).

    وجاء فِي "المدخل" لابن الحاج: (3/280) نقلاً عن الطرطوشي قوله عن غرس الجريد على القبر: (.. وما نُقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنه م؛ فلم يصحبه عمل باقيهم رضي الله تعالى عنهم؛ إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه، وكانوا من أحرص الناس على الخير).

    ودعاء ختم القرآن من جنس اجتهادات الصحابة المذكورة: فَعَلها آحاد الصحابة وخالفت الهدي التركي الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، كما خالفت الهدي التركي لجملة الصحابة؛ فلا يعد مشروعاً.

    وتأمل في غرس الجريد على القبر حيث اجتمع فيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عدم وجود نهي صريح منه، وانضم إليه فعل صحابي على وفقه، ولم يُنقل عن أحد من الصحابة نهي عنه، وعلى مشروعيته نصوص جمع من علماء المذاهب الأربعة، ومع ذلك عَدَّه بعض العلماء غير مشروع، وبعضهم صرح بكونه بدعة؛ لكون عمل السلف لم يجر عليه، وهذا أصح. ولكن لماذا لم تُجر القاعدة ويُسحب الحكم على ما هو أولى من هذا: دعاء الختم الذي لم يثبت به أثر عنه ولا قول ولا عمل عن جمهور الصحابة رضي الله عنهم؟
    ومما يدل على عدم جريان عمل بقية الصحابة على ذلك هو ترك أهل المدينة له؛ كما حكاه عنهم الإمام مالك وهو من كبار تابعي التابعين؛ فلا يُظن أن يكون الدعاء سنة مشروعة ثم لا يفعله الصحابة، ولا ينقله عنهم التابعون حتى يكون هدياً ظاهراً، وسنة متبعة.

    أما جعله في الصلاة في قيام رمضان أو غيره، فهو أشد في معنى الحدث والبدعة؛ لأن الدعاء في نفسه تعبد محض، وقد وضعوه في تعبد محض وهو الصلاة، وكان فيها أغلظ؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من صحابته الكرام، وتعظم المفسدة إذا وضع في ليلة معينة، وخُص بالمداومة على كونه في القيام الأول دون الآخر؛ مما يضيف إليه بدعة العيد الزماني، وهو ما يعود كل سنة.

    وتأمل مرة أخرى في حال مؤذن جهر بعد أذانه بدعاء الأذان الوارد: "اللهم رب هذه الدعوة التامة.. " في مكبرات الصوت بنفس لحن الأذان لقيل عن عمله: إنه بدعة، وصار هو مبتدعاً، رغم كونه خارج الصلاة، ورغم أن محله بعد انتهاء الأذان، والدعاء نفسه مشروع بخصوصه في هذا الموضع؛ فكيف تكون الحال في دعاء الختم وهو غير مشروع في أصله وقد أدخل في الصلاة؟
    وكثيراً ما نقول للناس عن بعض المحدثات إنها بدعة، وكان من حجتنا على أصحابها أن نقول: لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
    وهذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة؛ فلم رأيناه عملاً صحيحاً ؟

    وقد روى ابن عبد البر في "التمهيد" (21/242) عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات اللَّه، ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً.
    التزام آيات وأدعية وأذكار في أحوال معينة:
    يأخذ الإلف والعادة بعض الناس إلى الظن أن ما يفعله صحيح مشروع، والواجب أن يُخضع كل ما يقوله ويفعله للسنة، وقد تقدم في قاعدة المضاهاة والتخصيص والتقييد أن البدعة تقع بمجرد المداومة للشيء التعبدي؛ ولو لم يعتقد المداوم أن ما يفعله عبادة على هذا الوجه.

    فمما يكون بدعة إذا وقعت المداومة فيه أشياء، منها:
    1. تبليغ المؤذن صوت الإمام:
    فُعل هذا فِي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فعله أبو بكر حين مرض الرسول صلى الله عليه وسلم فضعف صوته فبلّغه أبو بكر رضي الله عنه.
    فإذا زال السبب وجب ترك هذا التبليغ.
    وفي "رد المحتار" (1/476): نقلاً عن السيرة الحلبية: فِي كلامه عن تبليغ صوت الإمام من المؤذن مع بلوغه للمأمومين قال: (.. اتفق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة.. وأما عند الاحتياج إليه فمستحب).

    2. الصلاة على النبي عند استلام المبخرة:
    الصلاة على النبي فِي أي حال مشروعة؛ بل هي من أفضل القربات وأجل الطاعات؛ ولكن الكلام هنا إنما هو على التخصيص؛ فقد اعتاد بعض الناس عند رؤية البخور، أو عند تناول المبخرة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويعللون ذلك بأنه يحب الطيب ولأن رائحته هي الطيب، ولأن ذكره من أطيب الذكر، وهذا كله صحيح، ولكن الدين ليس بالرأي كما قال علي رضي الله عنه فِي المسح على أعلى الخفين، ولو كان بالرأي لكان ذكر الله عز وجل أولى من ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لذلك لا ينبغي أن يقيد هذا الذكر إلا بما ورد.

    3. التكبير الجماعي يوم العيد بصوت واحد:
    جاء فِي "الحاشية" للعدوي (1/394): (.. ويُكبِّر كل واحد وحده فِي الطريق وفِي المصلى ولا يكبرون جماعة؛ لأنه بدعة..).
    وفِي "مواهب الجليل" (2/195): (.. ولا فرق فِي ذلك أعني فِي التكبير بين أن يكون إماماً أو مأموماً أو مؤذناً أو غيرهما؛ فإن التكبير مشروع فِي حقهم أجمعين على ما تقدم وصفه.. بخلاف ما يفعله بعض الناس اليوم؛ فكأن التكبير إنما شرع فِي حق المؤذن، فتجد المؤذنين يرفعون أصواتهم بالتكبير كما تقدم، وأكثر الناس يستمعون لهم ولا يكبرون وينظرون إليهم كأن التكبير إنما شرع لهم وهذه بدعة محدثة، ثم إنهم يمشون على صوت واحد وذلك بدعة؛ لأن المشروع أن يكبر كل إنسان لنفسه، ولا يمشي على صوت غيره).
    يتبع

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة السابعة:.
    افتتاح الحفلات بقراءة القرآن:أنزل الله تعالى كتابه هداية وتعبداً؛ فلا ينبغي أن يقرأ إلا على الوجه المشروع: في العام والمطلق بعمومه وإطلاقه، وفي الخاص والمقيد بما ورد نصاً بخصوصه وتقييده، وإذا عرفنا في قواعد البدعة أن ما فيه سمة التعبد المحض، وقد وجد المقتضي لفعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع منه فإن فعله بدعة؛ فإن هذا يرد في هذه المسألة؛ فعليه فإن الأقرب هو عدم شرعيته.

    5. تخصيص خطبة الجمعة بالمداومة على شيء من ذلك:
    فمن ذلك الدعاء للخلفاء الراشدين، وغيرهم في خطبة الجمعة:
    جاء في "الاعتصام" (1/27) للإمام الشاطبي: (.. سئل أصبغ عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين؟ فقال: هو بدعة، ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة. قيل له: فدعاؤه للغزاة والمرابطين ؟ قال: ما أرى به بأسا عند الحاجة إليه، وأما أن يكون شيئاً يصمد له فِي خطبته دائماً فإني أكره ذلك).
    وجاء "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 217) عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كتب أن لا يسمى أحد فِي الدعاء ‎‎ .
    ومن ذلك قراءة آية: "إن الله يأمر بالعدل.." الآية.
    وأمر الناس بالاستغفار نهاية الخطبة الأولى.
    وقول الإمام نهاية الخطبة الثانية: فاذكروا الله الجليل يذكركم، وضجيج الناس بالتهليل.
    قال أبو العباس الصاوي فِي "بلغة السالك" (1/510): (.. ومن البدع المذمومة أن يقول الخطيب فِي آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، ثم يجلس فتسمع من الجالسين ضجة عظيمة).

    وإذا أردت أن تتصور ذلك فتأمل لو أن خطيباً يعظ في غير الجمعة جاء بجميع هذه الآيات والأذكار فماذا سيقول الناس؟ لا ريب أنهم سيقولون: إنه حوَّل كلمته إلى خطبة جمعة، وما ذلك إلا لاعتقادهم أن هذه الأمور تختص بخطبتها؛ فإذا كانت مستنكرة في المواعظ فما الذي جعلها معروفة مشروعة في الجمعة؟
    ولو قلت للخطيب: اجعل قولك فاذكروا الله الجليل يذكركم فِي نهاية الخطبة الأولى: لقال لك بلسان حاله أو مقاله: إنك بدلّت، والتبديل فِي الحقيقة إنما وقع منه حين التزم ما لم يرد بخصوصه.
    ولو سئل بعض المداومين على مثل هذه الأعمال عن مسألة يقول فيها السائل: أريد أن أداوم على تلاوة قول الله تعالى: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً" أتلوها كلما تثاءبت دون اعتقاد المشروعية لخصوص هذا العمل؛ لنفر منه قلبه، ولقال بفطرية عجيبة: لا تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    بينما هو يلتزم كثيراً من الأذكار والدعوات دون برهان، ولا حجة إلا إلفه وعادته، حيث جعلها كالدليل عند أهل الإتباع والأثر.

    الأعياد الزمانية:
    الزمان والمكان ظرفان جامدان لا تعظيم لهما إلا ما عظمه الإسلام، والتفات القلب إلى تعظيم شيء منها واعتباره إما أن يكون قربة لله وضرباً من العبودية له؛ لأنه عظَّمه، أو أن يكون بعداً عنه وضرباً من عوائد الوثنية؛ فلا وسط في هذه المسائل.

    وللعيد فِي اللغة وفي عرف الناس سمات عدة: من أظهرها: أنه يعود في زمن محدد. ومنها: أنه تُظهر فيه البهجة والسرور، ويكون فيه الاجتماع وأعمال الفرح؛ كالتهاني واللعب والمآكل والمشارب.
    ولا عيد فِي الإسلام سوى ما شرعه الله من الأعياد، وهي: عيد الفطر وعيد الأضحى.

    فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم: ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما فِي الجاهلية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر". رواه أبو داود في "سننه" (1/295).
    وقال صلى الله عليه وسلم: "يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" رواه أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
    فقوله: "أبدلكم" دليل على إبطال كل عيد وإلا لزادهم من أعياد الإسلام دون إبطال الأعياد الحالية. وقوله: "عيدنا أهل الإسلام" دليل على أن ما سواها أعياد غير أهل الإسلام.

    ثم تأيدت هذه الأدلة بالهدي الظاهر للسلف؛ فلم يظهر في ديار الإسلام بعد إيقاف الأعياد السابقة، وإبدالها بأعياد الإسلام أي عيد طيلة القرون الثلاثة المفضلة تعبدية كانت أو عادية؛ وذلك رغم أن للأمم المجاورة أو المخالطة للمسلمين أعياداً تعبدية وعادية؛ يقصد منها الاحتفاء بزمان أو شخص؛ كعيد الشعانين ومولد عيسى عليه السلام للنصارى، والنيروز للمجوس وغيرها من الأعياد؛ لا سيما والأمة فِي هذه القرون كانت تأخذ الكثير من المفيد النافع من الأمم الأخرى؛ فتركها لهذه الأعياد رغم وجودها دليل على إعراضها عنها ديانة.

    فصارت الأعياد الأخرى بدعة من وجهين:
    الأول: أن في أعياد الإسلام سمة التعبد المحض في اختيار زمانها، والزيادةُ على تعبدي محض بدعةٌ؛ كما تقرر آنفاً في تأصيل البدعة في صدر الورقة.
    الثاني: أن في الأعياد المشهورة؛ كعيد المولد والعيد القومي ضرباً من التعبد المحض في اختيار الزمان دون معنى معقول، وفي هذا مضاهاة للمشروع. يوضح هذا أنه لا معنى عقلياً لاختيار الزمان ليكون وقتاً لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أو الولي أو المناسبة القومية، وحب النبي والولي من أعظم القرب، وحب الوطن والعناية به - في حدود ما أقرته الشريعة - لا تثريب فيه، ولكن ما المعنى العقلي المفهوم من قصر الاحتفاء بما ذُكر في زمان دون آخر؛ بل إن المناسبة العقلية هي في اختيار غير الزمان الذي وقع فيه الحدث الذي يراد الاحتفاء به؛ لأنه وقت نسيانه، ولأن زمان حدوثه هو: وقت تذكره؛ فالصمود إلى الزمان المعين نوع تحكم وتصميم لم يُعهد إلا من الشريعة في اختيار الأزمنة والأمكنة؛ فههنا كانت المضاهاة، وتقدم في قاعدتها ما يدل على أن ما وقعت فيه المضاهاة فهو بدعة.

    وقد استدل بعضهم لتصحيح عيد المولد بما أخرجه أحمد بسند صحيح عن ابن سيرين رحمه الله قال: (نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا: لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا.. وفيه أنهم اختاروا الجمعة؛ فاجتمعوا فِي بيت أبي أمامه أسعد بن زرارة؛ فذُبحت لهم شاة فكفتهم.
    وقالوا بأن هذا في حقيقته احتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم معين.
    فالجواب عن ذلك بعدم التسليم أن ذلك احتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو سُلم لكان قبل شرع صلاة الجمعة وخطبتيها؛ حيث جاء فِي رواية عبدالرزاق بسند صححه ابن حجر أن ابن سيرين قال: وقبل أن تنْزل الجمعة وفيها: فأنزل الله فِي ذلك بعد: "يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله" الآية.
    فتركهم لهذا الاجتماع على يوم محدد - بعد نزول الجمعة - دليل على عدم مشروعية أي اجتماع آخر له سمة العيد، وفيه دليل أيضاً على أنهم يعرفون مثل هذه الطرق؛ فتركوها اكتفاء بما شرعه الله يوم الجمعة من الصلاة والتذكير والوعظ في خطبتيها.

    ولو قيل: إن البدعة إنما تصدق على الأعياد التعبدية دون العادية؛ وذلك لأن لأصحاب هذه الأعياد أن يقولوا: نحن لا نتعبد بها؛ بل نفعلها محبة للرسول أو الولي؛ كمحبة الوطن، ويقولون أيضاً: إن التعبد فيها إنما يُعتبر بمعناه العام الذي لا بدعة فيه؛ لا بمعناه الخاص، وإذا أجزتم لأهل الدنيا التعبير عن شعورهم بإحداث عيد لمناسبة ترابية فبالأولى أن يجوز ذلك لمعنى صحيح لا يوجد فيه تعبد محض.
    فالجواب: أن هذا لا يصح؛ فإن الأعياد الشرعية ذات صفات تعبدية محضة يظهر هذا في اختيار زمانها وبعض أعمالها، وقد تقرر في التأصيل أن ما كان عبادة محضة فهو من جملة الدين المنزل الذي لا يجوز الحدث فيه بالزيادة عليه، أو النقص منه، أو التصرف في أعماله التي حدتها الشريعة.

    كما أن الأعياد التي تنازع الناس فيها قد سُلك بها طريق التعبد المحض باختيار الزمان دون مناسبة عقلية؛ فكانت إقامتها على هذا الوجه من المضاهاة التي تحيل العمل العادي إلى أمر تعبدي يصدق عليه وصف البدعة.

    ولا يصح أن يُقصر مناط الحكم بالمنع على التشبه بالكفار في هذه الأعياد؛ فلو صح ذلك لم تكن هذه الأعياد ممنوعة حرمة؛ لأن القاعدة في التشبه: أن ما لم يكن من خصائص مَنْ نُهينا عن التشبه بهم فلا يُعتبر تشبهاً مذموماً، وهذه الأعياد ليست من خصائص الكفار؛ بل صار يشترك فيها المسلم والكافر؛ كبعض الملابس التي كانت خاصة بهم ثم صارت مشاعة بين الأمم؛ فلم يعد لبسها تشبهاً.

    فتلخص من هذا أن كل ما فيه سمات العيد المذكورة في تأصيل المسألة فهو ممنوع؛ لأن الأعياد محدودة؛ فهي من جملة الشرائع والمناهج التي لا يزاد على الوارد فيها بشيء، ولما في الأعياد المحدثة من المضاهاة المذكورة؛ فكل عيد سوى أعياد الإسلام فهي أعياد محدثة سواء أريد به القربة وتعظيم الدين؛ كعيد المولد، أو عيد الإسراء والمعراج، أو كان عيداً عادياً؛ كعيد النيروز أو عيد الجلوس أو عيد الثورة أو عيد الاستقلال وغيرها من الأعياد التاريخية والقومية والعرقية.

    التزام لباس معين لأهل العلم أو الزهد:
    جاءت الشريعة باللباس المعين المحدود في المناسك؛ فلا يُشرع أن يتخذ أحد لباساً يدل على معان شرعية من العلم أو الزهد والتصوف؛ فإن في ذلك مضاهاة للمشروع.
    ومن المعلوم أن من مقاصد هذه الشريعة سد كل باب يؤدي إلى الرياء والسمعة.
    وقد كان الداخل على النبي صلى الله عليه وسلم لا يفرق بينه وبين أصحابه لا في لباسه ولا في موضعه.
    مع ما في ذلك من التشبه باليهود والنصارى الذين نهينا عن مشابهتهم؛ حيث يجعلون لباساً لعلمائهم وعبادهم.
    وانظر في ذلك كلاماً نفيساً لابن الحاج في "المدخل" (1/136).
    وإذا كان اللباس مجرد زينة للمناسبات والمجامع، ولا يختص به العالم والزاهد عن غيره فلا حرج فيه.

    تخصيص أيام الأعياد والجُمع لزيارة المقابر:
    وذلك بدعوى عموم أدلة مشروعية الزيارة مطلقة أو عامة؛ وهذا مسلك غير صحيح؛ فيجب أن تبقى على عمومها أو إطلاقها ولا تقيد أو تخص بالرأي؛ فعليه حينئذ أن يعود نفسه على زيارة المقابر حسب الاتفاق.
    أما إذا كان وقت الزيارة هو وقت الفراغ أو النشاط؛ دون أن يكون الزمان مقصوداً للزائر فلا شيء فِي ذلك؛ كمن لا يجد فراغاً مطلقاً إلا يوم الخميس أو الجمعة مثلاً؛ فله أن يجعل الزيارة فِي هذا الوقت؛ لأنها صارت معقولة المعنى فلم ينطبق عليها حد البدعة.

    مما لا تدخله البدعة:
    كل شيء خرج عن بِنْية العمل التعبدي المحض، ولم يُغير ذلك الشيء في العبادة المحدودة بشيء يُخرجها عن المحدود في الشريعة؛ فإن التغيير في ذلك الشيء والتجديد فيه لا يُعد بدعة، وإذا كان ذلك الشيء من الوسائل؛ فإن الوسيلة لها حكم مقاصدها؛ فمرة تكون مستحبة ومرة واجبة بحسب حال المقصد أو الوسيلة.

    فمن هذه الفروع:
    وسائل تبليغ الدين:
    كوسائل تبليغ الدعوة، ووسائل التربية التعليم، ووسائل الحسبة والطرق الإدارية لتنظيم ذلك كله، وذلك لأنها عمل منفصل عن بنية العبادة المحضة.

    وإذا تأملت في هذه الوسائل رأيت أنها تقع في رتبة متأخرة عن المقاصد التعبدية المحضة، وللإيضاح فهذه مراتبها:
    الأولى: العمل التعبدي.
    الثانية: الدعوة إليه، التي هي عمل الداعية أو المربي أو المحتسب أو المعلم لحمل الناس على الدين.
    الثالثة: وسائل عمل الداعية أو المربي أو المحتسب أو المعلم.
    فهي إذا في مرتبة بعيدة عن بنية العمل التعبدي.
    وقد تفنن علماء المسلمين في هذه الوسائل؛ حيث بدأ ذلك في نقط المصحف، ثم ضبطه بالشكل، ثم تحزيبه وترقيم آياته.
    وكذلك ما أحدثوه من تبويب للعلم؛ فهناك الآثار والسنن والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم، والتصنيف على أبواب الفقه.
    فكل هذه وسائل إلى تعبدات، ولم يدر في ذلك بينهم خلاف ولا جدل.
    وقد رأينا أنه لا مجال فيها للبدعة؛ لكونها معقولة المعنى على التفصيل.

    وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى عن تبليغ الشريعة: (.. والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة؛ لأنه من قبيل معقول المعنى؛ فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة، وكذلك لا يتقيد حفظه عن الزيغ والتحريف بكيفية دون أخرى).

    الذكر بالمسبحة:
    ذهب بعضهم إلى أنها بدعة؛ لعدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها، وإذا أجريت هذه القاعدة في ضبط المحل وجدت أن السبحة لا تدخل في تغيير بنية العبادة بشيء، وإنما هي وسيلة إلى تحقيق المشروع في عد التسبيح، وهي معقولة المعنى على التفصيل؛ فليست إذا بدعة ولا حدثاً في الدين.
    وقد ثبت نحو المسبحة في إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة على التسبيح بالحصى أو النوى.

    فعن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال: "ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل ؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك". رواه الترمذي وأبو داود، وسكت عنه، وصححه المنذري وابن حجر.
    وبجواز التسبيح قال جمع من الأئمة؛ منهم ابن تيمية والشوكاني ومحمد بن عثيمين وغيرهم.

    ومن المعلوم أن لها بعض المفاسد؛ كغيرها من الوسائل فيجب على مستعملها اجتناب المفسدة، ولا علاقة لهذه المفسدة ببدعة ولا سنة؛ فمن ذلك جعلها شعاراً للصلاح، ومجالاً للرياء، وانظر في ذلك "مجموع الفتاوى" (22/187) و(22/505).
    ويُحاذر من هذه المفاسد حتى في حمل السواك وإظهاره في الجيب، وفي حمل المصحف؛ فلا زال المخلصون المخبتون يخشون إظهار ما يدل على عبادتهم.

    وأما ما فعله ابن مسعود رضي الله عنه من الإنكار على قوم اجتمعوا يذكرون الله فقد تقدم الجواب عنه.

    وأما ما قيل إنها في التاريخ القديم عادات هندوسية؛ فلا يؤثر في حكم الجواز؛ لأن القاعدة في التشبه: أن الشيء إذا تحول وصار عادة عند المسلمين، ولم يكن من خصائص الكفار فلا يُعد استعماله تشبهاً، ولهذا أفتى العلماء في الألبسة الحديثة بأنها جائزة وإن كان أصلها من الكفار؛ لما ذُكر من هذه القاعدة.

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة الثامنة:
    خطا صف الصلاة وبداية الطواف:
    تحرر هنا أنها وسيلة معقولة المعنى فلا تدخلها البدعة؛ بل لها حكم مقصدها؛ فمقصدها في الصلاة مستحب فهي مستحبة.
    أما خط المطاف فالأصل جوازه على هذه القاعدة إلا إنه عرض لهذا الأصل ما هو خارج عن حكم البدعة والسنة، وهي مفسدة ازدحام الناس عند بداية الطواف بما يعرقل انسيابه، ويقع به من أذية الرجال للنساء الشيء الكثير؛ فيُعتبر لهذا السبب ممنوعاً، وأما قول بعض أهل العلم بضرورة وضعه حتى مع هذه المفسدة بحجة أن الطائف قد يترك جزءاً من الطواف ففيه تكلف لا يخفى؛ إذْ إن المكلف متعبد بغلبة الظن في المحاذاة عند البداية وعند النهاية؛ فإن أمكن تحقيق الوسيلة دون مفسدة جاز ذلك؛ وإلا وجب تركها.

    حفلات تكريم الطلبة:
    تقام حفلات تكريم الجامعيين وطلبة حلق تحفيظ القرآن العظيم؛ فهل تُعتبر بدعة لكونها تشبه العيد ؟
    ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم، والأظهر أن ذلك مرجوح؛ لكون هذه الحفلات معقولة المعنى على التفصيل، والزمن غير معين، ولا يُقصد لذاته؛ كما هي الحال في الأعياد الشرعية وغير الشرعية؛ كاحتفالات المولد والأعياد القومية، وإنما المقصود خاتمة الفترة الدراسية؛ فلو تأخرت أو تقدمت تبعتها في ذلك.

    الحداء والنشيد:
    النشيد من الأمور العادية، وحتى لو قصد به ترقيق القلوب فإنه إنما يدخل في باب الوسائل التي لا مدخل فيها للبدع، ولا تنطبق عليه قواعدها، وإذا وجد فيه ذكر، أو ترديد دعاء؛ كحداء الصوفية فإنما أدركته البدعة بذلك لا لأجل كونه نشيداً.

    أما ابتلي به بعض هذه الأمة من التغني بالقصائد الملحنة بنية التعبد، أو ما يُسمى بالغناء الصوفِي، وهو الذي جُعل مضاهياً للقرآن فِي أحكام التلاوة؛ فإنما حكم عليه بذلك لأجل نية التعبد المحض التي تُحيل العمل العادي إلى عبادي مبتدع، وقد حكم العلماء على مثل هذا النشيد بالبدعة لهذا السبب، وكان فيه مضاهاة المشروع في أشياء منها:
    - أن المغنين يتطهرون له.
    - أنهم يستنْزلون رحمة الله به؛ كحِلِق الذكر.
    - دعواهم حضور الملائكة والأنبياء؛ شأن الذكر والصلوات.
    - تفضيله على القرآن قولاً وفعلاً، والأمر بالإنصات عند سماعه.

    وانظر تفاصيل هذا الغناء التعبدي فِي "الاعتصام" للشاطبي (2/85، 87، 93) و"مجموع الفتاوى" لابن تيمية: (3/211 – 427، 359) و (4/77) و(10/71 و76 و170 و418 و419) و (11/532و298و562 إلى641) و(22/522) و (27/229).

    وأما القصائد الملحنة التي لا يُراد بِها التعبد، ولا يقارنها ما يدل على ذلك فلا ينطبق عليها حد البدعة.

    وبيان ذلك أنه قد عُهد من الشريعة إباحة مثلها؛ كحداء المسافرين، وغناء العيد، وأراجيز العاملين.

    وقد فرّق ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (11/558 و631) بين سماع المتقربين وسماع المتلعبين، وأن هناك فرقاً بين ما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو، ونحو ذلك من العادات، وبين ما يُفعل لقصد العبادة والتقرب إلى الله؛ كالذي يفعله النصارى فِي كنائسهم على وجه العبادة والطاعة؛ لا على وجه اللهو واللعب.
    ومثّل لذلك بجواز كشف الرأس، ولبس الإزار والرداء على وجه العادة، ومنعه إذا فعله على وجه الإحرام؛ كما يحرم الحاج.

    ومثّل لذلك أيضاً بما رواه البخاري فِي "صحيحه" (6210) عن ابن عباس رضي الله عنه ما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائماً فِي الشمس. فقال: من هذا ؟ قالوا: هذا أبو إسرائيل يريد أن يقوم فِي الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه".
    فعلق على قصة أبِي اسرائيل هذه بقوله: (.. فهذا لو فعله لراحة أو غرض مباح: لم يُنهَ عنه؛ لكن لما فعله على وجه العبادة نُهي عنه..).
    ونحو ذلك تمثيله رحمه الله بحلق الرأس تعبداً، أو على وجه مباح؛ كما في "الاستقامة" (1/256).

    وقد قرر فِي المرجع المذكور (1/282) فِي رده على من استدل بسماع عبدالله بن جعفر على شرعية التقرب إلى الله بالقصائد الملحنة، بأنه لا يعده ديناً.
    ولا يرد على هذا أن يُقال: إن الأناشيد يراد بها مقاصد شرعية؛ كالحث على أعمال الخير وترقيق القلوب فيُقصد بها - من هذا الوجه - القربة والتعبد؛ فهي بدعة، لا يرد هذا؛ لأن هذا التعبد إنما هو بمعناه العام لا معناه الخاص؛ كما تقدم تفصيله في الأدلة، ووجه تبديع أهل السماع بقصائدهم هو وجود حقيقة التعبد بالنية، أو بما يقارنها من أحوال تعبدية محضة؛ كالتطهر لها، أو دعوى حضور الملائكة؛ وغيرها مما مر آنفاً؛ مما لا يوجد في الأناشيد موضع البحث: من نية التعبد بها، أو قرائنه.

    ولا يخلو الحال في إطلاق وصف البدعة عليها من اعتبار أحد أمرين: أحدهما: التلحين، والثاني: مقصد ترقيق القلب؛ فإن قيل: إن السبب هو التلحين فيُقال: إن المواعظ يراد بها ترقيق القلوب وقد لُحِّنت؛ كما فعله بعض العلماء في خطبهم، ولم تُعتبر بدعة. وإن كان السبب في الشعر الموزون المقفى فقد قاله الصحابة وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُقصد به إلا الحكمة، أو ترقيق القلوب.
    فظهر بذلك أن مراد العلماء هو الحكم ببدعية الحداء المقترن بقصد التعبد المحض، أو وجود صورة العبادة؛ كما تقدم.

    ولكن اعترى بعض النشيد فِي الوقت الحاضر مفاسد ظاهرة؛ كتقليد المطربين الفسقة والتشبه بهم فِِِي ألحانهم وطريقة أدائهم، واستعمال الآلات المحرمة بوساطة الحاسب الآلي مع مبالغة شديدة في تحسين الصوت وتطريبه، من ذلك ما هو محرم ومنه ما هو مكروه.

    كما أن الإكثار من سماع القصائد والترنم بها ملهاة عن كتاب الله قراءة وسماعاً وتدبراً، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لأن يمتليء جوف رجل قيحاً يَرِيَه خير من أن يمتليء شعراً" رواه البخاري في "صحيحه" (5689) ومسلم في "صحيحه" (2257) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومعنى يريه: يفسد جوفه.

    وانظر كلام الشاطبي في "الاعتصام" (2 / 96، 98، 99) في النشيد المجرد الذي لا تعبد فيه، وقد قرر في هذه المواضع نفسها ما فيه من تجاوز؛ كالمبالغة في تمطيط الصوت وتحسينه.

    الحاجز بين الرجال النساء في المساجد:
    حيث ذهب بعضهم إلى أنه بدعة لتعلقه بعبادة، وطار بها بعض دعاة التغريب لفتح باب الاختلاط في المدارس وغيرها، والصحيح أن هذا الحاجز معقول المعنى على التفصيل، وهو وسيلة محضة، وعلى ما حُقق هنا فلا تدخله البدعة؛ بل هو من الوسائل التي تُتخذ عد الحاجة.

    فإن قيل: لماذا تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي وانتفاء المانع؛ فالجواب: أن هذه الجملة لا ترد هنا، ولا تصح ضابطاً للبدعة لما تقدم تفصيله، وإنما نشتغل بالجواب على سبيل التبرع فنقول: لعل الحاجة لم تكن داعية إلى ذلك؛ لحرص الصحابيات على الحجاب، وحرص الصحابة على غض البصر؛ فإذا كان الناس على مثل حالهم فقد يقال: لا مانع من إزالته.
    وإذا رأى المحتسبون الحاجة إلى ذلك كان صحيحاً مشروعاً.
    فالحاصل في موضوع هذا البحث أن لا يقال: إن هذا الحاجز بدعة.

    من فروع المضاهاة في العادات:
    وضع المكوس الدائمة:
    عدها الشاطبي - كما تقدم - من البدع لمضاهاتها لما ضرب الله حدوده من الزكوات فِي أنواع الأموال.

    زيارة نصب الجندي المجهول:
    ونصب الجندي المجهول يرمز إلى الشهداء من الجنود وغيرهم، وزيارته تكون تعظيماً لهم، وتنويهاً بشأنهم.
    وهذه الزيارة لا يعرف لها معنى يقصده العقلاء عادة؛ فالذي يقصدونه عادة في مثل هذا هو ذكرهم، والثناء عليهم، أو الدعاء لهم، أو نفع ذريتهم إكراماً لهم.
    أما وضع النصب وتخصيصه بالزيارة، والصمت عنده دقيقة ونحو ذلك؛ ففيها مضاهاة للتعبد المشروع؛ كقصد المشاعر والمساجد؛ فصارت من البدع.
    يتبع

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحلقة التاسعة والاخيرة:
    الصمت حداداً:
    في بعض المجتمعات يتخذون عادة يصمت فيها المرء مدة من الزمن تكون دقيقة واحدة أو أكثر حداداً على وفاة عظيم، وهذا قد يكون فِي المجتمعات والمحافل العامة.
    وهناك طريقة أخرى بأن توقف السيارات فِي المدينة وينْزل منها أصحابها فيقفون مدة معينة: دقيقة أو دقيقتين حزناً على هالك أو إحياء لذكرى هالكين، واختيار الصمت والمدة لا يعقل لها معنى على التفصيل؛ فقد دخل فِي العادي شائبة التعبد؛ فكان من البدع.

    التزام مدة معينة للتفرغ الدعوة:
    يلتزم بعض الناس مدة معينة للدعوة يجعلها طريقة متبعة، ويداوم عليها؛ فيحدد لذلك مدة معينة؛ كأربعة أيام أو أربعين يوماً ونحو ذلك؛ فضرب هذه الأعداد لكل شخص لكل مكان ولكل زمان لا يُعقل لذلك معنى على التفصيل مضاهاةٌ لطريقة الشارع في سن الأحكام؛ فيُعتبر بدعة.
    ولو كان في هذا معنى معقول يوافق فراغ الناس؛ كشهرين؛ لأنها إجازة الموظفين، وكيومين؛ لأنها إجازة نهاية الأسبوع لم يكن في هذا محذوراً؛ لخروجه عن محل البدعة بمعقولية معناه.

    وهذا مخلص لأهم ما اشتملت عليه هذه الورقة:1.
    أن المحل الذي تدخله البدعة هو الذي عينت الشريعة له حدوداً بمكان أو زمان أو عدد أو اتجاه أو صفة أو حال، وكانت هذه الحدود مما لا يُعقل لها معنى على التفصيل، سواء أُريد به القربة؛ كالصلاة والصيام والحج والذكر والدعاء، أو لم تُرد به القربة؛ كالأعياد والطلاق وعٍٍدَد النساء.

    2. أن الحكم بالبدعة على الشيء يدور على قواعد ثلاث:
    الأولى: أن كل تغيير في ذلك المحدود بالزيادة أو النقص أو الصفة أو إبدال المكان أو الزمان أو الموضع أو الحال على وجه لم يأذن به الله كله بدعة في الدين.
    الثانية: أن نية التعبد المحض في فعل وترك الأمور العادية على وجه لم ترد به الشريعة تحيل العمل والترك إلى عبادة محضة؛ فيصير بدعة.
    الثالثة: مضاهاة المكلف للتعبدات المحضة.

    ويجري حكم البدعة بمضاهاة التعبدات في صورتين:
    الأولى: تخصيص العبادة المحضة، أو تقييدها بمكان أو زمان أو حال أو صفة؛ سواء كان ذلك باعتقاد المشروعية على الوجه الخاص أو المقيد، أو أن يقع هذا التخصيص أو التقييد بمحض العادة، ومطلق المداومة.
    والثانية: تخصيص العادات بمحدودات من مكان أو زمان أو حال أو صفة لا يُعقل لهذه المحدودات معنى على التفصيل؛ ولو لم يُرد بها القربة لله أو للبشر؛ كضرب المكوس والوظائف على الدوام، وتنكيس العلم أو الصمت حداداً، وزيارة نصب الجندي المجهول، والأعياد القومية.
    وقد: ذكر الدليل على كل قاعدة.

    3. أن جملة: (كل ما قام المقتضي لفعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى المانع من القيام به ثم لم يفعل فهو بدعة) ليست قاعدة ضابطة للبدعة؛ لما ذُكر من التعليلات في هذه الورقة، وأن اعتبارها قاعدة ليست قولاً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    4. أن المعصية لا تعد من البدع إذا لم تكن في محدود.
    5. تضمنت الورقة بعض التطبيقات التي تعتبر بدعة؛ كإعلان شعائر الصلاة في مكبرات الصوت الخارجية، ودعاء ختم القرآن، والتزام آيات وأدعية وأذكار في أحوال معينة، وتبليغ المؤذن صوت الإمام، وافتتاح الحفلات بقراءة القرآن، والأعياد الزمانية بضوابطها.
    6. تضمنت الورقة أن البدعة لا تدخل الوسائل؛ كالدعوة والحسبة والتعليم، والذكر بالمسبحة بشروطه، وخطي صف الصلاة وبداية الطواف، وحفلات تكريم الطلبة، والحداء والنشيد.
    هذا والله أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ـــــــــــ انتهاــــــــــ ـــــــــــــان تهاــــــــــــ ــــ

  10. #30

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله

    و بعد

    فجزى الله خيرا كاتب المقال و محاورينه

    و قد سمعت شيخنا الحويني حفظه الله يقول بمثل عنوان المقال غير أنه لم يفصل ( فيم سمعت ) و لعل الله أن يرزقني لقياه قريبا فأستفصل منه

    أما بخصوص الكلام عن جمع المصحف و تقسيم العلوم فأحسب و الله أعلم أنه قد تدخل تحت سنة الخلفاء الراشدين التي أمرنا باتباعها كما روي أن علي رضي الله عنه هو أول من أمر بكتابة النحو
    و لعل الله تعالى أن يوفقني لمزيد بحث في المسألة

    و الله تعالى الموفق

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    شيخنا الكريم: هلا تكرمت بتفصيل ما ذكرت على الدعاء الجهري بعد الصلاة للإمام ... وهل يعد تركه أحيانا إبطاله من ناحية كونه بدعة بحيث يوهم المصلين أن المحافظة عليه ليس واجبا..؟ نرجوا الافادة

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي بيان رأي بطريقة موجزة

    عفوا أخي ابن رشد رأيت نقلكم مؤخرا ، وحبسني ضيق الوقت ومجال العمل فمعذرة على تأخر إبداء رأيي ، وموجزه ما يلي :

    أولا : الاعتراض على اعتبار القربة في القول بالبدعية غير مسلم فهو يخالف عموم الأدلة الدالة على أن البدع الإحداث في الدين ، والدين يتعبد به لله عز وجل ، وبهذا تخالف البدعة المعصية فالمعصية لا يراد بها القربة ، والاستدلال بما استحدث في الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم نكير العلماء على هذه المستحدثات على غير مسلم إذ هذه تتبع المصالح المرسلة ، وهذه الأمور دعت إليها حاجة الناس ،ولم يقم دليل بمنعها ،وهي تتبع الأزمنة والأمكنة والكثير منها لم يكن هناك داع له في العصر النبوي أو كان هناك مانعا من فعله .

    أما كون اشتراط القربة يخرج الطلاق و الاحتفال بالأعياد المبتدعة فالعبرة بالغالب والنادر لا عبرة به فغالب المبتدعات تدخل في هذا الشرط .

    ثانيا : الاعتراض على قاعدة المقتضى والمانع في وسائل العبادات غير مسلم فهذه القاعدة تشهد لها النصوص فالنبي صلى الله عليه وسلم حض على كل ما يقربنا لله فلو كانت هذه الوسائل جائزة لفعلها صلى الله عليه وسلم أو بين فعلها فلما لم يبين جوازها دل على أنها غير مشروعة ، وقد وجد في عصره بعض الموانع منعته من أمور شرعية كجمع الناس في صلاة التراويح ، وهدم الكعبة وإعادة بناءها ، وقد شَرَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لأُُمَّتِهِ إيجَابَ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ مِنْ الْمَعْرُوفِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَإِذَا كَانَ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ وَأَبْغَضُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لا يَسُوغُ إنْكَارُهُ ، وهذا من باب ارتكاب أخف المفسدتين ،وكَانَ النبى صلى الله عليه وسلم يَرَى بِمَكَّةَ أَكْبَرَ الْمُنْكَرَاتِ ،وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا ، بَلْ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ وَصَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ عَزَمَ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَيْتِ وَرَدِّهِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ ، وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ - مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ - خَشْيَةُ وُقُوعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ ، فقال للسيدة عائشة رضي الله عنها : يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه و ألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فإنهم قد عجزوا عن بنائه فبلغت به أساس إبراهيم عليه السلام ( سنن النسائي رقم 2903 حديث صحيح )

    ثالثا : القول بأن جملة المقتضى والمانع لا تصلح ضابطا مانعا للحكم على الشيء بالبدعية ،وهذا غير مسلم فهذه القاعدة للرد على المبتدعات بأنها بدعة إذ لو كانت طريقة للقرب من الله لبينها صلى الله عليه وسلم فما ترك شيئا يقربنا إلى الله إلا وأمرنا به فلو كانت مشروعة لبينها ، وهذه القاعدة ترد على من يبدع المستحدثات المندرجة تحت المصالح المرسلة إذ هذه المستحدثات لم تكن على عهده حتى نتعبد الله بتركها فالترك يقتضي وجود ما يمكن أن يترك وهذه لم تكن موجودة إذن لا يمكن تركها إذن هي في حكم المسكوت عنه ، وهذه القاعدة تضاف لقواعد التبديع فقد يكون الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم لكن بين مشروعيته فمادام النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين مشروعيته ولم يفعله دل على أنه بدعة مادم كان مقتضاه موجودا ولم يكن هناك مانعا من فعله .

    رابعا : كون التغيير بالزيادة والنقصان فيما حده الشرع بدعة فهذا لا يناقض وجود المقتضى وانتفاء المانع إذ ما المقتضى لهذا التغيير فمادام لم يفعل ولم يبين الجواز في فعله فهذا دال على أن التغيير فيما حده الشرع ابتداع .
    وبعد هذا بعض من النظر حول هذا النقل ، ومن لديه إشكال أو اعتراض على ما بينت من وجهة نظري فليطرحه حتى نستفيد جميعا .

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    342

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    أخي ربيع _حفظك الله ورعاك_
    الباحث لم ينكر قاعدة المقتضي والمانع ,وانما زاد عليها قيد ,وهو (مما لا يُعقل لها معنى على التفصيل)

    وإليك هذا المقطع من كلامه ,في سياق ترجيح الضابط الذي يصلح أن يكون للبدعة...
    (الراجح بين هذه الاتجاهات:
    وقد ظهر باستقراء الأدلة وكلام أهل العلم أن المحل الذي تدخله البدعة هو الذي عينت الشريعة له حدوداً بمكان أو زمان أو عدد أو اتجاه أو صفة أو حال، وكانت هذه الحدود مما لا يُعقل لها معنى على التفصيل.
    وتدخل البدعة بهذا الاعتبار في أي عمل سواء أُريد به القربة؛ كالصلاة والصيام والحج والذكر والدعاء، أو لم تُرد به القربة؛ كالأعياد والطلاق وعٍٍدَد النساء.
    فهذا هو المحل الذي تدخله البدعة.)

    وتجد نص هذا الكلام في الحلقة الثالثة من هذا البحث المتقدم...

    وبناء على ذلك فإن الباحث لم ينكرها وانما زاد عليها قيد ,لاجل ضبط البدعة ,خشية دخول ماليس منها فيها,وخروج ماهومنها عنها

    ولك الشكر على تقبلك هذا الاستطراد

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    أخي ابن رشد قد بينت وجهة نظري حول قول الشيخ :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ;109519
    :
    وأما الثاني: وهو جملة "المقتضي والمانع" في وسائل العبادات:
    فقد انتشر بين طلاب العلم اعتبارها ضابطاً يرون أنه فرقُ ما بين البدعة وغيرها.
    والذي يظهر عند التحقيق - والله تعالى أعلم - أنها لا تصلح ضابطاً لا في العادات ولا في العبادات ولا في وسائلها؛ لوجهين:
    الأول: أن كل قاعدة لا بد لها من أدلة تصححها، ولا أعلم دليلاً يوصل إلى المطلوب، وأما كون هذه السمات موجودة في البدع والسنن فلا يكفي لاعتبارها ضابطاً جامعاً مانعاً.
    الثاني: أن هذه الجملة لم تتضمن تحرير المحل الذي تُجرى فيه: هل يكون في التعبدات، أو في العادات والمعاملات ؟
    فإن قيل: لا تُجرى إلا في التعبدات؛ فيُقال: اعتبار جريان الحدث والبدعة في التعبدات لا يفتقر إلى هذه الجملة؛ فكل تغيير في بِنْيَة الفعل التعبدي بزيادة أو نقص كلي أو جزئي، أو إيقاعه في غير المحدد له شرعاً من: مكان أو زمان أو حال أو صفة نقول عن ذلك كله بأنه بدعة؛ كقولنا بالبدعة في التلفظ بالنية في الصلاة، والأذان للعيدين، ودعاء الختم في الصلاة، وصلاة الرغائب، وركعتي السعي، والتنفل بالسعي مفرداً في غير حج ولا عمرة، وغسل حصى الجمار تديناً، وعيد المولد والعيد القومي، ولا نحتاج أن نقول بعد ذلك: وجد المقتضي لهذه المحدثات وانتفى المانع منها فهي بدعة؛ وذلك لأن مجرد التغيير بالزيادة أو النقص فيما حدته الشريعة بدعة في الدين.
    وإن قيل: تُجرى في العادات والمعاملات فهذا أظهر في البطلان؛ إذْ لا يُشترط في المعاملات إجراء هذه القاعدة؛ فهي كثيرة متجددة، وأغلبها وجد المقتضي لفعله وانتفى المانع من ذلك الفعل؛ ولم يقل أحد بجريان البدعة فيها.
    وإن قيل تُجرى في وسائل العبادات دون غيرها من العادات والمعاملات؛ فهذا غير صحيح لما يلي:
    أولاً: أن الأصل في الأشياء أن لا تكون تعبدية؛ فأين الدليل من الشريعة الذي يُخرج من ذلك الأصل؛ فيجعل الوسائل من جملة الدين المُنَزَّل الذي لا يجوز الإحداث فيه ؟
    فاختيار الوسائل لحكم التوقيف دون غيرها نوع تحكم يعود على القول بالبطلان.
    ثانياً: أن الشريعة لا تترك مثل هذا دون بيان، وهو من أعظم الأمور، وأكثر الحاجات؛ فدل ذلك على أن محل وسائل العبادة ليس توقيفياً.
    ثالثاً: من المعلوم - من حيث الأصل - أنه لا مقصد لأي مطاع في نوع وكيفية وسائل إنفاذ أوامره على المتبوعين، وإنما مراده تحقيق المأمور به على الوجه المطلوب؛ فإذا كان هناك ما يُخرج أوامر الباري سبحانه وتعالى من ذلك الأصل فعلى مدعيه الدليل.
    رابعاً: أن الأمة بعملها لا زالت تخترع وتجدد في وسائل العبادات دون نكير:
    فمن ذلك نقط المصحف، وضبطه بالشكل، ثم تحزيبه وترقيمه.
    ومن ذلك ما أحدثوه من تصنيف العلم على طرق ووسائل متعددة؛ فهناك السنن والآثار والمستدركات والمسانيد على الصحابة أو التابعين أو من بعدهم من الرواة، والتبويب على أبواب الفقه.
    ومن ذلك جعل والٍ لتدبير شؤون العبادة والمساجد والأئمة، وإدارة هذه الولاية بالأنظمة الحديثة.
    وأكثر هذه الأشياء وُجد المقتضي لفعلها، وانتفى المانع من ذلك فلم تُعدَّ بدعة، ولم يحكم عليها أحد بحدث.
    ثم يقال أيضاً: إن من المعلوم أن التعبدات المحضة قد فُرغ منها بانقطاع الوحي، ولا يُمكن أن يتصور أن يكون التطور مؤثراً في حكمها من حيث المشروعية أو عدمها؛ كالذي قالوه في بعض الوسائل؛ كمكبرات الصوت في الأذان؛ بحيث تكون مشروعيتها مرتبطة بالإمكان أو عدمه.
    وإذا كنت لا تتصور أن يكون التطور مؤثراً في عدد الركعات أو الجمرات أو المواقيت أو فترة الصيام - لأننا نقول: إنها توقيفية - فلا يجوز أن نتصور أن يؤثر التطور في نوع آخر من التوقيف.
    ولا يصح أن نقول إن للوسائل حكماً بالتوقيف والتعبدية يختلف عن بقية ما حكمه التوقيف؛ كالصلاة والصيام والحج؛ إذْ لا بد من بيان الحدود والفواصل بين النوعين، وبيان الدليل على كل فرق؛ فإن وجدت هذه الحدود وإلا فالضابط باطل لا اعتبار له.
    خامساً: أن أظهر سمة لما تدخله البدعة أنه تعبدي لا يُعقل معناه على التفصيل، وأظهر سمة للعاديات هي معقولية المعنى؛ فما هو الأشبه بالوسائل ؟ لا ريب أن الأشبه بحالها هو عقل المعنى لا التعبد؛ فعليه لا تدخل البدعةُ وسائل العبادات.
    وفي هذا المعنى يقول الإمام الشاطبي في "الاعتصام" عن تبليغ الشريعة: (.. والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومة؛ لأنه من قبيل معقول المعنى؛ فيصح بأي شيء أمكن من الحفظ والتلقين والكتابة، وكذلك لا يتقيد حفظه عن الزيغ والتحريف بكيفية دون أخرى).


    فهل يفهم من كلام الشيخ حفظه الله ما تفضلتم بنفيه عنه ؟

  15. #35

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    أولا :

    ،وقالصلى الله عليه وسلم « من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد »[1]،وأمر النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمر الديني لا الدنيوي فأمر النبوة منصب على العلم بالأمور الدينية
    الأدلة الدالة على أن البدع الإحداث في الدين ، والدين يتعبد به لله عز وجل ، وبهذا تخالف البدعة المعصية فالمعصية لا يراد بها القربة
    قال النّبي صلى الله عليه و سلّم : «كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النّار»

    يُستفاد من الحديث أنّ البدعة أعم من المحدثة

    فأين هاته النصوص التي فيها أنّ البدعة هي الإحداث في الدّين ؟

    ثم إنّ قول النّبي صلى الله عليه وسلّم : « من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد »

    لا يعني أنّه حصر البدعة في ما به يُتقرّب إذ هذا بعض أنواع البدعة و ليس كلّها

    أيضا البدعة معصية

    ثانيا : ما لم يفعله النّبي صلى الله عليه و سلّم مع قدرته عليه لا يعني بالضرورة أنّه غير مشروع فقد يكون مكروه

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    95

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    ثم إنّ قول النّبي صلى الله عليه وسلّم : « من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد »

    لا يعني أنّه حصر البدعة في ما به يُتقرّب إذ هذا بعض أنواع البدعة و ليس كلّها
    هل من الممكن أن تذكر لنا بدعةً ليست إحداثًا في الدين ؟! أو بدعةً وفي نفس الوقت ليست قربةً إلى الله ؟!

  17. #37

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    المثال : الخروج على الحكام المسلمين،

    مشابهة الكافرات بلبس البنطال.

    فهاته أمور جديدة لم تكن معروفة على عهد النّبي صلى الله عليه و سلّم و محرّمة و لا يشترط للحكم ببدعيتها وجود التقرب إلى الله.

    فلو شخص خرج على الحاكم المسلم حتى وإن كان مقتنعا بحرمة خروجه هذا فيعتبر مبتدعا نفس الشيء بالنسبة للفاسقة التي تتشبّه بالكافرات في هذا الأمر الجديد؛ يعني لبس البنطال

    و كذا لا يشترط للقول ببدعيتها؛ يعني في المثالين : القول أنّها من الدّين.

    الإحداث في الدّين هو وضع شيء جديد على غير مثال سابق و يُنسب للدّين

    و البدعة أعم من هذا الإحداث، ألم يقل النّبي صلى الله عليه و سلّم : "كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النّار"

    فما يستوجب النّار أعم من الضلالة و الضلالة أعم من البدعة و البدعة أعم من المحدثة

    و الحديث يبيّن و يظهر خطأ من جعل البدعة و المحدثة شيء واحد حتى و إن كان في المسألة خلاف.

    و مسألة تعريف البدعة فيها خلاف و قد ينقضي عجبك -إن شاء الله- ان اطلّعت على مختلف أقوال العلماء في تعريف البدعة

    اختلفت تعريفات العلماء للبدعة، وهذا الاختلاف يرجع إلى زيادة قيود وضوابط عند بعضهم لا يذكرها الآخر، فمن هذه التعريفات:

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «البدعة ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة، من الاعتقادات والعبادات»([5]).

    وقال رحمه الله كذلك: «البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سبق، وأما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي»([6]).

    وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «المراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة»([7]).

    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والمحدثات جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة، سواء كان محمودًا أو مذمومًا»(
    http://www.albrhan.com/articles.aspx...true&gate_id=0

    فنأخذ مثلا تعريف شيخ الإسلام الأول و نطبّق عليه المثالين الذين ذكرتهما :

    لبس البنطال بالنسبة للمسلمة فيه مخالفة للكتاب و السّنة من عدّة وجوه ناهيك على أنّه أمر جديد على غير مثال سابق في عهد النّبي صلى الله عليه و سلّم و بالتالي فهو بدعة على تعريف شيخ الإسلام نفس الشيخ الخروج على الحاكم المسلم

    و كما يلاحظ على حسب هذا التعريف فلا يشترط التقرب إلى الله بهذا الفعل للحكم عليه بأنّه بدعة و كذا لا يشترطُ أن ينسب إلى الدّين

    و الحكم على هذين الفعلين بالبدعة من غير اشتراط وجود التقرب إلى الله موجود أيضا في التعريف الثاني للبدعة من طرف شيخ الإسلام و كذا في تعريف ابن رجب و ابن حجر رحمهم الله

  18. #38
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    95

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    لبس البنطال بالنسبة للمسلمة فيه مخالفة للكتاب و السّنة من عدّة وجوه ناهيك على أنّه أمر جديد على غير مثال سابق في عهد النّبي صلى الله عليه و سلّم و بالتالي فهو بدعة على تعريف شيخ الإسلام نفس الشيخ الخروج على الحاكم المسلم
    كل المعاصي مخالفة للكتاب والسنة , وعل هذا فكل معصية بدعة ,فهل أفهم من كلامك أنك ترى ذلك ؟!

    هذا هو تعريف شيخ الإسلام للبدعة :

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «البدعة ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة، من الاعتقادات والعبادات»([5]).
    فهل البنطلون يعتبر من الاعتقدات والعبادات ؟!

    وإليك وفقك الله تعريف آخر للبدعة ذكره شيخ الإسلام في كتابه الاستقامة
    وقد قررنا في القواعد في قاعدة السنة والبدعة أن البدعة هي الدين الذي لم يأمر الله به ورسوله فمن دان دينا لم يأمر الله ورسوله به فهو مبتدع بذلك وهذا معنى قوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [ سورة الشورى 21 ] ( الاستقامة 1/ 5 )

    أخيرًا ماهو تعريف البدعة عندك ؟!

  19. #39
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    إمبابة مصر
    المشاركات
    896

    افتراضي بيان

    أخي سراج قول النّبي صلى الله عليه و سلّم : (( كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النّار )) عام في كل محدثة خصص بأدلة
    الدليل الأول : أن النبوة منصبة على الأمور الدينية و ليست الدنيوية .
    الدليل الثاني : حديث تأبير النخل فقد قال صلى الله عليه وسلم : « أنتم أعلم بأمر دنياكم » .
    الدليل الثالث : إجماع الأمة العملي على استحداث الأمور الدنيوية دون نكير من العلماء
    الدليل الرابع : قول النّبي صلى الله عليه و سلّم : « من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد » و الأمور الدنيوية الصرفة ليست من أمره صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم : « أنتم أعلم بأمر دنياكم » .


    قول النّبي صلى الله عليه وسلّم : (( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )) قد خصص قول النّبي صلى الله عليه وسلّم : (( كل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النّار )) ، و الأمور الدينية يتقرب بها إلى الله


    نعم البدعة معصية ، و ليس كل معصية بدعة فالبدعة يراد بها التقرب لله ، وهذا لازم قوله صلى الله عليه وسلم (( أمرنا )) ولازم قوله صلى الله عليه وسلم (( فهو رد )) فكون الإحداث غير مقبول ، والقبول وعدمه إنما هو في الطاعات لا في المعاصي مما يدل على أن البدع يتقرب بها لله في نظر المبتدع .

    ما لم يفعله النّبي صلى الله عليه و سلّم مع قدرته عليه لا يعني بالضرورة أنّه غير مشروع فقد يكون مكروه نعم إذا لم يكن بقصد القربة أما الذي بقصد القربة وهو البدع فهو غير جائز .

    أما الخروج على الحكام المسلمين فهذا ابتداع فالشرع قد وضع ضوابط للتعامل مع الحكام و ضوابط لنصحهم فمن خالفها فقد خالف ما شرع الله وفعل ما لم يشرعه الله وفي الغالب يقصد بخروجه التقرب لله .
    أما مشابهة بعض المسلمات للكافرات في لبس البنطال فهذه مشابهة في العادات السيئة لحرمة لبس المرأة البنطال أمام الأجانب ولحرمة مشابهة المرأة الرجل في اللباس الذي هو من خصائصه .

    وتعريف شيخ الإسلام غير مسلم فهو لم يضع ضابطا لتفريق بين البدع و بين المعاصي فكلاهما خلاف لما شرعه الله .


    معذرة إن تأخر ردي لظروف عندي الله اعلم بها

  20. #40

    افتراضي رد: الإقناع بأن العادات يدخلها الابتداع

    أبا جهاد؛ أعترف بأني أخطأت في فهم كلام شيخ الإسلام و لكن هذا لا يؤثّر على ما قررته، أيضا تعريف ابن رجب و ابن حجر يسقط عليه كلامي؛ فلما لم تتكلم عن تعريف ابن حجر و ابن رجب ؟!!!! ثم إني لا أرى دليلك في حصر البدعة في العبادات و اللإعتقادات فقط ؟!!!! و لا دليلك في شرط وجود التقرب إلى الله لكي يقال عن فعل بأنّ بدعة ؟!!!!

    أما المعاصي فليس كلّها بدعة؛ فالمعصية أعم من البدعة:
    البدعة متعلقة بالمعاصي التي أحدثت على غير مثال سابق.
    مثلا : التشبه بالكفار محرّم و من الأمثلة الحادثة على هاته المعصية : التشبه بالكافرات في لبس البنطال:
    - فلبس البنطال بالنسبة للمرأة المسلمة لم يكن موجود سابقا فهو أمر جديد
    - و هو محرّم
    =| و بالتالي فينطبق عليه بأنّه بدعة : لأنّ البدعة ما أحدث على غير مثال

    و نحن لا نقول عن لبس البنطال بالنسبة للمرأة أنّه عبادة! فنحن أصلا نعترض على شرط القربة في تعريف البدعة ؟!!!!

    و بالنسبة لتعريفي للبدعة فأظنّ أنّه واضح

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •