تمايز معنى التراكيب في إطار التضام

تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في هذه التراكيب التي تتمايز من حيث المعنى في إطار التضام نظرا لتغير منزلة المعنى بين أجزاء التراكيب :

قال تعالى"وماكان الله ليعذبهم وأنت فيهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون"
وقولـنا:"وماكان الله يعذبهم وأنت فيهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون"

التركيب الأول كلام الله تعالى وهو أجود من كلامنا ،ومعناه يختلف عن معنى التركيب الثاني لتضمنه لام الجحود التي تفيد توكيد النفي ، ولام الجحود تعني جحد الفعل أو عدم حصوله إطلاقا أو نهائيا ، فنفي العذاب مؤكد في التركيب الأول وغير مؤكد في التركيب الثاني ، فالله تعالى لا يمكن أن يعذب الكفار َوالرسولُ – صلى الله عليه وسلم – بين ظهرانيهم ،ولهذا دعت الحاجة المعنوية إلى المجيء بلام الجحود لتوكيد النفي ، لاحظ معي كيف حذفها من الجزء الثاني من الآية الكريمة لأن النفي غير مؤكد ، فقد يحصل العذاب في الحالة الثانية ولكنه لا يمكن أن يحصل في الحالة الأولى .

ومما يعضد هذا قوله تعالى :"وما كان الله ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " ففيه توكيد لنفي الهلاك ، وجحد للفعل ،وقوله تعالى :"لم يكن الله ليغفر لهم " فيه توكيد لنفي المغفرة ،وجحد لفعل المغفرة ، ويمكن أن أقول:ما كنتَ لِترسبَ وأنت مجتهد ،وما كنتَ ترسبُ وأنت مجتهد ،ونفي الرسوب مؤكد في الجملة الأولى وغير مؤكد في الثانية ، وكل تعبير له معناه الخاص به .

وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ،وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى التراكيب ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض .