تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في هذه الآيات الكريمة التي يتحكم فيها الضابطان :المعنوي واللفظي في رتبة أدوات الاستفهام تقديما وتأخيرا من موقع حروف العطف ،فقد قال :"وكيف تكفرون بالله وأنتم تتلى عليكم" وقال :"فأين تذهبون" وقال :"فأنَّى تؤفكون" وقال :"فهل يهلك إلا القوم الفاسقون "وقال :"فأي الفريقين "وقال :"فما لكم في المنافقين فئتين" حيث نجد أنَّ أدوات الاستفهام قد تأخرت عن حروف العطف مع أنها لها الصدارة والأحقية في التقدم إلى أول الكلام ،وقد جاء العدول عن الأصل بالضابط المعنوي من أجل أمن اللبس ، أرجو أن تلاحظ معي كيف يصبح نظم الجملة عند تقديم أدوات الاستفهام على حروف العطف :"كيف وتكفرون بالله وأنتم تتلى عليكم "حيث لا يكون الاستفهام منصبا على الكفر بالله ،ولا يكون الاستفهام استفهاما عن كيفية الكفر ، وكذلك قولنا :"أين فتذهبون" حيث لا يكون الاستفهام منصبا على الذهاب ، ولا يكون الاستفهام استفهاما عن مكان الذهاب ،........إلخ ، وهذا يثير اللبس بسبب الفصل بين المعاني وتدنِّي منزلة المعنى بين أجزاء التراكيب أو بين اسم الاستفهام والمسؤول عنه ، وأسماء الاستفهام يجب أن يليها الشيء المسؤول عنه ، بحسب الاحتياج المعنوي ، أما الهمزة فيجب أن تتقدم على حروف العطف لأن تقدمها لا يفصل بين المعاني ، أرجو أن تلاحظ معي هاتين الجملتين:دور منزلتي المعنى واللفظ في رتبة أدوات الاستفهام
أجاء أبوك ؟ أوجاء أخوك؟
أجاء أبوك؟ وأجاء أخوك ؟
أرجو أن تلاحظ معي أن المعنيين لا يختلفان بالتقديم والتأخير ، كما تتقدم الهمزة بالضابط اللفظي وهو الأصالة في التصدير والتقدم إلى بداية الكلام ،وذلك كما قوله :"أولم ينظروا "و قوله:"أفلم يسيروا " وقوله:"أثم إذا ما وقع آمنتم به " ، كما أن تقديم الهمزة أخف من التأخير لأن تأخيرها ثقيل على اللسان ، والعربي – والإنسان بشكل عام - يفرُّ من الثقل إلى الخفة في الكلام ،والخفة والثقل نابعة من الصوت ،وهي من العلل التي يُعتمد عليها في تفسير الخروج عن الأصل ،فالعربي يفر من الثقل إلى الخفة حتى ولو كان في ذلك خروج عن الأصل ، فالمهم هو المعنى مع تقليل الجهد المبذول في عملية الاتصال ،حيث يحاول المتكلم أن يقلل من التعقيد اللفظي للمنطوق بينما يحاول رفع مقدار المعلومات التي يوصلها إلى السامع إلى الحد الأقصى ، فالاتصال بفعالية أمر يشغل بال المتكلم على نحو واضح ، بينما لا يرهق نفسه من دون ضرورة في عملية الاتصال .
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وأن منزلة المعنى هي الضابط والمعيار في تمايز معنى ونظم وإعراب التراكيب ، وباختصار : الإنسان يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس، ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض .