عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " رواه البخاري ومسلم.

الحديث رواية :


أخرجه البخاري (3208) و (3332) و (6594) و (7454) ، ومسلم (2643) ، وأبو داود (4708) ، والترمذي (2137) , والنسائي في "الكبرى" (11182) ، وابن ماجه (76) ، وأحمد 1/ 382 و 430 , ومعمر بن راشد كما في "الجامع" (20093) , وابن طهمان في "مشيخته" (82) , والطيالسي (298) ، وعبد الرزاق (20093) ، والحميدي (126) , وابن الجعد في "مسنده" (2594) , والدارمي في "الرد على الجهمية" ص 69-70، وابن أبي عاصم في "السنة" (175) و (176) ، وأبو يعلى (5157) ، والآجري في "الأربعين" (6) , والبزار 5/ 170-البحر الزخار , وابن الاعرابي في "المعجم" (976) , وابن المقرىء في "معجمه" (86) و (191) و (619) و(1352) , وأبو بكر الخلال في "السنة" (890) ، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (2688) ، والشاشي في "مسنده" (680) و (681) و (682) و (684) و (685) و (686) ، وابن حبان (6174) ، وابن عدي في "الكامل" 3/1090 , وأبو الشيخ في "العظمة" (1093) , والإسماعيلي في "معجم شيوخه" 1/ 480 ، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" (1040) و (1041)و(1042) ، والطبراني في "الأوسط" (1717) و (4559) , وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 365 و8/ 115 و 387 , وابن بشران في "أماليه" (405) و (1381) , والبيهقي في 7/ 421 و10/ 266 ، وفي "الشعب" (187) ، وفي "الأسماء والصفات"(ص 386-387) , وفي "الاعتقاد"( ص 87) ، والغطريفي في "جزءه" (88) , وتمام في "الفوائد" (316) و (317) و (320) , والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 9/ 60 والبغوي (71) , وابن عبدالبر في "التمهيد" 18 / 100-101 : من طرق عن الأعمش , عن زيد بن وهب ، عن عبد الله، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق :
" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه،وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها " واللفظ لمسلم .
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"
وقال أبو نعيم: "صحيح ثابت، متفق عليه، رواه الجم الغفير، عن الأعمش".
وقال الحافظ في "الفتح" 11/ 479: "وقد أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" عن بضع وعشرين نفسا من أصحاب الأعمش ".

وله طرق أخرى عن زيد بن وهب :
أخرجه الإسماعيلي في "معجم شيوخه" 1/ 480 , وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 244 مختصرًا : من طريق عبد الله بن خبيق ، قال : حدثنا ، يوسف بن أسباط حدثنا حبيب بن حسان ( وعند أبي نعيم : حيان وهو تصحيف) ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدق: "إن أحدكم يمكث في بطن أمه أربعين يوما نطفة، وأربعين يوما علقة، وأربعين يوما مضغة، ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات، فيكتبه شقيا، أو سعيدا، وأجله، ورزقه، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا شبر أو ذراع، ثم يغلب عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا شبر أو ذراع، ثم يغلب عليه الكتاب الذي قد سبق، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة ".
وإسناده ضعيف جدًا , حبيب بن حسان , قال فيه أحمد والنسائي : متروك , وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث.

وله طريق أخرى :

أخرجه أحمد 1/ 414 , النسائي في "الكبرى" (11182) , والبزار 1764-البحر الزخار , والشاشي في "مسنده" (683) ,وابن قانع في "معجم الصحابة" (873) , والإسماعيلي في
"معجم شيوخه" 1/ 480 : من طريق فطر بن خليفة ، عن سلمة بن كهيل، عن زيد بن وهب به .
واسناده حسن .

طريق أخرى :
أخرجه الطبراني في "الصغير" (74): حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب المناطقي الرملي ، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا عبيد الله بن سفيان الغداني ، عن ابن عون ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الله بن مسعود : حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الصادق
المصدوق :
" أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يأتي الملك فيكتب : شقي أو سعيد ، ذكر أو أنثى " .
وقال الطبراني:" لم يروه عن ابن عون ، إلا عبيد الله بن سفيان" .
قلت : عبيد الله بن سفيان الغداني , قال فيه يحيى بن معين : كذاب .
وشيخ الطبراني : مجهول .

وله طرق أخرى عن ابن مسعود :

أخرجه تمام في "الفوائد" (1195) : من طريق سلم بن ميمون الخواص , نا يحيى بن عيسى: نا الأعمش سمعه من أبي وائل.
وسمعه أبو وائل من ابن مسعود قال: حدثني الصادق المصدوق: "إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ".
وإسناده ضعيف , يحيى بن عيسى : ضعفه ابن معين والنسائي، ووثقه العجلي وابن حبان , وقال الحافظ في "التقريب" : "صدوق يخطىء ورمي بالتشيع"
وسلم بن ميمون الخواص : ضعيف الحديث , قال فيه ابن عدي : روى عن جماعة ثقات لا يتابعه الثقات عليه أسانيدها ومتونها، له أحاديث مقلوبة مقلوب الإسناد والمتن .
وقال العقيلي : حدث بمناكير لا يتابع عليها .
وقال ابن حبان : ربما ذكر الشيء بعد الشيء ويقلبه توهما لا تعمدا فبطل الاحتجاج بما يروي إذا لم يوافق الثقات .
قلت : والحديث محفوظ من رواية الأعمش عن زيد بن وهب .

وأخرجه أحمد 1/ 374-375 . ومن طريقه ابن بشران في "أماليه" (430) : حدثنا هشيم، أخبرنا علي بن زيد، قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد الله، يحدث، قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما على حالها لا تغير، فإذا مضت الأربعون ، صارت علقة، ثم مضغة كذلك، ثم عظاما كذلك، فإذا أراد الله أن يسوي خلقه، بعث إليها ملكا، فيقول الملك الذي يليه: أي رب، أذكر أم أنثى؟
أشقي أم سعيد؟ أقصير أم طويل؟ أناقص أم زائد؟ قوته وأجله؟ أصحيح أم سقيم؟ قال: فيكتب ذلك كله " فقال رجل من القوم: ففيم العمل إذن وقد فرغ من هذا كله؟ قال: " اعملوا، فكل سيوجه لما خلق له ".
وإسناده ضعيف , وفيه علتان :
الأولى : أبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه.
الثانية : علي بن زيد : هو ابن جدعان : ضعيف .

وأخرجه الطبراني في (10440) ، وابن عدي في "الكامل" 4/ 306 , والإسماعيلي في "معجم شيوخه" 2/ 645: من طريق سلام بن سلم الطويل ، عن زيد العمي ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ، ثم تكون مثل ذلك علقة ، ثم مثل ذلك مضغة ، ثم يبعث الله عز وجل إليه ملكا فيكتب رزقه ، وأجله وشقيا أو سعيدا " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع ، ثم يدركه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل النار حتى يموت ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، ثم يدركه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل الجنة حتى يموت " .
وإسناده ضعيف جدًا , سلام بن سلم الطويل : مترك الحديث , وزيد العمي : ضعيف .
وله طريق أخرى عن شقيق بن سلمة :
أخرجه أبو بكر الخلال في "السنة" (892) , والطبراني في "الصغير" (158): عن الحسن بن عرفة ، حدثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة ، حدثنا الهيثم بن الجهم المؤذن ، عن عاصم ابن بهدلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إن النطفة إذا استقرت في الرحم تكون نطفة أربعين ليلة ، ثم تكون علقة أربعين ليلة ، ثم تكون مضغة أربعين ليلة ، ثم تكون عظاما أربعين ليلة ، ثم يكسو الله العظام لحما ، فيقول الملك : أي رب ، ذكرا أو أنثى ؟ فيقضي الله عز وجل ، ويكتب الملك ، ثم يقول : أي رب ، شقي
أو سعيد ؟ فيقضي الله عز وجل ، ويكتب الملك ، ثم يقول : أي رب ، أجله ورزقه وأثره ؟ فيقضي الله عز وجل ويكتب الملك " واللفظ للطبراني , وزاد الخلال : " وأنتم تعلقون على أولادكم التمائم ".
وقال الطبراني " لم يروه عن عاصم ، إلا الهيثم بن الجهم أبو عثمان بن الهيثم ، ولا عنه إلا أبو حذيفة , تفرد به الحسن بن عرفة " .
قلت : لم يتفرد به الحسن بن عرفة فقد تابعه حفص بن عمر :
أخرجه ابن الأعرابي في "المعجم" (1536) : نا حفص بن عمر ، نا أبو حذيفة ، نا الهيثم بن جهم ، عن عاصم ، عن أبي وائل زر ، عن ابن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن النطفة إذا استقرت في الرحم والت كل شعر وبشر ، ثم تكون مضغة أربعين ليلة ، ثم تكون علقة أربعين ليلة ، ثم تكون عظاما أربعين ليلة ، ثم يكسو الله العظم لحما ، فيقول الملك : أي رب ذكر أم أنثى ؟ فيقول الله تبارك وتعالى ويكتب الملك ، فيقول : أي رب أشقي أم سعيد ؟ فيقضي الله تعالى ويكتب الملك ، ثم يقول : أي رب ما أجله ورزقه وأثره ؟
فيقضي الله ويكتب الملك ، وأنتم تعلقون على أولادكم التمائم " .
وإسناده ضعيف : أبو حذيفة وهو النهدي : سيئ الحفظ .
والهيثم بن جهم : قال الدارقطني في "العلل" 5/ 58: "هيثم بن جهم البصري، والد عثمان بن الهيثم المؤذن، ثقة، لا بأس به".
وذكره ابن حبان في "الثقات" 9/ 235 وقال: " روى عنه يحيى بن كثير بن درهم , وابنه عثمان بن الهيثم " .
قلت : وروى عنه موسى بن مسعود النهدي كما في حديث الباب , ومسلم بن ابراهيم كما في "التاريخ الكبير" 8/ 216 للبخاري , فحديثه جيد والله أعلم .

وأخرجه البزار (1551) و (1636)-البحر الزخار : حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: نا عامر بن مدرك، قال: نا عتبة بن يقظان، عن حماد، عن إبراهيم، عن أخواله يعني علقمة، والأسود، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، أحسبه قال: ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال: اكتب له أجله، وعمله، ورزقه، وشقي أو [ص:352] سعيد، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، أحسبه قال: فيدخلها " .
وإسناده ضعيف , حماد بن أبي سليمان : صدوق له أوهام , وعتبة بن يقظان : ضعيف , وعامر بن مدرك : لين الحديث كما في "التقريب" .

وأخرجه الطبراني (8885) : حدثنا محمد بن النضر، ثنا معاوية، ثنا زائدة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن ربيعة، قال: كنا عند عبد الله قال: فذكروا رجلا، فذكروا من خلقه، فقال القوم: أما له من يأخذ على يديه؟ فقال عبد الله: أرأيتم لو قطع رأسه أكنتم تستطيعون أن تجعلوا له رأسا؟
أو قطعت يداه أكنتم تستطيعون أن تجعلوا له يدا؟ أو قطعت رجله أكنتم تستطيعون أن تجعلوا له رجلا , فقالوا: لا، فقال عبد الله: " إن النطفة إذا وقعت في المرأة مكثت أربعين يوما، ثم انحدرت دما، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك، فقال: اكتب أجله، وعمله، ورزقه، وأثره، وشقي أو سعيد، فإنكم لن تستطيعوا أن تغيروا خلقه حتى تغيروا خلقه ".
وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين سوى عبدالله بن ربيعة بن فرقد وهو ثقة , وقال الذهبي :" مختلف في صحبته" , وقال الحافظ : " ذكر في الصحابة , ونفاها أبو حاتم ,ووثقه ابن حبان" , وشيخ الطبراني : هو محمد بن أحمد بن النضر بن عبد الله بن مصعب ,ابن بنت معاوية بن عمرو الأزدي : وهو ثقة .
وله طريق أخرى عن عبدالله بن ربيعة :
أخرجه الطبراني (8884) : حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الله بن ربيعة، قال: كنا جلوسا عند عبد الله فذكر القوم رجلا فذكروا من خلقه، فقال عبد الله : فذكر نحوه .
وإسناده صحيح .

تنبيه : قال الحافظ في "الفتح" 11/ 486: " قوله ( فوالله إن أحدكم ) في رواية آدم فإن أحدكم ومثله لأبي داود عن شعبة وسفيان جميعا وفي رواية أبي الأحوص فإن الرجل منكم ليعمل ومثله في رواية حفص دون قوله منكم وفي رواية ابن ماجه فوالذي نفسي بيده وفي رواية مسلم والترمذي وغيرهما فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل لكن وقع عند أبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما من طريق يحيى القطان عن الأعمش قال فوالذي لا إله غيره وهذه محتملة لأن يكون القائل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الخبر كله مرفوعا ويحتمل أن يكون بعض رواته ووقع في رواية وهب بن جرير عن شعبة بلفظ حتى إن أحدكم ليعمل ووقع في رواية زيد بن وهب ما يقتضي انه مدرج في الخبر من كلام ابن مسعود لكن الادراج لا يثبت بالاحتمال وأكثر الروايات يقتضي الرفع إلا رواية وهب بن جرير فبعيدة من الإدراج فأخرج أحمد والنسائي من طريق سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن ابن مسعود نحو حديث الباب وقال بعد قوله واكتبه شقيا أو سعيدا ثم قال والذي نفس عبد الله بيده إن الرجل ليعمل كذا وقع مفصلا في رواية جماعة عن الأعمش منهم المسعودي وزائدة وزهير بن معاوية وعبد الله بن إدريس وآخرون فيما ذكره الخطيب وقد روى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أصل الحديث بدون هذه الزيادة وكذا أبو وائل وعلقمة وغيرهما عن ابن مسعود وكذا اقتصر حبيب بن حسان عن زيد بن وهب وكذا وقع في معظم الأحاديث الواردة عن الصحابة كأنس في ثاني حديثي الباب وحذيفة بن اسيد وابن عمر وكذا اقتصر عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن الأعمش على هذا القدر نعم وقعت هذه الزيادة مرفوعة في حديث سهل بن سعد الآتي بعد أبواب وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وفي حديث عائشة عند احمد وفي حديث ابن عمر والعرس بن عميرة في البزار وفي حديث عمرو بن العاص وأكثم بن أبي الجون في الطبراني لكن وقعت في حديث أنس من وجه آخر قوي مفردة من رواية حميد عن الحسن البصري عنه ومن الرواة من حذف الحسن بين حميد وأنس فكأنه كان تاما عند أنس فحدث به مفرقا فحفظ بعض أصحابه ما لم يحفظ الآخر عنه فيقوى على هذا أن الجميع مرفوع وبذلك جزم المحب الطبري وحينئذ تحمل رواية سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب على أن عبد الله بن مسعود لتحقق الخبر في نفسه أقسم عليه ويكون الإدراج في القسم لا في المقسم عليه وهذا غاية التحقيق في هذا الموضع ويؤيد الرفع أيضا أنه مما لا مجال للرأي فيه فيكون له حكم الرفع وقد اشتملت هذه الجملة على أنواع من التأكيد بالقسم ووصف المقسم به وبأن وباللام والأصل في التأكيد أنه يكون لمخاطبة المنكر أو المستبعد أو من يتوهم فيه شيء من ذلك وهنا لما كان الحكم
مستبعدا وهو دخول من عمل الطاعة طول عمره النار وبالعكس حسن المبالغة في تأكيد الخبر بذلك والله أعلم".

الحديث دراية :

قوله : ( وهو الصادق المصدوق ) أي : الصادق في قوله المصدوق فيما يأتيه من الوحي الكريم , فهو صادق لا يخبر إلا بالصدق ، مصدوق لا ينبأ إلا بالصدق صلى الله عليه وآله وسلم .

قوله : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ) قال الحافظ في "الفتح" 11/ 479: "المراد بالجمع ضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار ...
قال القرطبي في "المفهم" المراد أن المني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا متفرقا فيجمعه الله في محل الولادة من الرحم
قوله أربعين يوما زاد في رواية آدم أو أربعين ليلة وكذا لأكثر الرواة عن شعبة بالشك وفي رواية يحيى القطان ووكيع وجرير وعيسى بن يونس أربعين يوما بغير شك وفي رواية سلمة بن كهيل أربعين ليلة بغير شك ويجمع بأن المراد يوم بليلته أو ليلة بيومها ووقع عند أبي عوانة من رواية وهب بن جرير عن شعبة مثل رواية آدم لكن زاد نطفة بين قوله أحدكم وبين قوله أربعين فبين أن الذي يجمع هو النطفة والمراد بالنطفة المني وأصله الماء الصافي القليل والأصل في ذلك أن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد الله ان يخلق من ذلك جنينا هيأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوتين قوة انبساط عند ورود مني الرجل حتى ينتشر في جسد المرأة وقوة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسا ومع كون المني ثقيلا بطبعه وفي مني الرجل قوة الفعل وفي مني المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالإنفحة للبن وقيل في كل منهما قوة فعل وانفعال لكن الأول في الرجل أكثر وبالعكس في المرأة وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك وما ذكر أولا أقرب إلى موافقة الحديث والله أعلم
قال ابن الأثير في "النهاية" يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكس النطفة أربعين يوما تخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير ثم تخلق بعد ذلك وقيل إن ابن مسعود
فسره بأن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين يوما ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها .قلت- القائل الحافظ- هذا التفسير ذكره الخطابي وأخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" من رواية الأعمش أيضا عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بن مسعود وقوله فذلك جمعها كلام الخطابي أو تفسير بعض رواة حديث الباب وأظنه الأعمش فظن ابن الأثير انه تتمة كلام ابن مسعود فأدرجه فيه ولم يتقدم عن ابن مسعود في رواية خيثمة ذكر الجمع حتى يفسره وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال الصحابي أعلم بتفسير ما سمع وأحق بتأويله وأولى بقبول ما يتحدث به وأكثر احتياطا في ذلك من غيره فليس لمن بعده أن يتعقب كلامه قلت وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف التفسير المذكور ولفظه إذا أراد الله خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبه وفي لفظ ثم تلا في أي صورة ما شاء ركبك وله شاهد من حديث رباح اللخمي لكن ليس فيه ذكر يوم السابع وحاصله أن في هذا زيادة تدل على أن الشبه يحصل في اليوم السابع وأن فيه ابتداء جمع
المني وظاهر الروايات الأخرى أن ابتداء جمعه من ابتداء الأربعين وقد وقع في رواية عبد الله بن ربيعة عن ابن مسعود أن النطفة التي تقضى منها النفس إذا وقعت في الرحم كانت في الجسد أربعين يوما ثم تحادرت دما فكانت علقة وفي حديث جابر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أربعين يوما أو ليلة أذن الله في خلقها ونحوه في حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث حذيفة بن أسيد من رواية عكرمة بن خالد عن أبي الطفيل عنه أن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك وكذا في رواية يوسف المكي عن أبي الطفيل عند الفريابي وعنده وعند مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة اثنتان وأربعون ليلة وفي رواية ابن جريج عن أبي الزبير عند أبي عوانة اثنتان
وأربعون وهي عند مسلم لكن لم يسق لفظها قال مثل عمرو بن الحارث وفي رواية ربيعة بن كلثوم عن أبي الطفيل عند مسلم أيضا إذا أراد الله أن يخلق شيئا يأذن له لبضع وأربعين ليلة وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي الطفيل يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين وهكذا رواه بن عيينة عن عمرو عند مسلم ورواه الفريابي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو فقال خمسة وأربعين ليلة فجزم بذلك فحاصل الاختلاف ان حديث بن مسعود لم يختلف في ذكر الأربعين وكذا في كثير من الأحاديث وغالبها كحديث أنس لا تحديد فيه - ولفظه " إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكا ، فيقول : أي رب نطفة ؟ أي رب علقة ؟ أي رب مضغة ؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقا ، قال : قال الملك : أي رب ذكر أو أنثى ؟ شقي أو سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه "متفق عليه- وحديث حذيفة بن أسيد اختلفت ألفاظ نقلته فبعضهم جزم بالاربعين كما في حديث ابن مسعود وبعضهم زاد ثنتين أو ثلاثا أو خمسا أو بضعا ثم منهم من جزم ومنهم من تردد وقد جمع بينها القاضي عياض بأنه ليس في رواية ابن مسعود بأن ذلك يقع عند انتهاء الأربعين الأولى وابتداء الأربعين الثانية بل أطلق الأربعين فاحتمل أن يريد أن ذلك يقع في أوائل الأربعين الثانية ويحتمل أن يجمع الاختلاف في العدد الزائد على أنه بحسب اختلاف الأجنة وهو جيد لو كانت مخارج الحديث مختلفة لكنها متحدة وراجعة إلى أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد فدل على أنه لم يضبط القدر الزائد على الأربعين والخطب فيه سهل وكل ذلك لا يدفع الزيادة التي في حديث مالك بن الحويرث في إحضار الشبه في اليوم السابع وأن فيه يبتدئ الجمع بعد الانتشار وقد قال بن منده إنه حديث متصل على شرط الترمذي والنسائي واختلاف الألفاظ بكونه في البطن وبكونه في الرحم لا تأثير له لأنه في الرحم حقيقة والرحم في البطن
وقد فسروا قوله تعالى في ظلمات ثلاث بأن المراد ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة البطن فالمشيمة في الرحم والرحم في البطن قوله ثم علقة مثل ذلك في رواية آدم ثم تكون علقة مثل ذلك وفي رواية مسلم ثم تكون في ذلك علقة مثل ذلك وتكون هنا بمعنى تصير ومعناه أنها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين ثم تنقلب إلى الصفة التي تليها ويحتمل أن يكون المراد تصيرها شيئا فشيئا فيخالط الدم النطفة في الأربعين الأولى بعد انعقادها وامتدادها وتجري في أجزائها شيئا فشيئا حتى تتكامل علقة في أثناء الأربعين ثم يخالطها اللحم شيئا فشيئا إلى أن تشتد فتصير مضغة ولا تسمى علقة قبل ذلك ما دامت نطفة وكذا ما بعد ذلك من زمان العلقة والمضغة وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال قال عبد الله رفعه إن النطفة تكون في
الرحم أربعين يوما على حالها لا تتغير ففي سنده ضعف وانقطاع - تقدم تخريجه وبيان ضعفه- فإن كان ثابتا حمل نفي التغير على تمامه أي لا تنتقل إلى وصف العلقة إلا بعد تمام الأربعين ولا ينفي أن المني يستحيل في الأربعين الأولى دما إلى أن يصير علقة انتهى وقد نقل الفاضل علي بن المهذب الحموي الطبيب اتفاق الأطباء على أن خلق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين وفيها تتميز أعضاء الذكر دون الأنثى لحرارة مزاجه وقواه وأعبد إلى قوام المني الذي تتكون أعضاؤه منه ونضجه فيكون أقبل للشكل والتصوير ثم يكون علقة مثل ذلك والعلقة قطعة دم جامد قالوا وتكون
حركة الجنين في ضعف المدة التي يخلق فيها ثم يكون مضغة مثل ذلك أي لحمة صغيرة وهي الأربعون الثالثة فتتحرك قال واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر وذكر الشيخ شمس الدين بن القيم ان داخل الرحم خشن كالسفنج وجعل فيه قبولا للمني كطلب الأرض العطشى للماء فجعله طالبا مشتاقا إليه بالطبع فلذلك يمسكه ويشتمل عليه ولا يزلقه بل ينضم عليه لئلا يفسده الهواء فيأذن الله لملك الرحم في عقده وطبخه أربعين يوما وفي تلك الأربعين يجمع خلقه قالوا إن المني إذا اشتمل عليه الرحم ولم يقذفه استدار على نفسه واشتد إلى تمام ستة أيام فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع القلب والدماغ والكبد ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط خمسة إلى تمام ثلاثة أيام ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر فتتميز الأعضاء الثلاثة ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يوما ثم ينفصل الرأس عن المنكبين والأطراف عن الضلوع والبطن عن الجنين في تسعة أيام ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس في أربعة أيام فيكمل أربعين يوما فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم يجمع خلقه في أربعين يوما وفيه تفصيل ما أجمل فيه ولا ينافي ذلك قوله ثم تكون علقة مثل ذلك فإن العلقة وإن كانت قطعة دم لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المني ويظهر التخطيط فيها ظهورا خفيا على التدريج ثم يتصلب في الأربعين يوما بتزايد ذلك التخليق شيئا فشيئا حتى يصير مضغة مخلقة ويظهر للحس ظهورا لا خفاء به وعند تمام الأربعين الثالثة والطعن في الأربعين الرابعة ينفخ فيه الروح كما وقع في هذا الحديث الصحيح وهو ما لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي ...
( ثم يكون مضغة مثل ذلك ) في رواية آدم مثله وفي رواية مسلم كما قال في العلقة والمراد مثل مدة الزمان المذكور في الاستحالة والعلقة الدم الجامد الغليظ سمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلقه بما مر به والمضغة قطعة اللحم سميت بذلك لأنها قدر ما يمضغ الماضغ قوله ثم يبعث الله ملكا في رواية الكشميهني ثم يبعث إليه ملك وفي رواية آدم كالكشميهني لكن قال الملك ومثله لمسلم بلفظ ثم يرسل الله واللام فيه للعهد والمراد به عهد مخصوص وهو جنس الملائكة الموكلين بالأرحام كما ثبت في رواية حذيفة بن أسيد من رواية ربيعة بن كلثوم أن ملكا موكلا بالرحم ومن رواية عكرمة بن خالد ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها وهو بتشديد اللام وفي رواية أبي الزبير عند الفريابي أتى ملك الأرحام وأصله عند مسلم لكن بلفظ
بعث الله ملكا وفي حديث بن عمر إذا أراد الله أن يخلق النطفة قال ملك الأرحام وفي ثاني حديثي الباب عن أنس وكل الله بالرحم ملكا وقال الكرماني إذا ثبت أن المراد بالملك من جعل إليه أمر تلك الرحم فكيف يبعث أو يرسل وأجاب بأن المراد أن الذي يبعث بالكلمات غير الملك الموكل بالرحم الذي يقول يا رب نطفة إلخ ثم قال ويحتمل أن يكون المراد بالبعث أنه يؤمر بذلك قلت وهو الذي ينبغي أن يعول عليه وبه جزم القاضي عياض وغيره وقد وقع في رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش إذا استقرت النطفة في الرحم أخذها الملك بكفه فقال أي رب أذكر أو أنثى الحديث وفيه فيقال انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذه النطفة فينطلق فيجد ذلك فينبغي أن يفسر الإرسال المذكور بذلك ...".
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 1/ 156 : " هذا الحديث يدل على أنه يتقلب في مائة وعشرين يوما، في ثلاثة أطوار، في كل أربعين يوما منها يكون في طور، فيكون في الأربعين الأولى نطفة، ثم في الأربعين الثانية علقة، ثم في الأربعين الثالثة، مضغة ثم بعد المائة وعشرين يوما ينفخ الملك فيه الروح، ويكتب له هذه الأربع الكلمات. وقد ذكر الله تعالى في القرآن في مواضع كثيرة تقلب الجنين في هذه الأطوار كقوله تعالى: {ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} [الحج: 5] . وذكر هذه الأطوار الثلاثة: النطفة والعلقة والمضغة في مواضع متعددة من القرآن، وفي مواضع أخر ذكر زيادة عليها، فقال في سورة المؤمنون (12 - 14) {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين - ثم جعلناه نطفة في قرار مكين - ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12 - 14] . فهذه سبع تارات ذكرها الله في هذه الآية لخلق ابن آدم قبل نفخ الروح فيه.
وكان ابن عباس يقول: خلق ابن آدم من سبع، ثم يتلو هذه الآية. وسئل عن العزل، فقرأ هذه الآية ثم قال، فهل يخلق أحد حتى تجري فيه هذه الصفة؟ وفي رواية عنه قال: وهل تموت نفس حتى تمر على هذا الخلق؟ ...وقد ورد في حديث حذيفة بن أسيد ما يدل على خلق العظام واللحم في أول الأربعين الثانية، ففي " صحيح مسلم " عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب
الملك، ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول يا رب رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص» . وظاهر هذا الحديث يدل على أن تصوير الجنين وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه يكون في أول الأربعين الثانية، فيلزم من ذلك أن يكون في الأربعين الثانية لحما وعظاما. وقد تأول بعضهم ذلك على أن الملك يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء، فيجعل بعضها للجلد، وبعضها للحم، وبعضها للعظام، فيقدر ذلك كله قبل وجوده. وهذا خلاف ظاهر
الحديث، بل ظاهره أن يصورها ويخلق هذه الأجزاء كلها، وقد يكون خلق ذلك بتصويره وتقسيمه قبل وجود اللحم والعظام، قد يكون هذا في بعض الأجنة دون بعض. وحديث مالك بن الحويرث المتقدم يدل على أن التصوير يكون للنطفة أيضا في اليوم السابع، وقد قال الله عز وجل {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج} [الإنسان: 2] وفسر طائفة من السلف أمشاج النطفة بالعروق التي فيها. قال ابن مسعود: أمشاجها: عروقها وقد ذكر علماء الطب ما يوافق ذلك، وقالوا: إن المني إذا وقع في الرحم، حصل له زبدية ورغوة ستة أيام أو سبعة، وفي هذه الأيام
تصور النطفة من غير استمداد من الرحم، ثم بعد ذلك تستمد منه، وابتداء الخطوط والنقط بعد هذا بثلاثة أيام، وقد يتقدم يوما ويتأخر يوما، ثم بعد ستة أيام - وهو الخامس عشر من وقت العلوق - ينفذ الدم إلى الجميع فيصير علقة، ثم تتميز الأعضاء تميزا ظاهرا، ويتنحى بعضها عن ممارسة بعض، وتمتد رطوبة النخاع، ثم بعد تسعة أيام ينفصل الرأس عن المنكبين والأطراف عن الأصابع تميزا يستبين في بعض، ويخفى في بعض. قالوا: وأقل مدة يتصور الذكر فيها ثلاثون يوما، والزمان المعتدل في تصوير الجنين خمسة وثلاثون يوما، وقد يتصور في خمسة
وأربعين يوما، قالوا: ولم يوجد في الأسقاط ذكر تم قبل ثلاثين يوما، ولا أنثى قبل أربعين يوما، فهذا يوافق ما دل عليه حديث حذيفة بن أسيد في التخليق في الأربعين الثانية، ومصيره لحما فيها أيضا. وقد حمل بعضهم حديث ابن مسعود على أن الجنين يغلب عليه في الأربعين الأولى وصف المني، وفي الأربعين الثانية وصف العلقة، وفي الأربعين الثالثة وصف المضغة، وإن كانت خلقته قد تمت وتم تصويره، وليس في حديث ابن مسعود ذكر وقت تصوير الجنين...".
قلت : ولم يتعرّض حديث حذيفة بن أسيد لنفخ الروح، وإنما جاء نفخ الروح في حديث ابن مسعود وهو بعد مائة وعشرين يوماً وهو ما تترتب عليه الأحكام , وجمع ابن القيم زمن كتابة التقدير في أطوار العبد في بطن أمه بين حديث ابن مسعود وحديث حذيفة بن أسيد , فقال في "شفاء العليل" (ص:22) : " ...اجتمعت هذه الأحاديث والآثار على تقدير رزق العبد وأجله وشقاوته وسعادته وهو في بطن أمه واختلفت في وقت هذا التقدير , وهذا تقدير بعد التقدير الأول السابق على خلق السماوات والأرض وبعد التقدير الذي وقع يوم استخراج الذرية بعد خلق أبيهم آدم ففي حديث ابن مسعود أن هذا التقدير يقع بعد مائة وعشرين يوما من حصول النطفة في الرحم وحديث أنس غير مؤقت وأما حديث حذيفة بن أسيد فقد وقت فيه التقدير بأربعين يوما وفي لفظ بأربعين ليلة وفي لفظ ثنتين وأربعين ليلة وفي لفظ بثلاث وأربعين ليلة وهو حديث تفرد به مسلم ولم يروه البخاري وكثير من الناس يظن التعارض بين الحديثين ولا تعارض بينهما بحمد الله وأن الملك الموكل بالنطفة يكتب ما يقدره الله سبحانه
على رأس الأربعين الأولى حتى يأخذ في الطور الثاني وهو العلقة وأما الملك الذي ينفخ فيه فإنما ينفخها بعد الأربعين الثالثة فيؤمر عند نفخ الروح فيه بكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وهذا تقدير آخر غير التقدير الذي كتبه الملك الموكل بالنطفة ولهذا قال في حديث ابن مسعود ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات وأما الملك الموكل بالنطفة فذاك راتب معها ينقلها بإذن الله من حال إلى حال فيقدر الله سبحانه شأن النطفة حتى تأخذ في مبدأ التخليق وهو العلق ويقدر شأن الروح حين تتعلق بالجسد بعد مائة وعشرين يوما فهو تقدير بعد تقدير فاتفقت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق بعضها بعضا ودلت كلها على إثبات القدر السابق ومراتب التقدير وما يؤتى أحد إلا من غلط الفهم أو غلط في الرواية
ومتى صحت الرواية وفهمت كما ينبغي تبين أن الأمر كله من مشكاة واحدة صادقة متضمنة لنفس الحق وبالله التوفيق".
وقال ابن رجب : " وقد يقال مع ذلك: إن إحداهما في السماء والأخرى في بطن الأم، والأظهر - والله أعلم - أنها مرة واحدة، ولعل ذلك يختلف باختلاف الأجنة، فبعضهم يكتب له ذلك بعد الأربعين الأولى، وبعضهم بعد الأربعين الثالثة ... وبكل حال، فهذه الكتابة التي تكتب للجنين في بطن أمه غير كتابة المقادير السابقة لخلق الخلائق المذكورة في قوله تعالى:
{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] ، كما في " صحيح مسلم " عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة» , وفي حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة.» وقد سبق ذكر ما روي، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الملك إذا سأل عن حال النطفة، أمر أن يذهب إلى الكتاب السابق، ويقال له: إنك تجد فيه قصة هذه
النطفة، وقد تكاثرت النصوص بذكر الكتاب السابق، بالسعادة والشقاوة , ففي " الصحيحين " عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا، ندع العمل؟ فقال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى} [الليل: 5] الآيتين (الليل: 5) » . ففي هذا الحديث أن السعادة والشقاوة
قد سبق الكتاب بهما، وأن ذلك مقدر بحسب الأعمال، وأن كلا ميسر لما خلق له من الأعمال التي هي سبب للسعادة أو الشقاوة. وفي " الصحيحين " عن عمران بن حصين، قال: «قال رجل: يا رسول الله، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: " نعم " قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له، أو لما يسر له» . وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، وحديث ابن مسعود فيه أن السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال. وقد قيل: إن قوله في آخر الحديث " «فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة» "
إلى آخر الحديث مدرج من كلام ابن مسعود، كذلك رواه سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود من قوله، قد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة أيضا وفي " صحيح البخاري " عن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالخواتيم» وفي " صحيح ابن حبان " عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالخواتيم» . وفيه أيضا عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بخواتيمها، كالوعاء، إذا طاب أعلاه، طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه، خبث أسفله» . وفي
" صحيح مسلم " عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة» . وخرج الإمام أحمد رحمه الله من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عليكم أن لا تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من عمره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه، دخل الجنة، ثم يتحول، فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من عمره بعمل سيئ، لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا» . وخرج أيضا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، وهو مكتوب في الكتاب من أهل النار، فإذا كان قبل موته تحول، فعمل بعمل أهل النار، فمات، فدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، وإنه لمكتوب في الكتاب من أهل الجنة، فإذا كان قبل موته تحول، فعمل بعمل أهل الجنة،فمات فدخلها» . وخرج أحمد، والنسائي، والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا:
لا يا رسول الله، إلا أن تخبرنا، فقال: للذي في يده اليمنى: " هذا الكتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منه أبدا " ثم قال للذي في شماله: " هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيه ولا ينقص منهم أبدا "
فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمرا قد فرغ منه؟ فقال: " سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما، ثم قال: فرغ ربكم من العباد: فريق في الجنة، وفريق في السعير» . وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، وخرجه الطبراني من حديث علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه: " «صاحب الجنة مختوم له بعمل أهل الجنة، وصاحب النار مختوم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل، وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاء حتى يقال: ما أشبههم بهم، بل هم منهم، وتدركهم السعادة فتستنقذهم، وقد يسلك بأهل الشقاء طريق أهل السعادة حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم ويدركهم الشقاء، من كتبه الله سعيدا في أم الكتاب لم يخرجه من الدنيا حتى يستعمله بعمل يسعده قبل موته ولو بفواق ناقة، ثم قال:
الأعمال بخواتيمها، الأعمال بخواتيمها» " وخرجه البزار في " مسنده " بهذا المعنى أيضا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي " الصحيحين " عن سهل بن سعد أن «النبي صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو من أهل النار " فقال رجل من القوم: أنا أصاحبه، فاتبعه، فجرح الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أنك رسول الله، وقص عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة» " زاد البخاري رواية له " «إنما الأعمال بالخواتيم» ". وقوله: " فيما يبدو للناس " إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهةعمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره، فتوجب له حسن الخاتمة.
قال عبد العزيز بن
أبي رواد: حضرت رجلا عند الموت يلقن لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر. فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب، فإنها هي التي أوقعته. وفي الجملة: فالخواتيم ميراث السوابق، فكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق. وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا. وبكى بعض الصحابة عند موته، فسئل عن ذلك
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " «إن الله تعالى قبض خلقه قبضتين، فقال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار» " ولا أدري في أي القبضتين كنت؟ . قال بعض السلف: ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق. وقال سفيان لبعض الصالحين: هل أبكاك قط علم الله فيك؟ فقال له ذلك الرجل: تركني لا أفرح أبدا. وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم، فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا، ويبكي، ويقول: أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضا على لحيته، ويقول: يا رب، قد علمت ساكن
الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك؟ . وقال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار، فهو مغتر، فلا يأمن الشقاء: الأول: خطر يوم الميثاق حين قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان، والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث، فنودي الملك بالسعادة والشقاوة، ولا يدري: أمن الأشقياء هو أم من السعداء؟
والثالث: ذكر هول المطلع، ولا يدري أيبشر برضا الله أو بسخطه؟ والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتا، ولا يدري، أي الطريقين يسلك به. وقال سهل التستري: المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر. ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة، فيخرجه إلى النفاق الأكبر، كما تقدم أن دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في دعائه:
" «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقيل له: يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ فقال: " نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها كيف شاء» " خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس... ".
قال الطحاوي في "العقيدة" : " كل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله ".
قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح العقيدة الطحاوية" :" تقدم من حديث علي رضي الله عنه وقوله صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»، وعن زهير عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، قال: جاء سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: «يا رسول الله، بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما يستقبل؟ "قال: لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، [قال: ففيم العمل؟] قال زهير: ثم تكلم أبو الزبير بشيء لم أفهمه، فسألت: ما قال؟ فقال: "اعملوا فكل ميسر». رواه مسلم .
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»، خرجاه في الصحيحين، وزاد البخاري: «وإنما الأعمال بالخواتيم». وفي الصحيحين أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق -: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه وأجله وعمله وشقيا أم سعيدا، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وكذلك الآثار عن السلف , قال أبو عمر ابن عبد البر في "التمهيد": قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب، وأكثر المتكلمون من الكلام فيه، وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادهم
وترك المجادلة فيها، وبالله العصمة والتوفيق".


وكتب
أبو سامي العبدان
حسن التمام
الثاني من ربيع الثاني 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم