قال السيوطي رحمه الله في مقدمة كتابه تدريب الراوي 1 / 23 :
فَإِنَّ عِلْمَ الْحَدِيثِ رَفِيعُ الْقَدْرِ، عَظِيمُ الْفَخْرِ، شَرِيفُ الذِّكْرِ، لَا يَعْتَنِي بِهِ إِلَّا كُلُّ حَبْرٍ، وَلَا يُحْرَمُهُ إِلَّا كُلُّ غَمْرٍ، وَلَا تَفْنَى مَحَاسِنُهُ عَلَى مَمَرِّ الدَّهْرِ، وَكُنْتُ مِمَّنْ عَبَرَ إِلَى لُجَّةِ قَامُوسِهِ، حَيْثُ وَقَفَ غَيْرِي بِشَاطِئِهِ، وَلَمْ أَكْتَفِ بِوُرُودِ مَجَارِيهِ، حَتَّى بَقَرْتُ عَنْ مَنْبَعِهِ وَمَنَاشِئِهِ، وَقُلْتُ لِمَنْ عَلَى الرَّاحَةِ عَوَّلَ، مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ الْأَوَّلِ:
لَسْنَا وَإِنْ كُنَّا ذَوِي حَسَبٍ ... يَوْمًا عَلَى الْأَحْسَابِ نَتَّكِلُ
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا ... تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلُوا
مَعَ مَا أَمَدَّنِي اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْعُلُومِ، كَالتَّفْسِيرِ الَّذِي بِهِ يُطَّلَعُ عَلَى فَهْمِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعُلُومِهِ الَّتِي دَوَّنْتُهَا وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَى تَحْرِيرِهَا الْوَجِيزِ، وَالْفِقْهِ الَّذِي مَنْ جَهِلَهُ فَأَنَّى لَهُ الرِّفْعَةُ وَالتَّمْيِيزُ، وَاللُّغَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ فَهْمِ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ، وَالنَّحْوِ الَّذِي يَفْتَضِحُ فَاقِدُهُ بِكَثْرَةِ الزَّلَلِ وَلَا يَصْلُحُ الْحَدِيثُ لِلَحَّانٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُلُومِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، الَّتِي لِبَلَاغَةِ الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ تِبْيَانٌ، وَقَدْ أَلَّفْتُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُؤَلَّفَاتٍ، وَحَرَّرْتُ فِيهَا قَوَاعِدَ وَمُهِمَّاتٍ، وَلَمْ أَكُنْ كَغَيْرِي مِمَّنْ يَدَّعِي الْحَدِيثَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَقُصَارَى أَمْرِهِ كَثْرَةُ السَّمَاعِ عَلَى كُلِّ شَيْخٍ وَعَجُوزٍ، غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يَحْتَاجُ الْمُحَدِّثُ إِلَيْهِ أَنْ يَحُوزَ، وَلَا مُكْتَرِثٍ بِالْبَحْثِ عَمَّا يَمْتَنِعُ أَوْ يَجُوزُ، ثُمَّ ظَنَّ الِانْفِرَادَ بِجَمْعِ الْكُتُبِ وَالضَّنِّ بِهَا عَلَى طُلَّابِهَا، فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا عَارِيًا عَنِ الِانْتِفَاعِ بِخِطَابِهَا.