متون وهوامش \ بقلم خالد الرفاعي

2015/11/12
- 1 -«شوف صفحة ميّة وأربع طعش..سم..شوف الهامش رقم 3سمقريت هالكتاب كامل وإلا ما قريته؟ والله يا دكتور قريت بعضه لكن راح أكمله قريب إن شاء الله..ضروري ضروري.. ارجع واقره بالكامل.. لأنّ القراءة الانتقائية راح تضرك في المستقبل..سم».
اقتطعتُ لكم هذا المشهدَ الحواريَّ من مناقشة رسالة علمية في مرحلة الدكتوراه..
وأراه مقبولاً لو لم يكن تحت لوحة ضخمة تشير إلى أنّ المناقشة في كلية معنية باللغة العربية وآدابها..
ويمكن أن يكون مقبولاً أيضاً لو لم يكن في مناقشة رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في تخصص النحو والصرف!
وقد تزداد كثافة السواد هنا حين أضيف أنّ الأستاذ المناقِش أحد الذين يتباكون على حال اللغة في كل عام مرة أو مرتين، وأحد الذين ينتقدون (الحكومات) و(القطاع الخاص) و(الجهات التعليمية) و(البيوت)؛ لتقصيرها في خدمة اللغة العربية أو المحافظة عليها.
- 2 -
في مشهد آخر:
كان أحد أساتذة اللغة العربية في طريقه إلى إلقاء محاضرته..
فترامى إليه من إحدى القاعات الدراسية صوتُ زميله وهو يلقي على الطلاب (قصيدة عامية)!
وبعد ساعات استطاع هذا الأستاذ أن ينفذ إلى أحد طلاب تلك القاعة؛ ليسأله عن سرّ (القصيدة العامية) التي سمعها..
ففاجأه الطالب بالثناء على أستاذه؛ لأنه يلقي عليهم في كلّ محاضرة بعض شعره، ويحفّزهم على حفظ الشعر وروايته..
وفي التفاصيل أشار إلى أنّ أستاذهم يكثر من (الشعر العامي)؛ لكونه الأقرب إلى أذهان الطلاب، والأكثر تعبيراً عن بيئتهم!
- 3 -
حكاية هذا الأستاذ لا تختلف كثيراً عن حكاية أحد طلاب الدراسات العليا في تخصص اللغة العربية، يقول الطالب:
كنتُ مؤمناً بأنّ التحدّث (بالفصحى) متطلّبٌ رئيس في مرحلة الدراسات العليا؛ لذلك تهيأتُ للحديث بها مع أحد الأساتذة، لكنه فاجأني - بعد جملتي الأولى - بقوله:
«وراك متحفّز؟ تكلّم عادي وبدون تفلسف»!
وقد احتاج هذا الطالب إلى كثيرٍ من الوقت ليفهم أنّ المقصود ب (التحفّز) و(الفلسفة) هو حديثه إلى أستاذه (بالفصحى)، وأنّ العادي (أي: الطبيعي) من وجهة نظر الأستاذ هو أنْ يتحدث إليه (بالعامية) حتى في اللقاء المخصّص لمناقشة الفكرة البحثية!
- 4 -
هذا يعني:
أنّ إحدى مشكلاتنا الرئيسة مرتبطة بأداء الفرد داخل المؤسسة المهتمة باللغة العربية..
ففي جميع المواقف السابقة لم يكن الأستاذ الجامعي (المتخصص في اللغة العربية) مقصّراً وحسب، بل كان ينشط في الاتجاه المعاكس لرؤية المؤسسة ورسالتها وأهدافها؛ فجميع كليات اللغة العربية أُسّست لتحقّق مجموعة من الأهداف، من أهمها تزويد الطلاب بالمهارات اللغوية اللازمة، وإعداد طلاب مؤهلين في مجال اللغة العربية وآدابها، وعلى هذا الأساس بُنيت الجداول الدراسية، ورتّبت مفردات المقررات، فإذا سوّغنا للأستاذ الجامعي أن يستغلّ المحاضرة لإلقاء جزء من (شعره العامي)، أو أن يشرح (القاعدة) و(المهارة) و(النصّ) (بالعامية)، فهذا يعني أنّ كل الجهد الذي سبق هذه المحاضرة ومهّد لها قد ذهب أدراج الرياح!
إنّ الصورة هنا لا تختلف عندي عن رجل الأمن حين يستغلّ إمكانات المؤسسة الأمنية ليسرق أو ليقتل.. كلاهما يعمل من داخل المؤسسة (بإخلاص)، لكن ضدّ رؤيتها ورسالتها وأهدافها!
هامش:
وقد قيل:
«جبان في جيشي أشدّ عليّ من عشرة شجعان في جيش العدوّ»!