التَّقرير الأوَّل
أعدَّه:
أمير بن أحمد قروي
عضو الجمعيَّة العلميَّة السُّعوديَّة لعلوم
العقيدة والأديان والفرق والمذاهب

الحمدُ لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، أمَّا بعد:
ففي يوم الأحد 22 من شهر ذي القعدة لعام 1436هـ تمَّ افتتاح (معرض مخطوطات المدينة المنوَّرة)، والذي قام بتنظيمه: دارة الملك عبد العزيز، بالتَّعاون مع: برنامج المدينة المنوَّرة الثَّقافي بهيئة تطوير المدينة المنوَّرة، والذي يستمر إلى يوم السبت 9 من شهر صفر 1436هـ.
وانطلاقاً من اهتمام دار الملك عبد العزيز بتاريخ الجزيرة العربيَّة الذي جعلته ضمن أهدافها بتوجيهٍ كريمٍ، وعنايةٍ كبيرةٍ، ودَعـمٍ مُستمرٍّ من خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبد العزيز-حفظه الله تعالى-؛ لِـمَا عُرفَ عن مقامه الكريم من الحرص الكبير على تاريخ الجزيرة العربيَّة عموماً، وتاريخ المدينين المقدَّستين مكَّة المكرَّمة والمدينة النَّبويَّة خصوصاً.
ومن الأهداف السَّامية لإقامة هذا المعرض من طرف الدَّارة: التَّعريف بنفائس مخطوطات المدينة النَّبويَّة المحفوظة في مكتبات المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وغيرها من مكتبات العالم، فيعرِّفون بعناوينها ومؤَّلفيها وناسخيها وتواريخ نسخها، ويذكرون شيئا من أوصافها، ويعرضون لتحقيق ذلك نماذج من صور تلك المخطوطات النَّفيسة، بدءاً بمخطوطات المصاحف الكريمة، ثمَّ مخطوطات أخرى في فضائل المدينة النَّبوية وتاريخها، وسيرة ساكنها عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام، وصولاً إلى ما يطلق عليه (المنمنمات)، وقد كان من بين ما تمَّ عرضه بعض المخطوطات التي لها صلةٌ بالعقيدة والتَّوحيد وما يتعلَّق به، وعلى رأس ذلك:
أوَّلاً: نسخةٌ نفيسةٌ تمثِّل الجزء الأوَّل من (الصَّارم المسلول على شاتم الرَّسول r) لشيخ الإسلام أحمد بن الحليم بن عبد السَّلام بن تيميَّة الحرَّاني رحمه الله تعالى (728هـ)، وهو من جملة مخطوطات أمين الحلواني المدني المحفوظة في جامعة ليدن بهولندا، وهي بخطِّ الفقيه المحدِّث عبد القادر بن محمَّد بن محمَّد القرشي الحنفي، وعليها إجازةٌ من المؤلِّف سنة (718هـ)، وعليها تملُّكات؛ فقد تملَّكها النَّاسخ نفسه؛ الشَّــــيخ عبد القادر، ثمَّ تملُّكٌ آخر لأبي بكر عمر بن الشَّيخ محمَّد بن بركات.
ونصُّ إجازة شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله للشَّيخ عبد القادر ما يلي -كما أوضحها الشَّيخ أمين الحلواني المدني على طرَّة المخطوطة، حيث قال: بيان الكتابة التي على يساره التي هي بخطِّ الإمام ابن تيميَّة قطعاً بلا شك-: ((أجزت للمذكور ما سألني إجازته بشرطه، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السَّلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمَّد بن تيميَّة، وأجزت ذلك أيضاً لصاحبه جمال الدين ابن..بن سنجر الهاجري رزقهما الله جميعاً العلم والدِّين، وجعلهما الله من أوليائه المتقين))، ورقم الحفظ الخاص بهذا الجزء هو: (or_2411)، وهو ناقصٌ غير تامٌ، والجزء الثاني من الكتاب كامل غير وريقات يسيرة.






ثانياً: نسخةٌ من (كتاب التَّوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد) لشيخ الإسلام الإمام المجدِّد محمَّد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وعلى هذه النُّسخة تملُّكٌ من ناصر بن خريف، وقد كتب التَّملُّك الشَّــــيخ عبد الرَّحمن بن إبراهيم، وهذه النُّسخة أيضاً من جملة مخطوطات أمين الحلواني المدني المحفوظة في جامعة ليدن بهولندا، ورقم حفظها فيها: (or_2499).






وهنا وقفةٌ مهمَّةٌ أشير فيها إلى أنَّ كثيراً من نفائس مخطوطات الجزيرة العربيَّة عموماً ومكَّة والمدينة على وجه الخصوص قد انتقلت إلى هولندا، واستقرت في جامعة (ليدن) عن طريق الشَّيخ: أمين بن حسن الحلواني المدني، وهو شيخٌ وأديبٌ وفلكيٌّ ورحَّالةٌ، من مشايخ المدينة النَّبويَّة، وكان مدرساً في مسجدها الشَّريف، وله عدَّة مؤلَّفات منها:
- رسالة ينكر فيها صحَّة المخلفات النَّبويَّة، ألَّفها سنة (1292هـ).
- نشر الهذيان من تاريخ جورجي زيدان، نشر في الهند سنة (1307هـ)، وغيرهما.
وقد كانت بداية قصَّة بَيع الشَّيخ أمين الحلواني مخطوطاته عندما التقى بـ(كارلو لاندبج) -مستشرق سويدي- وهو سفير السُّويد والنَّرويج لدى مصر، وكان ذلك في القاهرة عام (1300هـ) في شهر فبراير، ووجَّه له دعوةً لحضور مؤتمر المستشرقين السَّادس المنعقد في مدينة أمستردام بهولندا، وطلب منه بيع المكتبة لدار (بريل) -وهي من أشهر المطابع القديمة في مدينة ليدن بهولندا- بعد أن تعرَّض لخسارة لجميع رأس ماله في مصر، وتراكمت عليه الدُّيون، وهو ما اضطرَّه إلى بيعها.
وقد قَدِم أمستردام فعلاً وباع المكتبة للدَّار المذكورة، وقد طلب صاحب الدار من (لاندبج) أن يفهرسها في شهرٍ واحدٍ، فرفض في البداية ثمَّ وافق، وتمَّ له ذلك في شهر، وطبع الفهرس، ونشره بعنوان:
CATALOGE DE MANUSCRIPTS ARABES D'UNE BIBLOTTHEQUE PRIVEE A EL-MADINA ET APPARTENANT A LA MAISON E.J BRILL. REDIGE PAR CARLO LANDBERG LEYDEN 1883
وترجمة هذا العنوان: (فهرس مخطوطات عربية مصدرها مكتبة خاصة بالمدينة)، وقد بلغ ما بيع من مخطوطات: 664 مخطوطاً، وقسَّم مفهرسها (لاندبج) المخطوطات إلى 13 قسماً وملحقٍ، وضمَّ القسم الأوَّل أَندرها، وعددها 228 مخطوطاً، وقد وصفها بأنَّها مخطوطات أصو ل لافتة للنَّظر بسبب قدمها، أو بأنَّها بخطوط مؤلِّفيها.
وأهمُّ مميِّزات مكتبة الحلواني المبيعة لدار بريل في ليدن:
أنَّ بعضها بخطوط مؤلِّفيها؛ كخطِّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة، والذَّهبي، وابن حجر العسقلاني، والسَّخاوي، وابن فهد الهاشمي، ومحمَّد بن عبد الوهَّاب، وحفيده عبد الرَّحمن بن عبد الله بن محمَّد، وغيرهم.
وبعد اقتناء دار (بريل) لها من الحلواني باعتها على مكتبة جامعة (ليدن) في هولندا، والمخطوطات الآن محفوظةٌ فيها تحت رقم: شرقيَّات 2363، لغاية: 3025 (ومخطوطات شرقيَّات 8409 أيضاً أصلها من مكتبة أمين الحلواني)، وقد توفي أمين الحلواني المدني سنة 1316هـ (1989م).
وفي التَّقرير الثَّاني إن شاء الله ستكون هناك إطلالةٌ أخرى على نفائس المخطوطات العقديَّة المودعة في مكتبة جامعة (ليدن)، من خلال فهرس مخطوطاتها بإذن الله تعالى.





والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته