تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: للمناقشة الهادئة/ أنا أقول بقول الشيخ عبيد الجابري بقطعية النصوص فمن يخطئني؟؟!!

  1. #1

    افتراضي للمناقشة الهادئة/ أنا أقول بقول الشيخ عبيد الجابري بقطعية النصوص فمن يخطئني؟؟!!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قلت في أحد المناسبات:

    "يا أخي الكريم ..التعريف صحيح،
    والجزم كما يتجه لليقين فإنه يتجه للظن الغالب؛
    إذ كلاهما جزم،
    غير أن اليقين أقوى جزما حتى لا يبقى معه أدنى احتمال،
    و يقابل الجزم الشك،
    والظن الغالب ليس شكا،
    والتفريق بين الظن الغالب واليقين تفريق كلامي لم يعرفه الصحابة ولا التابعون؛
    خاصة أوائل الأمة رضي الله عنهم،
    لذلك عاملوا الظن الغالب معاملة اليقين؛
    ولم يلتفتوا للاحتمال المقابل ـ إن وجد ـ،
    وعاملوه كالعدم،
    وهذا الذي يجده كل واحد منا مع الأخبار ،
    (فنحن أمة الفطرة ولسنا كالأمم الأخرى العقلانية)
    ولذلك لو طلبت صيغة تعبر بها عن الظن الغالب تفارق اليقين في حكاية الحديث أو المعتقدات أوغير ذلك من كلامنا؛ سوف لا تجد،
    فتقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزم ولو كان الحديث حسن،
    وكذلك تقول اعتقدت كذا وكذا بناء على الآحاد الذي لم تحتف به القرائن وأنت جازم،
    (
    وأما إذا قلت أظن فليس لها إلا معنيان في القرءان الكريم: إما يقين وجزم وإما شك
    وهذا لأن اللغة فطرية كذلك)
    فليس هناك بين الجزم والشك مرتبة أخي الكريم.
    ...والله أعلم وصلى الله على نبيه وسلم" اهـ بإضافة مابين قوسين

    وعليه:
    فمن يعتقد أن النصوص ليس مبناها على الجزم فليثبت مرتبة بين الجزم والشك أولا !!
    ويعزوها إلى السلف ثانيا!!
    وعندها يظهر خطأ هذا القول ومجازفة ذلك النفي عن السلف الصالح
    وأما أن يكون القطع والجزم على قسمين ويُزعم انتفاء القطع مطلقا عن الظن الغالب وأنه خاص بما خلى عن احتمال النقيض فهذا التقرير فاسد من جهة الاصطلاح والتعبير وإن صحت المعاني والقسمة لكن نجعل الجزم ينقسم أنسب من جعل الظن ينقسم
    هذا زيادة على ما في جعل الجزم باسم الظن من قلة الأدب مع النصوص الذي تسرب من طرف خفي لأهل السنة بسبب تلك الاصطلاحات
    وليعلم أني تقصدت هذا الموضوع لكثرة الشناعات على قول الشيخ وكانه خالف الوحي الصريح!!!
    وفي انتظار فوائدكم أيها الأحبة
    ومرحبا بالمناقشة الهادئة .

  2. #2

    افتراضي

    لطالما سكت الجميع عما قدمته بعد أكثر من 100 مشاهدة مع اعتبار التكرار طبعا..وذلك ليس كما يقال دائما علامة الرضى!!!!
    عندي سؤال إن يسمح به الإخوة الأفاضل يثير بإذن الله محل الفساد في ذلك التأصيل ويبعث على البحث والنظر،وهو كالتالي:

    ما الفرق بين الظن الغالب ـ على القول بجواز بناء العقائد عليه فضلا عن الأحكام العملية ـ وبين الريب الذي ذمه القرءان وجعله نفاقا وكفرا وجعل مقابله الإيمان واليقين كما في أوائل سورة البقرة وهو أول بحوثها؟؟؟؟
    رجاء لا تزدحموا على الجواب

  3. #3

    افتراضي


    عذراً أخي الكريم........

    هذا أول يوم أشاهد الموضوع.

    ودعني ألخّص الموضوع في محورين:

    المحور الأول:

    النزاع يرجع إلى مفهوم الدليل، وذهب جمهور علماء المسلمين من الفقهاء والأصوليين إلى أن كلّ ما يؤدي إلى المطلوب الخبري فهو دليل وبرهان وحجة وسلطان، سواء كان قطعيا أو ظنياً، وسواء كان شرعيا أو عقلياً.

    وعلى هذا أهل اللغة حيث أطبقوا على تسمية كلّ أمر صح أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة ما هو دليل عليه دليلاً من غير فرقٍ.

    وذهبت ثلة من أهل الكلام إلى الفرق بين الدليل وبين الأمارة فأطلقوا الدليل على ما يفيد القطع، والأمارة على ما يفيد الظنّ، وهو اصطلاح كلامي، ولو لم يترتّب عليه آثار علمية لقلنا إنه نزاع في عبارة وخلاف في لفظ ...
    وهؤلاء لم يساعدهم نقل شرعي ولا وضع لغوي، وإذا لم يكن هذا من موجب الشرع ولا من موجب اللغة عاد إلى الاصطلاح الذي له آثار جسيمة في الشرع فلم يعد يعتبر مجرّد اصطلاح بل هو خلاف له آثاره في المعتقدات حين قال هؤلاء ومن قلّدهم: الدليل الظني - وهو الأمارة على اصطلاحهم- لا يقبل في كذا، وهذا ظني لا يعتمد عليه في العلميات.. إلى آخر القائمة المعروفة.

    وهو أصل بدعي كما قرّره أبو عمر ابن عبد البر وأبو المظفر السمعاني وأبو العباس ابن تيمية وغيرهم من علماء الأثر والسنة.
    وهذا نصّ أبي الحسين المعتزلي البصري يلخّص النزاع: «اعلم أن الأمارة هي التي النظر الصحيح فيها يؤدي إلى الظنّ. وبذلك تتميز من الدلالة.

    والمتكلمون يسمّون كل ما هذا سبيله أمارة، عقليا كان أو شرعيا.
    والفقهاء يسمّون الأمارات الشرعية كالقياس وخبر الواحد أدلة. ولا يسمّون الأمارات العقلية أدلة، كالأمارة على القبلة، وعلى قيم المتلفات. والكلام في ذلك كلام في عبارة لا طائل في الإكثار منه». وهذا خطأ ظاهر.

    الخلاصة:

    العرب لا تنظر في الدليل والتسمية إلى التفاوت في الإفادة والدلالة، ولا تفرّق بين الدلالة وبين الأمارة، فالدليل عندها هو المرشد والإرشاد يكون بقويٍّ كما يكون بأقوى، ومع كلّ هذا فالكلّ يقين كما قال العلامة ابن عبد البر رحمه الله في بحث السرقة: «والأصل عندي في هذا، وما كان مثله، ألّا يُراق دم السارق المسلم إلا بيقين، واليقين أصل أو قياس غير مدفوع على أصل؛ لأن الخطأ في العفو خير وأيسر من الخطأ في العقوبة»

    والظنّ يضادّ الشك وهو يضادّه قويّا كان أو ضعيفاً.

    قال الإمام أبو القاسم الرافعي رحمه الله في شرح الوجيز: «إن الفقهاء كثيراً ما يعبرون بلفظ المعرفة واليقين عن الاعتقاد القوي علما كان أو ظنا مؤكداً ويجري ذلك في لسان أهل العرف».

    المحور الثاني:

    الواجب علينا أن نعترف بتفاوت الأدلة في الدلالة، و بعبارة أخرى: تفاوت العلم أو اليقين تبعا لتفاوت الأدلة في أنفسها في الثبوت والدلالة وإلا أغلقنا باب التعارض والترجيح..

    والمقصود: أن اليقين قابل للاشتداد والضعف، فإن اليقين المستفاد من النظر ليس في قوة البديهيات والمحسوسات، وكذلك البديهيات بعضها أجلى من بعض فضلا عن النظريات.

    ولعلّ هذا تقريب للمسألة التي طرحتها بارك الله فيك.

  4. #4

    افتراضي

    شكر الله لكم أخانا الفاضل المأربي
    " النزاع يرجع إلى مفهوم الدليل"
    بل يرجع إلى مراتب الإدراك عند المناطقة والمتكلمين ومن تابعهم من الأصوليين في مقدماتهم ، وقد قام على تأصيلهم الفاسد هذا عدة بحوث منها ما ذكرت ومنها بحث التفريق بين المتواتر والآحاد وبحث ظنية الأدلة اللفظية وبحث التقليد في العقيدة وصحة إيمان العوام وبعض القواعد الفقهية كالاحتمال يضعف حجية الاستدلال وقريبا منها إزالة اليقين بالشك ...
    فهذه البحوث وأمثالها يلزم من أقر بتأصيلهم وتفريقهم بين العلم والظن أن يقول بها أو يتناقض، ومن ذكرتهم من أئمة وقد بحث المسألة لعروسي في الأصول المشتركة فلم يردوا جميعا على أصل التأصيل وأنه تفريق باطل وبدعة ولاحتى ابن القيم أيضا في الصواعق المرسلة تبعا لشيخ الإسلام لا في مبحث الظن واليقين ولا في بحث رد أخبار الآحاد ولا في إعلام الموقعين في رده على الأحناف ولم ألحظ من أطلق القول ببدعية هذا التأصيل في مراتب العلم مع أنه أصل الإشكال وإنما رده كل متخصص في مضماره فيما دخله من بحث, فرده ابن حزم ومن تابعه في عدم إفادة الأخبار اليقين ومنه مانقلت عن ابن عبد البر في العمليات وفي الأصول في التفريق بين الأمارة والدليل من ذكرتهم كصاحب قواطع الأدلة.. وبقي التأصيل على ما أحسب سالما من التضعيف والتحذير وإلا لما اعتمده مثل ابن عثيمين في كتاب عقدي كشرح الأصول الثلاثة و في كتابه الأصولي الأصول من علم الأصول، فضلا عن أهل السنة قبله وبعده رحمهم الله
    ==================
    "الواجب علينا أن نعترف بتفاوت الأدلة في الدلالة، و بعبارة أخرى: تفاوت العلم أو اليقين تبعا لتفاوت الأدلة في أنفسها في الثبوت والدلالة وإلا أغلقنا باب التعارض والترجيح.. "

    ليست المسألة في قضية تفاوت الأدلة فذلك مبحثه دلالات الألفاظ وهو مستمد من علم اللغة كما نبه له الشوكاني وغيره بخلاف مبحث المستفاد من الدلالات الذي هو مبحث كلامي يرد بذلك على ما قرره الوحي العظيم
    وإذا كانت الأصول قد غزاها المتكلمون من أمد بعيد ونحن نعيش صحوة أصولية فلأن كان الاصطلاح ذاك بمعانيه يحتاج إليه في التعارض والترجيح فيجب علينا أن ننشئ اصطلاحات معانيها سالمة من رجس التأصيل الكلامي
    فعندنا محلان
    الاول احتمال النقيض وذاك هو الاعتقاد الذي يخالجه ريب فالريب يبدأ من احتمال النقيض
    الثاني القطع بنفي النقيض بلا دليل نظري وهذا يقين عند اهل السنة ظن عند المتكلمين
    فعدم القطع بنفي النقيض أو القطع بلا دليل كلاهما يخرج من العلم واليقين في ذلك التأصيل
    ويسمى ظنا
    وأما أهل السنة فيفرقون بين احتمال النقيض والقطع بنفيه بلا دليل نظري
    وهذا يحتاج لأسماء وتقاسيم جديدة وبحث حول ما يتصل بكل قسم منها
    فالقطع قطعان : القطع الأولي و القطع التام
    وأما احتمال النقيض فهو من أقسام الشك ولو يسمى ريبا كما سماه القرءان لكان أوفق
    وليس هناك ريب في أدلة الكتاب والسنة ولا في أكثر الآخذين بها من المسلمين في الأصول والفروع
    والقطع بنفي النقيض بلا دليل أو بدليل ظاهر يأخذ معنى عدم القطع التام بصوابك ويجعل القطع أوليا
    والقطع التام ينتفي معه القطع الأولي
    فالقطع واليقين والعلم نوعان أولي وهو ما بني على أدلة ظاهرة وتام وهو ما بني على أدلة قاهرة ويستفاد ذلك من نفس الدليل بالنصية أو من التواتر والتكاثر
    وأمثالها مما يؤدي المقصود حتى يكون تأصيلنا يتفق مع تفريعنا وإلا يلزمنا بتسليم احتمال النقيض وأنه علم إدخال كل زنديق ومنافق في اسم الإيمان وهذا فاسد بمكان وهناك مفاسد اخرى كالتسليم في تلك البحوث للمتكلمين القائلين بها
    والله أعلم



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2015
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    154

    افتراضي

    سلمت يمينك يا مأربي ...ولينظر الأخ الجزائري في كتاب أستاذنا محمد العروسي : المسائل المشتركة بين أصول الفقه و اصول الدين للفائدة...

  6. #6

    افتراضي

    بارك الله فيك وسلمت يداك من سوء الدارين

  7. #7

    افتراضي

    أخي الفاضل أبو محمد الجزائري
    لا أحبّ منازعة من أرجو الاستفادة منه لذلك لا أولي كبير اهتمام رجوع الخلاف إلى مفهوم الدليل أو إلى ما ذكرتَه بل انتقل إلى بيان ما هو أهمّ وأشير إلى إشكال كبير حمل القوم على ردّ الظني وعدم قبوله في العلميات وبعض المسائل الأخرى.
    1- مأخذ ردّ الظنيات في الأصول
    - لا ريب أن هؤلاء ينظرون في القطعية والظنية من جهة الثبوت ومن جهة الدلالة على المطلوب، فإذا احتمل النقيض فيهما أو في أحدهما فهو ظني وانتخابهم لقب الظن لتلك الأدلة خير من اختيار الريب والشك والتهمة لأنّ الشك ضدّ اليقين والريب الشك مع تهمة تمنع من الطمأنينة غالبا كالكذب والخيانة، والظن يطلق ويراد اليقين أو العلم والعكس أيضا ولا يطلق الريب على اليقين والعلم ولا الشك عليهما. ومن هذه الجهة انتخاب مصطلح الظنّ لتلك الأدلة خير من قرائبه في المعنى (الشكّ والريب والتهمة) لكن الخطأ في نفي العلم أو اليقين عنها.
    - ينبغي الكلام في السبب الذي منعهم من قبول الأدلة الظنية فيما يتعلّق بالله سبحانه وهو أصل الإشكال وكلّ الذين ردّوا على هؤلاء المتكلمين أو الأصوليين لم يجيبوا عن الإشكال وإليك بيان الإشكال:
    قالوا: أنّ كلّ دليلٍ لا يحتمل النقيض فهو معتمد في الأصول العلمية، وإن كان يحتمل النقيض، نظرنا، فإن كان النقيض جائزا على الله عقلا قُبِل الظنّ لأنّ المخطئ في نفس الأمر لا يجوّز على الله ما هو مستحيل عليه بل جوّز عليه ما هو جائز عقلاً وإن لم يقع شرعا.
    وسبب التفريق بين البابين:
    1- عظم خطر الأصول وعلوّ منصبها لتعلّقها بجهة الحقّ سبحانه، والفروع مصالح للعباد فخفّ أمرها ولهذا شرع في الأصول الإكراه بالقتل لتحقيقها والقتال وأخذ الذراري والأموال والجلاء عن الأوطان في تحصيل الإيمان ويعتد الإيمان إذا حصل منهم في حال الإكراه، والفروع مع الإكراه لا تعتبر.
    2- أن من اعتمد على ظنٍ معتبر في الفروع فأخطأ في نفس الأمر يجوّز على الله سبحانه ما هو جائز من التحليل والتحريم ونحو ذلك، ومن اعتمد على ظنٍ في الأصول فأخطأ في نفس الأمر فهو مجوِّز على الله ما هو مستحيل لا يمكن وقوعه عقلا ولا شرعا بل هو قدح لمقام الربوبية.
    قالوا: هذا هو السّرّ في كون أصول الدين لا يُقبَل فيها الظنّ، فإنّ الظان غير الحقّ في نفس الأمر يجوِّز على الله ما هو مستحيل بخلاف الظن في الفروع إذا جوّز خلاف الحكم المظنون فإنه جائز على الله تعالى وهو فرق عظيم بين البابين.
    الخلاصة: أن المخطئ في الفروع إذا حكم بغير حكم الله المقرّر في نفس الأمر فقد أضاف إلى الله تعالى ما هو جائز عليه فإن الله يجوز عليه أن يكون في شرعه التحريم بدلا من التحليل وبالضدّ.
    أما المخطئ في الأصول فيجوّز على الله ما هو مستحيل عليه وما هو قدح في الربوبية..
    ولا يلزم من نفي الحرج في الفروع عدمه في الأصول لانضباط مسائل الأصول وكثرة الفروع وتشعبها بل لا تعد ولا تحصى.
    ردّدت الكلام وكرّرته أكثر من اللازم ليفهم القارئ أصل الإشكال الحامل على ردّ الظنّ فيما يتعلق بالله من الصفات والأسماء.. وقبوله في الفروع..
    وإذا أبطلنا مأخذ التفريق بين الأصول وبين الفروع بعدم الانضباط ونحوه من القوادح..
    فلا شكّ أن ما ذكروه من الإشكال ظاهر في التفريق فكيف الجواب عنه؟

    2- الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين المشهور أنها من أبحاث الرازي..
    وقد ردّ عليه الأئمة الأشعرية فضلا عن غيرهم من الطوائف..
    انظر إن شئت مثلا (الإسعاد في شرح الإرشاد لابن بزيزة التونسي (ص93) ذكر أنها مغلطة من بعض المتأخرين وقال:(زعم بعض المتأخرين أن الأدلة السمعية كلها لا تفيد اليقين لأنها مبنية على نقل اللغات وانتفاء الاشتراك وانتفاء الناسخ وعدم المعارض العقلي وغير ذلك مما يجوز العقل وجوده. وهو باطل باتفاق الأصوليين لأنهم أجمعوا على أن دلائل النص الثابتة من القرآن والسنة المتواترة قطعية يقينية يكفّر جاحدها. والتجويزات العقلية لا ترفع مثل هذا اليقين، ولو فتحنا باب التجويز العقلي لانسلبت العلوم الضرورية في النفس. فهذا خطأ بيّن المغلطة).
    وردّ الإمام القرافي أيضا على مقولة الرازي: (إن الاستدلال بالأدلة اللفظية مبني على مقدمات ظنية والمبني على المقدمات الظنية لا يفيد إلا الظن) قال القرافي: (قلنا: على هذه العبارة مناقشة فإن الموقوف على المقدمات الظنية قد يكون قطعيا بل الموقوف على الشك قد يكون قطعيا فضلا عن الظنّ...) ثم أفاض في ذلك (شرح المحصول: 3/1117-1132).

    3- الخلاف بين الأثرية و المتكلمين في تصنيف المسائل وتقسيم الدلائل
    أخشى أن يكون الخلاف بين الأثرية وبين المتكلمين في تقسيم المسائل وتصنيف الدلائل أكثره خلافا في اصطلاحات وعبارات، لأن الأثرية تصنّف المسائل الشرعية حسب الدلائل فهناك مسائل لا يعذر فيها بالجهل إلا بتفصيل، ودلائل لا يعذر من خالفها من المجتهدين وينقض من أجلها قضاء القاضي.. ومسائل يقال لمن أخطأ فيها كفرتَ، وأخرى يقال فيها: أخطأتَ.
    وأولئك صنّفوها حسب الموضوع (علمية وعملية) أو بحسب المأخذ (عقليات وشرعيات) ولهم تفصيل في الإعذار والتخطئة والتضليل والتكفير والتبديع مشابه لمسالك الأثرية في الكلّ..
    المقصود: أن الفريقين يتفقان في تصنيف الدلائل وتقسيم المسائل بحسب ما يرى كلّ منهما فارقاً وليس منهم من يجري المسائل والدلائل مجرى واحداً بالنسبة لمخالفها ولا بالنسبة للتعارض والترجيح.
    أرجو أن لا يؤول كلامنا إلى أن هذه الدلالة أو هذا الاعتقاد يقينية أو قطعية أو لا تسمّى بذلك، مع العلم بأنهما أدنى رتبة من غيرهما، وأن لهذا التأخر أثراً في دين الناس ودنياهم!
    4- شيخ الإسلام وأمثاله كابن عبد البر والسمعاني..
    بيّنوا في كتبهم أن تصنيف المسائل بحسب الموضوع أو المأخذ أصل بدعي اعتزالي وأطال الكلام في ذلك في مواضع من كتبه أغلبها في مجموع الفتاوى ودرء التعارض، وقرّر أن التصنيف الصحيح هو تقسيمها بحسب الدلائل الشرعية.
    وكذلك قرر أن تصنيف الدلائل إلى ما لا يقبل في كذا، وما يقبل في كذا أصل بدعي باطل وأطال الكلام في ذلك كما في جواب الاعتراضات المصرية على الفتاوى الحموية..
    وقال الإمام ابن عبد البر (463هـ)رحمه الله في بحث خبر الواحد: «وكلّهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة، ولهم في الأحكام ما ذكرنا».
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) رحمه الله في الأخبار:
    «أصول الأئمة وجميع السلف على أنّ الأخبار الصحيحة مقبولة في جميع أبواب العلم الخبرية والعلمية الأصول والفروع، لم يكن في السلف ولا في الأئمة من يردّ الخبر في باب من أبواب العلم بأنه خبرٌ واحد، ولم ينشأ ذلك إلا من أهل البدع...ولم يكن في أئمة المسلمين من يقول: هذا خبر واحد في المسائل العلمية فلا يقبل، أو هذا خبر واحد مخالف للعقل فلا يقبل، ومن قال شيئا من هذا عدّوه من أهل البدع»
    وقال أيضا (728هـ) رحمه الله:
    «هذا مما اتفق عليه سلف الأمة وأئمة الإسلام أنّ الخبر الصحيح مقبول مصدّق به في جميع أبواب العلم، لا يفرّق بين المسائل العلمية والخبرية، ولا يردّ الخبر في باب من الأبواب سواء كانت أصولا أو فروعا بكونه خبر واحد، فإن هذا من محدثات أهل البدع المخالفة للسنة والجماعة».
    وقال (728هـ) رحمه الله:«وكان هو (الإمام أحمد) وغيره من الأئمة يجعلون من أكابر أهل البدع مَنْ يردّ الأخبار الصحاح في الأمور الخبرية أو العلمية في أصول أو فروع».
    وقال أيضا (728هـ) رحمه الله: «ولهذا كان هؤلاء الأئمة الذين اشتهروا بالإمامة في الحديث - مثل الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم من أئمة الآثار طريقتُهم أنهم لا يردّون شيئا من الحديث الصحيح، لا في المسائل الخبرية ولا الشرعية، لا في الأصول ولا في الفروع، لا يردّونه لمخالفة ما يُظنّ في قياس أو معقول أو مجرّد ظاهر من القرآن».
    وكلام السمعاني في هذا نقله أبو القاسم التميمي في الحجة في بيان المحجة فيراجع منه.

    5-لا يتحقق خلاف معتبر في صحة إيمان المقلد.
    اختلف في مفهوم المقلّد في الإيمان، فإن وقع مقلّد في الإيمان مختلف فيه خلافا معتبراً فلينظر فيه..
    وإلا فالمعلوم أن من المقلّدين المنتسبين من أجمع الناس على كفره وعدم صحة إيمانه كمن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله حسب ما يقول الناس ولا يدري معنى الإله ولا معنى الرسول ولا ما أثبت منها ولا ما نفي، وربما توهّم أن الرسول نظير الإله.
    وإنما النزاع المحكى فيمن عرف مدلول الشهادتين وجزم بما تضمنته من عقائد التوحيد من غير تردد، إلا أن موجب جزمه بذلك التقليد ومجرد النشأة بين قوم مؤمنين من غير أن يعرف برهانا على ذلك أصلا.
    والمتكلمون من الأشعرية والماتريدية لا يخالفون الأثرية والفقهاء في صحة إيمان هذا المقلد وعوام المسلمين، وإنما نزاع الجماعة مع المعتزلة أو بعضهم.
    قال أبو البركات النسفي (710هـ)رحمه الله:
    «...ثم هذه المسألة في حق من نشأ في قطر من الأقطار، أو شاهق جبل من الجبال، لم تبلغه الدعوة، فرآه مسلم ودعاه إلى الدين، وبيّن له ما يفترض اعتقاده، وأخبره أن رسولا لنا بلّغ هذا الدين عن الله تعالى، ودعانا إليه وقد ظهرت على يده المعجزات، فصدّقه هذا الإنسان في جميع ذلك، واعتقد الدين من غير تأمّلٍ وتفكّرٍ.
    فأما من نشأ فيما بين المسلمين من أهل القرى والأمصار من ذوي النهى والأبصار، فلا يخلو عن ضرب استدلالٍ، وإن كان لا يهتدي إلى العبارة عن دليله، ولا يقدر عن دفع الشبهة المعترضة عليه؛ ولهذا لو عاين رعدا هائلا، أو هبوب ريح عاصفة، أو ظلمة شديدة يسبّح الله تعالى، ويصفه بكمال القدرة ونفاذ المشيئة، وبأنه هو الذي خلق السموات بغير عمد ممدودة، وأطناب مشدودة، وجعل فيها الأفلاك الدائرة، والنجوم السائرة، وخلق الأرض، وجعل فيها الجبال الراسية، وشقّ فيها الأنهار الجارية.
    وعلى هذا جميعُ أهل الأسواق، والقرى، والرجال، والنساء، والعقلاء من الصبيان. فلم يكن فيهم خلاف بيننا وبين الأشعري، وإنما الخلاف فيهم بيننا وبين المعتزلة».
    وقال أبو الثناء محمود بن زيد اللامشي (من علماء القرن السادس):
    «المقلِّد من جعل الدين الذي دعي إليه قلادةً في عنق الداعي له إليه.
    وصورته: هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا كافرا في زمنه إلى دين الإسلام، وبيّن له ما يجب عليه اعتقاده، فقبل ذلك منه، لكن لم يعتقده على الثبات، أو مسلم دعا كافرا في زماننا إلى دين الإسلام وبيّن له جميع ما يجب عليه اعتقاده من وحدانية الله تعالى وحدث العالم وقدم الصانع والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى وأخبره أن رسولنا عليه السلام بلّغ إلينا هذا الدين عن الله تعالى وهو صادق في دعوى الرسالة لأنه ظهرت على يده المعجزات الناقضات للعادات. فقبل هذا الرجل ذلك منه لكن لم يعتقده وجعل ذلك قلادة في عنق هذا الداعي إليه على معنى أنه إن كان حقا فحق على الثبات وإن كان باطلا فوباله عليه.
    فهذا المقلد ليس بمؤمن بلا خلاف؛ لأنه لم يعتقد ما يجب عليه اعتقاده، ولم يصدّق في ما جاء به من عند الله تعالى، بل هو شاكٌّ في ذلك، والإيمان مع الشك لا يصحّ»
    وقال نور الدين الصابوني (580هـ) الحنفي رحمه الله:
    «وهذا الخلاف فيمن نشأ على شاهق جبل، ولم يتفكّر في العالم، ولا في الصانع أصلا؛ فأخبر ذلك وصدّقه.
    فأما من نشأ في بلاد المسلمين وسبّح الله تعالى عند رؤية صنائعه فهو خارج عن حدّ التقليد».
    وقال العلامة مسعود بن عمر التفتازاني (793هـ)رحمه الله:
    «ليس الخلاف في هؤلاء الذين نشأوا في ديار الإسلام من الأمصار والقرى والصحارى، وتواتر عندهم حال النبي عليه السلام وما أوتي به من المعجزات، ولا في الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار؛ فإنهم كلهم من أهل النظر والاستدلال، بل فيمن نشأ على شاهق جبل مثلا، ولم يتفكّر في ملكوت السموات والأرض، فأخبره إنسان بما يفترض عليه اعتقاده فصدّقه فيما أخبره بمجرد إخباره من غير تفكّر وتدبّر.
    وأما ما يحكى عن المعتزلة من لا بد في صحة الإسلام من النظر والاستدلال والاقتدار على تقرير الحجج ودفع الشبهة، فبطلانه يكاد يلحق بالضروريات من دين الإسلام»..
    والله الموفّق.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •