هل ورد ما يدل على ضياع اسطنبول من أيدي المسلمين
السؤال:
هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن تركيا ستضيع من المسلمين ، وسيعاد استردادها في آخر الزمان ؟
الجواب :
الحمد لله


يمكن تقسيم الأحاديث الواردة في فتح " القسطنطينية " - وهي مدينة " إسطنبول " اليوم – إلى ثلاثة أقسام :


القسم الأول : الأحاديث الصحيحة


الحديث الأول :


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا ، قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ . فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا ، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا . فَيُقَاتِلُونَه ُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا ، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيّ َةَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ ، يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ ، إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ ) رواه مسلم في " صحيحه " (2897) من طريق سليمان بن بلال ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .


الحديث الثاني :


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا ، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ ، قَالُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا الَّذِي فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ . فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ . ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ . فَيُفَرَّجُ لَهُمْ ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ ، فَقَالَ : إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ ) رواه مسلم في " صحيحه " (2920) .


الحديث الثالث (موقوف):


عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ وَهُوَ بِالْفُسْطَاطِ [الخيمة] فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَغْزَى النَّاسَ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةَ . فَقَالَ : ( وَاللهِ لَا تَعْجِزُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ [من أيام الله] إِذَا رَأَيْتَ الشَّامَ مَائِدَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فَتْحُ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةِ ) [مائدة رجل واحد] أي : من المسلمين ، وذلك بأن يكون أميراً فيه ، والمراد إذا كان أمير الشام من المسلمين .


ورد هذا الحديث من طريق معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير به .


وقد اختلف الرواة عن معاوية بن صالح على وجهين :


الوجه الأول : الوقف من كلام معاوية بن أبي سفيان : رواه الليث ، كما عند أحمد في " المسند " (29/269) قال : حدثنا هاشم ، قال : حدثنا ليث ، عن معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير به .


الوجه الثاني : الرفع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم : رواه كل من : (عبدالله بن وهب (مختصرة)، وعبد الله بن صالح) كلاهما عن معاوية بن صالح . أخرجه أبو داود (4349) ، والطبري في "تاريخه" (1/16) ، والطبراني في "الكبير" (22/572 - 576) ، وفي "الشاميين" (2029) ، والحاكم (4/424) .


والصواب هو الوقف وليس الرفع ، كما قال ابن حجر في " فتح الباري " (11/351) : رواته ثقات ، ولكن رجّح البخاري وقفه .





القسم الثاني : أحاديث ضعيفة ضعفا يسيرا


الحديث الأول :


عن أبي قَبِيلٍ ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي ، وَسُئِلَ : أَيُّ الْمَدِينَتَيْن ِ تُفْتَحُ أَوَّلًا : الْقُسْطَنْطِين ِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟ فَدَعَا عَبْدُ اللهِ بِصُنْدُوقٍ لَهُ حَلَقٌ ، قَالَ : فَأَخْرَجَ مِنْهُ كِتَابًا ، قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ : بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكْتُبُ ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْمَدِينَتَيْن ِ تُفْتَحُ أَوَّلًا : قُسْطَنْطِينِيّ َةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا ) ، يَعْنِي : قُسْطَنْطِينِيّ َةَ " .


رواه أحمد في " المسند " (11/225) ، والحاكم في " المستدرك " (4/555) ، وابن عبد الحكم في " فتوح مصر " (ص256-257) ، جميعهم من طريق يحيى بن أيوب ، قال حدثني أبو قبيل .





قلنا : وهذا إسناد ضعيف ، فيه علتان :


العلة الأولى :


يحيى بن أيوب ، وهو الغافقي أبو العباس المصري . قال فيه أحمد بن حنبل : سيء الحفظ . وقال مرة : يخطئ خطأ كثيرا ، وأنكر بعض أحاديثه . وقال أبو حاتم : محله الصدق ، يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال ابن سعد : منكر الحديث . وقال الدارقطني : في بعض حديثه اضطراب ، وذكر من مناكيره . وقال الإسماعيلي : لا يحتج به . وقال أحمد بن صالح : ربما خل في حفظه . وقال أيضا : له أشياء يخالف فيها . وقال الساجي : صدوق يهم . وقال الحاكم أبو أحمد : إذا حدّث من حفظه يخطئ ، وما حدث من كتاب فليس به بأس . وقال ابن عدي : لا أرى في حديثه إذا روى عن ثقة حديثا منكرا ، وهو عندي صدوق لا بأس به .


نعم وثقه يحيى بن معين في رواية ، وقال النسائي في رواية : ليس به بأس . وقال أبو داود : صالح . وقال الترمذي عن البخاري : ثقة . وقال يعقوب بن سفيان : كان ثقة حافظا . وقال إبراهيم الحربي : ثقة . ينظر " تهذيب التهذيب " (11/187) .


ولكن الجرح مقدم هنا على التوثيق ، لأنه جرح مفسر بوجود الاضطراب والمناكير والإخلال بالحفظ ، أو يقال : إنه لا تعارض ، فالتوثيق محله الأحاديث التي ليست بالغرائب والمناكير ولم يثبت فيها اضطرابه وخطؤه .


لذلك قال الذهبي - رحمه الله - : " له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح ، وينقون حديثه ، وهو حسن الحديث " انتهى من " سير أعلام النبلاء " (8/6) .


العلة الثانية :


أبو قبيل -اسمه حيي بن هانئ المعافري- وثقه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين وأبو زرعة والعجلي وغيرهم – ولكن قال أبو حاتم : صالح الحديث .


وذكره ابنُ حبان في " الثقات " ، وقال : كان يخطئ . وقال أيضا : " كان يهم في الأحايين " انتهى من "مشاهير علماء الأمصار" (194) .


وذكره الساجي في كتابه " الضعفاء " ، وحكى عن ابن معين أنه ضعفه . وقال يعقوب بن شيبة : كان له علم بالملاحم والفتن . ينظر " تهذيب التهذيب " (3/72).


وقال الحافظ ابن حجر : " ضعيف ؛ لأنه كان يكثر النقل عن الكتب القديمة " ينظر " تعجيل المنفعة " (ص277) .





فالخلاصة أن الحديث لا يقبل بمثل هذا الإسناد الضعيف ، خاصة مع ما في متنه من الغرابة والتفرد ، حيث أخبر فيه بفتح " رومية " ، وهي مدينة " روما "، عاصمة إيطاليا . ولم نقف على ذلك في شيء من الأحاديث الصحيحة الأخرى .





الحديث الثاني :


ما روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةُ ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا ، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ) .





مدار هذا الحديث على زيد بن الحباب ، قال : حدثني الوليد بن المغيرة المعافري .


ثم اختلف الرواة في تسمية شيخ الوليد في هذا الإسناد :


فقيل : عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه ، كما في "مسند أحمد" (31/287) .


وقيل : عبد الله بن بشر الغنوي عن أبيه ، كما في " المعجم الكبير " للطبراني (2/38)، وصحح هذا الوجه ابن منده في " معرفة الصحابة " (ص229) .


وقيل : ( عبيد بن بشر الغنوي عن أبيه ) كما في " التاريخ الكبير " للبخاري (2/81).


وقيل : ( عبيد الله بن بشر الغنوي عن أبيه ) .


وقيل ( أبو بشر الغنوي عن أبيه ).





قلنا : وفي جميع الأحوال ، فهو إسناد ضعيف بسبب جهالة الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم وابنه . وقد بحثنا في كتب الرجال والرواة ، فوجدنا الأغلب يترجمون لعبيد بن بشر الغنوي ، كما فعل البخاري في " التاريخ الكبير " (5/443) ، ومسلم في " الكنى والأسماء " (1/609) ، وابن حبان في " الثقات " (5/135) ، ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا .


ويترجمون لوالده ( بشر الغنوي ) كما عند البخاري في " التاريخ الكبير " (2/81) ، وابن أبي خيثمة في " التاريخ الكبير " (1/92) ، وابن حبان في " الثقات " (3/31) ، ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا أيضا . وترجم له ابن عبد البر في " الاستيعاب " (1/170) ، وقال : " إسناده حسن لم يرو عنه غير ابنه عبيد الله بن بشر " .


لذلك قال علي بن المديني رحمه الله :


" راويه مجهول " انتهى من " تاريخ الإسلام " (6/ 146) .





يقول الخطيب البغدادي :


" تفرد زيد بن الحباب برواية هذا الحديث عنه [يعني الوليد بن المغيرة المصري] ، وذكر أبو سعيد بن يونس أن هذا الحديث ليس عند المصريين عنه " انتهى من " تلخيص المتشابه " (1/183) .





الحديث الثالث :


عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيّ َةَ ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ) ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ ، - أَوْ مَنْكِبِهِ - ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا . أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ ) . يَعْنِي : مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ .





مدار هذا الحديث على عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن أبيه عن مكحول .


قلنا : وهذا إسناد فيه ضعف - أيضا - بسبب عبد الرحمن بن ثابت . قال أحمد بن حنبل : أحاديثه مناكير . وقال مرة : لم يكن بالقوى في الحديث . وضعفه يحيى بن معين، والنسائي .


وقال صالح بن محمد البغدادي : أنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه ، عن مكحول . مسندة ، و حديث الشامى لا يضم إلى غيره ، معرف خطؤه من صوابه .


وقال أبو أحمد بن عدي : له أحاديث صالحة ، ويبلغ أحاديث صالحة ، وكان رجلا صالحا ، ويكتب حديثه على ضعفه ، وأبوه ثقة .


وهذا النقد – في نظرنا – أدق من التوثيق العام الذي ورد عن علي بن المديني ، والعجلي ، وأبي زرعة أنهم قالوا : ليس به بأس . وقال أبو حاتم : ثقة . وقال أبو داود : ليس به بأس . ينظر " تهذيب التهذيب " (6/151) .





ومن أدلة ضعف الحديث أنه ورد على وجهين ، وأن الرواة عن عبد الرحمن بن ثابت يختلفون فيه :


فبعضهم يقول : ابن ثوبان ، عن أبيه ، أنه سمع مكحولا ، يحدث عن جبير بن نفير ، عن مالك بن يخامر ، عن معاذ بن جبل . كما في " مسند ابن الجعد " (1/489) ، " مصنف ابن أبي شيبة " (7/490) ، " مسند أحمد " (36/432) ، " سنن أبي داود " (4294) ، " شرح مشكل الآثار " (1/450) ، " المعجم الكبير " للطبراني (20/108) .


وآخرون يروونه بالوجه السابق ، لكن بإسقاط جبير بن نفير . ذكره الدارقطني في " العلل " (6/53) .


وآخرون يقولون : حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان ، حدثني أبي ، عن مكحول ، عن معاذ بن جبل . " مسند أحمد " (36/352) .


وثمة وجه مغاير يرويه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7/ 458) قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مكحول ، أن معاذ بن جبل قال .


ووجه خامس في " المستدرك على الصحيحين " للحاكم (4/ 467) من طريق الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مكحول ، عن عبد الله بن محيريز ، أن معاذ بن جبل ، كان يقول – وذكر الحديث - قال الحاكم : هذا الحديث - وإن كان موقوفا - فإن إسناده صحيح على شرط الرجال ، وهو اللائق بالمسند الذي تقدمه ".


وفي نظرنا أن كل هذه الأوجه دليل على وقوع الاضطراب في رواية الحديث ، والسبب المباشر خطأ الرواة وسهوهم في الأداء .





الحديث الرابع :


عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةِ ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ ) .


رواه أحمد (36/371) ، وأبوداود (4295) ، والترمذي (2238) ، وابن ماجه (4092) ، جميعهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، عن الوليد بن سفيان بن أبي مريم الغساني ، عن يزيد بن قطيب السكوني ، عن أبي بحرية ، عن معاذ بن جبل .


ضعفه الترمذي بقوله : حديث غريب . وقال محققو المسند : " إسناده ضعيف لضعف أبي بكر - وهو ابن عبد الله بن أبي مريم-، والوليد بن سفيان بن أبي مريم ، ولجهالة حال يزيد بن قطيب ". وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .





القسم الثالث : أحاديث موضوعة أو شديدة الضعف


نذكر منها حديثا واحدا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّكُمْ سَتُقَاتِلُونَ بَنِي الْأَصْفَرِ ، وَيُقَاتِلُهُمُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِكُمْ ، حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ رُوقَةُ الْإِسْلَامِ ، أَهْلُ الْحِجَازِ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ ، فَيَفْتَتِحُونَ الْقُسْطَنْطِين ِيَّةَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ ، فَيُصِيبُونَ غَنَائِمَ لَمْ يُصِيبُوا مِثْلَهَا ، حَتَّى يَقْتَسِمُوا بِالْأَتْرِسَةِ ، وَيَأْتِي آتٍ فَيَقُولُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَرَجَ فِي بِلَادِكُمْ . أَلَا وَهِيَ كِذْبَةٌ ، فَالْآخِذُ نَادِمٌ ، وَالتَّارِكُ نَادِمٌ )


رواه ابن ماجه في " السنن " (4094) ، وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة " (4790) : موضوع .


والخلاصة :


أن الأحاديث الصحيحة الواردة في فتح " القسطنطينية " تتحدث عن فتح يقع في آخر الزمان ، فيعقبه فورا ظهور المسيح الدجال . بل ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( فتح القسطنطينية مع قيام الساعة ) رواه الترمذي في " السنن " (2239) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .


وكلمة ( الفتح ) لا تعني احتلالا كاملا من قبل الكافرين ، بل تحتمل ثلاثة معان :


الأول : دخول الإسلام إلى تلك البلاد بالقوة بعد أن يمتنع القائمون عليها من قبول حرية الدعوة الإسلامية .


الثاني : التخلص من حكم غير المسلمين وإن كان الأهل من المسلمين .


الثالث : التخلص من حكم المسلمين المتجبرين المتسلطين الذين يذلون العباد ويتحكمون في البلاد .


الرابع : إدخال المدينة في نظام الدولة الجديدة والنظام الجديد الذي سيتحكم به القائمون على المعارك يومئذ ، ولا يعني ذلك أن الدولة غير إسلامية ، بل قد تكون إسلامية ولكنها متمردة على النظام الإسلامي العام الجديد .


ولما وجدت جميع هذه الاحتمالات في معنى كلمة ( فتح القسطنطينية ) فإننا ندعو السائل إلى التوقف عن الجزم في شيء من هذه الأحوال ، فلا يتوثق من ضياع إسطنبول في أيدي غير المسلمين ، كي لا يخطئ الناس في نسبة علم الغيب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون سوء الفهم والتقدير سببا في الضياع والفساد .


والله أعلم .
http://islamqa.info/ar/203078