سُورَةُ الْقَصَصِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ{طسم}[القصص: 1] قَدْ بَيَّنَّا قبل فِيمَا مَضَى تأويلَه.
{طسم}[القصص: 1]
{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}[القصص: 2]{تِلْكَ} هَذِهِ..
{آيَاتُ الْكِتَابِ} الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ..
{الْمُبِينِ}[القصص: 2] أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّكَ لَمْ تَتَقَوَّلْهُ وَلَمْ تَتَخَرَّصْهُ.. قَالَ قَتَادَةُ: : مُبِينٌ وَاللَّهِ بَرَكَتُهُ وَرُشْدُهُ وَهُدَاهُ.
{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص: 3]{نَتْلُوا عَلَيْكَ} نَقْرَأُ عَلَيْكَ وَنَقُصُّ فِي هَذَا الْقُرْآنِ..
{مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} مِنْ خَبَرِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ..
{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[القصص: 3] لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْكِتَابِ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَئِهِمْ فِيهِ نَبَؤُهُمْ، وَتَطْمَئِنَّ نُفُوسُهُمْ، بِأَنَّ سُنَّتَنَا فِيمَنْ خَالَفَكَ وَعَادَاكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُنَّتُنَا فِيمَنْ عَادَى مُوسَى وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، أَنْ نُهْلِكَهُمْ كَمَا أَهْلَكْنَاهُمْ ، وَنُنْجِيَهُمْ مِنْهُمْ كَمَا أَنْجَيْنَاهُمْ .
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ، يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 4]{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} إِنَّ فِرْعَوْنَ تَجَبَّرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَتَكَبَّرَ، وَعَلَا أَهْلَهَا وَقَهَرَهُمْ، حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ بِالْعُبُودَةِ..
{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} وَجَعَلَ أَهْلَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرَقًا مُتَفَرَّقِينَ..
{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} يستعَبْدُ طَائِفَةً مِنْهُمْ، وَيُذَبِّحُ طَائِفَةً، وَيَقْتُلُ طَائِفَةً، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً..
{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص: 4] إِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ بِقَتْلِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُ الْقَتْلُ، وَاسْتِعْبَادِه ِ مَنْ لَيْسَ لَهُ اسْتِعْبَادُهُ، وَتَجَبُّرِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَهْلِهَا، وَتَكَبُّرِهِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5]{وَنُرِيدُ} إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرَقًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَنَحْنُ نُرِيدُ..
{أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتَضْعَفَهُمْ فِرْعَوْنُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ..
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} وُلَاةً وَمُلُوكًا..
{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص: 5] وَنَجْعَلَهُمْ وَرَّاثَ آلِ فِرْعَوْنَ، يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَلَدِ مَهْلِكِهِمْ.
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص: 6]{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} وَنُوَطِّئُ لَهُمْ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ..
{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} كَانُوا قَدْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجَلٍ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، فَأَرَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا.. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَيَرَى فِرْعَوْنُ) عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِفِرْعَوْنَ، بِمَعْنَى: وَيُعَايِنُ فِرْعَوْنُ، بِالْيَاءِ مِنْ يَرَى، وَرَفْعِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَالْجُنُودِ.. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَ ا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ لِيَرَى مِنْ مُوسَى مَا رَأَى، إِلَّا بِأَنْ يُرِيَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا رَآهُ..
{مِنْهُمْ} مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ نَبِيِّهِ..
{مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص: 6] مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ هَلَاكِهِمْ وَخَرَابِ مَنَازِلِهِمْ وَدُورِهِمْ.