بسم الله الرحمن الرحيم
(شرح مقدمة الأصول الستة)

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-: " بسم الله الرحمن الرحيم من أعجب العجاب وأكبر الأيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ستة أصول بينها واضحاً للعوام فوق ما يظنُّ الظانون ثم بعد هذا غَلِطَ فيها أذكياءُ العالم وعقلاءُ بني آدم إلا أقلَّ القليلِ ".

الشرح: قوله: بسم الله الرحمن الرحيم. الباء: حرف جر. واسم: اسم مجرور متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام تقديره أبدأ.
ابتدى المؤلف-رحمه الله-مصنفة بالبسملة اقتداءً بكتاب الله وبسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-كما جاء في كتابه هِرَقْلَ عظيمِ الروم.
والمعنى: أي أبتدئي كتابي هذا متبركاً باسم الله مستعيناً بالله.
الله: لفظ الجلالة وهو بمعنى: مألوه أي معبود والأم للإستحقاق أي لا أحد يستحق العبادة إلا وحده لا شريك له. قال أهل اللغة: " لفظ الجلالة أعلم المعارف ".
الرحمن: ذو الرحمة الواسعة وهو اسم خاص بالله-عز وجل-لا يجوز صرفه لغيره.
الرحيم: ذو الرحمة الواصلة ويجوز صرفه لغيره.
فالرحمن صفة من صفات الله. والرحيم فعل مشتق من صفة الله لهذا قال تعالى: " وكان بالمؤمنين رحيماً ". ما قال وكان بالمؤمنين رحماناً.
قوله: من أعجب العجاب. العُجاب: الذي جاوز حدَّ العَجَب. والعَجَب: النظر إلى شيءٍ غير معتادٍ ولا مألوفٍ.
قوله: وأكبر الأيات الدالة على قدرة الملك الغلاب. الأيات: جمع أيه وهي العلامة وهي قسمان 1- أيات قرانية 2- أيات كونية.
قوله: ستة أصول. الأصل في اللغة: هو أساس الشيء. وفي الإصطلاح: هو ما يُبنى على غيره. وقيل: هو ماله فرع لأن الفرع ينشأ عن أصل.
قوله: بينها واضحاً للعوام. أي بينها بياناً واضحاً جلياً كافيا لا تحتاج إلى تبينٍ بعد ذلك فيستطيع كل أحد أن يفهمها من الناس حتى عوامهم.
العامي: هو الذي لا يدرك الأمور على حقيقتها ولا يميز بين الحقِّ والباطل خاصةً في أمور العلم.
قوله: فوق ما يظن الظانون: الظن: هو القول الراجع من النقيض ويستعمل في الشكِّ واليقين. والمعنى: أن الشيخ متعجب من وقوع أهل زمانه في هذا الخطأ والظاهر أن الشيخ كان يتعامل مع أهل جهل.
قوله: ثم بعد هذا غلط فيها أذكياء العالم وعقلاء بني آدم. أي بعد هذا البيان الكافي الشافي يخطئ في هذه الأصول الستة أذكياء العالم وعقلاء بني آدم.
الأذكياء: جمع ذكي وهو سرعة الفِطنة. العقلاء: جمع عاقل وهو نقيض الجهل.
وهناك فرق بين الذكاء والزكاء. الذكاء متعلق بالفهم والذكاء متعلق بالقلب.
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-: " أعطوا ذكاءً وما أعطوا زكاءً وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوماً وأعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم إذ كانوا يجحدون بأيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ".
قوله: إلا أقل القليل. أي لا أحد يفهم هذه الأصول الستة إلا قليل من الناس وكأنه يشير إلى قوله تعالى: " وقليل من عباديَ الشكورُ ".
فائدة: لم يأت لفظ الكثرة في القرآن ولا في النصوص الشرعية إلا مع أهل الباطل. قال سبحانه: " ولكن أكثر الناس لا يعلمون ". وقال: " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ".
فائدة: العقل الخالي من الشبه والشهوات يوافق الفطرة السليمة.
فائدة: ما سبب اقتصار الشيخ على هذه الأصول الستة؟
1- أنها واضحة وبينة في القرآن والسنة. 2- أن أهل زمانه اشتدوا في مخالفة هذه الأصول فشدَّ في وضوحوها. 3- أن الخلل فيها أو في بعضها سواءٌ كان الخلل كلياً أو جزئياً يكون الخلل في دين الناس.

" وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ".