لماذا يتقزز أو ينزعج البعض -وأنا من بينهم- من"خطاب" دورات وكتب التنمية الذاتية، وتحقيق النجاح، وكاتلوج الانضمام للناجحين، والوصول للحلم، وأطلق العملاق،…الخ؟

أقصد بـ"خطاب" هنا مجمل المقولات، والأفكار، والبنية النظرية الرئيسية لهذا الاتجاه. حسناً، لنحاول الإجابة.

.

1-منذ أكثر من عقد وفدت إلينا هذه الدورات، ثم شاعت تدريجيا، وشاع معها الكتب المترجمة في موضوعات النجاح، والثراء، والقوة، والتأثير، والسيطرة، وأكثرها كتب تافهة وتجارية، من النوع الذي يقابلك كثيرا في مكتبة جرير. بمرور الوقت ولّد هذا الزخم حالة من التشبّع المطلق بهذه المقولات التي تلاحقك في كل موقع، وصفحة، وحساب. مما يجعل الاستمرار في ترديد مقولات النجاح أشبه بتناول عشاء بائت.

2-عند تفكيك"خطاب النجاح"، نجد أنه:

أ. يعتمد مقولة النجاح كهدف مادي بالأساس (المال/المنصب/…)، ثم جاء بعض الناس وأضافوا أبعادا شرعية للنجاح. ومع ذلك لم يستطع الكثير نزع الجوهر المادي من الخطاب، فتجدهم مثلا يهتمون بصورة مبالغ فيها بالكم، والانجازات المحسوبة بالأرقام، مع الولع بـ(مكننة) تصرفات الإنسان، وتكريس الفردانية، وغير ذلك.

ب. أيضا يتعامل الكثير مع النجاح كآليات ذات صيغة حتمية، المقدمات فيها تؤدي للنتائج بالضرورة. تشبث بحلمك تحصل عليه، هكذا ببساطة.

ج. تمجيد الفشل بشكل مشبوه، بل تفضيله على النجاح أحيانا، مع ضخ مستميت لحفنة قصص لمن يسمونهم ناجحين، وهي عادة حكايات درامية مثيرة، عن عامل نظافة أصبح رئيس دولة، وعن خباز تحول إلى مليونير…الخ. وهي حكايات ذات طابع أسطوري في معظم الأحيان، ولا تعدو أن تكون -لو صدقت تفاصيلها- استثناءات في الحالة البشرية العادية.

د. الجهل أو التجاهل لطبيعة الحياة، وطبيعة الناس، وأحكام القدر النافذ. إنهم يكذبون حين يقولون لك أنك قادر على تحقيق حلمك إذا اتبعت ارشاداتهم. يكذبون حين يقولون أن النجاح هو نتيجة حتمية لورقة تتضمن أهداف، وخطة مكانيكية مغلقة. يتحول الإلهام حينها إلى ترويج للهراء المعلّب.

ج. يتضمن هذا الخطاب نسبة كبيرة من الكلام المعروف عند كل عاقل، والأفكار العادية، والمقولات المنمقة الفارغة. ويتحذلق البعض لإعطاء هذه الأفكار والمقولات صفة العبقرية.

٣- تهافت القيمة العلمية والثقافية لكثير من المدربين والمؤلفين، واعتمادهم شبه الكلي على القدرة المريعة على الثرثرة.

.

ثم إني لاأنكر أن البعض قد ينتفع من مثل هذه الدورات/الكتب، لا سيما في المراهقة، وأنها ستضيف له أفكارا مهمة. لاحقا يدرك البعض أن الحياة أكثر تعقيدا، وأن مصاعبها لا يمكن مواجهتها بتلك الحكايات التي يستمتع المدرّب/المؤلف بتزويقها.