الخامسة والثلاثون: (الغريق يتعلق بكل عود)
ومن المضحكات قول الجهني:
(أمّا بالنسبة للجواب: الخضوع الخاص لا يُعلم إلا من خلال تصريحه بأن يقول: أنّا اعتقد أنّ هذا المقبور يستحق العبادة، أو له شيء من خصائص الربوبية، أو يصرّح بأنّه يخضع له كما يخضع لله، وممّا يقوم مقام التصريح: أن يعلم أن هذا الفعل على هذا الوجه لا يستحقه إلا الله ثمّ يصرفه لغير الله).
كلّما حاول الخروج من ورطةٍ يزيد الطين بلّة والطنبور نغمةٍ، وبيانه في هذا المقطع من وجوه:
الأول: أنّ العبادة الخاصة التي لا يستحقها إلا الله عمل قلبي موجود اضطراراً، وعمل القلب فرع علم القلب، فإذا كانت القلوب تعلم أنّ هذه العبادة لا يستحقها إلا اللهضرورةً فكيف جاز أن يقول المشرك:اعتقد أن هذا المقبور يستحق العبادة؟وكيف علم ضرورة بأن العبادة لا يستحقها إلا الله ثمّ يصرفها إلى غير الله جهلاً؟
الثاني: إخبار المشرك عن نفسه يحتمل الصدق والكذب في الأصل، لكن هنا قام الدليل على كذبه، وهو كون الخبر مخالفا للضرورة العلمية فلا يُسمع ولا يصدّق لأن القاعدة:أنّ من ادّعى مستحيلاً لا يُسمع، ومن ادّعى ممكناً سُمِع، وطُولِبَ بالدليل.
وعلى فرض المستحيل فخبره هذا عن نفسه بحدّ ذاته يحتمل الكذب فلا يجوز التكفير والحكم بالشرك على عقيدة الجهني فكيف يكفّره ويحكم بشركه؟
طامّة أخرى حاول الفرار منها ثم وقع في أقبح منها!
الثالث: الحكم بأنّ هذا لا يُعلم إلا من خلال التصريح باللِّسان تحكّم ودعوى بلا برهان لأنّ المنع والتخصيص يحتاج إلى دليل المانعيّة والتخصيص فما هو الدليل؟ هل هي الضرورة البشرية؟
الرابع: خلاصة تقريرك أنّ الفرق بين عبّاد القبور وبين عباد الأصنام هو تصريح الأخير بأنّ معبوده يستحق العبادة بالتصريح كما قالوا:ﭐﱡﭐﱥﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱠ وعابد القبر يصرّح بأنّ المقبور يستحق الذبح له، والسجود، ويقبل النذر من الناذر، وينفع العابد ويضرّه، ويحبّه كحبّ الله أو أشدّ ويرجوه ويخافه...
لكنه لا يسمّي هذه الأعمال عبادة وألوهية للوليّ المقبور جهلا منه لحقيقة العبادة والإله.. فعاد الاختلاف بين الوثني والقبوري إلى خلاف في عبارة وتسمية لا غير.
نسيتُ أنك تعذر المشرك المعاصر بالجهل وهو عالم ضرورة، وتكفّر المشرك الأوّل وهو جاهل ضرورةً وإلا فلا يكون مشركاً على عقيدتك حقيقةً.