تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 69 من 69

الموضوع: شرك العبادة ...

  1. #61

    افتراضي

    الخامسة والثلاثون: (الغريق يتعلق بكل عود)


    ومن المضحكات قول الجهني:
    (أمّا بالنسبة للجواب: الخضوع الخاص لا يُعلم إلا من خلال تصريحه بأن يقول: أنّا اعتقد أنّ هذا المقبور يستحق العبادة، أو له شيء من خصائص الربوبية، أو يصرّح بأنّه يخضع له كما يخضع لله، وممّا يقوم مقام التصريح: أن يعلم أن هذا الفعل على هذا الوجه لا يستحقه إلا الله ثمّ يصرفه لغير الله).

    كلّما حاول الخروج من ورطةٍ يزيد الطين بلّة والطنبور نغمةٍ، وبيانه في هذا المقطع من وجوه:

    الأول: أنّ العبادة الخاصة التي لا يستحقها إلا الله عمل قلبي موجود اضطراراً، وعمل القلب فرع علم القلب، فإذا كانت القلوب تعلم أنّ هذه العبادة لا يستحقها إلا اللهضرورةً فكيف جاز أن يقول المشرك:اعتقد أن هذا المقبور يستحق العبادة؟وكيف علم ضرورة بأن العبادة لا يستحقها إلا الله ثمّ يصرفها إلى غير الله جهلاً؟

    الثاني: إخبار المشرك عن نفسه يحتمل الصدق والكذب في الأصل، لكن هنا قام الدليل على كذبه، وهو كون الخبر مخالفا للضرورة العلمية فلا يُسمع ولا يصدّق لأن القاعدة:أنّ من ادّعى مستحيلاً لا يُسمع، ومن ادّعى ممكناً سُمِع، وطُولِبَ بالدليل.

    وعلى فرض المستحيل فخبره هذا عن نفسه بحدّ ذاته يحتمل الكذب فلا يجوز التكفير والحكم بالشرك على عقيدة الجهني فكيف يكفّره ويحكم بشركه؟

    طامّة أخرى حاول الفرار منها ثم وقع في أقبح منها!

    الثالث: الحكم بأنّ هذا لا يُعلم إلا من خلال التصريح باللِّسان تحكّم ودعوى بلا برهان لأنّ المنع والتخصيص يحتاج إلى دليل المانعيّة والتخصيص فما هو الدليل؟ هل هي الضرورة البشرية؟

    الرابع: خلاصة تقريرك أنّ الفرق بين عبّاد القبور وبين عباد الأصنام هو تصريح الأخير بأنّ معبوده يستحق العبادة بالتصريح كما قالوا:ﱡﭐﱨﱩ وعابد القبر يصرّح بأنّ المقبور يستحق الذبح له، والسجود، ويقبل النذر من الناذر، وينفع العابد ويضرّه، ويحبّه كحبّ الله أو أشدّ ويرجوه ويخافه...
    لكنه لا يسمّي هذه الأعمال عبادة وألوهية للوليّ المقبور جهلا منه لحقيقة العبادة والإله.. فعاد الاختلاف بين الوثني والقبوري إلى خلاف في عبارة وتسمية لا غير.
    عذراً أخي الجهني!
    نسيتُ أنك تعذر المشرك المعاصر بالجهل وهو عالم ضرورة، وتكفّر المشرك الأوّل وهو جاهل ضرورةً وإلا فلا يكون مشركاً على عقيدتك حقيقةً.

  2. #62

    افتراضي

    السادسة والثلاثون: من المبكيات وفواقر الدهر قول الجهني أيضا:
    (خلاصة ما تريد أن تقوله هنا هو أنّنا إذا قلنا بأنّ التعبّد أمر ضروري غير متوقّف على الأمر والنهي فإنّه يلزم من ذلك لوازم باطلة وهذا كلّه لأنّك تتصوّر أنّ الضروري لا يمكن أن يخالف فيه أحد، وهذا غير صحيح ..).
    والجواب من وجوه:
    الأوّل: هذا كما قيل: (أقام أياماً يعمل رويّتَه .......... فشبّه الماء بعد الجهد بالماء)
    هذا الوضع مما لا يحسد عليه الجهني فإنّ البحث كان في طريق معرفة العبادة الخاصّة بالله ومعرفة الشرك التي هي مورد التكليف ويستطيع العبد أن يصرفه إلى الله وحده فيكون موحداً كما يمكن أن يصرفه إلى غيره من الخلائق فيكون مشركاً..
    وقد زعم أن معرفة العبادة الشرعية والشركية معلوم بالضرورة وأنهما من الضروريات التي لا تتوقّف على سبب ولا يمكن أن تختلف من وقت لآخر ولا أن يجهلها أحدٌ ولا حاجة فيها إلى تعريف الرّسل فهي معرفة خاصة ضرورية وعبادة خاصّة مفصّلة!
    الثاني: هذا أيضا فرار منك بعد مطارق الحق إلى العبودية العامة التي هي شعور كلّ مخلوق بحاجته إلى خالقه ورازقه... عبودية أهل السموات والأرض، وعبادة أبي لهب وأبي جهل، فكلّ من سوى الله خاضع لله وعابد له باعتباره مربوبا يتصرف فيه المولى كيف يشاء لا يخرج عن ملكه وتدبيره وهذه العبادة عامة في الخلق برّهم وفاجرهم كما سلف﴿إن كل من في السموات والأرض إلا أتي الرحمن عبداً﴾﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها﴾﴿ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون﴿والنجم والشجر يسجدان
    والعبد في هذا الاعتبار بمعنى المعَبَّد الذي عبّده الله فذلّله ودبّره وصرفه، يشعر بفطرته حاجتَه وفقرَه إلى ربّه وخالقه الغني عن كل شيء الذي تصمد إليه الخلائق مؤمنها وكافرها برّها وفاجرها، كما قال الفقهاء: القصد من وضع الشريعة إخراج العبد من داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختياراً كما هو عبد لله اضطراراً.
    قال أبو القاسم الراغب الأصفهاني رحمه الله في «الذريعة إلى مكارم الشريعة»:
    «معرفة الله مركوزة في النفس وهي معرفة كلّ أحدٍ أنه مفعول، وأن له فاعلاً فعله ونقله في الأحوال المختلفة وهي المشار إليها بقوله تعالى:﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها وبقوله:﴿صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة وبقوله:﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم الآية.
    فهذا القدر من المعرفة في نفس كلّ واحدٍ، وينتبه الغافل إذا نبّه عليه فيعرفه، ويعرف أن ما هو مساوٍ لغيره فذلك الغير مساو له، ومن هذا الوجه قال:﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن اللهوقال في مخاطبة المؤمنين والكافرين ﴿فإليه تجأرونوقال بعده:﴿ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون...»
    فلا ينفع الجهني الفرار إلى هذه العبودية ولا إلى مطلق التعبّد الذي هو التنسك فإن فطرة التديّن موجودة عند كلّ الناس، ولهذا اختلفوا في المعبود فعبدت كلّ طائفة من المشركين ما استحسنته وظنّت أنه يقرّبه إلى الله سبحانه..
    إنّما الكلام في العبادة الاختيارية التي من أتى بها صار من أهل السعادة في الدارين، والشركية التي يوصف من أتى بها اختياراً أنه من أهل الشقاوة في الدارين.
    وهذه الاختيارية علما وعملاً هي دعوة الرسل إلى أقوامهم:﴿اعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴿وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴿فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو.
    الثالث: من عجائب الجهني وهي لا تنقضي فيما يبدو قوله:
    (لأنّك تتصوّر أنّ الضروري لا يمكن أن يخالف فيه أحد، وهذا غير صحيح ..)
    لأنه قرّر أن العبادة الاختيارية الخاصة بالله والعبادة الشركية معلومة بالضرورة لا حاجة إلى تعليم وتعريف وأمر ونهي فيهما لأن معرفتهما من العلم الضروري الذي لا يتوقف على سببٍ!!
    قال شيخ الإسلام: «حدّ العلم الضروري هو الذي يلزم نفس العبد لزوما لا يمكنه معه دفعه عن نفسه...».
    ولما أثقلته الجراح وتوالت عليه قوارع التحقيق ومطارق التدقيق حاول النجاء ولات حين مناص!
    لأن هروبه هذا إلى إمكان أو وجود الخلاف في العلم الضروري لا يجدي فقد فاتت فرصة الاستدراك!!
    ومن ثَمّ فهو هروب فاشل لا ينطلي على أحد ومن الأوضاع التي لا يحسد عليها! لأني بيّنتُ أنّ الضّروريّ على قسمين، ضروري لا يتوقف على سبب وهذا لا يمكن الاختلاف فيه.
    والثاني: ضروري يتوقف على سبب كالمتواترات والتجارب ونحوها.
    وهذا القسم لا يختلف فيه الواقفون على سببه؛ فمن جرّب مثل تجربتي، أو سمع الخبر بالتواتر الذي سمعتُ به لا يخالف فيما أدى إليه الطرق من العلم الضروري.
    وإليك أيها القارئ أقوال أهل العلم فيما أدعيه ودع الجهني يتردّد في حيرته ﴿فهم في ريبهم يتردّدون﴿ونذرهم في طغيانهم يعمهون﴾﴿من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون﴾﴿لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون
    قال الإمام ابن بزيزة التونسي في (شرح الإرشاد):
    «إن الضروري على قسمين: منه ما لا يتوقف على سببه، وذلك لا يخالف فيه العقلاء، ومنه ما يتوقّف على سبب، وهذا لا يشارك في العلم به إلا من شارك في سببه».
    وقال الإمام ابن التلمساني في «شرح المعالم»:
    «الضروري على قسمين:
    ضروري لا يتوقّف على سببٍ، وهو البديهي الذي يكفي في العلم به خطور طرفيه بالبال كاجتماع النقيضين؛ فإن العاقل متى خطر بباله النفي والإثبات لشيء واحد في زمن واحد وقدّر اجتماعهما جزم العقل بامتناع تقرّر ذلك في الخارج.
    وضروري يتوقّف على سبب كالقضايا التجريبية والتواترية فإنه يمكن الخلاف فيها لعدم المشاركة في السبب».
    وقال الإمام ابن أبي موسى في شرح الإرشاد رحمه الله:
    «المعرفة عندنا موهبة من الله وتقع استدلالاً لا اضطراراً؛ لأنها لو كانت تُعلم بضرورة لاستوى فيها العقلاء».
    وقال الإمام أبو محمد بن عبد البصري رحمه الله في أصول السنة والتوحيد:«معارف الاضطرار لا تفاوت فيها، ومعارف الاكتساب يقع فيها التفاوت، ويتفاضل الناس فيها..»
    والمقصود: أنه إذا كانت معرفة العبادة الشرعية والشركية ضرورية فإما أن تكون متوقّفة على سبب أولا، فإن لم تتوقف على سببفلا يجوز أن يختلف العقلاء في معرفتها وإدراكها، بل يجب أن تكون واقعة بالاضطرار لكلّ أحد فلا يوجد من يجهل فلزم ضرورة أنّ تكون معرفة العبادة بطرفيها (على التعريف الصحيح الجامع المانع)- ضرورياً لا يتوقف على سببٍ، ولزم أن يكون كلّ مشرك في الدنيا قبل الرسالة وبعدها معانداً عالماً!
    وإذا كان الأمر كذلك وجب أن تكون معرفة العبادة الشرعية غير واجبة وغير مكلّف بها لأن ما يقع اضطراراً لا يكون واجبا اختياراً، فمعرفة عبادة الله وحده ومعرفة الشرك لا تجب على العباد إطلاقاً.
    هذه عقيدتك وإن حاولت الفرار حين لا ينفع، فاذهب فما بك والأيام من عجب!!
    وهكذا علمّتني التجارب في مخالفي النجديين في شرك العبادة!!
    يتبع...................... .........................

  3. #63

    افتراضي

    السابعة والثلاثون:من محاولات التلبيس وتحريف مسار النـزاع قولك:
    (وإنّما يصحّ كلامك لو قلنا بأنّ العبادة لله ضرورية الوقوع كالتنفّس للكائن الحيّ .. وهنا يسوغ بعض ما شغّبتَ به من كون التكليف لا يقع بأمر ضروري ..
    أمّا ما نقوله فإنّ التوحيد ليس ضروري الوقوع فهناك أناسٌ مشركون ظاهرًا وباطنًا.. وما دام أنّ للإنسان أن يختار الشرك أو التوحيد فهذا يعني أنّ التوحيد يقع التكليف به ..)
    فأقول: هذه نفثة مصدور، وحركة مذبوح، وصرخة طريح، فقد ظهر أن عقيدتك التي بنيتها على الأدلة الباهرة والحجج القاهرة على المحكّ لأنك قرّرت أن العبادة الشرعية والشركية ضروريّا المعرفة؛ فالتوحيد والشرك في العبادة ضروري فلا يقع التكليف بمعرفتهما أصلاً، ولزم ضرورة انتفاء الجاهل المشرك، وإنما الواقع المشرك المعاند الجاحد فقط. ولزم ضرورةً انتفاء المسلم الجاهل ببعض أنواع الشرك.
    ولزم ضرورةً أن تكون دعوة الأنبياء في توحيد العبادة محصورة في إظهار العبادة بالأفعال والأقوال، وفي إظهار تجنّب الشرك بالفعال والمقال فقط.
    بل زعمتَ أن إظهار توحيد العبادة بالفعال والمقال ليس من العبادة في شيء، وأن إظهار الشرك بالأفعال والأقوال ليس من الشرك في شيء لأن عبادة الله وعبادة غيره خضوع خاص قلبي معلوم للبشرية جمعاء.
    هذه عقيدتك فادع الناس إليهاﱡﭐﱿ الشعراء: ٢١٦
    ولهذا قيل لك: بعثة الرسل والأنبياء وإنزال الكتب تحصيل حاصل ممتنع في عقيدتك، لكن ظنّ بعض القراء أني مجازف في ذلك، لكن بعد الامتحان ومواصلة المسيرة ظلّت القوادح الكفرية تظهر شيئا بعد شيء.

    الثامنة والثلاثون:
    قولك أيضا: (إنّما يصحّ كلامك لو قلنا بأنّ العبادة لله ضرورية الوقوع كالتنفّس للكائن الحيّ .. وهنا يسوغ بعض ما شغّبتَ به من كون التكليف لا يقع بأمر ضروري ..)
    لا ينفع لفوات الفرصة وذهاب وقته، ولأن بطلانه لا ينطلي على أحدً لأن معرفة عبادة الله وحده ومعرفة الشرك ضروري الوقوع للناس كعلمهم بوجود أنفسهم وذواتهم ومعرفتهم بجوعهم وعطشهم وغير ذلك من معارفهم الضرورية الوجدانية و غيرها...
    وبهذا تعلم حقيقةً أنما شغّبت به سائغ شرعاً، ولازم لك ضرورة في ميزان العلم من أنك تقول: معرفة العبادة الشرعية والشركية لا يقع بها التكليف إذ لا يقع التكليف بأمر ضروري لأنه تحصيل حاصل وهو ممتنع.

    التعليقة التاسعة والثلاثون:
    أما التلبيس الصارخ فهو في قولك:
    (أمّا ما نقوله فإنّ التوحيد ليس ضروري الوقوع فهناك أناسٌ مشركون ظاهرًا وباطنًا.. وما دام أنّ للإنسان أن يختار الشرك أو التوحيد فهذا يعني أنّ التوحيد يقع التكليف به..)
    وبيان التلبيس والتدليس في وجهين:
    الأول: أني سألتك عن الطريق الموصل إلى معرفة العبادة الشرعية والشركية؟
    فزعمت بعد مراوغة طويلة: أن معرفة هذا أمر ضروري للناس لا يتوقف على سببٍ؛ فالعبادة الشرعية والشركية معلومتان بالضرورة للناس! ولهذا من السخرية بمكان الفرار إلى أنّ التوحيد ليس ضروري الوقوع!
    فمعرفة التوحيد وضدّه لا يتعلق بهما تكليف (أمر ونهي) ولا اختيار لأنهما من الضرورات العلمية التي لا تتوقف على سببٍ.
    هذا هو التلبيس الأوّل لأن الشجاعة تقتضي أن تقول: التوحيد بالعبادة ليس ضروري المعرفة! على أن قولك: أن التوحيد ليس ضروري الوقوع لا ينجيك من الورطة لأن الوقوع ينقسم إلى وقوع معرفة وهو ضروري على ما زعمت، ووقوع عملٍ و إظهار بالفعال والقال!.
    الثاني: ما وجه التمسّح بالشرك ظاهراً أو بالتوحيد ظاهراً لأنّ الظاهر التوحيدي والشركي لا يستلزم القلبي ولا يتضمّنه(الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله وصرفه لغير الله)؟ وهذا هو التلبيس الثاني. لا ينفع الجهني التهرّب في غير موضعه.. و لا أقنع منه إلا برجوع شجاع حميد!
    ومن الضحك على القراء قولك:
    (الأمر الضروري هو دليل وجوب العبادة لله وحده دون غيره..).
    بعد كونه انتقالاً من الدعوى الأولى (ضرورة معرفة العبادة الشرعية والشركية) فهو استغفال للقارئ لأنّك كنت تقول: الأمر الضروري الذي لا يحتاج الناس إلى دعوة الأنبياء والرسل ولا يتوقف على أمر ونهي ولا على سبب هو: معرفة العبادة الشرعية والشركية لكونها معلومة للناس بالضرورة، وإذا كانت من العلم الضروري فلا يتعلّق بمعرفتهما أمر ولا نهي ولا اختيار لوقوع العلم بهما اضطراراً.
    وهنا أردت أن ترجع عن هذه الدعوى فزعمتَ: أن الأمر الضروري للناس هو دليل وجوب عبادة الله دون عبادة غيره وليس الضروري معرفة العبادة الشرعية والشركية.
    ولو أَقَلْنَا لك العثرةَ وقلنا: إن الضروريّ هو دليل وجوب العبادة لا معرفة العبادة بطرفيها؛ فإن الإقالة لا تنفعك لأنه إذا كان دليل وجوب العبادة ضرورياً فمعرفة العبادة ضرورية أيضا، وكذلك معرفة المعبود فتكون المحصّلة:
    1- معرفة المعبود الحقّ عيناً ضرورية للبشر.
    2- معرفة العبادة الشرعية والشركية ضرورية.
    3- دليل وجوب عبادة الله دون غيره ضروري أيضا.
    4- لا يوجد مشرك جاهل بل الواقع هو المعاندة للضرورات.
    5- لا يوجد مسلم يجهل بعض أنواع الشرك، والكلام في المعرفة لا في الممارسة.

  4. #64

    افتراضي

    وإذا انتهى البحث في هذه النقطة إلى هذه المهزلة..
    فلنسأل الجهني مرةً أخرى: الدليل الضروري الذي يوجب عبادة الله دون غيره؟ والذي لا يتوقفٍ سبب ولا على سمع (الأمر والنهي) الذي يعلمه العباد ضرورةً؟
    ومعلوم أن دليل وجوب عبادة الله وحده وحرمة عبادة غيره لا يكون إلا دليلا سمعيا أو عقليا.
    فأما الدليل السمعي فقد نفاه وأبطله وقال لك: أن هذه المسألة - عبادة الله وحده دون عبادة غيره - لا يحتاج الناس فيها إلى الأنبياء والرسل والكتب السماوية لأن الناس يعلمون ذلك علماً ضروريا فلا يتعلّق بها تكليف.
    ولا تنس - أخي القارئ - أنّا نتكلم عن العبادة الاختيارية التكليفية التي يمتاز بها المؤمن الموحد من المشرك الكافر لا في العبادة الاضطرارية غير التكليفية التي يشترك فيها جميع الناس بل الخلائق فاجرهم وبرّهم، بمعنى أنا نبحث في الخضوع الاختياري التكليفي الإيماني لا في الخضوع الاضطراري غير المفرّق بين أهل السعادة وبين أهل الشقاوة.
    وإذا كان الأمر كذلك لزم على عقيدة الجهني: أن يكون العقل البشري دليلَ وجوب العبادة الشرعية وتحريم الشركية، وتصير دلالته على هذه المسألة المفرّقة ضرورة لا تتوقف على سببٍ، وتعود المسألة إلى التشريع والتكليف بالعبادة الشرعية والشركية!! وهو ما نفاه الجهني مصرّا عليه!! تناقض ينادي عليه بالخيبة والإخفاق عادة من خالف النجديين في الأصول!
    ليس هذا فحسب بل الشارع أو المشرّع لذلك: العقل البشري وليس السمع الإلهي النبويّ! فعاد بنا البحث أيضا إلى أن شكر الخالق المنعم المنّان هل يجب عقلا أو سمعاً أو بهما؟ وعلى الأقوال الثلاثة في المسألة فلم نعلم أحداً قال:- قبل الحائر في دينه السادر في ضلاله- أنّ دلالة العقل على الوجوب والتحريم ضرورية، بل الناس إما قائل بالوجوب العقلي النظري الاستدلالي وهم المعتزلة ومن وافقهم أو قائل بالوجوب السمعي وهم أكثر طوائف الفقهاء وأصحاب الحديث، أو بهما أيضاً وهو قول طوائف من أهل السنة.

    خلاصة التدحرج الفكري عند الجهني:

    1- أن معرفة العبادة الشرعية والشركية الاختيارية التكليفية ضرورية للبشر لا يُحتاج فيها إلى الأنبياء والرسل، وكلّ أحد يعلم أن هذه العبادة المعيّنة يستحقها الله لا غيره، وأن من صرفها إلى غيره كان مشركا ضرورة، فلا يوجد مشرك جاهل.

    2- لا، عفواً: الضروري للبشر هو دليل وجوب عبادة الله دون غيره، والدليل الضروري المُوجِبُ هو العقل البشري لا السمع السماوي الإلهي!

  5. #65

    افتراضي


    تنبيه:

    وجوب عبادة الله وحده إنما ثبت بالسمع والرسالات، وإن كانت العقل الصريح يدرك حسن عبادة الله وحده وقبح عبادة غيره في الجملة.

    وإليك بعض حجج القائلين بأن أصل وجوب شكر الخالق المحسن إنما وجب بالسمع لأن الخالق المحسن لعباده، إما أن يكون بإحسانه متبرّعا، أو الإحسان إليهم كان واجبا عليه، فإن كان واجباً عليه لم يجب شكرُه لأنّ الواجب كقضاء الدَّين، وإن حَسُن الشكر على قضاء الواجب لم يجب.
    وإن كان الخالق المحسن بإحسانه متبرّعا فإيجاب الشكر من العبادات تكون كدفع العوض له؛ فإن الشكر يقع عوضاً كما أن ذم المسيء يقع عقوبةً، ولهذا جعله النبي عليه السلام كالاستيفاء لبعض الحق والتخفيف عن المجرم فقال لعائشة رضي الله عنها لما ذمّت ودعت على سارق غزلها:(لا تسبِّخي عنه) أي تخفّفي عنه.
    ومتى وجب الشكر على الإحسان المتبرّع به خرج عن كونه إحساناً، وصار عوضا وتجارةً، ومن باع الأموال والنفائس للناس طلبا للأثمان لم يعدّ محسناً، بل تاجراً طالباً للأثمان، كذلك من أحسن وأوجب أن يقابل، صار بالإيجاب لمقابلته تاجراً، وخرج عن تمحّض الإحسان؛ ولهذا قال أهل السنة: لا يجب على الله شيء لخلقه؛ إذ لو وجب عليه شيء لما وجب شكره كقاضي الدين، ولقد أحسن الحسن بن علي لما قيل له: لم تحرّم الزيادة في قضاء القرض؟ قال: لئلا يصير الإنفاق والمكارم تجارةً. فأشار إلى هذا المسلك.
    ولو وجب الشكر على الإحسان عقلاً لوجبت العقوبة على الإساءة عقلاً اعتبارا للشيء بضدّه، ولو وجب ذلك لكان العفو قبيحاً، وفي الإجماع على حسن العفو عن المسيء دليل على أنّ ترك الشكر ليس قبيحاً إذ لو كان الشكر واجبا لكان تركه قبيحاً.
    ولهذا قالوا: إن شكر الله وجب شرعا ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وإلا فما كنا نهتدي إلى أصل شكره سبحانه فضلا عن إيجابه لأنّ العقل أرشد إلى أنه فائض الجود بعد الإيجاد، وأنه غني أفاض لا ليعتاض، وأعطى لا ليأخذ، أو ليقابل بالشكر، ولما جاء الشرع بإيجاب الشكر انحلّ من الشكر أنه نفع لنا لما يعوضنا عليه من النفع الدائم والثواب العميم فصارت تجارةً لنا..
    فغاية ما يوجبه العقل: العلم بأن النعم كلها منه سبحانه، وعنه صدرت، وأنه لا يلحقه نفع.
    والشكر إنما يقع مقابلة للمنافع لأحد أمرين: إما ليقع موقع التعويض، فيزيدُ من الإحسان إلى الشاكر، أو يستديم إحسانه إليه لموقع الشكر منه، أو ليحصل له النفع والله سبحانه ليس من هذا القبيل.
    فما حصل لنا الطريق إلى شكره على فائض إحسانه إلا بما جاءت به الرسل عليهم السلام، فنعمه كلها سبحانه تخرج مخرج الجود لا المعاوضة والبدل ﴿لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً.
    ومعلوم أن المحسن لو صرّح عقيب إحسانه بالمطالبة بشكر إحسانه لتكدّر إحسانه بمطالبته، ولو طلب المحسن شكر إحسانه ممن أحسن إليه عند الحكّام وأعدى على من لم يشكره كما يعدى في الديون والحقوق لاستهجن ذلك عند العقلاء بحكم العقل والشرع، ولو كان الشكر واجبا لما قبحت المطالبة به والإعداء عليه.
    والمقصود من ذكر حجج القوم في وجوب شكر المنعم سمعاً هو بيان بطلان قول الجهني بأن دليل وجوب عبادة الله دون عبادة غيره ضروريّ للبشر مع إسقاطه دليل السمع من المعادلة.

  6. #66

    افتراضي

    أما الكلام في الفطرة التي فطر الله الناس عليها فلا معنى له؛ لأنّ الكلام يدور في أن العبادة الاختيارية معلومة للناس بالضرورة، وأن علمهم باستحقاق الله لهذه العبادة، وعدم استحقاق غيره لها من العلوم الضرورية التي لا يُحتاج فيها إلى رسول ولا نبي ولا كتاب فلا ينفع الاسترواح إلى العبادة التي تجمع المشركَ والموحّدَ والبرّ والفاجر والجاحد والشاكر العارف..
    ومن هذا الباب النقل المبتور عن ابن تيمية في المعرفة التي لا يثبت بها إسلام ولا إيمان ولا توجب لصاحبها النجاة من الخلود في النار إن لم توصل بتوحيد العبادة.
    وقد سبق فصل أهل العلم بين المعارف الثلاث (معرفة الخالق القادر الحكيم العليم توحيد الأفعال توحيد العبادة).
    وهل أنكرت العرب واستنكرت كون الباري هو الخالق المالك المدبر القدير العليم؟ وهل أنكرت أو استنكرت كونه إلهاً معبوداً يستحقّ العبادة؟ وهل دخلت بهذه المعارف في الإسلام والإيمان؟
    وهذا أوّل كلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري فطري وذلك أنّ اضطرار النفوس إلى ذلك أعظم من اضطرارها إلى ما تتعلق به حاجتها. ألا ترى أنّ النّاس يعرفون من أحوال من تتعلق به منافعهم ومضارهم كولاة أمورهم وممالكيهم وأصدقائهم وأعدائهم مالا يعلمونه من أحوال من لا يرجونه ولا يخافونه ولا شيء أحوج إلى شيء من المخلوق إلى خالقه فهم يحتاجون إليه من جهة ربوبيته إذ كان هو الذي خلقهم وهو الذي يأتيهم بالمنافع ويدفع عنهم المضار: ﴿وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون﴾ النحل (53).
    وكل ما يحصل من أحدٍ فإنما هو بخلقه وتقديره وتسبيبه وتيسيره وهذه الحاجة التي توجب رجوعهم إليه حال اضطرارهم كما يخاطبهم بذلك في كتابه وهم محتاجون إليه من جهة ألوهيته فإنه لا صلاح لهم إلا بأن يكون هو معبودهم الذي يحبونه ويعظمونه ولا يجعلون له أندادا يحبونهم كحب الله بل يكون ما يحبونه سواه كأنبيائه وصالحي عباده إنما يحبونهم لأجله كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".
    ومعلوم أنّ السؤال والحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم والاعتراف بالحاجة والافتقار ونحو ذلك مشروط بالشعور بالمسؤول المحبوب المرجو المخوف المعبود المعظم الذي تعترف النفوس بالحاجة إليه والافتقار الذي تواضع كل شيء لعظمته واستسلم كلّ شيء لقدرته وذل كل شيء لعزته.
    فإذا كانت هذه الأمور مما تحتاج النفوس إليها ولا بدّ لها منها بل هي ضرورية فيها كان شرطها ولازمها وهو الاعتراف بالصانع به أولى أن يكون في النفوس.....».

  7. #67

    افتراضي

    .

    وكذلك زجّ أحاديث الفطرة في هذه المفاوضة لا وجه له أيضا لأنه هروب إلى الفطرة التي طال اختلاف الناس في مفهومهما وحقيقتها وأنه لا بدّ لكل عبدٍ من معبود وأن العبد مفطور على محبة معبوده...وإنما ضلّت الطوائف الشركية في تعيين الإله المعبود؛ ولهذا لم يتفق المشركون على إله واحد بل عبد كل قوم ما استحسنوه.
    ولا حجة أيضاً في اختيار أبي العباس أو غيره من أهل العلم في مفهومات الفطرة.. بل الاعتبار للدليل والحجة أينما كانت.
    وأحسن الأقوال في معاني الفطرة في حديث (كل مولود يولد على الفطرة...) وما في معناه: أن الله خلق الإنسان غير متلبس بحقيقة الكفر؛ فإن الكفر بالاعتقاد والعمل ولا وجود له قطعا حقيقة قبل التمييز، فأبواه يهوّدانه قبل التمييز من حيث الأحكام تبعاً، وبعد التمييز بتقليده لهما في حقيقة الكفر مباشرة منه وملابسة له، كما تخلق البهيمة سليمة من العيوب، ثمّ يظهر عليها أثر العوامل الخارجة، كذلك المولود يولد سليما من الكفر والعيوب ومائلا إلى ما ينفعه كارها لما يضرّه..
    وليس معنى الحديث أنه يولد مسلما مؤمنا حقيقةً، والدليل على الدعوى: أنّ القضاء على أولاد الكفار بأحكام الكفر في الدنيا من الاسترقاق وعدم التوريث والدفن في مقابرهم وغير ذلك مع وجود الإيمان الفعلي من الطفل حقيقةً خلاف القواعد الشرعية.
    ولا معنى للقول بأننا نفرّق بين أحكام الدنيا وبين أحكام الآخرة في مسألة الولادة على الفطرة وأن الطفل يتبع أبواه في أحكام الدنيا لأن تبعيّة الشخص لحكم الدار أو الطائفة أو الوالدين إنما تأتي في من جهلنا حال نفسه من الكفر والإيمان لا في من عُلمت حاله كفراً وإيماناً.
    و التقدير: أنّ المولود قبل التمييز مؤمن مسلم حقيقةً على قول هؤلاء فكيف يكون تبعاً لغيره في أحكام الكفر مع القطع بإيمان نفسه حقيقةً؟
    كيف وقد علم في القواعد الشرعية أنه لا يجوز الاعتماد على الظاهر مع القطع بالباطن المخالف؟.
    وأيضا نقطع أن الطفل يتعذّر في مجاري العادات أنه عارف بالله وبوجوب عبادته وحرمة عبادة غيره.. فلا يمكن أن يكون ولد على الفطرة إلا بمعنى التهيؤ والقبول.

  8. #68

    افتراضي

    أما يتعلق بمخالفة النجديين في الأصول إلا في مسألة فهو على حاله ولم تفد شيئا يستحق التعليق إذ أصول القوم أصول أهل العلم والسنة.
    ومن ينازعني في هذا فأقول له: هذا الفرس والميدان، فليبد في الميدان إن كان به حراك من خير.
    أخيرا:
    البحث معك كان في أن البشر يعلمون علما ضرورياً أن هذه العبادة المعيّنة لا يستحقها إلا الله، وأنها من خصائصه التي لا تليق لغيره، وأن كل مشرك يعرف أن ما صرفه إلى غير الله من خصائصه، وأن لا حاجة إلى الكتب والأنبياء في معرفة عبادة الله الخاصة به الاختيارية وعبادة الطاغوت الشركية.
    ثم انتقلت أخيراً إلى أنّ العلم الضروري هو دليل وجوب عبادة الله دون عبادة غيره، وأن الدليل العقل لا السمع، وإذا كان كذلك فكيف اختلف العقلاء في الضروري الذي لا يتوقف على سبب؟ بل كيف اختلفنا؟
    وفزعت أيضاً - في غير طائل - إلى العبادة الاضطرارية العامة، ثم إلى الفطرة المختلف في معناها بين أهل السنة والجماعة وتحوّلت الضروريات العقلية أوالعلمية إلى معنى خفي يحتار فيه كبار العلماء!
    تذكير:
    قال الشيخ أبو محمد بن عبدك البصري (347هـ)رحمه الله:
    «فمن كانت معه معرفتان فهو كافر، وبالمعرفة الثالثة يصحّ الإيمان، وهو الفصل الثالث: وهي معرفة التوحيد التي دعت الرسل إليها، وبعثوا بها، وكلّفنا قبولها، وهي قوله:﴿وإلهكم إله واحد﴾ وهو قوله:﴿لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل﴾، وأخبرنا أنه ما كان معذّبا قبل بعثتهم، فكانوا يعرفون أن لهم ربّا وإلهاً ولكنهم ينكرون توحيد الإله وبعث رسله وشرائع دينه، وبه وقع منهم الكفر.
    فوجود ذلك منهم يزيل عنهم معرفة التوحيد، ولا يزيل ضرورتهم،وهذه المعرفة وجبت بالتوقيف، وهي ما وقفتنا الرسل عليه، ودلّنا عليه سبحانه، ووفّقنا لذلك، وبها يجب الخلود في الجنة وبعدمها يجب الخلود في النار، وهي مكتسبة ولم تجب بالعقل كما زعمت المعتزلة، لأن هذه مقالة تضاهي مقالة البراهمة..».
    قال الراغب الأصفهاني رحمه الله:
    «وأما معرفة الله المكتسبة فمعرفة توحيده وصفاته، وما يجب أن ثبت له من الصفات وما يجب أن ينفى عنه، وهذه المعرفة هي التي دعت إليها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال كلهم: قولوا لا إله إلا الله، ولم يدع أحد إلى معرفة الله تعالى، بل دعا إلى توحيده وهذه المعرفة أعني المكتسبة على ثلاثة أضرب...».
    وقال الإمام ابن المنير المالكي رحمه الله:
    «معرفة الله ووحدانيته معلومتان بالعقل، وقد ترد الأدلة العقلية في مضمون السمعية، أما وجوب عبادة الله وتحريم عبادة الأصنام فحكم شرعيّ، فقوله: ﴿قل إني نهيت﴾ أي حرّم عليّ، وهذا إنما يتحقّق بعد البعثة خلافا للمعتزلة في الإيجاب قبل الشرع للتحسين والتقبيح».
    قال شيخ الإسلام رحمه الله:
    «باستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبّها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع... وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بدّ أن تكون مأمورا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه عبادة...».
    هذه مسائل الجهني لا تنسها

    - الاعتماد على الظاهر لا يجوز لأنه ليس ببينة شرعية ؟
    - عند وجود أي احتمال لا يجوز التكفير!
    - الساجد للصنم لمصلحة دنياه ليس بمشرك؟
    - المشرك لا يكون مشركا حتى يعلم شركه ضرورة؟
    - ولا يكون عابدا لغير الله حتى يعلم أنه عابد لغيره ضرورة؟
    - لكنه متى خضع لغير الله الخضوع الخاصّ فهو كافر مشرك وإن كان جاهلا؟
    - لا يكون مشركا ولا عابدا لغير الله حتى يعتقد في معبوده الربوبية؟
    - لا حاجة إلى الرسل في عبادة الله وحده ولا في تحريم الشرك، لأن معرفة هذا ضروري في قلوب العباد؟؟
    - لا، عفواً، دليل وجوب عبادة الله دون غيره هو الأمر الضروري لا معرفة عبادة الله وعبادة غيره!!
    - نعم لا يكون الدليل الموجب الضروريّ إلا العقل أما السمع وظيفة الأنبياء والرسل فقد أسقطتُها من المعادلة!
    - العلم الضروري الذي لا يتوقف على سببٍ يمكن الاختلاف فيه مثل معرفة عبادة الله وحده دون عبادة غيره! أو الدليل الضروري لوجوب العبادة الشرعية وتحريم الشركية!!

  9. #69

    افتراضي

    تكملة حوار العبادة (3):
    المأربي: العبادة أمرٌ كلّي لا يتحقّق إلا من خلال أفراده، وأفراده هي أنواع العبادة التي أمر الله بها، فالعبادة ليست إلا مجموع هذه الأفراد.

    الجهني: أصل العبادة هو الخضوع الخاص وهو أمرٌ ضروريٌّ يُعرف من خلال العقل وجاءت النصوص بتأكيد هذا المعنى الذي دلّ عليه العقل أما جعل العبادة هي مجموع طُرق العبادة التي شرعها الله من الصلاة والصيام والذكر والتي جاءت بها النصوص القابلة للنسخ فلا يستقيم لما يلي:
    1- أنّه لو كانت حقيقة العبادة موقوفة على النصّ، وكان هذا النصّ قابلًا للنسخ والتبديل بين الشرائع لكان النسخ جائزا في الشرك الأكبر ولجاز أن تكون حقيقة العبادة عند قوم هي نفسها حقيقة الشرك عند آخرين وهذا مُحال.
    2- أنّه لو صحّ ذلك لما جاز للعلماء أن يعرّفوا البدعة بقولهم : التعبّد لله بما لم يُشرع، فإنّ قولهم هذا يدلُّ على أنّ العبادات المأمور بها شيء آخر غير التعبّد، فالتعبّد لله قد يحصل بشيءٍ غير مشروع ويسمّى تعبّدًا .
    3- ممّا يدل على أنّ مفهوم العبادة يختلف عن طُرق العبادة، أنّ الشرك يحصل في غير طُرُق العبادة، فمن تمدّد على ظهره عند الصنم خاضعًا الخضوع الخاص فهو واقعٌ في العبادة مع أنّ التمدّد ليس من طُرُق العبادة المشروعة .


    المأربي: القول بأنّ العبادة أمر ضروري باطل ويترتب على هذا القول ما يلي:
    1- أنّه لا يوجد مُشركٌ إلا وهو معاندٌ يُخالف ما هو معلومٌ في عقله، ولا يوجد مشركٌ جاهل، وبالتالي فهو يعبد غير الله جاهلا وعالماً أن هذه العبادة لا يستحقها إلا الله؛ فالمشرك عالم أنّه يعبد غير الله وجاهل أنه يعبد غيره فهو مشرك جاهل وعالم معاند في آن واحد بالضرورة!!
    2- أنّه لا يصحّ التكليف بما هو معلومٌ بالضرورة العقلية، فالتكليف لا يقع إلا في الأمور الاختيارية دون الضرورية.
    3- أنّ الآيات التي جاءت بالامتنان على الناس بالدلالة على التوحيد وحصر الهداية بالوحي (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) لا محلّ لها، لأنّ التوحيد معلومٌ بالعقل .
    4- أنّ الناس متساوين في ظهور البينة لهم فلا داعي لقوله تعالى :﴿قل إني على بيّنة من ربي وكذّبتم﴾ ﴿لما جاءني البيّنات من ربي﴾.
    5- أن الدعوة إلى معرفة هذه العبادة تحصيل حاصل وهو ممتنع؛ فبعثة الرسل وإنزال الكتب إلى تعريف الناس بها ممتنع!
    6- كيف يمكن تكفير المشرك الذي يقول بأنّه يعتقد أنّ غير الله يستحقّ العبادة.؟ فإن قوله هذا يخالف ما في قلبه ضرورة من أنّ العبادة لا تكون إلا لله، فيكون هذا دليلًا على كذبه ولا يمكننا تكفيره بقوله ذلك.


    الجهني : ليست العبادة ضرورية الوقوع كالتنفس، وإنما قد يحصل الشرك من الإنسان عن علمٍ أو جهل، ولكن الضروري هو دليل وجوب العبادة .

    المأربي : إذا كان دليل وجوب العبادة ضرورياً فمعرفة العبادة ضرورية أيضا، وكذلك معرفة المعبود، لا ينفعك التهرّب في غير موضعه.. و لا أقنع منك إلا برجوع شجاع حميد!

    الجهني: نعم من الخطأ قولنا في أول الأمر عن الخضوع الخاص بأنّه أمرٌ ضروري مع أنّني لم أكن أقصد أنّه مثل التنفس للكائن الحي، والصواب أن يُقال: الخضوع الخاص أمرٌ معلومٌ بالعقل وليس ممّا لا يمكن دفعه مثل التنفّس للكائن الحيّ، بل هو أمرٌ ظاهر للعقل وأدلته العقلية والفطرية واضحة، لكن من الناس من ينصرف عن هذه الأدلة ويعبد غير الله مختارًا عالمــــًا بكون الله هو المستحقّ للعبادة، أو جاهلًا، وبهذا يزول جميع ما أوردته من الحجج في هذه القضية.

    المأربي: ما الدليل الضروري الذي يوجب عبادة الله دون غيره؟ والذي لا يتوقف على سبب ولا على سمع (الأمر والنهي) الذي يعلمه العباد ضرورةً؟

    الجهني : عبادة الله وحده لها دلائل عقلية ظاهرة، وقد جاء السمع مؤكّدًا لهذه الدلائل ومقيمًا الحجة على العباد في ذلك، فقد تضافرت دلائل السمع والعقل على الدلالة عليها.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •