التعليقة الرابعة والثلاثون :
أخي الجهني لا يؤدي الهروب إلى الأمام إلا الاضطراب الفكري والتناقض لكنه خير من تقرير الكفر، ومحاولة الجدال خير من التصريح بالمعاندة والمكابرة، وإن ظهرت للقارئ في أكثر من صعيد.. لأنه يرى ما وصلت إليه المفاوضة وما أدّت إليه قناعتك في شرك العبادة التي زعمت أنك بنيتها على الأدلة الباهرة والحجج القاهرة!
وهذا تذكير للقارئ بمجمل عقيدتك.
المسألة الأولى: العبادة هي الخضوع الخاص الذي لا يستحقه إلا الله ولا تليق لغيره.
المسألة الثانية: معرفة هذه العبادة ضرورية للإنسان لا يحتاج في معرفتها إلى رسالة وكتاب ولا إلى أمر ونهي (الشرع).
المسألة الثالثة: المشرك هو من صرف هذه العبادة الخاصة إلى غير الله، والموحِّد من صرفها لله وحده.
المسألة الرابعة:الشعائر التعبدية الفعلية والقولية لا تستلزم تلك العبادة الضرورية الخاصة؛ فالأفعال والأقوال ليست عبادة في حقيقة الأمر . هذا من جانب التوحيد.
ومن جانب الشرك فالشعائر الشركية (القولية والفعلية) لا تستلزم الشرك الأكبر (صرف الخضوع الخاص بالله إلى غيره).
فروع القناعة الفاسدة في شرك العبادة
1- جميع الأعمال الظاهرة من صلاة وصوم وزكاة وحج وذبح وطواف... ليست عبادة بل العبادة شيء آخر لا تستلزمه الأفعال والأقوال!!.
2- لو صلّى أحد أو صام أو حج وطاف وذبح وسجد للصنم...لا يجوز الحكم عليه بالشرك حتى يُعلم أنّه صرف حقيقة العبادة للصنم لأن العبادة الظاهرة لا تستلزم مناط الشرك والكفر(الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا لله)!.
3- عبادة الله وعبادة غيره ليس مطلق الخضوع والتذلل اللغوي أو العرفي، ولا هي معلومة عن طريق الأنبياء لأنه خضوع خاص معلوم بالضرورة لا يتوقّف على سببٍ فالدعوة إلى معرفة هذه العبادة تحصيل حاصل وهو ممتنع؛ فبعثة الرسل وإنزال الكتب إلى تعريف الناس بها ممتنع!
4- إذا كان استحقاق الله لهذه العبادة معلوما بالضرورة فلا يمكن صرفها إلى غيره إلا عناداً أو تظاهراً بالشرك من غير ارتباط بالباطن واعتقاد في القلب كمعاندة فرعون لآيات الله!
5- إذا تقرّر أنّ الظاهر لا يكون شركاً حقيقةً فلا يوجد في الدنيا مشرك على الحقيقة! لأن توحيد العبادة والشرك فيها معلوم للعابد علما ضروريا كما قال لك الجهني!!
وحدّ العلم الضروري: «هو الذي يلزم نفس العبد لزوما لا يمكنه معه دفعه عن نفسه» درء تعارض العقل والنقل (6 /106).
6- يصرف المشرك العبادة إلى غير الله وهو جاهل فيكون مشركا جاهلاً!
لكنه غير معذور بالجهل فاجتمع تكفير المشرك الجاهل مع أنّه لا يعبد الله أو غيره إلا وهو عالم؟ لأن معرفة العبادة ضرورية لا تتوقف على سبب؟
الخلاصة المأساوية: أنّه يعبد غير الله جاهلا وعالماً أن هذه العبادة لا يستحقها إلا الله؛ فالمشرك عالم أنّه يعبد غير الله وجاهل أنه يعبد غيره فهو مشرك جاهل وعالم معاند في آن واحد بالضرورة!! هذا ما قرّرته وإن حاولت الآن الكفر به.
قال تعالى: ﱡﭐﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍﱠ.
7- معرفة العبادة الخاصة غير مكتسبة إذ هي ضرورية، ومن ثمّ فالناس غير مكلّفين بمعرفتها؛ إذ التكليف يعتمد الاختيار؛ فصارت معرفة العبادة الشرعية والشركية ضرورية لا تتوقّف على سبب، ومكتسبة متعلقة باختيار المكلّف في آن واحد؟
8- مفاد هذه الأصول الفاسدة: أن معرفة أن لا معبود بحقٍّ إلا الله ضروري لا يحتاج إلى بعثة الرسل؛ فدعوة الأنبياء إلى العلم بهذا، بل أمر الله بمعرفتها لا معنى له!! إذ لا يتعلق التكليف بالضروريات التي يجدها الإنسان في نفسه، والحجة قائمة على العباد ضرورة في توحيد العبادة والشرك فيه فلا وجه لقوله تعالى: ﱡﭐﱮﱯﱰﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱠ النساء: ١٦٥
وكذلك قوله تعالى في سياق الإخبار عن الحقائق والامتنان على الرسول:ﱡﭐﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱠ سبأ: ٥٠
لا معنى له لأنّ الاهتداء إلى معرفة عبادة الله وامتناع عبادة غيره أعظم أنواع الهداية، فإذا كانت معلومة للناس بالضرورة فلا وجه لحصر الاهتداء إليها في وحي الرّبّ إلى النبي الكريم.
وكذلك قوله تعالى:ﱡﲷ ﲸ ﲹﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﱠتحصيل حاصل لا حاجة إليه لأنه لا يُعلَم مجدّدا ما هو معلوم للناس ضرورة.
وكذلك قوله تعالى:ﭐﱡفإن لّم ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱠلأنه إذا كانت معرفة اختصاص الله بالعبادة وعدم استحقاق غيره لها ضروريا، فمعنى هذا: أن معرفة أن لّا إله إلا الله ضرورية فتمتنع الدعوة إليها والعلم بها؛ لأن تحصيل الحاصل محال!
وكذلك قوله تعالى لنبيّه عليه السلام:ﱡﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ ﳠﳡ ﳢﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧﱠفهو أيضا مما لا حاجة إليه لأن علم أن لا إله إلا الله ضروري للرسول ولغيره بل لأبي جهل وأبي لهب وعاص بن وائل وصناديد قريش وأوباشهم...
ومما لا معنى له أيضاً قوله في سياق الامتنان على المصطفى عليه السلام:ﭐﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱠلأنّ ما بُعِثَ به من توحيد الله بالعبادة علما وعملاً معلوم له ولغيره بالضرورة!!
ومن هذا الباب قوله في الأنعام:ﱡ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ*قل إنِّي عَلَى بيّنةٍ من رّبّي وكذّبتم بهﱠ.
وقوله تعالى في سورة مؤمن: ﭐﱡﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄﱠلأن عبادة اللهومعرفة اختصاصه بها ضروريّة، وكذلك معرفة الشرك ضرورية؛ لأن معرفة أحد الضدين يستلزم معرفة الآخر، فمن عبد غير الله فهو عالم ضرورة أنّه ظالم ومتعدٍّ حيث صرف الحقّ الخاصّ بالله إلى من لا يستحقّه من الخلائق فإن قبح الظلم معلوم في الفطر والعقول.
فلا حاجة لقوله تعالى:﴿قل إني على بيّنة من ربي وكذّبتم﴾فالناس جميعا على هذه البيّنة بالضرورة، وكذلك لا معنى لقوله:﴿لما جاءني البيّنات من ربي﴾إذ هي معرفة وعلم ضروري مشترك بين الخلائق.
وكذلك قوله تعالى:ﱡﭐﱔﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱠإذ لا حاجة إلى تخصيص الشهادة بأولى العلم لأنّها مشتركة بين البشر بل مضمونها معلوم للنّاس بالضرورة.
يتبع...............