المعروف أن أئمة الدعوة لا يؤصّلون ولا يقعّدون إلا بدليل وهم على هذا المنهج فيما اطلعتُ من تقريراتهم.
##
أين الدليل على هذا الأصل الذي كفّروا من خلاله الجُهّال ولم يعذروهم بالجهل، يبدو أنّك لم تجد الدليل، فإذا كان ذلك كذلك يا أبا محمد فهل يليق بطالب العلم أن يؤصّل ويفرّع على تأصيله ويحكم على المسلمين بالكفر وهو لا يعرف الدليل على الأصل الذي أصّله !
مسألة السجود في شرعنا .. أريد جوابا صريحا مع الدليل على أنّه ليس بعبادة إما لله وإما لغيره في شرعنا.
##
أنت المُطالب بالدليل على أنّ كلّ سجود في شرعنا عبادة .. العبادات توقيفية والأصل في الأفعال أنّها ليست عبادة حتى يرد الدليل .. فالأصل أنّ كل سجود ليس عبادة لكن جاءت الأدلة التي تدل على أنّ السجود يقع على وجه العبادة وأنّ صرفه حينئذٍ لغير الله شرك .. ولم تدلّ هذه الأدلة على أنّ كل سجود عبادة .. فالحكم الصحيح: أن نحكم بأنّ السجود منه عبادة أمّا الباقي فيبقى على الأصل ..
ماذا عن اختلاف الشرائع في فروع العبادة مع الاتفاق في أصل التوحيد وعبادة الله وحده كما سبق في التقرير؟. لأنّ له علاقة وثيقة بالذي ذكرتَه وقد يكون فرعا من هذا من جهةٍ ولهذا أرجو منك فيه ما طلبت في الأولى.
وقلتَ أيضًا في التعليقة السابعة:
العبادة - وهي: نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمره - دائرة مع الأمر والنهي وجودا وعدما فما أمرنا الله بالتقرّب به إليه فهو عبادة وصرفه إلى غيره شرك وعبادة للغير سواء كان جائزا لمن قبلنا أو محرّما
##
أغلب من ناقشتهم يتحاشون مواجهة هذا الإشكال (سجود إخوة يوسف) ، وأشكرك على شجاعتك في الجواب عن الإشكالات الواردة على قولكم ، لكن خذ هذه النقاط:
أولًا :
على القول الصحيح لا داعي لكلّ هذا التكلّف والتناقض الذي سأبيّنه فيما بعد، فالعبادة على القول الصحيح هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله، وهذا الخضوع لا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان، ومن صرفه لغير الله فهو مشرك كائنًا من كان ، وهذا هو التعريف الجامعٌ المانعٌ بخلاف تعريفك، فالعبادة بمعنى الخضوع يدخُل فيها جميع أفعال التذلّل التي يصاحبها الخضوع الخاص ولو لم يرد الأمر والنهي بكونها عبادة، أمّا على تعريفك : فمَن مرّغ وجهه بالتراب عند الصنم يومًا كاملًا ينبغي ألّا متعبّدًا عندك أما من سجد سجدة واحدة فهو العابد؛ لأنّ تمريغ الوجه لم يرد الأمر بكونه عبادة وهذا عجيب ! ..
كما أنّ تعريف العبادة بالخضوع مانعٌ من إدخال بعض الأفعال في العبادة من غير أن يصاحبها خضوع خاص وهذا هو محلّ مناقشتنا ..
ثانيًا:
أتعجّب كيف جمعت بين المتناقضات في تحريرك لهذه المسألة، فأنت تقول :
العبادة وهي: نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمره دائرة مع الأمر والنهي وجودًا وعدمًا
أخي العزيز : الفعل إمّا أن يكون نهاية الخضوع والتذلّل، وعندئذٍ سيبقى في كلّ زمانٍ عبادةً لا يستحقّها إلا الله، ولا علاقة لهذا بالأمر والنهي، أو لا يكون الفعل في ذاته نهاية الخضوع والتذلّل وعندئذٍ فلا يمكن أن يأتي زمانٌ يكون فيه عبادة .. لم أفهم كيف يصبح الفعل نهاية الخضوع والتذلّل بعدما يأتي الأمر أما قبل الأمر فلا يكون كذلك .. هذا غريب!
ثالثًا :
نظرًا لأنّ هذه التحريرات مبنية على أصلٍ باطلٍ لا دليل عليه وهو دعوى أنّ كل سجود وكل ركوع وكل قيام ... إلخ : هو عبادة لا تصح إلا الله فقد وقعتم في تناقض صارخ بين قواعدكم التي بنيتموها على هذا الأصل ومنها ما ذكرتموه في هذه المسألة ووجه ذلك:
أ- ما أكثر ما تردّدون بأنّ اسم المشرك ثبت قبل الرسالة، كيف يكون ذلك إذا كانت العبادة التي يقع فيها الإشراك لا تُسمى عبادة إلا بعد مجيء الرسالة .. لم أفهم كيف جمعتم بين هذا التناقض .. تقولون : العبادة دائرة مع الأمر والنهي لكن شرك العبادة يثبت اسمه قبل الأمر والنهي .. أمرٌ عجيب غريب !
ب – تقولون أنّ الاتفاق حصل في أصل التوحيد ودعوة الخلائق إلى عبادة الله وحده وأن لا يشرك به شيئا أمّا الفروع المؤدية إلى الأصل والخادمة له من أنواع العبادات التي يتقرّب بها إلى الله فيقعُ فيها الاختلاف وتكون بحسب الأمر والنهي .
إذا كان ذلك كذلك فعلامَ كفّرتم المسلم الجاهل الذي يقر بعبادة الله وعدم الإشراك به لكنّه لم يبلغه الأمر والنهي الذي يستطيع به تمييز أنواع العبادات عن غيرها، أليست العبادة لا تُسمّى عبادة إلا بعد الأمر والنهي، فما صرفه هذا الجاهل لغير الله ليس هو من العبادات عنده لأنّه لم يبلغه الأمر والنهي.
- من برّ بوالديه ولم يقصد الامتثال لم يعتبر عمله قربة إلى الله وإنما هو إحسان لا ثواب فيه لانتفاء الامتثال، وليس من الأصل في شيء:
(وكلّ خصلة أمر الله ورسوله بصرفها إليه فهو عبادة فمن صرفها إلى غيره فقد عبد غيره وأشرك به). كما قال جلّ ذكره: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً ففرّق بين عبادة الله وبين البرّ بالوالدين، وكلّ عبادة طاعة، وليس كل طاعة عبادة إلا بنظر آخر)
##
بر الوالدين : ألم يأمر الله بصرف هذا الفعل إليه فنحن نبرّ والدينا تقرُّبًا إلى الله لأنّ الله أمر بذلك .. لماذا أخرجته عن مفهوم العبادة .. وما هو الفرق بين العبادة والطاعة ؟
طلب الريالات ونحوها من الناس.. فمن سؤال الخلق فيما يقدرون عليه وليس من الشرك وعبادة غير الله، لأن الطلب منهم فيما يضرّون فيه وينفعون دائر بين التحريم والإباحة وليس من الشرك الأكبر كما قال تعالى: ولاتدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين.
##
قاعدة : الشمس في المشرق الآن وهذا ما دلّ عليه الدليل !
لكن هناك دليلًا آخر يقول بأنّ الشمس في المغرب الآن وهذا صحيح !
عليك أن تؤمن بذلك كله وتأخذه كما جاء، ولا تفكّر فيه بعقلك ولو أوقعك في المتناقضات !
هذا مثل قولك :
قاعدة : كلّ خصلة أمر الله ورسوله بصرفها إليه فهو عبادة فمن صرفها إلى غيره فقد عبد غيره وأشرك به.
لكنّ دلّت الأدلة أيضًا أنّه يمكن أن يكون بعض الخصال قد ندب الله الناس لصرفها إليه وأجاز صرفها إلى غيره مثل : سؤال المخلوقين ما يقدرون ..
طيب القاعدة إذن فيها خلل ؟
لا عليك يجب أن تؤمن بهذا الكلام كله ولو وقعت في المتناقضات .. هذه القواعد قررها علماؤنا !!
أرجو أن تُراجع كلامك أخي أبا محمّد .. واعتذر عن قسوة بعض الألفاظ .. الاختلاف لا يُفسد للود قضية ..