تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 69

الموضوع: شرك العبادة ...

  1. #21

    افتراضي

    المعروف أن أئمة الدعوة لا يؤصّلون ولا يقعّدون إلا بدليل وهم على هذا المنهج فيما اطلعتُ من تقريراتهم.
    ##
    أين الدليل على هذا الأصل الذي كفّروا من خلاله الجُهّال ولم يعذروهم بالجهل، يبدو أنّك لم تجد الدليل، فإذا كان ذلك كذلك يا أبا محمد فهل يليق بطالب العلم أن يؤصّل ويفرّع على تأصيله ويحكم على المسلمين بالكفر وهو لا يعرف الدليل على الأصل الذي أصّله !


    مسألة السجود في شرعنا .. أريد جوابا صريحا مع الدليل على أنّه ليس بعبادة إما لله وإما لغيره في شرعنا.
    ##
    أنت المُطالب بالدليل على أنّ كلّ سجود في شرعنا عبادة .. العبادات توقيفية والأصل في الأفعال أنّها ليست عبادة حتى يرد الدليل .. فالأصل أنّ كل سجود ليس عبادة لكن جاءت الأدلة التي تدل على أنّ السجود يقع على وجه العبادة وأنّ صرفه حينئذٍ لغير الله شرك .. ولم تدلّ هذه الأدلة على أنّ كل سجود عبادة .. فالحكم الصحيح: أن نحكم بأنّ السجود منه عبادة أمّا الباقي فيبقى على الأصل ..


    ماذا عن اختلاف الشرائع في فروع العبادة مع الاتفاق في أصل التوحيد وعبادة الله وحده كما سبق في التقرير؟. لأنّ له علاقة وثيقة بالذي ذكرتَه وقد يكون فرعا من هذا من جهةٍ ولهذا أرجو منك فيه ما طلبت في الأولى.
    وقلتَ أيضًا في التعليقة السابعة:
    العبادة - وهي: نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمره - دائرة مع الأمر والنهي وجودا وعدما فما أمرنا الله بالتقرّب به إليه فهو عبادة وصرفه إلى غيره شرك وعبادة للغير سواء كان جائزا لمن قبلنا أو محرّما
    ##
    أغلب من ناقشتهم يتحاشون مواجهة هذا الإشكال (سجود إخوة يوسف) ، وأشكرك على شجاعتك في الجواب عن الإشكالات الواردة على قولكم ، لكن خذ هذه النقاط:
    أولًا :
    على القول الصحيح لا داعي لكلّ هذا التكلّف والتناقض الذي سأبيّنه فيما بعد، فالعبادة على القول الصحيح هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله، وهذا الخضوع لا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان، ومن صرفه لغير الله فهو مشرك كائنًا من كان ، وهذا هو التعريف الجامعٌ المانعٌ بخلاف تعريفك، فالعبادة بمعنى الخضوع يدخُل فيها جميع أفعال التذلّل التي يصاحبها الخضوع الخاص ولو لم يرد الأمر والنهي بكونها عبادة، أمّا على تعريفك : فمَن مرّغ وجهه بالتراب عند الصنم يومًا كاملًا ينبغي ألّا متعبّدًا عندك أما من سجد سجدة واحدة فهو العابد؛ لأنّ تمريغ الوجه لم يرد الأمر بكونه عبادة وهذا عجيب ! ..

    كما أنّ تعريف العبادة بالخضوع مانعٌ من إدخال بعض الأفعال في العبادة من غير أن يصاحبها خضوع خاص وهذا هو محلّ مناقشتنا ..

    ثانيًا:
    أتعجّب كيف جمعت بين المتناقضات في تحريرك لهذه المسألة، فأنت تقول :

    العبادة وهي: نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمره دائرة مع الأمر والنهي وجودًا وعدمًا
    أخي العزيز : الفعل إمّا أن يكون نهاية الخضوع والتذلّل، وعندئذٍ سيبقى في كلّ زمانٍ عبادةً لا يستحقّها إلا الله، ولا علاقة لهذا بالأمر والنهي، أو لا يكون الفعل في ذاته نهاية الخضوع والتذلّل وعندئذٍ فلا يمكن أن يأتي زمانٌ يكون فيه عبادة .. لم أفهم كيف يصبح الفعل نهاية الخضوع والتذلّل بعدما يأتي الأمر أما قبل الأمر فلا يكون كذلك .. هذا غريب!


    ثالثًا :
    نظرًا لأنّ هذه التحريرات مبنية على أصلٍ باطلٍ لا دليل عليه وهو دعوى أنّ كل سجود وكل ركوع وكل قيام ... إلخ : هو عبادة لا تصح إلا الله فقد وقعتم في تناقض صارخ بين قواعدكم التي بنيتموها على هذا الأصل ومنها ما ذكرتموه في هذه المسألة ووجه ذلك:


    أ- ما أكثر ما تردّدون بأنّ اسم المشرك ثبت قبل الرسالة، كيف يكون ذلك إذا كانت العبادة التي يقع فيها الإشراك لا تُسمى عبادة إلا بعد مجيء الرسالة .. لم أفهم كيف جمعتم بين هذا التناقض .. تقولون : العبادة دائرة مع الأمر والنهي لكن شرك العبادة يثبت اسمه قبل الأمر والنهي .. أمرٌ عجيب غريب !


    ب – تقولون أنّ الاتفاق حصل في أصل التوحيد ودعوة الخلائق إلى عبادة الله وحده وأن لا يشرك به شيئا أمّا الفروع المؤدية إلى الأصل والخادمة له من أنواع العبادات التي يتقرّب بها إلى الله فيقعُ فيها الاختلاف وتكون بحسب الأمر والنهي .
    إذا كان ذلك كذلك فعلامَ كفّرتم المسلم الجاهل الذي يقر بعبادة الله وعدم الإشراك به لكنّه لم يبلغه الأمر والنهي الذي يستطيع به تمييز أنواع العبادات عن غيرها، أليست العبادة لا تُسمّى عبادة إلا بعد الأمر والنهي، فما صرفه هذا الجاهل لغير الله ليس هو من العبادات عنده لأنّه لم يبلغه الأمر والنهي.


    - من برّ بوالديه ولم يقصد الامتثال لم يعتبر عمله قربة إلى الله وإنما هو إحسان لا ثواب فيه لانتفاء الامتثال، وليس من الأصل في شيء:
    (وكلّ خصلة أمر الله ورسوله بصرفها إليه فهو عبادة فمن صرفها إلى غيره فقد عبد غيره وأشرك به). كما قال جلّ ذكره: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً ففرّق بين عبادة الله وبين البرّ بالوالدين، وكلّ عبادة طاعة، وليس كل طاعة عبادة إلا بنظر آخر)
    ##
    بر الوالدين : ألم يأمر الله بصرف هذا الفعل إليه فنحن نبرّ والدينا تقرُّبًا إلى الله لأنّ الله أمر بذلك .. لماذا أخرجته عن مفهوم العبادة .. وما هو الفرق بين العبادة والطاعة ؟


    طلب الريالات ونحوها من الناس.. فمن سؤال الخلق فيما يقدرون عليه وليس من الشرك وعبادة غير الله، لأن الطلب منهم فيما يضرّون فيه وينفعون دائر بين التحريم والإباحة وليس من الشرك الأكبر كما قال تعالى: ولاتدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين.
    ##
    قاعدة : الشمس في المشرق الآن وهذا ما دلّ عليه الدليل !
    لكن هناك دليلًا آخر يقول بأنّ الشمس في المغرب الآن وهذا صحيح !
    عليك أن تؤمن بذلك كله وتأخذه كما جاء، ولا تفكّر فيه بعقلك ولو أوقعك في المتناقضات !
    هذا مثل قولك :
    قاعدة : كلّ خصلة أمر الله ورسوله بصرفها إليه فهو عبادة فمن صرفها إلى غيره فقد عبد غيره وأشرك به.
    لكنّ دلّت الأدلة أيضًا أنّه يمكن أن يكون بعض الخصال قد ندب الله الناس لصرفها إليه وأجاز صرفها إلى غيره مثل : سؤال المخلوقين ما يقدرون ..
    طيب القاعدة إذن فيها خلل ؟
    لا عليك يجب أن تؤمن بهذا الكلام كله ولو وقعت في المتناقضات .. هذه القواعد قررها علماؤنا !!


    أرجو أن تُراجع كلامك أخي أبا محمّد .. واعتذر عن قسوة بعض الألفاظ .. الاختلاف لا يُفسد للود قضية ..

  2. #22

    افتراضي

    أخي المأربي، على الرغم من اعجابي الشديد بم تضطلع به في محاورتك هاته من تأصيلات علمية رصينة، إلا أني أعتب عليك أمرين.

    فأما الأول:التطويل الشديد الذي يذهب بالمقصود من هذه المناظرة، وهو الإلزام والإفحام.

    وأما الآخر:تلطفك بمحاورك الذي أثبت لنا هنا، وهناك أنه ما يريد إلا إثارة الشبهات المغرضة.

    لذا أدعوك للاختصار غير المخل بالمقصود، لكي يتبين لك مدى ضحالة ما يأتيه هذا الذي يطعن في أئمة الدعوة بغير حق.

    فأقول له:من تلبس بالشرك فهو مشرك قبل بلوغ الحجة وبعد بلوغها.

    لكن شركه قبل بلوغ الحجة شرك غير مؤاخذ به، وشركه بعد بلوغ الحجة مؤاخذ به.

    فإن قال ما الدليل على ذلك(وكثيرا ما يدندن بهذا-كلمة حق أراد بها باطلا)

    نقول له: ثمة أدلة كثيرة على تسمية من تلبس بالشرك مشركا قبل بلوغ الحجة، من ذلك قوله تعالى:”وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله”

    وأما دليل عدم مؤاخذتهم بهذا الشرك الذي وقعوا فيه، قوله تعالى:”وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”

    و لا حاجة لنا أن نسوق أدلة تسمية مشرك مشركا بعد بلوغ الحجة ومؤاخذته على ذلك، لأن ذلك محط اتفاق بيننا وبين هذا المخالف فيما أحسب، وبالتالي فإنها ليست موضعا للنزاع.

    هذه هي أصل المسألة التي وقع فيها الخلاف، فإن كان أبو البراء جادا في الوصول إلى الحق فليناقش ما ذكر ههنا، وليبين ما لا يوافق عليه، لكي نمشي معه في النقاش خطوة خطوة.

    وأما مسألة العذر بالجهل فهي فرع عن هذا الأصل الذي لا مناص لنا من مناقشته قبل الولوج في غيره، بله تعريف العبادة وقضية السجود وغيرها من المسائل.

  3. #23

    افتراضي

    ((تلطفك بمحاورك الذي أثبت لنا هنا، وهناك أنه ما يريد إلا إثارة الشبهات المغرضة))
    ستكتبُ شهادتهم ويُسألون !

  4. #24

    افتراضي

    أخي المأربي، على الرغم من اعجابي الشديد بم تضطلع به في محاورتك هاته من تأصيلات علمية رصينة، إلا أني أعتب عليك أمرين.
    فأما الأول:التطويل الشديد الذي يذهب بالمقصود من هذه المناظرة، وهو الإلزام والإفحام.
    وأما الآخر:تلطفك بمحاورك الذي أثبت لنا هنا، وهناك أنه ما يريد إلا إثارة الشبهات المغرضة.

    أخي الكريم أشكرك على الثناء العطر الجميل خزاك الله خيراً ورفع قدرك في الدارين..
    أما عتبك فمتجّه في الأصل لكنّ عذري في التطويل أني لا أستطيع الوصول إلى خدمة الانترنت إلا بشقّ الأنفس فإذا سنحت الفرصة أسرعت إلى وضع جميع ما تيسّر عندئذ ولعلك تعذرني بعد هذ.
    أما ملاطفتي في الرد على أخينا أبي البراء الجهني فإني أرى أن الحق يمكن تقريره في أغلب الأحيان بلطف وليونة مع أن الغلظة والخشونة قد تستفز الخصم فيردّ الحق وتأخذه العزّة بالإثم..
    أما قولك: [من تلبس بالشرك فهو مشرك قبل بلوغ الحجة وبعد بلوغها.لكن شركه قبل بلوغ الحجة شرك غير مؤاخذ به، وشركه بعد بلوغ الحجة مؤاخذ به].
    فلي في الاستدراك بعدم مؤاخذة المشرك قبل الحجة والرسالة نظر غير موافق لما قلته ولعلي أتطرّق إليه إن شاء الله بعد الانتهاء من مسألة أخينا الجهني.

  5. #25

    افتراضي

    التعليقة الرابعة عشرة:
    لا داعي للاعتذار فإنما هميّ البحث العلمي لكن المشكلة في القسوة مع انعدام البحث النزيه وهو الظاهر من المشاركات ..
    ولئلا تضيع الفائدة من المطارحات ألخّص ما سلف من الفوائد في طرفين:
    الطرف الأول: الفوائد التي قرّرتُ في المباحثة بأدلتها الشرعية والعقلية وينبغي أن تكون مسلّمة... ومنها:
    الأولى: سبب التكفير يتمّ بوقوع الفعل اختياراً مع قصد حقيقته.
    الثانية: السبب إذا كان صريحا أو ظاهرا في دلالته يتضمّن قصد المعنى فلا يجب البحث عن القصود والنيات بإجماع الفقهاء.
    الثالثة: إذا تمّت حقيقة الفعل فلا عبرة بالقصد المعارض كاللعب والمصلحة إلا أن يكون معتبراً في الشرع كالإكراه..
    الرابعة: الظاهر من الأقوال والأفعال بيّنة شرعية وعدم اعتباره باطل لأنه مخالف للأدلة وللقواعد الشرعية...
    الخامسة: قاعدة اشتقاق اسم الفاعل من الوصف القائم بالذات قاعدة صحيحة شرعية لغوية.
    السادسة: الجنس المنقسم إلى مأمور به ومنهي عنه يعتبر في الأوّل ما لا يعتبر في الثاني كما سبق وهو أصل مهمّ.
    السابعة: لا يشترط علم المشرك بكون عمله شركا وعبادة لغير الله خلافا للقدرية والمتجهمة...
    الطرف الثاني: الإشكالات والأسئلة التي لم أجد التصريح بالتسليم بها ولا بالرّد مع السند، والظاهر أنه سلّم بها بعد الرّد عليه.
    السؤال الأول: دبّوس الأخ في الاعتراض على الأدلة أعني سجود إخوة يوسف! أين انتهى أمره؟
    السؤال الثاني: خبر موسى والحجر...أين وضع رحله؟ ومن الذي ضاقت عليه فم القارورة؟ المأربيّ أم الجهنيّ؟
    السؤال الثالث: ماذا عمن صلّى ركعتين رياء لأجل الناس، وعمّن أتمّ الصلاة بغير طهارة حياء من الناس لأنهما أحد الشبهات التي بنيت عليها قناعاتك في مسألة العبادة؟
    السؤال الرابع: ماذا عن تكفير الساجد للصنم لاعبا أو جاداً للمال والمنصب...؟
    السؤال الخامس: ماذا عن الالتقاء بعقيدة الاعتزال والتجهم في السجود للصنم مع انتفاء قصد التعبد، ومخالفة الإجماع والضرورة الشرعية؟
    السؤال السادس: وماذا عن قاعدة اشتقاق اسم الفاعل من الوصف القائم بالذات؟
    السؤال السابع: أين ذهب الإنكار لإمكان كون المشرك مخلصا موحّداً في عمل مّا في وقت معيّن؟
    السؤال الثامن: ما هو الدليل على عدم اعتبار الظاهر على أحد المعاني بيّنة شرعية؟ وما هو مستند خرق الإجماع؟
    السؤال التاسع: ما هو الدليل على اعتبار ظن المشرك في عبادة غير الله؟ ولماذا لم تعتبر ظنّه بأنه يتقرّب بذلك إلى الله فيكون معذورا به كالأول بجامع الظن والحسبان أو بجامع الجهل والغفلة؟ وماذا في الجواب عن الأدلة المذكورة في الرّد عليك؟
    السؤال العاشر: وماذا عن مقولة: من ثبت إسلامه بيقين لم يخرج إلا بيقين؟؟
    السؤال الحادي عشر: اختلاف الشرائع في أنواع العبادات إما أن تردّه بسندٍ لا بارتجال، أو تسلّم باحتفال، لكن الحيدة لا يعجز عنه أحد!!
    السؤال الثاني عشر: أين الجواب عن كون السجود لغير الله حكما يجوز تغيّره من شريعة لأخرى إجماعا؟

    وهل ضاق الجواب عن ردّ الإجماع؟ إضافة إلى تقرير ابن القيم أنه من خصائص الإلهية في شرعنا!!



    التعليقة الخامسة عشرة:

    [أين الدليل على هذا الأصل الذي كفّروا من خلاله الجُهّال ولم يعذروهم بالجهل، يبدو أنّك لم تجد الدليل، فإذا كان ذلك كذلك يا أبا محمد فهل يليق بطالب العلم أن يؤصّل ويفرّع على تأصيله ويحكم على المسلمين بالكفر وهو لا يعرف الدليل على الأصل الذي أصّله!]


    لا أدري ما يعني الدليل؟ وما مفهومه عندك؟ لأنّ الناس اختلفوا في مفهوم الدليل!


    وعلى أيٍّ فإن تكفير النجديين للجاهل المشرك حق لا ريب فيه ولو لم يكفّروا لما وافقناهم..

    والحمد الله الذي أنقذهم من عقائد الجهمية والمشركين الذين اشترطوا في مفهوم عبادة غير الله اعتقاد الربوبية والتأثير في المعبود وإلا لم يكن الفعل عبادة لغير الله ولا شركا ولا صاحبه مشركا..

    عقيدة أبي البراء الجهني الذي تعذر مشركي العرب وغيرهم قصدا أو لزوماً، فإن كنت في شكٍّ من هذا فراجع مشاركاتك الأولى على الأقل......

    وهذا، والدعوى أني لم أجد دليلا غير واقع على الإنصاف، والإخوة المتابعون هم الحَكَم بيننا!

    والتقعيد والتأصيل لا يشترط له أدلة كثيرة بل يكفي دليل واحد، ويكون التعقيد بالنص وبالقياس وبالاستدلال وبالترجيح ونحوها عند العلماء ولا عبرة لغيرهم، فمثلا قوله تعالى:﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ يتضمن كلية كبرى تشريعية.

    وكذلك قوله:﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره﴾ وكذلك قوله:﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾﴿ من يعمل سوءاً يجز به﴾ ﴿وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم﴾ ونحوها من الآيات.

    وكذلك قوله عليه السلام: «لا ضرر ولا ضرار» «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ» «إنما الأعمال بالنيات» فهذا ونحوها جوامع وأصول كلية يدخل فيها ما لا يحصى من الفروع...

    أما الأصل الذي زعمت أنه ليس له دليل فأدلته أكثر من أن تحصى لكن المشكلة في الانتهاج بما لا ينبغي في الأبحاث العلمية؛ إذ لم أجد منك نزاعا في صحة الدليل، ولا في دلالته على المدلول، ولا في إحكامه وثبوته، ولا في معارضته إلا أن يكون سجود إخوة يوسف الذي اتخذته دبوسا لنقض الأدلة لكنه في آخر المطاف خرج من يديك...

    وعلى أي حالٍ فهذا الأصل: «ما ثبت أنه من خصائص الإلهية فلا يصرف إلا لله إذ صرفه لغيره شرك) أو (ما أمر الله ورسوله بصرفه إلى الله فلا يصرف إلا إليه لأن صرفه إلى غيره شرك وكفر» وما في معناه من العبارات قد قامت عليه الأدلة عليه بالقطع واليقين لا بالظن والتخمين.
    ولو عُدتُ إلى تذكير بعض الإخوة بها فمنها قوله جلّ ذكره:﴿قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب﴾﴿وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً...قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً﴾﴿إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه﴾﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه﴾﴿فإياي فاعبدون﴾﴿قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين﴾.. فهذا أصل في أنه لا يعبد إلا الله وأن لا يشرك به شيء.

    وإن عُدتُ إلى مسألة السجود لله ولغير الله فقد قال جلّ ذكره ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾﴿اسجدو ا للرحمن﴾﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم﴾﴿واسجد واقترب﴾..
    فهذا أمر من الله صريح بصرف السجود لله، والقاعدة في الأصول: أنّ الأمر بالفعل أمر بمصدره؛ فقوله:﴿اسجدوا للرحمن﴾ أمر بالسجود لله مطلوب للآمر مقصود له، والأمر بالشيء نهي عن ضدّه لا سيما إذا كان له ضدّ واحد كالسجود لله..
    ومع دلالة هذه الآيات على ذلك نفيا وإثباتا جاء النهي عن الضدّ مصرّحا به في الكتاب وفي السنة النبوية، ومنه قوله تعالى:﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون﴾ وقال عليه السلام: «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد»، وهذا الأسلوب لا يقع إلا على الممتنع قدرا أ وشرعا غايةً كما حققه ابن القيم رحمه الله.

    وقال عليه السلام لما قيل له أنسجد لك؟: «اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». «اعبدوا ربكم» أي: بتخصيص السجدة له، فإنها غاية العبودية، ونهاية العبادة «وأكرموا أخاكم»: أي: عظّموه تعظيما يليق له بالمحبة القلبية والإكرام المشتمل على الإطاعة الظاهرية والباطنية...
    وقيل لمهاجرة الحبشة رضي الله عنهم: «ما لكم لا تسجدون للملك؟ فقالوا: إن الله عز وجل بعث إلينا نبيّه صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن لا نسجد إلا الله عز وجلّ..» وفي رواية:«...اسجدوا للملك؟ فقال جعفر: لا نسجد إلا لله فقال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعده اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا..»..
    لأن السجود لغير الله شرك فنحن لا نشرك مع الله أحدا فلا نسجد لك أيها الملك لأنه عبادة لك وإشراك بالله ولو تحيّة، لأن من سجد لله ولغيره فقد أشرك مع الله غيره في السجود لغة وشرعا.

    قال العلامة ابن القيم رحمه الله: «إذا عرف هذا فمن خصائص الإلهية: السجود، فمن سجد لغيره فقد شبّه المخلوق به. ومنها التوكل، فمن توكّل على غيره فقد شبّهه به....»
    «فالتوبة عبادة لا تنبغي إلا لله كالسجود والصيام»
    «فالسجود، والعبادة، والتوكل، والإنابة والتقوى والخشية والتحسّب والتوبة والنذر والحلف، والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعا وتعبدا والطواف بالبيت والدعاء= كل ذلك محض حق الله الذي لا يصلح ولا ينبغي لسواه من ملك مقرّب ولا نبي مرسل»

  6. #26

    افتراضي

    التعليقة السادسة عشرة:
    مسألة السجود في شرعنا .. أريد جوابا صريحا مع الدليل على أنّه ليس بعبادة إما لله وإما لغيره في شرعنا.
    [أنت المُطالب بالدليل على أنّ كلّ سجود في شرعنا عبادة.. العبادات توقيفية والأصل في الأفعال أنّها ليست عبادة حتى يرد الدليل .. فالأصل أنّ كل سجود ليس عبادة لكن جاءت الأدلة التي تدل على أنّ السجود يقع على وجه العبادة وأنّ صرفه حينئذٍ لغير الله شرك .. ولم تدلّ هذه الأدلة على أنّ كل سجود عبادة... فالحكم الصحيح: أن نحكم بأنّ السجود منه عبادة أمّا الباقي فيبقى على الأصل ..]
    هذا ليس من المطالبة في شيء، بل هو مكابرة فقد أقمت الدليل على أن كل سجود في شرعنا عبادة لله وحده فمن صرفه لغيره فقد أشرك، ونقلت أيضا عن أهل العلم، فإن كانت هناك شجاعة أدبية فناقش ذلك مع الالتزام بقواعد النظر في الأدلة.
    وبالجملة فالسجود في شرعنا من خصائص الإلهية وقد سبق بما فيه غنية على الإنصاف أما الاعتساف فلا دواء له، والحكم بيننا من ذكرتُهم.
    والآفة عندك في تقديري أنك تطلب أدلة كثيرة في التقعيد والتأصيل لا دليلا واحدا وليس بشيء عند أهل التأصيل والتحصيل فتقول: آتوني بدليل ينصّ بأن: كل صلاة عبادة، وكل صوم عبادة، وكل حج وعمرة عبادة، وكل سجود عبادة...وأن من صرف أيّا منها إلى غير الله فهو مشرك!! وهذا أشبه بكلام الصبيان من كلام العلماء والعقلاء؛ لأنّ الكلية تؤخذ من الأدلة التي تدل عليها بالنص أو الاستنباط....
    كما قال تعالى:﴿ لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم تعبدون﴾ ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد» «أمرنا أن لا نسجد إلا لله عز وجل»..
    فهذه الأدلة عامة في النهي عن السجود للغير، والأمر بالسجود لله وحده، وأن السجود عبادة له وأن الساجد لغيره لا يكون عابدا لله بل هو عابد لغيره..
    وقد تقرر في الأصول: أن دلالة العام على أفراده الخارجة كلية لا يشذّ ولا يخرج من العموم فرد من أفراده إلا بدليل فقوله تعالى:﴿فاقتلوا المشركين﴾ يدخل فيه كل فرد من أفراد المشركين إلا بمخصص.
    وقوله تعالى:﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾...
    يدخل فيهما كل زان وزانية، وكل سارق وسارقة، فإذا وجدوا في الخارج يقال: هذا زان وهذا سارق وهذا مشرك وكل زان يجلد وكل سارق يقطع وكل مشرك يقتل إلا بدليل، وكذلك يقال: هذا سجود لغير الله، وكل ساجد لغير الله عابد لغيره مشرك...
    ولهذا سألتك عن الدليل المخصِّص لهذه الكلية! وأراك أنه أعياك الطلب ولم تجد خيرا من ردّ السؤال إليّ أكثر من مرة من غير حقٍ، وقد عفوتك عن المطالبة حذار الإحراج!.
    قولك: إن العبادات توقيفية..
    صحيح لكنه مبطل لأصلك الفاسد في منع اختلاف العبادات من شريعة لأخرى؛ لأن التوقيف يعني أنها وضعية فيحتاج العابد إلى من يوقفه عليها ويسمع منه، وأن ليس في الفطرة والعقل ما يخصّ شيئا دون شيء، لأنها لو كانت بالفطرة والعقل لما احتيج إلى توقيف وسماع من أحدٍ...وهذا مما يدلّ على أنك تطلق ما لا تتقنه في هذه المباحث المتعلقة بعبادة غير الله!
    وأيضا لو قيل لك: آت دليلا واحداً في أن كلّ عبادة توقيفية بالحرف الواحد لما استطعت إلى ذلك سبيلا!!
    وما بعد هذا من الكلام فقد سبق الجواب عنه أكثر من مرة فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار
    التعليقة السابعة عشرة:
    «العبادة - وهي: نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمره - دائرة مع الأمر والنهي وجودا وعدما فما أمرنا الله بالتقرّب به إليه فهو عبادة وصرفه إلى غيره شرك وعبادة للغير سواء كان جائزا لمن قبلنا أو محرّما»
    [أولًا: على القول الصحيح لا داعي لكلّ هذا التكلّف والتناقض الذي سأبيّنه فيما بعد، فالعبادة على القول الصحيح هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله، وهذا الخضوع لا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان، ومن صرفه لغير الله فهو مشرك كائنًا من كان، وهذا هو التعريف الجامعٌ المانعٌ بخلاف تعريفك، فالعبادة بمعنى الخضوع يدخُل فيها جميع أفعال التذلّل التي يصاحبها الخضوع الخاص ولو لم يرد الأمر والنهي بكونها عبادة، أمّا على تعريفك : فمَن مرّغ وجهه بالتراب عند الصنم يومًا كاملًا ينبغي ألّا متعبّدًا عندك أما من سجد سجدة واحدة فهو العابد؛ لأنّ تمريغ الوجه لم يرد الأمر بكونه عبادة وهذا عجيب !... كما أنّ تعريف العبادة بالخضوع مانعٌ من إدخال بعض الأفعال في العبادة من غير أن يصاحبها خضوع خاص وهذا هو محلّ مناقشتنا...]
    التناقض خير من البدع وتقرير الباطل، لو كان هناك اختلاف وتناقض فكيف وهو خيال لا وجود له..
    وما ذكرتَه من أن العبادة هي الخضوع الخاصّ الذي لا يليق إلا بالله، ولا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان..فكلام يدفع ما قدّمتَه من أنَ العبادة توقيفية لأن هذا يقتضي أن تكون حقيقة لا تقبل التغيّر والاختلاف في أيّ زمن من الأزمان، وكونها توقيفية يقتضي أنها وضعية شرعية تدور مع الأمر والنهي في الشرائع فكيف التوفيق بين الكلامين؟
    وأمر آخر، وهو أنك قلت: إنه التعريف الصحيح للعبادة فالصحة من آثار الشروط والأسباب.. أو حكم عقلي، ولم تذكر دليلا من كتاب أو سنة أو إجماع.. على أن هذا التعريف هو الصحيح دون غيره من التعاريف.
    أقصى ما في الأمر أنّ كل واحدٍ من العلماء يذكر تعريفاً يرى أنه الأولى أو الأصحّ من بين التعاريف، وينبغي أن يتنبه له أنّ العلماء أو أكثرهم إنما يحدّون عبادة الله ولا يعرّفون مطلق العبادة، فتراهم يقولون: العبادة في اللغة: عبارة عن الخضوع والتذلل، يقال طريق معبّد أي مذلل ونحو ذلك من الكلام... وإذا جاءوا إلى تعريف العبادة الشرعية فلهم تعاريف من أشهرها:
    1- «حدّ العبادة هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلّل والخضوع لله، المتجاوز لتذلّل بعض العباد لبعض» وهذا تعريف الأستاذ ابن فورك.
    2- «العبادة طاعة معها خضوع وتذلل وتعظيم وتقرّب مع اعتقاد الهيبة بالمعبود» تعريف آخر لابن فورك.
    3- «العبادة: كلّ طاعة يؤتى بها على سبيل التذلل تعظيما للمطاع دون التوصّل بها إلى نفع ناجز للمطيع، وتخيّل غرضٍ للمطاع فيه»
    «هي فعل أو قول أو ترك فعل أو ترك قول يؤتى به لمجرّد اعتقاد أن الآمر به عظيم يجب قبوله»«هي عبارة عن الفعل الذي يؤتى به لغرض تعظيم الغير» وهذه التعاريف لفخر الدين الرازي
    4- «نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل للمعبود بأمره»...
    وهو تعريف بعض الحنفية فلا تكون الصلاة بغير طهارة وصلاة أهل الذمة وعبادة الأصنام عبادةً مع وجود نهاية الخضوع للمعبود، لأنه لم يوجد الأمر من المعبود بذلك، وإن نوقض بعبادة فرعون بأمره لأنه نهاية الخضوع والتذلل للمعبود بأمره ولا يكون عبادةً؛ أجابوا بأنها:
    5- «نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمرِه» وهو تعريف علاء الدين السمرقندي.
    وهو ما ذكرته أخيرا بعد التعاريف السالفة وهو متعلّق بعبادة الله وهو جامع مانع أو مطرد منعكس فالسجود لله والركوع لله والذبح خضوع وتذلل لمن يستحقّ الخضوعَ والتذللَ (وهو الله) بأمره بذلك في الشرع، وما لم توجد فيه هذه القيود فليس بعبادة لله سبحانه.
    6- «العبادة الخضوع لله بالطاعة والتذلل له بالاستكانة» وهو تعريف ابن جرير الطبري.
    7- خضوع اختياري يطلب به نفع غيبي فإن كان لله زيد بسلطان، وإن كان لغيره زيد بغير سلطان» وهو تعريف المعلمي في كتاب العبادة وفي تصحيح العقائد: إنها الخضوع طلبا للنفع الغيبي..
    ولا تخفى تعاريف شيخ الإسلام وابن القيم وأئمة الدعوة النجدية رحمهم الله على طالب علمٍ.
    هذا التعاريف أكثرها في عبادة الله وبعضها شامل للجنس.
    ومن العجب محاولة الاستدراك والتصحيح على المخالف، وأنت في كلّ مرّة تهدم وتنقض ما قرّرته سابقا تقول:
    [العبادة بمعنى الخضوع يدخُل فيها جميع أفعال التذلّل التي يصاحبها الخضوع الخاص ولو لم يرد الأمر والنهي بكونها عبادة]
    وقد زعمت آنفا أنها توقيفة وضعية تدور مع الأمر والنهي! وفي نفس الوقت تقول: إن العبادة تكون مع انتفا الأمر والنهي! وتقول ثالثة: الخضوع الفعلي الظاهر ليس بعبادة، وإنما العبادة الخضوع القلبي الخاص!!
    وتقرّر في الأصول: أنه لا يجوز ذكر ما لا تأثير له في الحكم مع المؤثِّر؛ فالخضوع الفعلي ليس بعبادة، ولا يجوز أخذه قيدا في الحدّ لأنه حشو وزيادة والحدود يجب أن تصان منه..
    ويدلّ على هذا الأصل الفاسد قولك في حقيقة العبادة:
    [العبادة لابدّ معها من اعتقاد الربوبية في المعبود ولا يمكن صرف العبادة بدون اعتقاد الربوبية..]
    فوجب خروج الأفعال والأقوال الظاهرة من حدّ العبادة وحقيقتها عندك. وهذه عقيدة المشركين والجهمية..
    ولا يخفي ما فيه من المناقضة الصريحة لكتاب الله: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾﴿ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾.
    قال الرازي: «ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله»
    وقال الإمام القرافي في معنى الآية الأولى: «أي ما نعبدهم لغرض من الأغراض ولا لسبب من الأسباب إلا لسبب التقريب إلى الله زلفى. والزلفة القربة.. فهو استثناء من الأسباب التي لم ينطق بها وهو استثناء متصل لحصول شروط المتصل فيه»
    وقال: «وكذلك السجود للصنم فقد كانوا يقولون:﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ فقد صرّحوا بقصد التقرّب إلى الله تعالى بذلك السجود».
    وتقرر في الأصول: أن كل حكاية في القرآن لم تردّ في السياق وفي موضع آخر فهي حق، فالأمر كما أخبروا عن أنفسهم؛ لأنّ المشرك في الألوهية إنما قصده تعظيم جناب الرب وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك، فالمشرك في العبادة لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية وإنما قصد التعظيم، ولا اعتقد الربوبية في الواسطة بل قال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقرّبني إلى الله وتدخلني عليه، فالمقصود عنده هو الله الواحد الأحد، وهذه وسائل وشفعاء..
    وبالنظرة السطحية ما كان يستحق التكفير بهذه النظرية؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد، فإذا كان القصد تعظيمَ الله وإجلاله، وما فعله وسيلة خادمة للمقصد فكيف استحقّ التكفير والطرد والإبعاد؟
    سيأتي إن شاء الله أن تكفيره من جهتين، من جهة إدخال الوسائط بينه وبين الخالق، ومن جهة ما توجّه به إليها، فإن إدخال الوسائط تنقّص للبارئ وشتم له وكذب عليه وظنّ سيء به ..
    وكذلك نفس الفعل أو العبادة خاصّة من خواصّ الإله فتقديمها للمخلوق إشراك وكفر به..
    وهذا وقد تقدّم الإجماع على من عبد غير الله مشرك كافر سواء اعتقد الربوبية في معبوده أو اعتقد أنه يقرّبه إلى الله وإنما هو وسيلة، وكيف يمكن اعتقاد الربوبية في الوسائل والوسائط والشفعاء على هذا الوجه المشروح؟
    ومن خطأ القول أيضا:
    [العبادة على القول الصحيح هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله، وهذا الخضوع لا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان......وهذا هو التعريف الجامعٌ المانعٌ بخلاف تعريفك]
    استرح قليلا أخي الجهني فإن بحثك ضعيف مهزوز لا ينصر حقّا ولا ينقض باطلا بقوّة!
    - جواز الشرك بالله وإباحته من الجائزات عند طوائف من أهل القبلة قالوا بجواز نسخ التوحيد وإقرار الإشراك بالله لأنّ المنع من ذلك يحدّ من كمال قدرة الله بل هو تعجيز لله وتحكّم عليه عندهم بل يؤدِّي المنع عندهم إلى الكفر بالخالق؛ لأنّ المانع من ذلك يتحوّل إلى مدبِّر لله عز وجل تحت قوانين عقله..
    وإليك نصّ بعضهم: «نقول: إن الله قادر على أن ينسخ التوحيد، وعلى أن يأمر بالتثنية والتثليث وعبادة الأوثان، وأنه تعالى لو فعل ذلك لكان حكمة وعدلا وحقا، ولكان التوحيد كفراً وظلماً وعبثاً، ولكنه تعالى لا يفعل ذلك أبدا لأنه قد أخبرنا أن لا يحيل دينه الذي أمرنا به، فلما أمنّا ذلك صار ما تبرأ الله منه كفرا وظلما وعبثا، وصار ما أمر به حقا وعدلا وحكمة فقط.
    وليس اعتقادنا التوحيد حقا ولا حكمة بذاته، دون أن يكون لله فيه أمر، ولكن إنما صار حقا وعدلا وحكمة؛ لأن الله تعالى أمر به ورضيه، وسمّاه حقا وعدلا وحكمة فقط.
    فهذا دين الله عز وجل الذي نص عليه بأنه يفعل ما يشاء وأنه ﴿لا يسأل عما يفعل وهم يسألون﴾ وأنه لو أراد أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء. وهذا هو القول الذي دلت العقول على صحته وبطلان ما عداه....»
    وقرّر آخرون منهم: جواز نسخ وجوب معرفة الله تعالى ونحوها وتحريم الكفر والظلم والكذب وكذلك كلما قيل بوجوبه لحسنه وتحريمه لقبحه في ذاته لقوله تعالى:﴿يمحوا الله ما يشاء وثبت﴾﴿إن الله يفعل ما يشاء﴾﴿ويفعل الله ما يشاء﴾ ولأن أصل التكليف وبعثة الرسل والأنبياء لا يجب على الله فإيجاب التكاليف غير واجب، وإسقاطها بعد التكليف جائز.. وقالوا: المنع من ذلك مذهب المعتزلة القدرية القائلين بحسن بعض الأحكام لذاته فلا يجوز نسخ وجوبها ولا نسخ تحريم المحرّمات القبيحة لذاتها...
    - هذا الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله ولا يمكن أن يباح لأحد في أي زمن...
    نريد أن نقف على طريق المعرفة به؟ وجهة التخصيص له! فإن كانت الفطرةَ والضرورة فلا تكون العبادة توقيفية لأن الضروري الذي لا يقف على سبب لا يختلف العقلاء فيه، والمتوقّف على سبب لا يختلف فيه الذين وقفوا على سببه أيضا..
    وأيضا نفيك للإمكان يقتضي أيضا أن لا تكون العبادات توقيفية؛ لأنّ الشرع لا يرد بتجويز ما أحال العقلُ، ولا بإحالة ما جوّزه العقل، وعلى هذا كيف جمعتَ التجويز العقلي والوقوع الشرعي في قولك: العبادات توقيفية، وبين الامتناع والإحالة؟ فسّر لي كيف ذلك؟
    وكذلك عرّفنا طريقة العثور على أنّ هذا خضوع خاصّ بالله لا يليق بغيره، وذاك خضوع ليِّق بالعباد والخلائق؟
    لأنه إن كان المخصّص الفطرة والعقل عاد ما أسلفته آنفا، وإن كان المخصِّص الشرع وجب أن تكون العبادة وضعية يمكن أن تختلف من زمن لآخر؛ لأنّ الخضوع جنس فلا بدّ من التفريق بين أنواعه ببيان واضح يهتدي إليه العباد، وأن ترجع في التفريق إلى أصل مجمع عليه أو مستدلّ عليه، وإلا فهو إحالة على جهالة بعد كونه تحكّماً.
    - إما التعريف الذي ذكرتُه فهو في عبادة الله كما هو نصّ التعريف فلا معنى للمزايدة والتهويل في غير تحصيل.
    على أني أسلفتُ أنّه لا يمكن أن يأتي نبيّ من الأنبياء أو ينزل كتاب بالشرك بالله وسيأتي بيان وجه الامتناع والإحالة حتى يفهمه بعض إخواننا المتابعين. أما من يكرّر بعض العبارات التي لا يستوعب حقيقتها فلا أشتغل بالرّد عليه...
    - ومن عدم النزاهة والإنصاف: ذكر تمريغ الوجه بالتراب عند الصنم لأمور ثلاثة:
    الأول: أن هذا ليس بعبادة عندك إذ هو فعل ظاهر، والعبادة لا بدّ من اعتقاد الربوبية في المعبود، وليس في التمريغ ما يدل على أنه معتقد للربوبية فيجب أن لا تكفّره لاسيما إذا قال: اعتقد أن هذا حرام، وإنما فعلته عبثا أو لعبا!
    فإن قلت: لا أصدّقه في دعواه! لا يستقيم لك هذا؛ لأن التكفير لا يكون بأمر محتمل عندك، وما ادعاه محتمل! فهل تكفّره بالتشهي والتحكم من غير بينة شرعية؟
    وإن قلتَ: إن هذا خضوع! قيل لك: جنس الخضوع ليس بعبادة عندك ولا عند غيرك..
    وإن قلتَ: هو من الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله!
    فهي دعوى عريّة، وإلا فما هو الدليل على أن هذا الخضوع الذي فعله لا يكون إلا الله؟
    فإن أقمت دليلاً على هذا فلا يكون إلا دليلا إلا شرعيّا فيدور على الأمر والنهي، وإذا كان كذلك فكيف تكفّر الجاهل والمتأوّل الذي قام به الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله؟
    فتبيّن على كلّ تقدير أنّك تحكم بشركه وكفره بغير موجب ولا برهان بناء على قناعاتك.
    الثاني: هذه الصورة من عبادة غير الله، ومن ثمّ فهي غير داخلة في التعريف الذي ذكرته في عبادة الله الجامع لأنواع عبادته المانع من البدع والضلالات، وإذا كان كذلك فمن عدم النزاهة والإنصاف الإشغال به وتطويل الكلام به.
    الثالث: تمريغ الوجه بالتراب عند الصنم إن كان للصنم فهو سجود لغير الله لأنه سجود في الوضع والساجد قاصد لحقيقة الفعل إضافة إلى ما سبق من الأصل المفرّق في الجنس المنقسم إلى مأمور ومنهي وأنه لا يلزم أن يراعي في السجود لغير الله كلّ ما يراعي في السجود لغيره؛ ولأن القاعدة في الأصول: أنّ النفي والنهي إذا دخل على الماهية نفى جميع أجزائها لوجودها في كل جزء من الأجزاء التي يفرض وجودها..
    ومع كونه مشركا من هذه الجهة فهو كافر أيضا من جهة عدم البغض والكراهة للصنم وعدم الكفر بالطاغوت كما قال تعالى:﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى﴾.
    ودليل الخطاب في مفهوم الشرط: أن من آمن بالله ولم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى، ومن لم يستمسك بالعروة الوثقى فليس بمؤمن.
    وفي حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه طارق بن أشيم رضي الله عنه: «سمعت رسول الله ﷺ يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويتركوا ما يعبدون من دون الله، فإذا فعلوا ذلك حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
    وفي رواية: «فإذا قالوها وتركوا ما يعبدون من دون الله حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
    وهذا يفيد أن من قال لا إله إلا الله ولم يكفر بما يعبد من دون الله من الطواغيت لم يدخل في الإسلام الذي أرسل به محمد ﷺ.
    قال العلامة بدر الدين العيني (855هـ) رحمه الله: «وفيه دلالة صريحة على أن الكافر إذا قال لا إله إلا الله لا يحكم بإسلامه، ولا يصح إسلامه حتى يكفر ما يعبد من دون الله، وهذا هو المراد من التبريء عن سائر الأديان سوى دين الإسلام.. قوله: وتخلّيت من التخلي وهو التفرغ من الخلوّ والمراد التبرّؤ من الشرك وترك كل الأديان سوى دين الإسلام وعقد القلب على الإيمان».

  7. #27

    افتراضي

    التعليقة الثامنة عشرة:

    [ثانيًا: أتعجّب كيف جمعت بين المتناقضات في تحريرك لهذه المسألة، فأنت تقول :

    العبادة وهي: نهاية ما يقدر عليه من الخضوع والتذلل لمن يستحقّ بأمره دائرة مع الأمر والنهي وجودًا وعدمًا
    أخي العزيز: الفعل إمّا أن يكون نهاية الخضوع والتذلّل، وعندئذٍ سيبقى في كلّ زمانٍ عبادةً لا يستحقّها إلا الله، ولا علاقة لهذا بالأمر والنهي، أو لا يكون الفعل في ذاته نهاية الخضوع والتذلّل وعندئذٍ فلا يمكن أن يأتي زمانٌ يكون فيه عبادة... لم أفهم كيف يصبح الفعل نهاية الخضوع والتذلّل بعد ما يأتي الأمر أما قبل الأمر فلا يكون كذلك .. هذا غريب!]
    من ينطلق من أصول غير صحيحة يتخبّط فيكثر في كلامه التخليط، ذلك أنّ الخضوع والتذلل للمستحقّ بأمره تعريف ما يكون عبادة لله وهي دائرة مع الأمر والنهي وجودا وعدما فيكون عبادة لله ما لم يكن كذلك كالصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والوضوء والتيمّم.. ونحوها من أنواع العبادة التي صارت عبادة لله بالأمر، وتنتفي بالتغيير والنسخ فالتوجّه إلى بيت المقدس كان عبادة لله ثم نسخ، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين هو الفرض في أول الأمر ثم زيدت، والصوم من صلاة العشاء إلى الليلة القابلة كان عبادة، ثم نسخ، وصوم يوم عاشوراء على سبيل الوجوب كان عبادة ثم نسخ...
    وبحث الفقهاء جواز نسخ جميع العبادات عن العباد سوى معرفة الله سبحانه وتعالى لأنه دور ممتنع إذ لا يمكن معرفة النسخ إلا بمعرفة الله سبحانه.
    إذا عُلِم هذا فما صار عبادة لله في شرعنا فلا يصرف إلا إليه، ومن صرفه لغيره فليس بموحّدٍ بل مشرك، ومنه السجود، والذبح لغير الله، والتيمّم والوضوء للصنم أو الدخول لحريمه، والطواف حول غير بيته..
    ألا ترى دوران عبادة الله مع الأمر والنهي وجودا وعدماً؛ فكان عبادة ما لم يكن كذلك، وما كان عبادة لم يعد عبادة؟
    هذا معنى قول العلماء العبادة توقيفية فلا يعبد الله سبحانه إلا بما شرع..
    وكلامك في ذاتية الخضوع الفعلي ليس بشيء بل ارتجال بلا تحقيق لأن هذا وضعي شرعي أو عرفي بشري، على أن الفعل لا يكون عبادة إطلاقاً على قاعدتك فما وجه التعلّق به من جانبك؟
    أما عندي فلا يكون كلّ فعل في غاية الخضوع عبادة لله إلا بأمره وإذنه، وما صار عبادة بأمره فلا يصرف إلى غيره لأنه شرك بالله وكفر فلا معنى للإسراف في الكلام والمحاورة.
    [ثالثًا:نظرًا لأنّ هذه التحريرات مبنية على أصلٍ باطلٍ لا دليل عليه وهو دعوى أنّ كل سجود وكل ركوع وكل قيام... إلخ : هو عبادة لا تصح إلا الله فقد وقعتم في تناقض صارخ بين قواعدكم التي بنيتموها على هذا الأصل ومنها ما ذكرتموه في هذه المسألة ووجه ذلك]
    قام الدليل على أنّ كلّ ما كان عبادة لله في الميزان الشرعي لا يجوز صرفه إلا إليه وتكرار الدعاوي المجرّدة لا قيمة له في البحث.
    أما التناقض الصارخ فهو غير موجود في الواقع لكنه في ذهن صاحبي أبي البراء الجهني موجود!
    التعليقة التاسعة عشرة:
    [ما أكثر ما تردّدون بأنّ اسم المشرك ثبت قبل الرسالة، كيف يكون ذلك إذا كانت العبادة التي يقع فيها الإشراك لا تُسمى عبادة إلا بعد مجيء الرسالة.. لم أفهم كيف جمعتم بين هذا التناقض... تقولون : العبادة دائرة مع الأمر والنهي لكن شرك العبادة يثبت اسمه قبل الأمر والنهي .. أمرٌ عجيب غريب]!
    سبق أنّ التناقض ادعائي وليس حقيقيا ولا أريد المجادلة بالباطل ولا استفزازك، إنما يكفيني تقرير الصواب بالدليل لأنّ الحق يدخل قلب أهل الإنصاف من غير بواب ولا استئذان..
    ولولا أنّ قصدي نفع الإخوان وخوف الاغترار بكلامك لما تكلّفت الرّد عليك؛ لما أعانيه من المشاق في الوصول إلى المجلس في أغلب الأحيان.
    وهنا أصل يكشف الغطاء في مسألة الشرك بالله وقبل الخوض في بيانه أقول:
    1- اسم المشرك وحكمه يثبت قبل الرسالة المحمدية فمن أشرك بالله فهو مشرك كافر قبل الرسالة، والأدلة القرآنية والنبوية في ذلك قاطعة مع صحة الإجماع في ذلك، فمن كان له رأي مخالف.. فهذا الفرس والميدان نشرع فيه بعد الانتهاء من هذه المخاضة الجارية...
    2- تقرّر بالدليل القاهر أن أفراد العبادات وأنواعها الجزئية دائرة مع الأمر والنهي ولا حاجة للتكرار المملّ.
    3- قد يكون الفعل عبادة في الوضع اللغوي أو العرفي ولا يكون عبادة لله إلا بالأمر الشرعي...
    4- من أشرك بالله فلا يكون شركه إلا بعد الرسالة لأنّ جميع الأنبياء دعوا إلى عدم الإشراك؛ ولهذا كان بعض الأنبياء يقاتلون غير أقوامهم على الشرك مع خصوص دعوتهم وبعثتهم لأن هذا لا يختلف فيه...

  8. #28

    افتراضي

    وبعد هذه التقريرات المختصرة في الشبهات المبعثرة..

    إليك بيان الأصل الذي اعتاص عليك فهمه فأقول:
    بحثنا في شرك العبادة، والشرك في أصله نوعان:
    - شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو نوعان:
    أحدهما: شرك التعطيل وهو أقبح أنواع الشرك ومنه شرك فرعون وأهل وحدة الوجود والملاحدة الفلاسفة، وغلاة الجهمية في تعطيل الأسماء والأوصاف.
    والآخر: شرك من جعل مع الله إلها آخر ولم يعطل الأسماء والصفات والربوبية كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وجعلوا المسيح إلهاً وأمّه كذلك، ومنه شرك المجوس في إسناد الحوادث الخيرية إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة.. وشرك أهل الكواكب العلوية المدبرة لأمر العالم بزعمهم، ومنه شرك عبّاد الشمس وعباد النيران وغيرهم.. وهذا الشرك ينقسم عند العلماء إلى كبير وأكبر وليس منه شيء مغفور؛ فإنه يدور على نفي الذات المقدّسة أو نفي نعوت الجلال وصفات الكمال أو أن يجعل لغير الله معه تدبيرا مّا.. وليس البحث في هذا النوع من الشرك.
    - والثاني من قسمي الشرك: الشرك في عبادته ومعاملته وإن كان صاحبه يعتقد أنه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وهو أخفّ من الأول فإنه يصدر ممن يعتقد الألوهية في الله وأنّه لا ينفع ولا يضرّ ويعطي ويمنع إلا الله، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته.. وهو ينقسم من حيث الجملة إلى شرك أكبر وأصغر، فمنه الشرك بالله في المحبة والتعظيم، والشرك في الأفعال والأقوال كالسجود والذبح والنذر لغير الله .. والأكبر منه يرجع إلى أن يُدعى غيره دعاء عبادة أو دعاء مسألة.
    وبهذا يُعلم أن الشرك عاد إلى التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق بالله فالمشرك مشبّه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، ومن خصائص الإلهية:
    1- التفرّد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعلّق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل بالله وحده فمن علّق ذلك بمخلوق فقد شبّهه بالخالق.
    2- والكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه وهذا يوجب أن تكون أنواع العبادات كلّها لله وحده، فمن جعل شيئا منها لغيره فقد شبّه ذلك الغير بمن لا شبيه له ولا مثل له ولا ندّ.. وذلك أقبح التشبيه وأبطله. ولشدّة قبحه وتضمّنه غاية الظلم أخبر سبحانه أنه لا يغفره مع أنه كتب على نفسه الرحمة.
    3- ومن خصائص الإلهية: العبودية التي قامت على غاية الحبّ مع غاية الذل، فمن أعطى حبّه وذلّه وخضوعه لغير الله فقد شبّهه به في خالص حقّه.
    هذا في جانب التشبيه، أما في جانب التشبّه به فمن تعاظم وتكبّر أو شرّع، ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء وتعلّق القلب به خوفا ورجاء والتجاء واستعانة به فقد تشبّه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته..
    بعد هذه المقدمة فاعلم أني أسلفتُ: أن تشريع الإشراك بالله وإباحته مستحيل لا يمكن أن تأبي به شريعة من الشرائع وإليك وجه الامتناع الناقض لأصول المشركين في نوعي الشرك..
    أما الأول، فهل يمكن أن يخبر الله عباده بعدم وجوده وانتفائه أو جواز الحدوث عليه، أو يخبر أنه ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة أو رابع أربعة...أو أنه ليس بقادر ولا عالم ولا مريد أو أنه ليس بحيّ ولا سميع ولا بصير، أو يقول: أوجبت عليكم اعتقاد وحدتي في وقت فإذا جاء كذا وكذا فقد أسقطت عنكم اعتقاد ذلك، بل أبحت لكم التثنية والتثليث.. وهلمّ جرّا في نفي صفات الكمال وأوصاف الربوبية؟..
    كلّا وربي؛ لأن ذلك وجب لله بدلائل العقول مع براهين الفطر والشرائع بعد كونها حقائق ثابتة لا يمكن الإخبار عنها بخلاف الواقع كما لا يمكن إيجاب العلم بأنّه سبحانه على خلاف ما هو عليه من الصفات ولا أنّ بعض الأشياء بخلاف حقيقتها وأنه سبحانه على ضدّ صفاته العلية.. فكان ما ذكر ممتنعا، والشرع لا يرد بتجويز المحال ولا بإحالة الجائز.. ولزم ضرورةً عدم إمكان التشريع والدعوة إلى الشرك بالله في الربوبية.
    أما شرك الوسائط والتقريب فيمتنع أيضا تشريعه كالشرك في الربوبية لأنّه إذا كان المولى بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وغني عن كلّ ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، والقائم بالقسط على خلقه، والمتفرّد بتدبير الخلائق لا يشركه فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية، والكافي لهم وحده فلا يحتاج إلى معين، والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه..
    صار إدخال الوسائط بين القادر على كل شيء، الغنيّ بذاته عن كل شيء، العالم بكل شيء، الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء= وبين خلقه تنقّص في حق الربوبية والألوهية، وظنّ بالله ظنّ السوء، وقياس لربّ الأرباب على الملوك والرؤساء الذين يحتاجون إلى من يعرّفهم أحوال الرعية وحوائجهم، وإلى من يعينهم إلى قضاء الحوائج، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة..
    فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لفقرهم الذاتي وعجزهم وقصور علمهم؛ فإدخال الوسائط شتم وكذب وتنقيض له تعالى الله عما يفعل الظالمون علواّ كبيرا؛ ولهذا قال جلّ ذكره في الحديث الصحيح: «يقول الله عز وجل يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له أن يكذبني، أما شتمه إياي قوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه إياي قوله لن يعيدني كما بدأني»
    واستحال أن يأذن الله في عبادة غيره والشرك به كما يستحيل أن يناقض أوصاف الكمال ونعوت الجلال، وكيف يظنّ بالله أن يأذن في مشاركة الخلائق له في خصائص الربوبية والألوهية أو يرضى به؟
    وبالجملة: يستحيل تشريع هذا في شريعة لأن قبحه مستقر في الفطر والعقول السليمة فوق كل قبح.
    أما أفراد العبادات وأنواعها المختلفة المقوّمة لعبادته فجائز جريان التغيير والنسخ فيها إذ لا محذور في ذلك شرعا وعقلا، بل يجوز نسخ جميع التكاليف والعبادات سوى معرفته سبحانه على أصل الفقهاء وأصحاب الحديث قال المجد ابن تيمية رحمه الله: «ويجوز نسخ جميع التكاليف سوى معرفة الله تعالى على أصل أصحابنا وسائر أهل الحديث خلافا للقدرية في قولهم: العبادات مصالح فلا يجوز رفعها»
    فتحصّل من هذا كلّه أن تقريراتك تترنّح بين مذاهب القدرية المعتزلة وبين مذاهب الجهمية أو المتجهمة وذلك في نفي اختلاف الشرائع في أنواع العبادات، وفي اشتراط اعتقاد الربوبية..
    وتدرك أيضا أخي سقوط قولك:
    [تقولون أنّ الاتفاق حصل في أصل التوحيد ودعوة الخلائق إلى عبادة الله وحده وأن لا يشرك به شيئا أمّا الفروع المؤدية إلى الأصل والخادمة له من أنواع العبادات التي يتقرّب بها إلى الله فيقعُ فيها الاختلاف وتكون بحسب الأمر والنهي.
    إذا كان ذلك كذلك فعلامَ كفّرتم المسلم الجاهل الذي يقرّ بعبادة الله وعدم الإشراك به لكنّه لم يبلغه الأمر والنهي الذي يستطيع به تمييز أنواع العبادات عن غيرها، أليست العبادة لا تُسمّى عبادة إلا بعد الأمر والنهي، فما صرفه هذا الجاهل لغير الله ليس هو من العبادات عنده لأنّه لم يبلغه الأمر والنهي]
    وأنه كلام صادر منك على حين غفلةٍ أو غياب فكرٍ؛ لأن من صرف العبادة إلى غير الله فقد أدخل الواسطة وتقرّب إلى غيره فنجاسة الشرك الأكبر، وسوء الظن برب الأرباب مالك الرقاب، والقياس الفاسد للقادر على العبد العاجز متحقق فيه، فالتنقيص والشتم والتكذيب لله متأصّل فيه، سواء كان مخترعا أو مقلدا في ذلك، وسواء جهل أو علم، بل من حكم بإسلام هذا أو عذره بما ينفي وصف الكفر عنه ويثبت له الإسلام فهو كافر بإجماعٍ كمن لم يكفّر اليهود والنصارى والمجوس!

  9. #29

    افتراضي

    التعليقة العشرون:
    [بر الوالدين: ألم يأمر الله بصرف هذا الفعل إليه فنحن نبرّ والدينا تقرُّبًا إلى الله لأنّ الله أمر بذلك... لماذا أخرجته عن مفهوم العبادة .. وما هو الفرق بين العبادة والطاعة؟]
    كلام لا يشمّ منه إلا المكابرة إلا فلم يأمر الله بصرف هذا الفعل - وهو البر والإحسان - إليه وإنما أمر بصرفه إلى مخلوق هو الوالد كما قال المولى:﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾﴿ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً﴾ فهذا عمل أمر بصرفه إلى من يستحقه (الوالدان) والبارّ والمحسن إنما توجّه بالعمل إلى الوالد، وإذا أحسنّا إليهم امتثالا لأمر الله فقد أطعناه واستحقنا الثواب والأجر. ألا ترى أنه لا يقال: عبد الوالد بل أحسن إليه أو برّ بوالده..
    وقد مرّ بنا أن النسبة بين الطاعة والعبادة هي العموم والخصوص المطلق لأن الطاعة: امتثال ما أمر به الآمر. وقيل: هي موافقة الآمر.
    قال الإمام علاء الدين السمرقندي رحمه الله:
    «أما حدّ الطاعة: فهو موافقة الأمر. وقيل: هو العمل لغيره بأمره طوعا. ولهذا لا تجوز العبادة لغير الله تعالى، وتجوز الطاعة لغيره قال الله تعالى:﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم﴾».
    وقال الأستاذ ابن فورك رحمه الله:
    «اعلم أنه ليس معنى الطاعة معنى العبادة، وقد تكون طاعة لا عبادة، ألا ترى أنه قال:﴿ومن يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ ولا يقال لمن أطاع الرسول أنه عبد الرسول لأن العبادة طاعة مخصوصة، وهو أن تكون طاعة معها خضوع وتذلل وتعظيم وتقرّب يعتقد معه الهيبة بالمعبود»
    الخلاصة:
    أن الطاعة أعم من العبادة، وهي أخص من الطاعة لأنّ العبادة هي العمل التي يتوجّه به إلى الله بأمره فغلب استعمالها في تعظيم الله غاية التعظيم، بخلاف الطاعة فإنها تستعمل لموافقة أمر الله، وأمر غيره فيقال: أطاع الله، وأطاع الرسول، وأطاع فلاناً، وتجوزالطاعة لغير الله في غير المعصية، ولا تجوز العبادة لغير الله. وهذا يكفي في هذا المقام فمن أراد التوسع فليراجعه من مظانه.
    التعليقة الحادية والعشرون
    [قاعدة : الشمس في المشرق الآن وهذا ما دلّ عليه الدليل ! لكن هناك دليلًا آخر يقول بأنّ الشمس في المغرب الآن وهذا صحيح !عليك أن تؤمن بذلك كله وتأخذه كما جاء، ولا تفكّر فيه بعقلك ولو أوقعك في المتناقضات! هذا مثل قولك: قاعدة : كلّ خصلة أمر الله ورسوله بصرفها إليه فهو عبادة فمن صرفها إلى غيره فقد عبد غيره وأشرك به. لكنّ دلّت الأدلة أيضًا أنّه يمكن أن يكون بعض الخصال قد ندب الله الناس لصرفها إليه وأجاز صرفها إلى غيره مثل: سؤال المخلوقين ما يقدرون...طيب القاعدة إذن فيها خلل ؟ لا عليك يجب أن تؤمن بهذا الكلام كله ولو وقعت في المتناقضات.. هذه القواعد قررها علماؤنا!!]
    لا حاجة إلى هذا الإسراف في الرّد والاعتراض فإن هذا من سؤال الطلب، وطلب أحدنا من آخر فيما يقدر عليه ليس من الشرك بالله لأنّه فيما يضرّ فيه المخلوق وينفع، ومثل هذا الطلب دائر بين التحريم والإباحة كما قال تعالى: ﴿و لاتدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين﴾.
    وكلامك على فظاظته دائر على أنّ هذه الصورة داخلة في الحدّ الذي ذكرتُه، والنقض كما عُرِف يدخل في الحدود والعلل والأدلة لأنه وجود العلة بدون المعلول، أو الحدّ بدون المحدود، أو الدليل بدون المدلول، بحسب ما يكون النقض من علة وغيرها بخلاف العكس فإنه وجود المعلول بدون العلة، أو المحدود بدون الحد، أو المدلول بدون الدليل، وهو غير وارد في العلل والأدلة، لأن العلل الشرعية يخلف بعضها بعضا، وكذلك الأدلة، والعكس وارد في الحدود لأن الحدّ لا بد أن يكون جامعا مانعا فكونه جامعا يمنع من وجود المحدود بدونه.
    والجواب باختصار من وجهين:
    الأول: الجواب بتحرير المراد، وهي وظيفة مقبولة في علم آداب البحث والمناظرة فقولي:
    «إن كلّ خصلة أمر الله ورسوله بصرفها إليه فهو عبادة فمن صرفها إلى غيره فقد عبد غيره وأشرك به»
    فالمراد به أن يكون ذلك على سبيل الاختصاص بالله، وإنما أوجزت لأني أعلم وإلى الآن: أنك أحطت بالحدّ الذي أختاره في الفصل بين ما يكون شركا بالله في العبادة وما لا يكون كذلك.
    وإليك الشواهد السابقة في المشاركات الدائرة حول الأصل الذي ذكرتُه:
    «أن كل ما ثبت في شرعنا أنه لا يصرف إلا إلى الله من عمل قلبي أو ظاهر فعلي أو قولي فصرفه إلى غير الله شرك وصاحبه مشرك كافر سواء جهل أو علم الحكم.
    فمن عنده زيادة علم فلينقض هذا الأصل بصورة متفق عليها بدليلها، وينبغي أن يعلم أيضا أن الشرط حكم شرعي وضعي يحتاج في إثباته إلى دليل من الشرع».
    «إذا أثبتَّ أنّ جنس السجود والركوع لا يصرف إلا لله فهو داخل في القاعدة، وألتزم تكفيرَ من صرفه إلى غير الله ولا أعذره بالجهل تعليقا للحكم بسببه، وأطلق عليه اسم المشرك لقيام الوصف أو المصدر به، والقاعدة أن الوصف إذا قام بالمحلّ جاز اشتقاق اسم الفاعل منه».
    «ولا ريب أن الله أمر بالسجود له ونهى عن السجود لغيره، فمن سجد لغير الله فقد أثبت للمسجود له شركة مع الله لأنّ الشرك مأخوذ من المشاركة أو الإشراك وفي الاصطلاح: إثبات شريك لله فيما هو من خصائص الله. الخلاصة: جنس السجود عبادة خاصة بالله في شرعنا فمن صرفه إلى مخلوق فقد أشرك وعبد غير الله».
    «قرّرتُ أن ما ثبت في شرعنا أنه لا يصرف إلا الله فصرفه إلى غير الله شرك وصاحبه مشرك كافر سواء جهل أو علم الحكم..»
    وإذا كان الأمر كذلك فالتعلّق بعبارة موجزة مع قيام الشواهد المبيّنة دليل على أنك إلى الآن لم تقدر على نقض الأصل ولو بصورة واحدةٍ.. ولله الحمد والمنّة على ذلك وأجزم أنك لا تستطيع هذا، ولو استعنت بمن قدرت من الثقلين.
    الثاني: هذه الصورة غير داخلة في المحدود حقيقةً، وإن أطلق عليها في الوضع اللغوي دعاء أو مسألة لأن اللفظ إذا استعمل في معنيين فصاعداً فإما أن يجعل حقيقة في أحدهما مجازاً في الآخر، والمجاز خلاف الأصل مع إمكان التحكّم، أو يجعل حقيقة فيما يختص به كل منهما فيكون مشتركا اشتراكا لفظيا وهو خلاف الأصل أيضا، أو حقيقة في القدر المشترك بينهما، وهي الأسماء المتواطئة العامة، فإذا كان الأولان خلاف الأصل وجب أن يجعل اللفظ من الأسماء العامة المتواطئة.. والقدر المشترك بين مسمّيات الأسماء المتواطئة أمر كلي عام لا يوجد كليا عاما إلا في الذهن لا في الخارج..
    ولهذا لا نعلّق مسمّى الشرك الأكبر بمطلق السؤال، بل بالدعاء الذي تبيّن أنه من خصائص الإلهية نظراً إلى الأدلة الشرعية كهداية القلوب ومغفرة الذنوب والنصر على الأعداء، وطلب الرزق من غير جهة معينة والفوز بالجنة والإنقاذ من النار ونحو ذلك من الخصائص بخلاف الأسباب الجزئية التي يقدر عليه المخلوق..

    ولما كانت مسألة المخلوق فيها شائبة أو شبه مّا لمسألة الخالق كانت في الأصل محرّمة أو مكروهة وإنما أبيحت للضرورة والحاجة وشدّد الشارع في النهي عن سؤال المخلوق والله المستعان.


    وأخيراً: لا أزال أطالبك الدليلَ على أنّ سؤال القبوري للولي المقبور جلب النفع أو دفع الضر لا يكون شركاً أكبر حتى يعتقد فيه الربوبية!! ومن السلف لك في هذا؟

    هذه مسألتي، وما عداه فكلام جرّ بعضه إلى بعضٍ، وعسى أن يكون فيه فائدة ومنفعة لبعض الإخوة ولا أعدم فيه إن شاء الله أجراً أو عذراً إن شاء الله.


    حاصل ما تقدّم:

    1- أنّه لا يعبد إلا الله، ولا يُعبَد إلا بما شرع في الدين.

    2- تحريم الشرك الأكبر وقبحه معلوم عقلا وشرعا بعد التصوّر التام..

    3- لا عذر لأحدٍ في ذلك قبل الرّسالة وبعدها

    4- أئمة الدعوة النجدية على هدى وصراط مستقيم في هذه المسائل.
    5- التكفير حكم شرعي مأخذاً ودليلاً، وليس هناك سبب غير شرعي يكفّر به الناس.


  10. #30

    افتراضي

    أما قولك: [من تلبس بالشرك فهو مشرك قبل بلوغ الحجة وبعد بلوغها.لكن شركه قبل بلوغ الحجة شرك غير مؤاخذ به، وشركه بعد بلوغ الحجة مؤاخذ به].
    فلي في الاستدراك بعدم مؤاخذة المشرك قبل الحجة والرسالة نظر غير موافق لما قلته ولعلي أتطرّق إليه إن شاء الله بعد الانتهاء من مسألة أخينا الجهني.

    نفع الله بك.

    شوقتنا لكي نفيد منك، ولهذا أقترح عليك أن تفتح موضوعا جديدا لنناقش فيه هذه المسألة.

    زادك الله حرصا، ويسر لك أحوالك.آمين

  11. #31

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء الجهني مشاهدة المشاركة
    ((تلطفك بمحاورك الذي أثبت لنا هنا، وهناك أنه ما يريد إلا إثارة الشبهات المغرضة))
    ستكتبُ شهادتهم ويُسألون !
    رمتني بدائها وانسلت!
    وماذا عساه أن يكون حال من يفتري على الله الكذب ويقول على الله بغير علم؟

  12. #32

    افتراضي

    أخي أبا محمد ..
    بارك الله لك في علمك واحتسابك في نشر العلم .. أتوقّع أن نصل إلى نقطة اتفاق إذا كان الحق قائدنا والدليل رائدنا ..
    تركتُ التطويل في الإجابة عمّا أوردتَه من كلام سابق، لا عجزًا عن الجواب، وإنّما اقتصارًا على مناقشة ما يتعلّق بالأصل الذي لم نتّفق عليه بعد، وماذا يُفيد نقاشنا في الفروع إذا كان منشأ الاختلاف في الأصل وهو: (أنّ كل ما أمر الله ورسوله بصرفه إلى الله وحده فصرفه لغيره شرك)، وبالتالي سيكون تركيزي على هذا الأصل ..
    فإذا صحّ تعميم أنّ كل ركوع وسجود عبادة، من دون تخصيص فيصح قولكم وإلا فلا يستقيم تأصيلكم الذي بنيتم عليه كلّ هذه الفروع.
    ويبدو أنّ الكلام عن هذه المسألة لابد أن يتطرّق إلى قصة سجود إخوة يوسف فهو الدليل الواضح في تخصيص الخضوع الظاهري .

    أولاً: مناقشة الأدلة على يستدلّ بها أبو محمد على الأصل الذي يختاره :
    أما الأصل الذي زعمت أنه ليس له دليل فأدلته أكثر من أن تحصى ... ولو عُدتُ إلى تذكير بعض الإخوة بها فمنها قوله جلّ ذكره:
    1- ﴿قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب﴾

    هذه الآية تفيد الأمر بعبادة الله وعدم الشرك، وليس فيها أنّ كلّ ما أمر الله أو رسوله بصرفه إلى الله فصرفه لغيره شرك .

    2- ﴿وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً...قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً﴾
    أمرٌ بعبادة الله وحده ونهيٌ عن الشرك، فلا أدري من أين استنبطت أنّها تدل على أنّ كل ما أمر الله ورسوله بصرفه إلى الله فصرفه لغيره شرك.

    3- ﴿إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه﴾﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه﴾﴿فإياي فاعبدون﴾﴿قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين﴾
    كل هذه الآيات لا تفيد في تقرير الأصل وليس فيها أنّ كل ما أمر الله ورسوله بصرفه إلى الله فصرفه لغيره شرك، وإنما فيها الأمر بعبادة الله وحده وهذا ما يقول به الجميع .

    4- ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ ﴿اسجدو ا للرحمن﴾﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم﴾ ﴿واسجد واقترب﴾ ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون﴾
    من سياق هذه الآيات يتضح أنّ المراد بالسجود فيها هو سجود العبادة (واعبدوا) (إن كنتم إياه تعبدون)، ويؤيّد هذا السياق ما ورد في سجود إخوة يوسف كما سيأتي.

    5- «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد» «اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
    هذا أمرٌ بتخصيص السجود لله، وجعله عبادة خالصة لله، وهذا ما نقول به، فالسجود لغير الله محرّم ولا يليق في شريعتنا إلا بالله، وليس فيه أنّ كلّ سجود لغير الله شرك، لاحظ أنّنا نتكلّم عن مسألة الشرك والتوحيد، وليس عن المحرّم والمباح.
    ثمّ إنّك لو تأملت الحديث الثاني جيّدًا لوجدت أنّه عليك لا لك .. فإنّه يدل على أنّ السجود لغير الله احترامًا ليس بشرك وإلا فكيف يفكّر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هو من الشرك الأكبر .. هل يُعقل هذا .. حاشاك يا رسول الله ..


    6- «ما لكم لا تسجدون للملك؟ فقالوا: إن الله عز وجل بعث إلينا نبيّه صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن لا نسجد إلا الله عز وجلّ..» وفي رواية:«...اسجدوا للملك؟ فقال جعفر: لا نسجد إلا لله فقال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعده اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا..»..
    نحن لا نخالف في أنّ من يعتقد أنّ السجود لا يكون إلا لإله –وهذا هو السجود العبادي- ثم يصرف السجود لغير الله أنّه مشركٌ، لأنّه لابد أن يكون معتقدًا استحقاق ذلك الغير للألوهية .. لكن ذلك لا يدلّ على أنّ مَن صرف سجود الاحترام والتحية لغير الله لأنّه لا يعلم أنّ السجود لا يكون إلا لله .. لا يكون مثل هذا مشركًا لأنّه لا يلزم منه اعتقاد استحقاق غير الله للألوهية .. والأدلة تدلّ على أنّ مثل هذا ليس بمشرك ..

    ثانيًا: الجواب عن إشكال أبي محمد حول قولي (العبادات توقيفية) :

    قولك (العبادات توقيفية) صحيح لكنه مبطل لأصلك الفاسد في منع اختلاف العبادات من شريعة لأخرى؛ لأن التوقيف يعني أنها وضعية فيحتاج العابد إلى من يوقفه عليها ويسمع منه، وأن ليس في الفطرة والعقل ما يخصّ شيئا دون شيء، لأنها لو كانت بالفطرة والعقل لما احتيج إلى توقيف وسماع من أحدٍ...وهذا مما يدلّ على أنك تطلق ما لا تتقنه في هذه المباحث المتعلقة بعبادة غير الله!
    وقلتَ أيضًا: وما ذكرتَه من أن العبادة هي الخضوع الخاصّ الذي لا يليق إلا بالله، ولا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان.. فكلام يدفع ما قدّمتَه من أنَ العبادة توقيفية لأن هذا يقتضي أن تكون حقيقة لا تقبل التغيّر والاختلاف في أيّ زمن من الأزمان، وكونها توقيفية يقتضي أنها وضعية شرعية تدور مع الأمر والنهي في الشرائع فكيف التوفيق بين الكلامين؟

    ##
    أخي سأبيّن لك ما خفي عليك : أصل العبادة وهو الخضوع الخاص هذا لا يحتاج إلى توقيف ولا إلى أمر أو نهي .. فنحن نعبد الله لأنّه هو المستحقّ للعبادة وحده .. وهذا الذي نقول أنّه لا تختلف فيه الشرائع ولا يدخله النسخ .. ولا يُعذر فيه بالجهل .. أما أنواع ما يُتعبّد به من العبادات فهي توقيفية بحسب الأمر والنهي ..

    ثالثًا: مناقشة التناقض الصارخ في تقرير أبي محمد حول الإشراك قبل الرسالة:
    سبق أنّ التناقض ادعائي وليس حقيقيا ولا أريد المجادلة بالباطل ولا استفزازك، إنما يكفيني تقرير الصواب بالدليل لأنّ الحق يدخل قلب أهل الإنصاف من غير بواب ولا استئذان.. ولولا أنّ قصدي نفع الإخوان وخوف الاغترار بكلامك لما تكلّفت الرّد عليك؛ لما أعانيه من المشاق في الوصول إلى المجلس في أغلب الأحيان. وهنا أصل يكشف الغطاء في مسألة الشرك بالله وقبل الخوض في بيانه أقول:
    1- اسم المشرك وحكمه يثبت قبل الرسالة المحمدية فمن أشرك بالله فهو مشرك كافر قبل الرسالة، والأدلة القرآنية والنبوية في ذلك قاطعة مع صحة الإجماع في ذلك، فمن كان له رأي مخالف..
    2- تقرّر بالدليل القاهر أن أفراد العبادات وأنواعها الجزئية دائرة مع الأمر والنهي ولا حاجة للتكرار المملّ.
    3- قد يكون الفعل عبادة في الوضع اللغوي أو العرفي ولا يكون عبادة لله إلا بالأمر الشرعي...
    4- من أشرك بالله فلا يكون شركه إلا بعد الرسالة لأنّ جميع الأنبياء دعوا إلى عدم الإشراك؛ ولهذا كان بعض الأنبياء يقاتلون غير أقوامهم على الشرك مع خصوص دعوتهم وبعثتهم لأن هذا لا يختلف فيه...

    ##
    أخي الكريم .. قبل أن تخف على الناس من الاغترار بكلامي؛ خف على نفسك من أن تكون مقلّدًا ترى الحقّ ثمّ تعرض عنه ..
    هل تصدّق أنني قرأت كلامك هذا أكثر من مرة لعلّي أجد فيه جوابًا عن التناقض الصارخ .. فلم يزدني جوابك هذا إلا تقريرًا للتناقض وإصرارًا على الخطأ..
    أنا ذكرتُ أنّكم تقولون بأنّ الشرك ثبت قبل الرسالات وقد جئت لتؤكّد ذلك في النقطة الأولى وتبيّن أنّ المسألة إجماع !
    ثمّ ذكرت لك أنّ العبادة تدور مع الأمر والنهي ، فجئتَ وأكّدت ذلك في النقطة الثانية ولم تُطل فيه رغبة عن الملل والإملال !
    ثمّ إنّي انتظرتُ في النقطتين المتبقيتين أن تنسف هذا التناقض نسفًا يتناسب مع مقدمتك التي سفّهت فيها دعوى التناقض فإذا بك تذكر في النقطة الثالثة أمرًا لا علاقة له بالمسألة ولم تذكر وجه اتصاله بالمسألة، وهل يُؤاخذ الله الناس بالعبادة بالمعنى اللغوي والعرفي !!
    ثم هداك عقلك إلى ما تظنّ أنّ فيه شيئًا من الجواب وليس بشيء فقلتَ :
    من أشرك بالله فلا يكون شركه إلا بعد الرسالة لأنّ جميع الأنبياء دعوا إلى عدم الإشراك؛ ولهذا كان بعض الأنبياء يقاتلون غير أقوامهم على الشرك مع خصوص دعوتهم وبعثتهم لأن هذا لا يختلف فيه.
    عجيب .. هل هذا جواب !!
    الأنبياء دعوا إلى عدم الإشراك بالله لكن كل شريعة لا يتحدّد الشرك فيها إلا بعد معرفة العبادات كما تقول، ما هو الشرك الذي فعله كفّر قريش من الأعمال الظاهرة مما ليس له علاقة بالأمر والنهي وإنّما يجب أن يكون ثابتًا عند جميع الأنبياء ؟
    كيف لمن يسجد للأصنام ويطوف حولها أن يعرف أنّ فعله هذا شرك قبل مجيء الرسالة المحمدية .. كيف والعبادات لا تتحدّد عندك إلا بالشرائع!!

    أظنّك تحاول أن تحيد عن الطريق السهل الواضح في الجواب وهو أن تقول : أصل العبادة وأصل الشرك مُتفقٌ عليه ولم تختلف فيه شرائع الأنبياء وهو شيء غير متعلّقٍ بالأمر والنهي .. وعندها يجب أن تقرّ بأنّ أصل العبادة مرتبط بالخضوع العبادي الباطني الذي لا يليق إلا بالله .



    رابعًا : تقرير القول في الاستدلال بقصة إخوة يوسف والجواب عن إيرادات أبي محمد :
    واستحال أن يأذن الله في عبادة غيره والشرك به كما يستحيل أن يناقض أوصاف الكمال ونعوت الجلال، وكيف يظنّ بالله أن يأذن في مشاركة الخلائق له في خصائص الربوبية والألوهية أو يرضى به؟
    وبالجملة: يستحيل تشريع هذا في شريعة لأن قبحه مستقر في الفطر والعقول السليمة فوق كل قبح .. أما أفراد العبادات وأنواعها المختلفة المقوّمة لعبادته فجائز جريان التغيير والنسخ فيها إذ لا محذور في ذلك شرعا وعقلا، بل يجوز نسخ جميع التكاليف والعبادات سوى معرفته سبحانه على أصل الفقهاء وأصحاب الحديث ..

    ##
    تقول : (واستحال أن يأذن الله في عبادة غيره والشرك به)
    ما دام أنّه مستحيل ولا يحتاج للأمر والنهي فكيف تجعل أصل العبادة والشرك مرتبطٌ بالأمر والنهي وتجعل مفهوم العبادة والشرك مرتبطًا بالأمر والنهي كذلك .. هذا تناقضٌ مع ما قررتَه من الاستحالة ، وإليك بيان ذلك:

    سجود إخوة يوسف عبادة لله و سجودهم ليوسف : ما هو الفرق بين السجودين ؟
    إن كنتَ غير مماحكٍ فستقول:
    لا فرق في الصورة الظاهرية بين السجودين، وإنما الفرق بشيء قام في الباطن.
    فالذي ميّز العبادة عن غيرها في شريعتهم هو أمر باطني، وبالتالي فمفهوم العبادة في شريعتهم لابد أن يكون مرتبطًا بأمر باطني .. ومفهوم شرك العبادة عندهم لابد أن يكون مرتبطًا بأمرٍ باطني أيضًا ..
    الآن كيف نقرّر بأنّ مبنى العبادة والشرك ومفهومهما ممّا تختلف فيه الشرائع ؟
    هذا لا يمكن فمفهوم العبادة والشرك من أصول الدين الذي اتفقت فيه الشرائع وإنما تختلف الشرائع في أنواع العبادات لا في أصل العبادة ومفهومها .. ولا نحتاج للأمر والنهي في أصل التعبّد لله .. فنحن نخضع لله خضوعًا خاصًّا لا يليق إلا به ولا يُشاركه فيه أحد لأنّه هو المستحقّ للألوهية وحده ..
    هذا الكلام بيّن واضح .. يحتاج فقط إلى تجرّد للوصول إلى الحق لمن أراد ..


    خامسًا : لا للتعصّب .. لا للتقليد :
    وإذا كان الأمر كذلك فالتعلّق بعبارة موجزة مع قيام الشواهد المبيّنة دليل على أنك إلى الآن لم تقدر على نقض الأصل ولو بصورة واحدةٍ.. ولله الحمد والمنّة على ذلك وأجزم أنك لا تستطيع هذا، ولو استعنت بمن قدرت من الثقلين.
    ##
    أخي الكريم : سؤال بسيط لا أحتاجُ إلى جوابه .. ولكن اسأله نفسك .. وليس مقصورًا عليك .. وإنّما لكلّ من يدعي البحث بتجرّد ..
    هل يمكن أن يكون الحقّ مع الطرف الآخر؟
    هل أنا على استعدادٍ أن أعتنق قول خصمي إذا كان حقًّا ؟
    هل يمكن أن أزيد على ذلك وأبحث عن حجج خصمي القوية التي لم يقلها لأتأمل فيها فربما يكون قوله هو الصواب؟
    أيّ واحدٍ يرفض ذلك فهو يعيش في وهم اتباع الدليل والحق .. وليس هو إلا التقليد الأعمى والتعصّب المقيت !! وإن أوتي من العلم ما أوتي؛ لأنّه لن يستخدم علمه إلا في تقرير ما يؤيّد كلام علمائه الذين يقلّدهم .. نسأل الله ألا نكون نحن ولا أنتم منهم ..


    سادسًا : جوابي عن سؤال أبي محمد الملحّ :
    وأخيراً: لا أزال أطالبك الدليلَ على أنّ سؤال القبوري للولي المقبور جلب النفع أو دفع الضر لا يكون شركاً أكبر حتى يعتقد فيه الربوبية!! ومن السلف لك في هذا؟
    ##
    لابد أن يكون معه خضوعٌ خاص ، وهو الخضوع الذي لا يليق إلا بالله، والدليل ما سبق في قصة سجود إخوة يوسف وسجود الملائكة فهو الأصلٌ والقاعدة في المسألة وبه عرفنا مفهوم العبادة والشرك وأنها مرتبطة بالباطن، والتقعيد والتأصيل لا يشترط له أدلة كثيرة بل يكفي دليل واحد، ويكون التعقيد بالنص وبالقياس وبالاستدلال وبالترجيح ونحوها عند العلماء ولا عبرة لغيرهم.

  13. #33

    افتراضي

    التعليقة الثانية والعشرون:
    أجي أبو البراء الجهني:
    اطمأن ولا تبالغ في الاتهام؛ فإني والله لا أقلّد أحداً في هذه المطالب وإن كنت استعين بفهم العلماء ولا بدّ، وأرجو أن لا تخالفني إلى ما تنهى عنه!!
    هذا وقد مرّ أكثر من مرّة: أن خصائص الإلهية لا يصرف إلا إليه وأن من أثبته لغيره أو صرفه فهو مشرك كافر سواء جهل أو علم الحكم...
    وأنّ الشرك في الربوبية إثبات شيء من خصائص الربوبية لغير الله كالخلق والإيجاد والاستقلال بالفعل ونحو ذلك..
    كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: (هو إثبات فاعل مستقل غير الله كمن يجعل الحيوان مستقلا بإحداث فعله، ويجعل الكواكب أو الأجسام الطبيعية أو العقول أو النفوس أو الملائكة أو غير ذلك مستقلا بشيء من الأحداث)([1]).
    وبيّن العلماء من شتى الطوائف: أن هذا النوع من الشرك لم يكن محلّ النزاع بين الرسل وبين مخالفيهم وإن طال الانحراف بعض مسائله.
    وأن الشرك في الألوهية: أن يصرف شيئا من خصائص الله لغيره كالصلاة والصيام والنسك والسجود والطواف ونحوها من العبادات...
    والشرك في الأسماء والصفات: صرف شيءٍ من خصائصه في الأسماء والصفات لأحد من المخلوقين فعاد الشرك كلّه إلى شرك في الربوبية أو الألوهية كما قال العلامة المقريزي رحمه الله: (وشرك الأمم كله نوعان: شرك في الإلهية، وشرك في الربوبية)([2]).

    ومضى أيضا أن شرك الوسائط والتقريب يمتنع لأن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وغني عن كلّ ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، وهو القائم بالقسط على خلقه، والمتفرّد بتدبير الخلائق، والعالم بتفاصيل الأمور فلا تخفى عليه خافية، والكافي لهم وحده فلا يحتاج إلى معين، والرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه..

    فكان إدخال الواسطة بينه وبين خلقه تنقّص في حق الربوبية والألوهية، وظنّ سوء به، وقياس لربّ الأرباب على الملوك والرؤساء العاجزين الجاهلين...واستح ل الإذن في الشرك في الألوهية كما استحال في الربوبية وأوصاف الكمال ونعوت الجلال.

    هذا على أصول المثبتين للحكمة والتعليل والتحسين والتقبيح المنكرين التكليف بالمحال.

    وسبق أنّ من صرف العبادة إلى غير الله فقد أدخل الواسطة وتقرّب إلى غيره، وأن نجاسة الشرك من الظن السيء بمالك الرقاب، والقياس الفاسد للقادر على العبد العاجز متحقّقة فيه فالتنقيص والشتم والتكذيب لله متأصّل فيه، سواء كان مخترعا أو مقلدا في ذلك، وسواء جهل أو علم، بل من حكم بإسلام هذا أو عذره بما ينفي وصف الكفر عنه ويثبت له الإسلام فهو كافر بإجماعٍ كمن لم يكفّر اليهود والنصارى والمجوس!

    وأني جازم بأن أحداً لا يستطيع أن ينقض هذا ولو استعان بمن شاء من الثقلين من الجن والإنس وهذه هي الحقيقة ولا مزيد ولا زيادة.

    ولا أطلب منك أبا البراء إلا الدقة والصدق في الجواب عن الإشكالات الواردة على قناعاتك سواء وافقت على أصلي، وأصل من أقلّدهم على رأيك، أو لم توافق!

    أريد الجواب عن الأسئلة بناء على قناعاتك، وأرجو ترك التستر بالقول إنها فروع لم نتفق على أصلها!

    وما شأن أصلنا في هذا؟ المطلوب الجواب عنها على أصولك وقناعاتك..

    هذا ما أريد؛ لأن فساد الفروع دليل فساد الأصول على الأغلب؛ ولهذا انتظر الجواب عن الأسئلة السابقة في مشاركاتي قبل هذه وقبل القبل...


    يتبع...................... ........




    ([1]) درء تعارض العقل والنقل (7/390).

    ([2]) تجريد التوحيد المفيد (ص52).

  14. #34

    افتراضي

    واستحال الإذن في الشرك في الألوهية كما استحال في الربوبية وأوصاف الكمال ونعوت الجلال.
    هذا على أصول المثبتين للحكمة والتعليل والتحسين والتقبيح المنكرين التكليف بالمحال.
    وسبق أنّ من صرف العبادة إلى غير الله فقد أدخل الواسطة وتقرّب إلى غيره، وأن نجاسة الشرك من الظن السيء بمالك الرقاب، والقياس الفاسد للقادر على العبد العاجز متحقّقة فيه فالتنقيص والشتم والتكذيب لله متأصّل فيه، سواء كان مخترعا أو مقلدا في ذلك، وسواء جهل أو علم، بل من حكم بإسلام هذا أو عذره بما ينفي وصف الكفر عنه ويثبت له الإسلام فهو كافر بإجماعٍ كمن لم يكفّر اليهود والنصارى والمجوس!
    وأني جازم بأن أحداً لا يستطيع أن ينقض هذا ولو استعان بمن شاء من الثقلين من الجن والإنس وهذه هي الحقيقة ولا مزيد ولا زيادة.

    ولا أطلب منك أبا البراء إلا الدقة والصدق في الجواب عن الإشكالات الواردة على قناعاتك سواء وافقت على أصلي، وأصل من أقلّدهم على رأيك، أو لم توافق!
    أريد الجواب عن الأسئلة بناء على قناعاتك، وأرجو ترك التستر بالقول إنها فروع لم نتفق على أصلها!
    وما شأن أصلنا في هذا؟ المطلوب الجواب عنها على أصولك وقناعاتك..
    هذا ما أريد؛ لأن فساد الفروع دليل فساد الأصول على الأغلب؛ ولهذا انتظر الجواب عن الأسئلة السابقة في مشاركاتي قبل هذه وقبل القبل...

    يتبع...........

  15. #35

    افتراضي

    التعليقة الثالثة والعشرون:
    يظنّ بعض القراء الكرام أن هذه المحاورة لا فائدة فيها لعدم الإنصاف من الطرفين أو من طرف واحدٍ لكني أرى خلافه؛ ذلك لأنها لو لم نواصل مع أبي البراء لما ظهر ما ظهر فيها من العقيدة الفاسدة.
    فقد ظهر أنه يقرّر مُعتَقِداً عقيدةَ المتجهمة من الأشعرية والماتريدية وبعض المتكلمين حين قرّر أن صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله ليس شركا حتى يعتقد العابد في معبوده الربوبية وهو التفرّد بالخلق والتدبير...
    كما في قوله:[العبادة لابدّ معها من اعتقاد الربوبية في المعبود ولا يمكن صرف العبادة بدون اعتقاد الربوبية..]فشرك العبادة عنده اعتقاديّ، وأن الشرك في الإرادة والعبادة إذا لم يكن باعتقاد الربوبية لا يكون شركا.. أما ما جاء من إطلاق الشرك فيما يتعلق بشرك الطلب والتقرب إلى غير الله فله عنده تخريجان:
    الأول: أن ذلك مقيّد بشرك الاعتقاد أعني اعتقاد الربوبية لا بمجرّد العمل والقول..
    الثاني:أن ذلك معصية محرّمة في غير إشراك بالله.
    وهذا ذكّرني – والبدعة بالبدعة تذكر- عقيدة بعض أهل الكلام الوثنيين الذين كانوا «يسجدون للشمس والقمر والكواكب ويدعوها كما يدعو الله ويصوم لها وينسك لها ويتقرّب إليها ثم يقول: هذا ليس بشرك وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي، فإذا جعلتها سببا وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك..»([1]).
    وقد مضى معنا أنه يقول: إن ظن المشرك بأن ما يفعله أو يتقرّب إليه أسباب عادية ينفي وصف الشرك والعبودية لغير الله عن العابد وعن عمله!! فالشرك الحديث بعينه هو القديم، والشبهة الجديدة بعينها هي القديمة ولا مزيد.
    ولإظهار هذه الطامات يحسن مواصلة المشوار، ولا يهمّني الاتهام أو الرمي بسيء المقال فإنّ الرّد عليه قد حقّق التذبذب في المواقف وضعف شكيمة الباطل ألا ترى أنّه كان يقول:
    1- القاعدة أو الأصل لا يثبت إلا بمجموعة من الأدلة المتظافرة ثم رجع تحت مطارق الحق وإن ستره بغربال الحيدة والاختزال كما في قوله: [لا مجال لأن يقال بأنّ قضايا الأعيان لا تقدح في القاعدة الكلية لأنّ القاعدة الكلية لا تثبُت إلا بمجموعة من الأدلة المتظافرة..]
    قرّرهذا الأصل الفاسد في دفعه لقولي بأن السجود عبادة لا تصرف إلا لله في شرعنا والاستدلال على هذا بدليل أو دليلين!
    ثم بعد الرّد عليه أراد أن يجعل سجود إخوة يوسف أصلا في التخصيص فتراجع عن الأصل الفاسد في التأصيل والتقعيد فقال:
    [والتقعيد والتأصيل لا يشترط له أدلة كثيرة بل يكفي دليل واحد، ويكون التعقيد بالنص وبالقياس وبالاستدلال وبالترجيح ونحوها عند العلماء ولا عبرة لغيرهم].
    وهو في الأصل من كلامي في الرّد عليه لكن أخذه في سياق تقرير دبّوسه (سجود إخوة يوسف) وأدرجه في كلامه من غير قوس ولا تنصيص ولا اقتباس!! ومن ذلك:
    2- الاضطراب في التكفير وتعريف العبادة كما في قوله في عبادة غير الله:
    [لابدّ أن يعلم بكون هذا الفعل لا يستحقّه إلا الله وهو الذي يحصل معه ارتباط الفعل بالخضوع العبادي الخاص أما ما دون ذلك من العلم فلا يحصل معه هذا الخضوع]
    ألا ترى أنه قال لك: عبادة غير الله لا تحصل إلا بعلم المكلّف أنّ هذا الفعل لا يستحقه إلا الله، وأنه إذا علم ذلك حصل الخضوع الخاص؛ فيكون مشركا وعمله شرك، وأنه ينتفي الخضوع العبادي بانتفاء العلم بأن هذا لا يستحقه إلا الله فلا يكون الفعل شركا ولا صاحبه مشركا!!
    ثمّ رددت عليه بأن هذا يستلزم أن لا يكفّر من المشركين إلا المعاند، فلا يكون هناك مشرك جاهل، وتسقط المسألة رأسا لأن البحث في المشرك الجاهل فأجاب: [لا تستلزم ذلك فلو خضع عبد لغير الله الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله فهو مشرك وإن كان جاهلًا وقال: أنا لا أعلم أنّ الخضوع الخاص لا يستحقّه إلا الله..]
    فنقض ما بناه كعادته؛ لأنه إن وُجد الخضوع الخاص مع انتفاء العلم بطل كونه شرطا، وإلا فلا يمكن وجود الخضوع الخاص من دون العلم فانتفاء الشرط انتفاء المشروط.
    وعليه كيف يكون المشرك جاهلا لا يعذر بالجهل وعالماً في آن واحد؟؟
    الأمر كما قال أبو العباس ابن تيمية: كل من خالف السلف فلا بدّ أن يتناقض..
    ليس هذا آخر المهزلة! ألا تراه ناقض كلّ ما سبق فزعم بعد الرّد عليه أن اشتراط العلم ليس في حدّ العبادة: [ ليس في الحدّ اشتراط كون الفاعل عالمًا]
    إذا لم يكن شرطية العلم في حدّ العبادة عندك، فالحدّ ناقص لأن الحدّ لا يكون أنقص ولا أعم من المحدود فلا يكون الحدّ الوهميّ لا جامعا ولا مانعا..
    ولبعض القراء أن يسأل فيقول: الشرط حكم شرعي وضعي، فمن أين أخذته شرطا في عبادة غير الله أولاً؟ وما الدليل أيضا على إسقاطه إذا شئت واعتباره مرة أخرى إذا شئت؟
    والحقيقة الماثلة أمام القرّاء أن البهرج قد انكشف وافتضح ما كنتَ تحاول إيهامه للقارئ كباحث ينشد الحقيقة ويجري وراء البحث العلمي، وظهر أن الحقيقة خلاف هذا، وأن كلامك في الشرك وعبادة غير الله إن هو إلا عرض لعقيدة القبورية الوثنية بحروفها كما قال السبكي الكبير:
    (الشرك والعبادة لا يتحققان إلا باعتقاد الربوبية لغيره تعالى والاستقلال بالنفع والضر والإيجاد والخلق ونفوذ المشيئة لا محالة والتأثيرات بالذات دون الحاجة إلى الغير، فليس في المسلمين الموحدين المستغيثين بالصالحين شرك وهم برآء من الشرك)([2]).
    وقال أحمد زيني دحلان:
    (فالذي يوقع في الإشراك هو اعتقاد ألوهية غير الله سبحانه أو اعتقاد التأثير لغير الله.. ولا يعتقد أحد من المسلمين ألوهية غير الله، ولا تأثير أحد سوى الله)([3]).
    ويقول علوي الحداد:
    (هؤلاء مهما عظّموا الأنبياء والأولياء فإنهم لا يعتقدون فيهم ما يعتقدون في جناب الحق تبارك وتعالى من الخلق الحقيقي التام العام، وإنما يعتقدون الوجاهة لهم عند الله في أمر جزئي، وينسبونه لهم مجازا، ويعتقدون أن الأصل والفعل لله سبحانه)([4])
    وهذا المعتقد في الشرك هو عقيدة الأشعرية والماتريدية المتهجمة بعد السبكي إلا بعض المغاربة وهو مع مناقضته للكتاب العزيز ﴿أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا﴾﴿ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون﴾﴿وما نرى معكم شفعاؤكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاؤا﴾ ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ باطل بالإجماع عند غيرهم من الأشعرية المتقدمين ومخالف لدين الأنبياء جميعا.
    قال الإمام الرازي (606هـ) رحمه الله:
    «أجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله تعالى كفر، سواء اعتقد في ذلك الغير كونه إلها للعالم، أو اعتقدوا فيه أن عبادته تقرّبهم إلى الله تعالى»([5]).
    وقال الإمام أبو حيان الأندلسي (745هـ) رحمه الله:
    «وقد حكي عن عباد الأوثان قولهم: ﴿ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى﴾. وأجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله كفر، سواء اعتقد كونه إلها للعالم، أو أنّ عبادته تقرّب إلى الله»([6]).
    وقال العلامة أبو عبد الله السنوسي (895هـ):
    «قد أطبقت رسل المولى تبارك وتعالى وأجمعوا كلهم من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم على أن الله كلف عبيده بتوحيده وحرّم عليهم الشرك في ألوهيته وعبادته، وبلّغوا عن المولى تبارك وتعالى أن من ابتلي بهذا المحرّم - وهو الشرك في الألوهية والعبادة- ومات على ذلك فهو محروم من جميع نعم الآخرة مخلد في العذاب العظيم إلى غير نهاية»([7]).
    وقال عبد الكريم الشهرستاني(548هـ):
    «إن الفطرة السليمة الإنسانيةشهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتهاعلى صانع حكيم عالم قدير ﴿أفي الله شكفاطر السموات والأرض﴾ ﴿ولئن سألهم من خلقكم ليقولن الله ولئن سألتهم من خلق السمواتوالأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم﴾، وإن هم غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراءفلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء ﴿دعوا الله مخلصين له الدين﴾ ﴿وإذا مسكمالضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه﴾؛ ولهذالم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانعوإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشريك «أمرت أنأقاتل الناس حتى يقولوا لا إلهإلا الله»؛ ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبينالخلق في التوحيد ﴿ذلك بأنه إذادعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا﴾ الآية ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزتقلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾﴿ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهمنفوراً﴾»([8]).
    وقال الإمام ابن الأنباري (577هـ)رحمه الله:
    «إنّ العقلاء من أهل الحق وغيرهم من أصناف الخلق اتفقوا كافة وأطبقوا قاطبة على إثبات الصانع.. ولهذا إنما تواردت الملل والشرائع بمعرفة التوحيد، لا بمعرفة وجود الصانع، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» فالدعوة إنّما تواردت بمعرفة توحيده، لا بمعرفة وجوده ﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله﴾ ﴿أفي الله شك﴾، وإنّما وقع الخلاف في نفي الشريك كما مضى في موضع من التنزيل:﴿ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم﴾﴿وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا﴾﴿ وإذا ذكر الله وحده اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة﴾ الآية، إلى غير ذلك.. وهذا لا خلاف فيه»([9]).
    قال الشريف الجرجاني الأشعري:
    «لا يخالف في مسألة التوحيد إلا الثنويّة وهم الذين يقولون بالإلهين الاثنين، دون الوثنيّة فإنهم لا يقولون بوجود إلهين واجبي الوجود، ولا يصفون الأوثان بصفات الإلهية وإن أطلقوا عليها اسم الآلهة بل اتخذوها على أنّها تماثيل الأنبياء أو الزهاد أو الملائكة أو الكواكب، واشتغلوا بتعظيمها على وجه العبادة؛ توسّلا بها إلى ما هو إله حقيقةً؛ بأن يشفعوا لهم..»([10]).

    يتبع..............



    ([1]) درء التعارض (1/226).
    (
    [2]) شفاء السقام في الصلاة على خير الأنام (ص175).


    ([3]) الدرر السنية (ص34).
    (
    [4]) مصباح الأنام (ص5).


    ([5]) التفسير الكبير (14/232).

    ([6]) البحر المحيط (4/377).

    ([7]) شرح المقدمات (ص96).

    ([8]) نهاية الإقدام في علم الكلام (ص118-119)

    ([9])كتاب الداعي إلى الإسلام (ص199-201).

    ([10]) شرح المواقف (/) ونشر الطوالع (ص384-385).

  16. #36

    افتراضي

    التعليقة الرابعة والعشرون:في مفهوم الشرك
    قال ابن فارس في معجم المقاييس: (شرك: الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر يدل على امتداد واستقامة فالأول: الشركة وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، ويقال: شاركت فلانا في الشيء إذا صرت شريكه. وأشركت فلانا، إذا جعلته شريكا لك)
    وقال ابن الأثير: (يقال:شَرِكتُه في الأمر أشركه شِرْكة، والاسم الشرك، وشاركته إذا صرت شريكه. وقد أشرك بالله فهو مشرك إذا جعل له شريكا..)([1])
    فمن جعل شيئا بين اثنين فصاعدا فهو مشرك سواء تساوت الأنصباء أولا في المفهوم اللغوي، وكل واحد منهما شريك للآخر في الشيء.
    وهو في الاصطلاح كاللغوي إلا أنه يختصّ بما هو حق الله فلا يشركه فيه أحد كما قال عليه السلام:(أن تجعل لله ندا وهو خلقك) فمن صرف شيئا من خصائص الله لغيره فقد أشرك وجعل له أنداداً.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    (وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقّه وحده، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئا من المخلوقات في جميع الأمور، فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به).

    وقال أيضا:(فمن عدل بالله غيره في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى فهو مشرك)([2]).
    وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله:
    (الشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدس في خصائص الإلهية)([3]).
    وقال الشوكاني رحمه الله:
    (بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه)([4]).
    وقال العلامة السنوسي الأشعري في الشرك الأكبر:

    (أن يعتقد ثبوت خاصة من خواص الإله لغيره من المخلوقات)([5]).

    الخلاصة: ما ثبت أنه من خواص الإله فصرفه لغيره شرك وصاحبه مشرك لغة واصطلاحايتبع................................ ............

    ([1]) النهاية في غريب الحديث (2/466).
    ([2]) مجموع الفتاوى (13/19) والاستقامة (1/344).
    ([3]) تيسير العزيز الحميد (ص115).

    ([4]) الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص32).
    (
    [5]) المنهج السديد في شرح كفاية المريد (ص156).

  17. #37

    افتراضي

    التعليقة الخامسة والعشرون:فهم الأدلة في العبادة وفي السجود
    1- ﴿قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب﴾
    كلّ من أخذ قسطا من الأصول علم أن الآية فيها صيغة حصر:﴿إنما أمرت أن أعبد الله﴾ وصيغة الحصر يُنفى بها ما كان من جنس المثبت؛ فالجملة الأولى أمر بعبادة الله ونفي لعبادة غيره، والله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.
    وأكّد سبحانه المنفيّ بأداة الحصر (إنما) وهو عبادة غيره بالنفي الصريح:﴿ولا أشرك به﴾ أي غير مشرك به في العبادة.
    وهي نكرة في سياق النفي يعمّ كلّ أنواع الإشراك في العبادة، وأكّد مرة ثالثة هذا بتقديم المعمول في قوله:﴿إليه أدعوا﴾ أي أدعو إلى عبادة الله خصوصا لا أدعو إلى عبادة غيره.
    فالآية في قوّة قولك: من أشرك مع الله غيره في العبادة فهو مشرك كما قال تعالى:﴿حنفاء لله غير مشركين به﴾ فكلّ من صرف عبادة إلى غيره فهو مشرك، والكليّة مأخوذة من عموم اللفظ والمعنى، ووصفُ الإشراك من حقيقة الفعل القائم بالمشرك..
    وقد مضى أن الآية ونحوها من أدلة بعض المقدمات، وهي تعمّ أنواع العبادة الظاهرة والباطنة خلافا لعقيدة الوثنيين الذين أخرجوا الأعمال الظاهرة من حقيقة العبادة.

    2- ﴿وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً...قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحداً﴾
    معنى الآية إنما أدعو وأعبد الله وحده ولا أعبد غيره ولا أشرك بالله أحدا في عبادته لما فيها من صيغة الحصر بإنما والإثبات والنفي من وجهين وهي أيضا من أدلة مقدمات الدليل..
    وهي تعمّ دعاء المسألة والعبادة، كما تعمّ الدعاء الظاهر والباطن على حدّ سواء، وهي نقض لعقائد القبورية، بل العبادة الظاهرة أولى بالدخول لأن مدار التكفير والإيمان في الدنيا على الأقوال والأفعال ولا يعتمد إلا بهما.

    3- ﴿إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه﴾﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه﴾﴿فإياي فاعبدون﴾﴿قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين﴾
    في الآيات قصر جنس العبادة وأنواعها على الله وحده وإخلاصها لله وهي من أدلة المقدمات..
    ووجه الاستدلال: أن كل ما هو عبادة في الشرع فهو قاصر على الله لا يصرف إلا إليه وأن من أشرك بالله غيره في ذلك فهو مشرك فالتوحيد والشرك لا ينفكان، وكذلك القصر في عبادة الله، والنفي في عبادة غيره، يعمّ العبادة الظاهرة والباطنة على حدّ سواء.

    4- ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ ﴿اسجدو ا للرحمن﴾﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم﴾ ﴿واسجد واقترب﴾ ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون﴾
    كلام أبي البراء في الآيات وفي غيرها كلامُ من أراد أن يؤصّل وهو راجل في الأصول؛ فإن الأمر بالفعل﴿فاسجدوا لله﴾أمر بمصدره وهو السجود فكأنه قال: «السجود لله» فأمر بصرف السجود إليه وحده لأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه كما في قوله:﴿فاسجدوا لله﴾﴿اسجدوا للرحمن﴾﴿اركعوا واسجدوا﴾﴿واسجد ﴾.. هذا في جانب إثبات السجود لله الصريح والنفي عن غيره المفهوم من الحصر.
    والعطف في الجمل ﴿واعبدوا﴾ ﴿واعبدوا ربكم﴾على قوله ﴿فاسجدوا لله﴾ ﴿اركعوا واسجدوا﴾من باب عطف العام على الخاص.
    والفائدة من هذا الأسلوب واضحة وهي التعميم، وأُفرِد السجود والركوع بالذكر اهتماما بشأنهما وكأنهما مذكوران مرتين، فالسجود والركوع من أفراد العبادة المأمور بها في قوله: ﴿واعبدوا ربكم﴾ لكن أفرد بالذكر لعظم شأنهما وكونهما غاية الخضوع والتعظيم للمعبود في الشريعة فالسجود والركوع عبادة خاصة بالله.
    وهذا المعنى الذي بيّنه أسلوب الوصل وعطف العام على الخاص فهو أيضا مبيّن في الآية الخامسة..
    وهي في جانب النفي والإثبات الصريح ﴿لا تسجدوا للشمس ولا القمر﴾ نهي عن السجود لغير الله صريحا لأن حكم الشيء حكم مثله، والنكرة في سياق النهي والنفي تعمّ فدخل في المنهي عنه جميع أبواع السجود لغيره؛ فالسجود للمخلوق منهي عنه ومنفي لكن من نسجد له يا ربنا؟
    الجواب: ﴿واسجدوا لله الذي خلقهن﴾.
    وفي مفهوم الشرط ﴿إن كنتم إياه تعبدون﴾ ما بُيِّن في الآيات السابقة بأسلوب عطف العام على الخاص وهو أن من يعبد الله يسجد له ويركع، ومن يعبد غيره يسجد للشمس والقمر ونحوها من المخلوقات.
    قال أبو جعفر الطبري في آية النجم: «يقول تعالى ذكره: فاسجدوا لله أيها الناس في صلاتكم دون من سواه من الآلهة والأنداد، وإياه فاعبدوا دون غيره، فإنه لا ينبغي أن تكون له العبادة إلا له، فأخلصوا له العبادة والسجود، ولا تجعلوا له شريكاً في عبادتكم إياه».
    5- «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد» «اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
    [هذا أمرٌ بتخصيص السجود لله، وجعله عبادة خالصة لله، وهذا ما نقول به، فالسجود لغير الله محرّم ولا يليق في شريعتنا إلا بالله، وليس فيه أنّ كلّ سجود لغير الله شرك، لاحظ أنّنا نتكلّم عن مسألة الشرك والتوحيد، وليس عن المحرّم والمباح].
    كلام متهافت وقد أسلفت أن الظاهر من الطرح طرح راجل في الأصول ومع ذلك يريد أن يؤصّل من غير آلة التأصيل والتعقيد!
    وإلا فما هو معنى قولك: وليس فيه أن كل سجود لغير الله شرك! بعد الاعتراف بأن الشارع خصّص السجود وجعله خالصة لرب العالمين؟
    أليس الشرك في اللغة أن يشرك شيئا بين اثنين فصاعدا، وفي الاضطلاح: أن يشرك غير الله في خصائص الله؟
    أخي أبو البراء: لا حاجة إلى البينات بعد الاعتراف ولكن قتل الله الخصومة بالباطل!
    أثبتُّ بالأدلة القاطعة أنّ السجود عبادة خاصة وأنه لا يصرف إلا لله بأسلوب الأمر والإثبات لله، وبأسلوب النفي والنهي عن غير الله..
    هنا إثبات ونفي، وأمر ونهي، وقصر وحصر، فوجبت الخصوصية وامتنعت المشاركة، وقد اعترفت به أخيراً مضطرّا!
    وهل تثبت الخصائص الإلهية إلا بنحو هذا؟
    وبعد هذا فلنعد إلى الدّليل قال عليه السلام: «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد».
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
    «"ولا ينبغي" في كلام الله ورسوله للذي هو في غاية الامتناع شرعا كقوله تعالى:﴿وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا﴾ وقوله: ﴿وما علّمناه الشعر وما ينبغي له﴾ وقوله:﴿وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم﴾ وقوله عن الملائكة:﴿ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء﴾»([1]).
    وفي موضع آخر: «قد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعا أو قدراً، وفي المستحيل الممتنع... وقوله على لسان نبيه: "كذّبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له" وقوله ﷺ:"إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام" ..»([2]).
    حاصله: أنّ السّجود لغير الله ممتنع في شرعنا إذ هو من خصائص الله؛ ولأن من أشرك غير الله في السجود فهو مشرك بدلالة اللغة والشرع الحنيف.
    وإذا كان مشركا فحكم المشرك معلوم في الشرع ﴿ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيدا﴾ ﴿ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾ ﴿إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾ ﴿ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون﴾ ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾.

    أما قوله ﷺ عند ما قيل له: أنسجد لك يا رسول الله؟ «اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
    فهو من البيّنات الواضحات في هذا الباب عند من فهم عن الله وأخذ قسطا من الأصول، وعند غيره من المتشابهات المشكلات.
    ومن هذا قولك:
    [ثمّ إنّك لو تأملت الحديث الثاني جيّدًا لوجدت أنّه عليك لا لك .. فإنّه يدل على أنّ السجود لغير الله احترامًا ليس بشرك وإلا فكيف يفكّر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هو من الشرك الأكبر.. هل يُعقل هذا .. حاشاك يا رسول الله ..]
    وبيانه أن قوله عليه السلام: «اعبدوا ربكم» بعد سؤال السجود له من باب الإيماء والتنبيه على علة المنع عند أهل الأصول، وأنّ السجود عبادة خاصة لا ينبغي لغير الله، وإلا ضاعت العلاقة بين السؤال "أنسجد لك؟" وبين الجواب "اعبدوا ربكم".
    وأيضا فما وجهُ الأمر بعبادة الرب عند الطلب بالسجود له ﷺ؟ ليس إلا أن السجود عبادة لا تنبغي إلا لله، وبهذا يتّضح لك أن الحديث الشريف يعانق تلك الآيات في الدلالة على أن السجود من أعظم خصائص الرب في العبادة.
    ولقد أحسن العلامة القارئ حين قال في المرقاة: «اعبدوا ربكم» أي: بتخصيص السجدة له، فإنها غاية العبودية، ونهاية العبادة «وأكرموا أخاكم»: أي: عظّموه تعظيما يليق له بالمحبة القلبية والإكرام المشتمل على الإطاعة الظاهرية والباطنية..»

    أما قولك:
    [وإلا فكيف يفكّر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هو من الشرك الأكبر.. هل يُعقل هذا .. حاشاك يا رسول الله ..]
    فهو مما يدلّ على أني غير مخطئ في قولي بأن الطرح راجل في علم الأصول؛ لأن قوله ﷺ:
    «لو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
    على سبيل الفرض والتقدير والتركيب على الممتنع شرعا لغرضٍ هو المبالغة في نفي السجود لغير الله والإطناب فيه، وهو قضية شرطية والقضايا الشرطية لا تدل على وقوع الشرط بل لا تدل على جوازه عند العلماء.
    قال جمال الدين الإسنوي: «إن القضية الشرطية لا تدلّ على وقوع شرطها، بل ولا على جواز وقوعه» ([3]).
    وهذا التعليق النبوي من باب قوله تعالى: ﴿لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين﴾
    وقوله تعالى:﴿فإن كنت في شكّ مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾.
    ومن باب قوله تعالى: ﴿قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين﴾ على رأي بعض المفسّرين وأباه آخرون.
    فالحديث أصل مستقل في امتناع السجود لغير الله بجميع أنواعه واختصاصه بالله، لا في التفكير في تشريع الشرك!
    ولا يخفى على القارئ غلظ وسماجة عقل من يفهم هذا المعنى الفاسد من الحديث الشريف!

    6- «ما لكم لا تسجدون للملك؟ فقالوا: إن الله عز وجل بعث إلينا نبيّه صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن لا نسجد إلا الله عز وجلّ..» وفي رواية:«...اسجدوا للملك؟ فقال جعفر: لا نسجد إلا لله فقال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعده اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا..»..
    استدلال مهاجرة الحبشة رضي الله عنهم في الامتناع من السجود للملك فيه فائدتان:
    الفائدة الأولى: أن التحية بالسجود من عبادة غير الله؛ لأنه كان هو المطلوب من الصحابة كما في الحديث بالنصّ.
    وهذا فهم الرعيل الأول لدين الله الموافق لمذهب التابعين لهم بإحسان.
    الفائدة الثانية: التنبيه على علّة الامتناع من التحية بالسجود، وأن السجود للملك عبادة لغير الله وإشراك به.
    فالحكم: الامتناع من التحيّة بالسجود، وهو المضمّن في قوله: «لا نسجد إلا لله»..
    فطلب النجاشي بيان علّة الحكم؛ فقال: «وما ذاك؟»، فقال الفقيه الموحِّد: «أمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا..».
    ولا يفهم نبيهٌ ولا فقيهٌ من هذا التركيب إلا تعليل الامتناع من التحية بالسجودبأنه عبادة لغير الله وإشراك به في خصائصه، وهو من باب الإيماء والتنبيه على علة الحكم كما سبق.
    أما كلامك في الحديث فهو أجنبي عن قواعد العلم، وعن ظاهر الخبر، والتعليل الواضح عند الصحب الكرام..

    بل هو طرح لعقيدتك ولا رحم له بتأويل الخبر واستنكاه معناه في شيء..

    ومن يحسب أني مبالغ في ذلك فليراجع كلامك فإنه محفوظ.

    يتبع .............................. .............................. ..........




    ([1]) الداء والدواء (ص311).
    (
    [2]) إعلام الموقعين (1/81-82). وفي البدائع: (إنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلا أو شرعا).


    ([3]) نهاية السول شرح منهاج الأصول (2/1043).

  18. #38

    افتراضي


    والعطف في الجمل
    ﴿واعبدوا﴾ ﴿ واعبدوا ربكم﴾على قوله ﴿فاسجدوا لله﴾ ﴿اركعوا واسجدوا﴾ من باب عطف العام على الخاص.

    والفائدة من هذا الأسلوب واضحة وهي التعميم، وأُفرِد السجود والركوع بالذكر اهتماما بشأنهما وكأنهما مذكوران مرتين، فالسجود والركوع من أفراد العبادة المأمور بها في قوله: ﴿واعبدوا ربكم﴾ لكن أفرد بالذكر لعظم شأنهما وكونهما غاية الخضوع والتعظيم للمعبود في الشريعة فالسجود والركوع عبادة خاصة بالله.
    وهذا المعنى الذي بيّنه أسلوب الوصل وعطف العام على الخاص فهو أيضا مبيّن في الآية الخامسة..
    وهي في جانب النفي والإثبات الصريح ﴿لا تسجدوا للشمس ولا القمر﴾ نهي عن السجود لغير الله صريحا لأن حكم الشيء حكم مثله، والنكرة في سياق النهي والنفي تعمّ فدخل في المنهي عنه جميع أبواع السجود لغيره؛ فالسجود للمخلوق منهي عنه ومنفي لكن من نسجد له يا ربنا؟
    الجواب: ﴿واسجدوا لله الذي خلقهن﴾ .
    وفي مفهوم الشرط ﴿إن كنتم إياه تعبدون﴾ ما بُيِّن في الآيات السابقة بأسلوب عطف العام على الخاص وهو أن من يعبد الله يسجد له ويركع، ومن يعبد غيره يسجد للشمس والقمر ونحوها من المخلوقات.
    قال أبو جعفر الطبري في آية النجم: «يقول تعالى ذكره: فاسجدوا لله أيها الناس في صلاتكم دون من سواه من الآلهة والأنداد، وإياه فاعبدوا دون غيره، فإنه لا ينبغي أن تكون له العبادة إلا له، فأخلصوا له العبادة والسجود، ولا تجعلوا له شريكاً في عبادتكم إياه».
    5- «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد» «اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
    [هذا أمرٌ بتخصيص السجود لله، وجعله عبادة خالصة لله، وهذا ما نقول به، فالسجود لغير الله محرّم ولا يليق في شريعتنا إلا بالله، وليس فيه أنّ كلّ سجود لغير الله شرك، لاحظ أنّنا نتكلّم عن مسألة الشرك والتوحيد، وليس عن المحرّم والمباح].
    كلام متهافت وقد أسلفت أن الظاهر من الطرح طرح راجل في الأصول ومع ذلك يريد أن يؤصّل من غير آلة التأصيل والتعقيد!
    وإلا فما هو معنى قولك: وليس فيه أن كل سجود لغير الله شرك! بعد الاعتراف بأن الشارع خصّص السجود وجعله خالصة لرب العالمين؟
    أليس الشرك في اللغة أن يشرك شيئا بين اثنين فصاعدا، وفي الاضطلاح: أن يشرك غير الله في خصائص الله؟
    أخي أبو البراء: لا حاجة إلى البينات بعد الاعتراف ولكن قتل الله الخصومة بالباطل!
    أثبتُّ بالأدلة القاطعة أنّ السجود عبادة خاصة وأنه لا يصرف إلا لله بأسلوب الأمر والإثبات لله، وبأسلوب النفي والنهي عن غير الله..
    هنا إثبات ونفي، وأمر ونهي، وقصر وحصر، فوجبت الخصوصية وامتنعت المشاركة، وقد اعترفت به أخيراً مضطرّا!
    وهل تثبت الخصائص الإلهية إلا بنحو هذا؟
    وبعد هذا فلنعد إلى الدّليل قال عليه السلام: «ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد».
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
    «"ولا ينبغي" في كلام الله ورسوله للذي هو في غاية الامتناع شرعا كقوله تعالى:﴿وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا﴾ وقوله: ﴿وما علّمناه الشعر وما ينبغي له﴾ وقوله:﴿وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم﴾ وقوله عن الملائكة:﴿ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء﴾»([1]).
    وفي موضع آخر: «قد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعا أو قدراً، وفي المستحيل الممتنع... وقوله على لسان نبيه: "كذّبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له" وقوله ﷺ:"إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام" ..»([2]).
    حاصله: أنّ السّجود لغير الله ممتنع في شرعنا إذ هو من خصائص الله؛ ولأن من أشرك غير الله في السجود فهو مشرك بدلالة اللغة والشرع الحنيف.
    وإذا كان مشركا فحكم المشرك معلوم في الشرع ﴿ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيدا﴾ ﴿ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾ ﴿إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾ ﴿ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون﴾ ﴿لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين﴾.
    أما قوله ﷺ عند ما قيل له: أنسجد لك يا رسول الله؟ «اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم ولو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
    فهو من البيّنات الواضحات في هذا الباب عند من فهم عن الله وأخذ قسطا من الأصول، وعند غيره من المتشابهات المشكلات.
    ومن هذا قولك:
    [ثمّ إنّك لو تأملت الحديث الثاني جيّدًا لوجدت أنّه عليك لا لك .. فإنّه يدل على أنّ السجود لغير الله احترامًا ليس بشرك وإلا فكيف يفكّر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هو من الشرك الأكبر.. هل يُعقل هذا .. حاشاك يا رسول الله ..]
    وبيانه أن قوله عليه السلام: «اعبدوا ربكم» بعد سؤال السجود له من باب الإيماء والتنبيه على علة المنع عند أهل الأصول، وأنّ السجود عبادة خاصة لا ينبغي لغير الله، وإلا ضاعت العلاقة بين السؤال "أنسجد لك؟" وبين الجواب "اعبدوا ربكم".
    وأيضا فما وجهُ الأمر بعبادة الرب عند الطلب بالسجود لهﷺ؟ ليس إلا أن السجود عبادة لا تنبغي إلا لله، وبهذا يتّضح لك أن الحديث الشريف يعانق تلك الآيات في الدلالة على أن السجود من أعظم خصائص الرب في العبادة.
    ولقد أحسن العلامة القارئ حين قال في المرقاة: «اعبدوا ربكم» أي: بتخصيص السجدة له، فإنها غاية العبودية، ونهاية العبادة «وأكرموا أخاكم»: أي: عظّموه تعظيما يليق له بالمحبة القلبية والإكرام المشتمل على الإطاعة الظاهرية والباطنية..»
    أما قولك:
    [وإلا فكيف يفكّر النبي صلى الله عليه وسلم في أمر هو من الشرك الأكبر.. هل يُعقل هذا .. حاشاك يا رسول الله ..]
    فهو مما يدلّ على أني غير مخطئ في قولي بأن الطرح راجل في علم الأصول؛ لأن قوله ﷺ:
    «لو كنت آمرا أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»
    على سبيل الفرض والتقدير والتركيب على الممتنع شرعا لغرضٍ هو المبالغة في نفي السجود لغير الله والإطناب فيه، وهو قضية شرطية والقضايا الشرطية لا تدل على وقوع الشرط بل لا تدل على جوازه عند العلماء.
    قال جمال الدين الإسنوي: «إن القضية الشرطية لا تدلّ على وقوع شرطها، بل ولا على جواز وقوعه»([3]).
    وهذا التعليق النبوي من باب قوله تعالى: ﴿لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين﴾
    وقوله تعالى:﴿فإن كنت في شكّ مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك﴾.
    ومن باب قوله تعالى: ﴿قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين﴾ على رأي بعض المفسّرين وأباه آخرون.
    فالحديث أصل مستقل في امتناع السجود لغير الله بجميع أنواعه واختصاصه بالله، لا في التفكير في تشريع الشرك!
    ولا يخفى على القارئ غلظ وسماجة عقل من يفهم هذا المعنى الفاسد من الحديث الشريف!
    6- «ما لكم لا تسجدون للملك؟ فقالوا: إن الله عز وجل بعث إلينا نبيّه صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن لا نسجد إلا الله عز وجلّ..» وفي رواية:«...اسجدوا للملك؟ فقال جعفر: لا نسجد إلا لله فقال له النجاشي: وما ذاك؟ قال: إن الله بعث فينا رسوله وهو الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعده اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا..»..
    استدلال مهاجرة الحبشة رضي الله عنهم في الامتناع من السجود للملك فيه فائدتان:
    الفائدة الأولى: أن التحية بالسجود من عبادة غير الله؛ لأنه كان هو المطلوب من الصحابة كما في الحديث بالنصّ.
    وهذا فهم الرعيل الأول لدين الله الموافق لمذهب التابعين لهم بإحسان.
    الفائدة الثانية: التنبيه على علّة الامتناع من التحية بالسجود، وأن السجود للملك عبادة لغير الله وإشراك به.
    فالحكم: الامتناع من التحيّة بالسجود، وهو المضمّن في قوله: «لا نسجد إلا لله»..
    فطلب النجاشي بيان علّة الحكم؛ فقال: «وما ذاك؟»، فقال الفقيه الموحِّد: «أمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا..».
    ولا يفهم نبيهٌ ولا فقيهٌ من هذا التركيب إلا تعليل الامتناع من التحية بالسجودبأنه عبادة لغير الله وإشراك به في خصائصه، وهو من باب الإيماء والتنبيه على علة الحكم كما سبق.
    أما كلامك في الحديث فهو أجنبي عن قواعد العلم، وعن ظاهر الخبر، والتعليل الواضح عند الصحب الكرام..
    بل هو طرح لعقيدتك ولا رحم له بتأويل الخبر واستنكاه معناه في شيء..
    ومن يحسب أني مبالغ في ذلك فليراجع كلامك فإنه محفوظ.
    يتبع .............................. .............................. ..........


    ([1]) الداء والدواء (ص311).

    ([2]) إعلام الموقعين (1/81-82). وفي البدائع: (إنها في لغة القرآن والرسول للمنع عقلا أو شرعا).

    ([3]) نهاية السول شرح منهاج الأصول (2/1043).

  19. #39

    افتراضي

    التعليقة السادسة والعشرون
    [سأبيّن لك ما خفي عليك: أصل العبادة وهو الخضوع الخاص هذا لا يحتاج إلى توقيف ولا إلى أمر أو نهي.. فنحن نعبد الله لأنّه هو المستحقّ للعبادة وحده... وهذا الذي نقول أنّه لا تختلف فيه الشرائع ولا يدخله النسخ... ولا يُعذر فيه بالجهل .. أما أنواع ما يُتعبّد به من العبادات فهي توقيفية بحسب الأمر والنهي ..]
    هذا اعتراف ببعض الحق الذي كنت تنكره لأن النزاع كان في اختلاف الشرائع في أفراد العبادة وبالذات في اختلاف الشرائع في حكم السجود لغير الله ولم يكن الكلام في حال العابد وهل تجد كلاماً أصرح من هذا:[ تقرّر بالدليل القاهر أن أفراد العبادات وأنواعها الجزئية دائرة مع الأمر والنهي ولا حاجة للتكرار المملّ].
    لكن أنا أقنع بهذا منك لأن النفوس تكره الغلبة والاعتراف بها.
    والإشكال الذي أردت الحيدة عنه ببراعة الاختزال قائم بذاته ولا بدّ من إعادته في آخر التعليقة مرة ثانية حتى أحصل اعترافا ولو مدلّسا كما فعلت في مسألة اختلاف الشرائع في العبادة كمية وكيفاً.
    - البحث في مسألة العبادة ليس في العبودية العامة أعني عبودية أهل السموات والأرض فكلّ من سوى الله عبيد له باعتبارهم مربوبين يتصرف فيهم المولى كيف يشاء لا يخرجون عن ملكه وتدبيره وهي عامة في الخلق برّهم وفاجرهم.
    والعبد بهذا الاعتبار يراد به المعَبَّد الذي عبّده الله فذلّله ودبّره وصرفه، ولهذا يقول الفقهاء: المقصد من وضع الشريعة إخراج العبد من داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختياراً كما هو عبد لله اضطراراً.
    والعبودية الخاصة الاختيارية يوصف بها من حقق لازم تلك العبودية العامة وهذه الخاصة هي دعوة الرسل إلى أقواهم:﴿اعبدوا الله ما لكم من إله غيره﴾.
    - عند تعريف العبادة يفرّق بين تعريفها مطلقة دون إضافة وبين تعريفها باعتبار الإضافة فترى من يقول: إنها غاية الخضوع والمحبة وهذا باعتبار الإطلاق.
    وآخر يقول: إنها الخضوع لله بالطاعة ونحوه من التعاريف وهذا باعتبار الإضافة.
    - تطلق العبادة ويراد بها التعبّد (فعل العبد) وتطلق ويراد بها المتَعَبّد به وهي الأقوال والأفعال التي يقوم بها العباد من صلاة وصوم وحج وذبح ودعاء ونحوها من أنواع العبادات.
    ولا تعارض بين تعريفها بأنها غاية الخضوع والتذلل والانقياد والمحبة وبين تعريفها بأنه اسم جامع لما يحبه الله ويرضى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة= فالأول باعتبار الحال التي يكون عليها العبد، والثاني باعتبار أفراد العبادة التي يقوم بها العبد ظاهرا وباطنا.
    بعد هذه المقدمة فهذا الإشكال المعاد المكرّر الذي تريد أن تنفصل عنه بما لا يغني القرّاء وإن انطلى على بعضهم فأقول:
    قلتَ في تعريف للعبادة قبل الرد عليك: إنه التعريف الجامع المانع للعبادة وهذا يعني أنه لا يخرج عنه فرد من أفراد العبادة ولا شيء منها: [فالعبادة على القول الصحيح هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله، وهذا الخضوع لا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان، ومن صرفه لغير الله فهو مشرك كائنًا من كان، وهذا هو التعريف الجامعٌ المانعٌ.. فالعبادة بمعنى الخضوع يدخُل فيها جميع أفعال التذلّل التي يصاحبها الخضوع الخاص ولو لم يرد الأمر والنهي بكونها عبادة]
    فالعبادة عندك - بجنسها وأفرادها- هي الخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله ومن صرفه لغيره مشرك كائنا من كان ولو لم يرد أمر ونهي. لأنه التعريف الصحيح والجامع المانع!
    وهذا التعليق المعاد الذي أجبرك على الاعتراف ببعض الحقّ:
    نريد أن نقف على طريق المعرفة بالخضوع الخاص الذي لا يليق إلا بالله ولو لم يرد أمر ولانهي ومن صرفه كان مشركا كائنا من كان؟
    ونريد أن نعرف أيضا جهة التخصيص له بالله!
    فإن كانت الضرورة العقلية فلا تكون العبادة توقيفية؛ لأنّ الضروري الذي لا يقف على سبب لا يختلف العقلاء فيه، والمتوقّف على سبب لا يختلف فيه الذين وقفوا على سببه أيضا..
    وأيضا نفيك للإمكان يقتضي أيضا أن لا تكون العبادات توقيفية؛ لأنّ الشرع لا يرد بتجويز ما أحال العقلُ، ولا بإحالة ما جوّزه العقل، وعلى هذا كيف جمعتَ التجويز العقلي والوقوع الشرعي في قولك: العبادات توقيفية، وبين الامتناع والإحالة؟ فسّر لي كيف ذلك؟
    وكذلك عرّفنا طريقة العثور على أنّ هذا خضوع خاصّ بالله لا يليق بغيره، وذاك خضوع ليِّق بالعباد والخلائق؟ لأن الخضوع جنس تحته أنواع وأفراد، ولأنه إن كان المخصّص ما سبق عاد ما أسلفته آنفا، وإن كان المخصِّص الشرع وجب أن تكون العبادة وضعية يمكن أن تختلف من زمن لآخر؛ لأنّ الخضوع جنس فلا بدّ من التفريق بين أنواعه ببيان واضح يهتدي إليه العباد، وأن ترجع في التفريق إلى أصل مجمع عليه أو مستدلّ عليه، وإلا فهو إحالة على جهالة بعد كونه تحكّماً.
    وقولك العبادات توقيفية صحيح لكنه مبطل لأصلك الفاسد في منع اختلاف العبادات من شريعة لأخرى؛ لأن التوقيف يعني أنها وضعية فيحتاج العابد إلى من يوقفه عليها ويسمع منه، وأن ليس في الفطرة والعقل ما يخصّ شيئا دون شيء، لأنها لو كانت بالفطرة والعقل لما احتيج إلى توقيف وسماع من أحدٍ...وهذا مما يدلّ على أنّك تطلق ما لا تتقنه في هذه المباحث المتعلقة بعبادة غير الله!
    وما ذكرتَه من أن العبادة هي الخضوع الخاصّ الذي لا يليق إلا بالله، ولا يمكن أن يُبيحه الله لأحدٍ في أي زمنٍ من الأزمان..
    فكلام يدفع ما قدّمتَه من أنَ العبادة توقيفية لأن هذا يوجب أن تكون حقيقة لا تقبل التغيّر والاختلاف في أيّ زمن من الأزمان، وكونها توقيفية يقتضي أنها وضعية شرعية تدور مع الأمر والنهي في الشرائع فكيف التوفيق بين الكلامين؟
    وبعد هذا النقد في الصميم لجأت إلى حيلتك المعروفة قائلا:[أصل العبادة وهو الخضوع الخاص هذا لا يحتاج إلى توقيف ولا إلى أمر أو نهي.. فنحن نعبد الله لأنّه هو المستحقّ للعبادة وحده... وهذا الذي نقول أنّه لا تختلف فيه الشرائع ولا يدخله النسخ... ولا يُعذر فيه بالجهل .. أما أنواع ما يُتعبّد به من العبادات فهي توقيفية بحسب الأمر والنهي]
    هنا لجأت إلى أصل العبادة وزعمت أن تعريفك للعبادة ليس إلا تعريفا لحال العابد أو لأصل العبادة. أما تعبّد الله به العبد من العبادة كمّا وكيفاً فلا يدخل في التعريف، فأين راح التعريف الجامع المانع الصحيح؟
    وأذكّرك أيضا أنّ العبادة القولية والفعلية ليس عبادة عندك، ولا يجوز ذكر ما لا تأثير له في الحكم لأنه حشو وزيادة!
    وأذكّرك سائلا: أنه إذا كانت بعض العبادة توقيفا تابعا للأمر والنهي، فما حكم من أشرك بالله غيره في العبادة التوقيفية؟
    وأيضا أطالب التوفيق بين تكفير الخاضع لغير الله وإن كان جاهلا لأن التكفير حكم شرعي توقيفي عندك أولاً!
    والخضوع الخاص لا يحتاج فيه العباد إلى توقيف وإرسال رسول لا يجهله أحدٌ، فمن أين يأتي الجهل ثانيا؟
    وشرط عبادة غير الله أن يكون العابد عالما أن ما فعله لا يصرف إلا لله ولا يستحقه إلا هو فكيف يمكن الجهل فيه ثالثا؟
    وأيضا هذا الخضوع قلبي وأعمال القلب تابعة للعلم والمعرفة فكيف حصل الخضوع لغير الله مع وجود العلم المعارض رابعا؟
    الخضوع الخاص أمر ذهني ولا بدّ أن يكون بأمور خارجة قولية وفعلية لكن زعمت أن الأفعال العبادية لا تستلزم الخضوع حتى السجود الذي هو غاية الخضوع والتذلل لا يستلزمه! ولهذا لا تكفّر الساجد للصنم لمصلحة دنياه ونحوه فالسؤال بماذا يتحقق الخضوع الخاص القلبي في الخارجخامساً؟
    أخي الجهني ليس هنا شيء خفي عليّ في هذه المسائل لكنها الحيدة وبراعة الاختزال وعدم الدقة وانتصار للنفس لا الحقّ.


    يتبع..........

  20. #40

    افتراضي

    التعليقة السابعة والعشرون
    [عجيب.. هل هذا جواب !! الأنبياء دعوا إلى عدم الإشراك بالله لكن كل شريعة لا يتحدّد الشرك فيها إلا بعد معرفة العبادات كما تقول، ما هو الشرك الذي فعله كفّر قريش من الأعمال الظاهرة مما ليس له علاقة بالأمر والنهي وإنّما يجب أن يكون ثابتًا عند جميع الأنبياء؟
    كيف لمن يسجد للأصنام ويطوف حولها أن يعرف أنّ فعله هذا شرك قبل مجيء الرسالة المحمدية... كيف والعبادات لا تتحدّد عندك إلا بالشرائع!
    أظنّك تحاول أن تحيد عن الطريق السهل الواضح في الجواب وهو أن تقول: أصل العبادة وأصل الشرك مُتفقٌ عليه ولم تختلف فيه شرائع الأنبياء وهو شيء غير متعلّقٍ بالأمر والنهي.. وعندها يجب أن تقرّ بأنّ أصل العبادة مرتبط بالخضوع العبادي الباطني الذي لا يليق إلا بالله].

    بحث ليس عليه طلاوة الإنصاف، ولا حلية الإشراف، فقد سبق البيان في اتفاق الشرائع على التوحيد والدعوة إلى عبادة الله وحده، وأن اختلاف الشرائع في أفراد العبادة كمّا وكيفا التي تخدم هذا الأصل ويتقوّم بها ثابت..

    وأن الشرك يمتنع تشريعه عقلا في أيّ شريعةٍ لأنه إخبارا بخلاف الحقيقة ولأنه تشبيه المخلوق بالخالق في الخصائص الإلهية.. أو إثبات شريك لله فيما هو من خصائص الله في الأفعال والأسماء والصفات والعبادات، وأن كلّ شرك في الوجود عائد إلى هذا ومنه شرك قريش والعرب والوثنية المعاصرة والبائدة المناقض لشريعة إبراهيم وابنه محمد عليهما السلام.

    ولا معنى للمزايدة فالذي يدور مع الأمر والنهي هو أفراد العبادة التي يتقرّب بها إلى الله ولا يجوز أن نعبد الله إلا بما شرعه وهو معنى التوقيف وقد أعدت وأبديت في هذا الصدد. وأخيرا اعترفت بهذا مضطراً أو مختاراً ولله الحمد..
    وبعد هذا فالمطلوب مني شيء واحد ولا معنى للخوض بما لا يفيد، والمطلوب منك كثير.

    أما المطلوب مني فهو الجواب عن هذا السؤال المحدّد:
    كيف يكون صرف فرد من العبادة التي تختلف فيها الشرائع شركا بالله ولم يكن صرفه لغير الله شركا من قبل؟
    والجواب عنه قد تقدّم مراراً ولا بأس بإعادته فأقول:
    صرف أيّ نوع من أنواع العبادة الخاصة بالله في شرعنا إلى غيره شرك بالله لوجود حقيقة وصف الشرك؛ لأن هذا الفعل من خصائص الله بالدليل، وإذا كان كذلك فلا يشارك فيه أحد إجماعاً، ومن ثمّ صرفه لغير الله شرك لغة وشرعا.. لأن كون هذا الفعل المعيّن شركا تبع للأمر والنهي في كونه عبادة خاصة لله اعتبارا للشيء بضدّه.

    ولا أذهب بعيداً فالسجود في شرعنا من خصائص الله فمن صرفه لغيره فقد أشرك..
    والوضوء للصلاة أو ذكر الله عبادة خاصة أصلا أو كيفيةً في شرعنا فمن توضّأ لذكر الصنم أو لحمل الصليب فهو مشرك كافر.
    فعاد الأصل على هيئته: ما ثبت أنه من خصائص الله، فالواجب صرفه لله وحده، ومن صرفه لغيره فقد أشرك، وشركه لا يخرج من تلك الأنواع، لأن الفعل الواحد بالنوع يختلف حكمه لاعتبارات كما سبق بل الفعل الواحد بالعين عند بعض الناس.

    القضية قضية جعل شرعي في الأفراد والأنواع؛ فإذا قال الله ورسوله جعلتُ هذا العمل خاصا بالله فتقربوا به إليه فلا نصرف هذا النوع إلا إليه وإن كان صرفه للغير جائزا قبل ذلك، ولا يكون في ذلك الوقت شركاً لانتفاء التخصيص والجعل الشرعي فتأمّل وفّقني الله وإياك.
    من عنده فضل علم فليفدني في هذا، وليناقش بصدقٍ وأمانة، وليدع المراوغة وتقويل ما لم يقله المخالف.

    أما المطلوب منك فهو كالتالي:
    1- التوفيق بين اشتراط العلم في عبادة غير الله وبين عدم اشتراطه!
    2- تكفير الجاهل في عبادة غير الله وعدم تكفيره!
    3- الأفعال والأقوال من العبادة، وليست من العبادة.
    4- العبادات توقيفية تابعة للأمر والنهي وما ثبت عبادة لله خاصة لا يكون صرفه لغير الله شركا؟
    5- الاعتماد على الظاهر ليس بينة شرعية في التكفير، وبين تكفير العابد لغير الله اعتمادا على الظاهر؟
    6- الساجد للصنم وللصليب كافر وليس مشركا! ما هو الدليل؟ ومن سلفك في هذا؟
    7- قالت الجهمية السجود للصنم والصليب ليس كفراً ولكنه علامة على الكفر، وقتل الأنبياء و الرسل ليس كفراً في ذاته ولكن دليل الكفر، ورمي المصاحف في القاذورات ليس كفراً بل علامة الكفر، والذبح للأوثان والنذر لها والسجود والطواف بها ليس بكفر حتى يعتقد فيها الربوبية!

    أليس هذا مؤدى بحثك وحقيقة مذهبك؟

    بارك الله لي في تقليد أئمة الدعوة النجدية وأمثالهم المنقذ من تقليد الجهمية والمعتزلة القدرية والقبورية البائدة والمعاصرة!

    يتبع...................... .............................. .............................. ...............

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •