ذنوب الخلوات التى تحول بينك وبين التقوى
أولًا: الداء:
1- عدم كمال العبودية
قال مُطَرِّف بن الشِّخّير: "إذا اسْتَوَتْ سريرة العبد وعلانيته؛ قال الله عزَّ وجلَّ: هذا عبدي حقًّا"
فمن ساءت سريرته كان بمثابة نصف عبد!
ومن كانت خلوته خبيثة لم يحقق تمام العبودية.
2- نفور المؤمنين منه!
قانونٌ لا يتخلف: ما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه وفلتات لسانه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشَرٌّ. فمن لمح نفور الصالحين عنه وتباعد المخلصين منه فليراجع أعمال سرِّه.
قال ابن الجوزي: "وقد يُخفي الإنسان ما لا يرضاه الله عز و جل، فيُظهِره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطِق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هناك من يُجازي على الزلل".
3- الخلوة اختبار شديد!
وتظهر نتيجة هذه الاختبار في الدنيا والآخرة؛ قال عطاء بن أبي رباح في قوله: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9]: "ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وهو السرائر، ولو شاء أن يقول: قد صُمْتُ، وليس بصائم، وقد صلَّيتُ، ولم يصلّ، وقد اغتسلت، ولم يغتسل".
فيا ويل غير الصادقين من يومٍ تُخْتبَر فيه سرائر العباد، فينكشف منها ما كان في الدُّنْيا خافيًا عن عيون الأشهاد، فأسِروا الخير، وأصلحوا خلواتكم، فهي منكشفةٌ غدًا، وأول ما تظهر؛ ستبدو على الوجوه، فتبيض وجوه، وتسودُّ وجوه.
4- لا تكتمل تقوى دون صلاح سريرة!
أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر رضي الله عنه: «أوصيك بتقوى الله تعالى في سِرِّ أمرِك وعلانيته» (صحيح الجامع:2544).
والتقوى في السر أصعب لكنها أعظم أجرًا؛ لأن الدافع إليها: خشية الله وحده، وأما تقوى العلانية فقد يدفع إليها كذلك خوف الفضيحة بين الناس.
5- سيئاتك في الخلا تنسف حسناتك في الملا!
في حديث ثوبان رضي الله عنه: «لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا». قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهم لنا، جلِّهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» (السلسلة الصحيحة: 505).
وهو ما يجعلك أحرص ما تكون على محارم الله إذا خلوت، وأخوف -إن أغلقت عليك بابك- من تبديد طاعاتك التي قدَّمت، وإلا كنت أحمقًا وأخسر الخاسرين. قال ابن الأعرابي: "أخسر الخاسرين من أبدى لِلنَّاسِ صَالِح أعماله، وبارز بالقبيح من هُوَ أقرب إِلَيْهِ من حبل الوريد".
6- سوء الخاتمة!
وهي عقوبة إلهية على عدم صدق العبد، وإيثاره رضا المخلوقين على رضا رب العالمين. قال ابن القيم: "أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات". وأيَّده في ذلك ابن رجب فقال: "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسةٍ باطنة بين العبد وربه".
7- عرضٌ لمَرض!
ذنوب الخلوات عنوان كبير لضعف تعظيم الله في قلب العبد، وبرهانٌ ساطع على عدم إجلال الله سبحانه كما يليق بجلال وجهه، وتقديم تعظيم الخلق وخشيتهم على تعظيم الله وخشيته. يا مذنبا في الخلوات! راقَبت أهل الأرض أكثر مما راقبت من في السماوات! واستخفيت من الناس ولم تستخفِ من الله! وخشيت الناس كخشية الله بل أشد خشية. اجترأت على ربك جرأة ما تجرَّأت مثلها على مديرك أو أميرك!
8- السقوط من نظر الله!
قال ابن الجوزي: "والحذر الحذر من الذُّنُوب خصوصًا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تُسقِط العبد من عينه سبحانه". ومتى سقطت من عين الله فكيف تُفلِح؟!
9- اليأس من الإصلاح:
أخطر ما في ذنوب الخلوات أن تكرار السقوط فيها يبث اليأس في قلوب العصاة، فيتركون المحاولة، وينقطعون عن التوبة، وهو ما يؤدي لموت القلب، وأي مُصيبة أعظم من موت القلب! وعلامته الأساسية: عدم الحزن على ما فاتك من الطاعات، وترك الندم على ما فعلته من المعاصي والزلات.
وهذا دليلٌ على غضب الرب، فإن الَّذي مات قلبه لا يخشع، ولا المواعظ فيه تنفع، فإذا تُلِيت عليه آيات ربه أصرَّ مستكبرا كأن لم يسمع.
إِذا مَضَتِ الأوقاتُ في غير طاعة *** ولَمْ تكُ محزونا فذا أعظم الخَطْبِ
علامة موت القلب أن لا ترى به *** حراكًا إلى التقوى وميْلًا عن الذَّنبِ
10- تكرار المشهد يوم القيامة!
قال ابن عباس عن المذنب في الخلوات: "وخوفك من الريح إذا حرَّكت سِترَ بابك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عمِلته". ينظر أحدهم إلى الأمام وإلى الوراء، وذات اليمين وذات الشمال، حتى إذا ما اطمأن أن لا أحد يراه بارز ربه بالعصيان!
ولعل من عجيب الأقدار أن يتكرر معه نفس المشهد بحذافيره؛ لكن على شفير النار! في صحيح البخاري: «لَيَقِفَنَّ أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا تَرْجُمان يُترجِم له، ثم ليقولن له: ألم أوتِك مالا؟ فَلَيقولَن: بلى، ثم لَيَقولنَّ ألم أُرسِل إليك رسولا؟ فليقولن: بلى، فينظر عن يَمِينه فلا يرى إلاَّ النَّار، وينظر عن شِماله فلا يرى إلاَّ النَّار. ونظره ناحية اليمين وناحية الشمال كان في الدنيا خوفًا من أن يراه الناس، لكنه في الآخرة طلبًا للغوث أو رغبةً في الهرب من العذاب».
منقول