تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي

    أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي
    أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي(دراسة فقهية، اجتماعية، أخلاقية)

    الدكتور نذير حَمَادُو

    جامعة الأمير عبد القادر- قسنطينة



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين. وبعد. ..

    فقد أدى اكتشاف البصمة الوراثية لما تتصف به من مزايا في الإثبات دخولها حيز التطبيق، وأصبحت وسيلة رائدة لدى المحاكم والجهات الأَمْنِيَّةِ، خاصة لدى الدول المتقدّمة، فأصبحت وسيلة مهمة في هذا العصر؛ لتعقب المجرمين والتعرف على الجثث المتفحمة أو المتحللة، خاصة أمام فشل الوسائل التقليدية المعروفة في التعرف على هُوية الْمَعْنِيِّينَ .

    وإذا كان استخدام البصمة الوراثية في هذا المجال لا غبار عليه؛ فإن استخدامها في مجال النسب يُثِيرُ تساؤلا حول مشروعيتها في الفقه الإسلامي، ومدى أثر الأحكام المترتبة عليها من الناحية الاجتماعية والأخلاقية.

    وللإجابة عن هذا التساؤل، بَاتَ من الضروري أن أركّز على المباحث الآتية:

    - عناية الإسلام بالنسب.

    - أهمية البصمة الوراثية في الإثبات.

    - التكييف الفقهي للبصمة الوراثية في إثبات النسب.

    - الحكم الشرعي للبصمة الوراثية في إثبات النسب.

    - مَنْزِلَة البصمة الوراثية من أدلة إثبات النسب.

    - أثر استخدام البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي.

    أولاً: عناية الإسلام بالنسب: لقد اعتنى الإسلام بالنسب، وجعله رابطة سامية، وصلة عظيمة؛ حيث نظّمه، وأرسى قواعده؛ حفاظاً له من الفساد والاضطراب، وجعله من النعم التي امتن بها على عباده، قال تعالى:
    ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾ [الفرقان 54]، وكرّم سبحانه الإنسان وفضله على كثير من خلقه، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء 70]، ومن هذا التكريم أن جعل له سبباً واضحاً للتوالد والتناسل يليق بمقامه وتكريمه وهو النكاح، وجعل حفظ النسب (ضمن كلي حفظ النَّسْلِ) الذي هو كلي من الكليات الخمس، ولم يتركه لأهواء الناس ورغباتهم، فأبطل طرقه غير المشروعة التي كانت شائعة في الجاهلية: من التَّبَنِّي، ومن إلحاق الأولاد عن طريق الفاحشة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهْكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب 4]، ويقول الرسول الكريمr: )الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ([1].

    ومما تجدر الإشارة إليه أن الإسلام لما حرّم التبني؛ فإنه لم يمنع من كفالة الولد والإحسان إليه خاصة إذا كان يتيماً، ويثاب ويؤجر على ذلك، على أن يبقى هذا الولد محافظا على نسبه الحقيقي. وشدد النكير على الآباء الذين يجحدون نسب أبنائهم، فيقول النبيr: )وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ [2]، احْتَجَبَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ([3]؛ لأن في الإنكار تعريضاً للولد وأُمِّهِ للذُّلِّ والعارِ.

    كما توعّد الأبناء الذين ينتسبون إلى غير آبائهم بقولهr: ) مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ حَرَامٌ عَلَيْهِ ([4]؛ لأن الانتساب إلى غير الآباء من أكبر العقوق لهم. قال الرملي في نهاية المحتاج: "إن حصول الولد نعمة من الله، فإنكارها جحد لنعمته تعالى، ولا نظر لما قد يعرض للولد من عقوق ونحوه"[5]. وكذلك حذّر النساء من أن يَنْسِبْنَ إلى أزواجهن مَنْ يَعْلَمْنَ أنه ليس منهم؛ فيقول الرسولr: ) أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَّن لَّيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللهُ جَنَّتَهُ([6].

    ويتبيّن مما سبق ذكره أن الإسلام كان حريصا كل الحرص على صدق انتساب النسل إلى أصله، ووضع لذلك أحكاما. يقول الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية: "وفي التحديدات التي جاء بها الإسلام – أي: التي سبق ذكرها- نظرة عظيمة إلى حفظ حقوق النسل عن تعريضها للإضاعة والتلاشي، وفساد النشأة التي لا تصاحبها الرعاية"[7].

    ثانياً: أهمية البصمة الوراثية في الإثبات: قبل الخوض في أهمية البصمة الوراثية في الإثبات، علينا أن نعرّف معنى البصمة الوراثية أَوَّلاً، ثم نتكلم عن أهميتها في المجال التشريعي.

    البصمة الوراثية تقنية علمية جديدة، وكثيراً ما نجد الذين كتبوا في هذا الموضوع يركّزون على الجانب العلمي المتعلق بها ويُغفلون تعريفها، وبعد البحث عن تعريف دقيق لها، وجدتُ محاولات جادة في تعريفها:

    التعريف الأول: هو للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية: " البصمة الوراثية البنية الْجِينِيَّة التفصيلية التي تدل على هُوية كل فرد بعينه"[8].

    التعريف الثاني: هو للمجمع الفقهي الإسلامي: "مركب كيميائي ذو شِقَّيْنِ؛ بها ينفرد كل إنسان عن غيره"[9].

    التعريف الثالث: هو لمفتي جمهورية مصر العربية – سابقاً- فضيلة الشيخ فريد واصل: " البصمة الوراثية في اصطلاح العلماء: يُقصد بها تحديد هُوية الإنسان عن طريق جزء أو أجزاء من حمض ADN الحمض المتمركز في نواة، أي: خلية من خلايا جسمه"[10].

    التعريف الرابع: للدكتور وهبة الزحيلي: " هي المادة المورثة، الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي مثل تحليل الدم أو بصمات الأصابع، أو المادة المنوية، أو الشعر، أو الأنسجة؛ تبيِّنُ مدى التشابه والتماثل بين شيئين أو الاختلاف بينهما"[11].

    التعريف الخامس: للأستاذ عارف علي عارف: " المقصود ببصمة الجينات، هو الاختلافات في التركيب الوراثي لمنطقة الأنترون، وينفرد بها كل شخص تماماً وتورث"[12]

    والمقصود بمنطقة الأنترون هنا المنطقة التي تظهر عليها الاختلافات، وهي مكان من الحمض النووي تظهر فيه هذه الاختلافات؛ لأن 99.9 % من الحامض النووي متماثل عند كل الناس، بينما يقع الاختلاف بين الأفراد في 0.1 % منه فقط[13].

    هذه التعريفات وإن اختلفت في التعبيرات؛ فإنها لم تختلف في الاعتبارات، ويمكننا استخلاص مما سبق تعريفاً للبصمة الوراثية فنقول: " البصمة الوراثية هي البُنية الوراثية التي يتفرّد بها كل شخص عن غيره، والتي تمكّننا من التّحقق من الشخصية، والوالدية البيولوجية.

    وتتجلى أهمية البصمة الوراثة في إثبات النسب أو نفيه، أنها قادرة على إثبات الأبوة البيولوجية أو نفيها، وبالتالي يمكن أن يستفاد منها في قضايا النسب، والنازعات التي يثيرها هذا الموضوع، كاختلاط المواليد في المستشفيات، وضياع الأطفال واختطافهم، وحالة ما إذا وقع خطأ في أطفال الأنابيب؛ فهي تمكننا من التحقق من الشخصية لأي فرد من ناحية، وتمكننا من التحقق من الوالدية البيولوجية من ناحية أخرى؛ لتمييزها عن الوالدية الشرعية، أو النسب الشرعي؛ لأن النسب الشرعي هو الذي يأتي ثمرة نكاح صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة، أما النسب البيولوجي فيعني: صاحب الماء الذي تخلّق منه الولد، فلا يتعلق بوجود العقد من عدمه، ولا بنوع العلاقة بين الرجل والمرأة سواء أكانت شرعية أو غير شرعية.

    ثالثاً: التكييف الفقهي للبصمة الوراثية في إثبات النسب: البصمة الوراثية كغيرها من النوازل التي ظهرت حديثاً بفعل تقدم العلوم بمجالاتها المختلفة، والتي فتحت باباً لإمكانية استخدام تقنيات جديدة كوسائل للإثبات أمام القضاء، كانت محل دراسة من قبل الفقهاء في السنوات الأخيرة؛ بهدف تحديد قيمتها الثبوتية، ومدى جواز العمل بها كدليل أمام القضاء. وتتميز البصمة الوراثية بأنها دليل مادي يعتمد الحسَّ؛ لذلك يمكن تكييفها شرعاً بأنها من القرائن، والتي ذهب فريق من الفقهاء إلى قبولها كدليل في الإثبات كابن قيم الجوزية؛ حيث ألف كتاباً في هذا المجال سمّاه " الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ". والقرينة شرعاً هي: "كل أمارة ظاهرة تقارن شيئاً خفياً، فتدل عليه"[14]. أو: "ما يدل على المراد من غير أن يكون صريحاً فيه"[15] . غير أن القرائن بدورها يمكن تقسيمها إلى قرائن قطعية وقرائن ظنية، والقرائن القطعية هي البالغة حَدّ اليقين، والتي تمثل دليلا مستقلا في الإثبات؛ بحيث تقوم مقام البَيِّنَةِ، أما القرائن الظنية فلا تمثل دليلا مستقلا، ويُستعان بها على سبيل الاستئناس والترجيح[16].

    وهذا ما يدعونا للتساؤل حول موقع البصمة الوراثية ضمن القرائن، فهل هي قرينة قطعية أو هي قرينة ظنية؟ انقسم فقهاء في الإجابة عن هذا التساؤل إلى فريقين:

    الفريق الأول: يرى أن البصمة الوراثية قرينة قطعية[17]. وفي ذلك يقول أحدهم: ويمكن القول بأن البصمة الوراثية هي ذات دلالة علمية قطعية يقينية؛ لإثبات هُوية الإنسان، وتُعَدُّ سبباً شرعياً؛ لحسم نزاع النسب"[18]. ويقول آخر: " فقد أثبتت التجارب العلمية المتكررة أن البصمة الوراثية إذا توفّرت شروطُها وأكثرُ عيّناتها مع ملاحظة الدقة والضبط والتكرار دليل قطعي وأكثر نتائجها 100 %"[19].

    الفريق الثاني: يرى أن البصمة الوراثية لا ترقى إلى مستوى القرائن القطعية، وهو الرأي الذي تبنّاه الدكتور عمر بن محمد السبيل، حيث قال: " إن النظريات العلمية الحديثة من طبية وغيرها، مهما بلغت من الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين، إلا أنها تظل محل شك ونظر؛ لِمَا عُلِمَ بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة في طِبٍّ وغيره يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن إبطالُ بعض ما كان يُقطعُ بصحته علمياً"[20].

    وقد برر مؤيدو هذا الرأي بأن الأصل في البصمة الوراثية القطع غير أن الظروف أهدرت من قيمتها؛ ذلك بأنها تفتقر إلى التأثير في نفسية القاضي؛ كون أن إجراء التحليل يتم في غيابه، وعدم وقوف القاضي على نوعية القائمين على المختبر، بالإضافة إلى أن الظروف المحيطة والإجراءات المعقدة عند التحليل أهدرت من قيمتها[21].

    وقد ذهبت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية من خلال ندوتها الحادية عشرة المتعلقة بالهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني، المقامة في الكويت في الفترة الممتدة بين 23-25 جمادى الثانية 1419 هـ/ الموافق 13-15 أكتوبر 1998 م إلى أن: " البصمة الوراثية من الناحية العلمية، وسيلة لا تكاد تُخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية، والتحقق من الشخصية، ولاسيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القاطعة التي أخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية"[22]. وقد أَيَّدَ هذا الموقف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، شريطة استيفاء شروطها الكاملة؛ حيث جاء في توصياته أن: " البصمة الوراثية إذا استوفت الشروط الكاملة، واجتنبت الأخطاء البشرية؛ فإن نتائجها تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نَفْيِهَا عنهما، وتصل نتائجُها إلى 99.9%"[23].

    رأيي في المسألة: والذي أراه في هذه المسألة هو أن قطعية نتائج البصمة الوراثية مرهونة بمدى توفر شروطها من حيث سلامة الأجهزة وكفاءة القائمين عليها، واتباع الخطوات العلمية الصحيحة؛ لذلك فإنني أقول: إن الأصل في البصمة الوراثية اليقين والقطعية، إلا أن عامل اليد البشرية والمراحل المعقدة التي يتطلبها التحليل قللت من مصداقيتها، وجعلت نتائجها قريبة من القطع، بمعنى أنها قرينة قطعية من الناحية العلمية، وقرينة ظنية من الناحية العملية.

    رابعاً: الحكم الشرعي للبصمة الوراثية في إثبات النسب: أدى اكتشاف البصمة الوراثية لما تتصف به من مزايا في الإثبات دخولها حيز التطبيق، وأصبحت وسيلة رائدة لدى المحاكم والجهات الأَمْنِيَّةِ، خاصة لدى الدول المتقدّمة، فأصبحت وسيلة مهمة في هذا العصر؛ لتعقب المجرمين والتعرف على الجثث المتفحمة أو المتحللة، خاصة أمام فشل الوسائل التقليدية المعروفة في التعرف على هُوية الْمَعْنِيِّينَ .

    ومن أراد إتمام قراءة هذا الموضوع، من على هذا الرابط:

    أثر البصمة الوراثية في إثبات نسب الولد غير الشرعي

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    [CENTER]موقف الشريعة من إثبات النسب بالبصمة الوراثية









    أثبت المجمع الفقهي لرابطة العالم الإ»لامي الاستفادة من البصمة الوراثية في إثبات النسبيميل رأي أكثر الفقهاء والمعاصرين إلى أن البصمة ترقى إلى مرتبة القيافة، وتظل أدلة الفراش والبينة والإقرار سيد الأدلة في إثبات النسبعلي الأصم: أن البصمة الوراثية كما صرح بها أهل الطب لا يمكن أن تخلو من عيوب لأنها تحتاج إلى معايير للتأكد من صحتهامسألة إثبات النسب في الشريعة الإسلامية من المسائل المهمة التي تدخل ضمن المقاصد الكبرى التي جاءت الشريعة لرعايتها، ويؤكد العلماء أن إثبات النسب يشتمل حقوقا عدة، كما أنه يمثل عنوان البقاء للإنسان في هذه الحياة الذي يستمر معه فترة وجوده كلها، ومن هذا المنطلق جاءت أهمية البحث في إثبات النسب بالبصمة الوراثية التي تعد من الأمور المستجدة علميا وفقهيا، والبصمة الوراثية تعني نوعا من تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء من نواة أي خلية من خلايا جسمه، وهي الصفات الوراثية التي تنتقل من الأصول إلى الفروع التي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق التحليل، وقد تم بحث موضوع البصمة الوراثية في المجامع الفقهية بوصفها من النوازل الفقهية المعاصرة واختلفت آراء العلماء في تحديد النسب بالبصمة الوراثية من عدمه، وسنلخص هذه الآراء للوصول إلى القول الراجح من هذه المسألة.يقول الدكتور سفيان بن عمر بورقعة في دراسته الموسومة: بـ«النسب ومدى تأثير المستجدات العلمية في إثباته»: لا تخفى أهمية النسب ومنزلته في الفقه الإسلامي، ويكفي بيانا لذلك أن الشريعة عدته واحدا من الكليات الخمس التي قامت أحكامها على رعايتها وحفظها. ويقول أيضا: إن علاقة النسب في جوهرها علاقة إنسانية، تثبت للإنسان بمجرد كونه إنسانا، فتلتصق بشخصيته وتثبت له بمجرد أن يولد حيا؛ ولهذا فطر الإنسان على تعزيزه هذه العلاقة والعناية بها، والدفاع عنها،؛ ولذا فهي تعد مظهرا من أبرز مظاهر تكريم الله للإنسان، ونعمة من أجل نعمه عليه، قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } (الفرقان: 54). ويؤكد الدكتور سفيان أن إثبات النسب في الإسلام تجتمع فيه حقوق أربعة: حق لله، وحق للولد، وحق للأب، وحق للأم، ويؤكد الإمام ابن قيم الجوزية هذا قائلا: «إن إثبات النسب فيه حق لله، وحق للولد، وحق للأب، ويترتب عليه من أحكام الوصل بين العباد ما به قوام مصالحهم، فأثبته الشرع بأنواع الطرق التي لا يثبت بمثلها نتاج الحيوان. فحق الله فيه من جهة أنه أمر بدعوة الولد إلى أبيه الحقيقي، ومن ثم نهى عن التبني، وجعله قولا بغير الحق؛ لأنه قائم على غير الحقيقة والواقع، كما توعد عن كل فعل يكون من الرجل أو المرأة من شأنه تزييف النسب أو الدس فيه ما ليس منه، أو الإخراج منه ما هو من حقيقته وصلبه؛ ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن ادّعى إلى غير أبيه وهو يَعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام».الأساس في ثبوت النسب ويشير الدكتور سفيان بن عمر إلى أن النسب يمثل عند البشر عنوان بقاء الإنسان في هذه الحياة وطريقه الوحيد للاستمرار فيها، لكن شاءت مشيئة الله سبحانه ألا يخلد أحد في هذه الدنيا، فجعل للإنسان عمرا قصيرا، وأمدا محددا فيها، وعوضه عن حرمانه الخلود وبقاء نسله من بعده، فغرس في فطرته سر هذا البقاء عبر التزاوج والتواصل بين الجنسين، ويضيف قائلا: وإذا كان النسب أساسه الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، فإننا حينئذ نعد الولادة معرفة بذلك الاتصال أو علامة عليه، ولا يصح ربط سبب النسب بها أو اعتبارها مدخلا له كما ذكره الأستاذ محمد الأشقر - حفظه الله - حيث عبّر عن ذلك بقوله: «مدخل النسب الولادة»، فإن أراد بالمدخل المعرف والعلامة فصحيح، وإن كان المفهوم من مدخل النسب سببه، فالمدخل والباب والطريق تسمى أسبابا لغة كما سبق.قال السرخسي: «فإن الولادة لثبوت النسب شرط بمنزلة العلامة؛ فإن بها يظهر ويُعرف ما كان موجودا في الرحم قبل الولادة»، ونقل عن أبي حنيفة قوله: «الولادة بمنزلة المعرف».ثم إن الولادة أمر يخص المرأة دون الرجل، والمتعين في السبب أن يكون شاملا لهما لاشتراكهما في العلاقة، وهذا إنما يصح بناؤه على ما ذكرنا وليس الولادة.هذا وقد حدد الإسلام الإطار الشرعي الذي تتم فيه المخالطة بين الجنسين، ورسم الحدود الشرعية التي يسوغ للرجل والمرأة سلوكها إذا ما أرادا تلبية الحاجة الفطرية لديهما لإعفاف النفس وتحصيل النسل.التعريف الاصطلاحي للبصمة الوراثية ويشير الدكتور سفيان بن عمر عن أن البصمة الوراثية تعني كما جاء في تعريفات المتختصين بأنها: «تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حامض الدنا المتمركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه»، وفي تعريف آخر «هي الصفات الوراثية التي تنتقل من الأصول إلى الفروع التي من شأنها تحديد شخصية كل فرد عن طريق تحليل جزء من حامض الدنا الذي تحتوي عليه خلايا جسده»، وقد عرفتها «ندوة الوراثة والهندسة الوراثية» برعاية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بأنها: «البنية الجينية التفصيلية التي تدل على هوية كل فرد بعينه، وهي من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية ولا سيما في مجال الطب الشرعي». وقد أقر المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشر هذا التعريف، وأضاف: بأن البحوث والدراسات تفيد بأنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة لتسهيل مهمة الطب الشرعي والتحقق من الشخصية ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص، ويمكن أخذها من أي خلية من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو غيره.إثبات النسب بالبصمةأما فيما يتعلق بإمكان الأخذ بالبصمة الوراثية في إثبات النسب يقول الدكتور سفيان: يمكننا الوقوف على جملة من أقوال الفقهاء المعاصرين في اعتبار البصمة الوراثية طريقا من طرق إثبات النسب - بوجه عام -، نكتفي بالإشارة إلى بعضها: يقول الأستاذ محمد سليمان الأشقر: «الذي يظهر لي، بل أكاد أجزم به، أنه طريق صحيحة شرعا لإثبات النسب، ويقول الأستاذ محمد المختار السلامي: «... لذا أجدني مطمئنا إلى اعتماد البصمة الوراثية فيما يثبت النسب أو ينفيه، وتكون النتيجة التي كشف عنها الاختبار أحق بالقبول». ويقول الدكتور عمر السبيل - رحمه الله - «... إنه يحسن الاستفادة من هذه الاكتشافات العلمية التي هيأها الله لعباده، وهداهم إليها، والاستعانة بها في تحقيق ما ترمي إليه هذه الشريعة المباركة من مقاصد على ضوء قاعدة الشرع الكبرى (في تحقيق المصالح ودرء المفاسد) ولا سيما وأن من أعظم سمات هذه الشريعة الخالدة ما تميزت به من سماحة ومرونة تحمل على الأخذ بكل ما يستجد مما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ولا يخالف الشرع... والأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب... أمر ظاهر الصحة والجواز».

    يتبع إن شاء الله
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    وقد أجاز «المجمع الفقهي» لرابطة العالم الإسلامي الاستفادة منها في إثبات النسب، وأطلق عليها اسم «البينة الجينية» نسبة إلى الجينات، وكان مماجاء في بيان ختام أعمال المجلس: «لو تنازع رجلان على أبوة طفل فإنه يجوز الاستفادة من استخدام البصمة الوراثية».
    كما أقرت العمل بها «المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية» بدولة الكويت في مؤتمرها الفقهي الذي عقدته خلال المدة من 23 - 25 جمادى الآخرة 1419هـ؛
    حيث جاء في نص البيان الختامي: «ولا ترى الندوة حرجا شرعيا في الاستفادة من هذه الوسيلة بوجه عام، عند التنازع في إثبات نسب المجهول نسبه، بناء على طلب الأطراف المعنية مباشرة بالأمر».
    وفي مجال العمل بها على مستوى الدول العربية، أوصى المؤتمر العربي الثالث لرؤساء أجهزة الأدلة الجنائية المنعقد في عمَّان ما بين 10 - 12 مايو 1993م بضرورة الاهتمام ببصمة الحمض النووي وإمكانية الاستفادة منها.وأشار الدكتور سفيان أن بعض الدول العربية أقرت العمل بالبصمة الوراثية في إثبات النسب، كـ «دار الإفتاء المصرية» ذلك في القضايا المعروضة بهذا الشأن من المحاكم المختلفة ومن ذلك القضية رقم 635 لسنة 1995م شمال القاهرة.كما استخدمت في قضايا التنازع في البنوة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
    أما عن منزلة البصمة الوراثية بين أدلة النسب الشرعية:
    فيمكن الوقوف على رأيين للفقهاء المعاصرين في تحديد منزلة البصمة بين أدلة النسب الشرعية:
    الرأي الأول: ويميل إليه أكثر الفقهاء المعاصرين، ومفاده أن البصمة ترقى إلى مرتبة القيافة، وتظل أدلة النسب ونفيه المعروفة في الفقه الإسلامي منذ عصر الرسالة والمقدمة على القيافة مقدمة أيضا على البصمة الوراثية. وتثبت الأمومة بالولادة المشهودة، أو المقر بها، كما تثبت الأبوة بالفراش الذي هو علاقة الزوجية، كما تثبت بالإقرار والبينة، وتظل هذه الأدلة (الفراش، والبينة، والإقرار) سيد الأدلة في إثبات النسب، إن وجدت كلها أو بعضها. فلا يجوز اللجوء إلى البصمة إلا عند التنازع؛ لأنه في هذه الحال يحتكم إلى القيافة لحل النزاع، والبصمة الوراثية في حكم القيافة.
    يقول الأستاذ محمد الأشقر: «إنه لن يكون مقبولا شرعا استخدام الهندسة الوراثية، والبصمة الوراثية لإبطال الأبوة التي تثبت بطريق شرعي صحيح من الطرق التي تقدم بيانها. ولكن مجال العمل بالبصمة الوراثية سيكون في إثبات أو نفي أبوة لم تثبت بطريق شرعي صحيح، كحالة الشخص المجهول النسب إن ادعاه اثنان فأكثر، وكحالة مجهول النسب إن ادعى هو أنه ابن فلان أو فلان من الناس، وأراد الأب المقر له، أو ورثته التأكد من صحة ذلك».
    ويقول الأستاذ وهبة الزحيلي:
    «ويُقدَّم على البصمة الوراثية الطرق المقررة في شريعتنا لإثبات النسب أو لنفيه، أما الإثبات فيكون بالبينة، والاستلحاق، أو الإقرار بالنسب، وبالفراش، أي العلاقة الزوجية؛ وذلك لأن هذه الطرق أقوى في تقدير الشرع، فلا يلجأ إلى غيرها من الطرق كالبصمة الوراثية والقيافة إلا عند التنازع في الإثبات، وعدم الدليل الأقوى، أو عند تعارض الأدلة».

    وجاء في ملخص الحلقة النقاشية لـ «ندوة مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لإثبات البنوة» المنعقدة في الكويت في 28 - 29/1/1421هـ «اتفق أكثر الحضور على أن البصمة الوراثية ترقى إلى دليل القيافة، ولا تقدم على الشهادة أو الإقرار»

    مستند هذا الرأي: استند أصحاب هذا الرأي إلى مجموعة أدلة وهي كالآتي:
    1- أن اعتماد البصمة الوراثية أساس لإثبات النسب مطلقا - أي في حالي الزواج وعدمه - يعني اعتبار النسب لصاحب الماء وليس لصاحب الفراش...، والقاعدة المستقرة في الفقه الإسلامي هي اعتبار الفراش لقول النبي : «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وهو خبر استفاض بين الصحابة رضي الله عنهم
    2 - أن الطرق الشرعية (الفراش، والبينة، والإقرار) هي وسائل للإثبات قام على اعتبارها والاعتداد بها نصوص القرآن، والسنة، وإجماع الأمة، فلا يسوغ أن تتقدم عليها البصمة؛ لأنه يؤدي إبطال النصوص الشرعية، وهدم أمر مجمع عليه بين العلماء في كل العصور، والأحكام الشرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها، أو إبطال العمل بها إلا بنص شرعي يدل على نسخها، وهو أمر مستحيل.
    3- أن عمدة جواز العمل بالبصمة الوراثية هي قياسها على القيافة، فغاية الأمر أن تأخذ حكمها، وتقع في منزلتها.مدى مصداقية البصمة الوراثية: ومن جانبه يتساءل باحث خليفة علي الكعبي في بحث له بعنوان: «البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية» عن مدى صحة نتائج البصمة الوراثية صحيحة من الجانب الطبي ويقول هل فعلاً نتائج البصمة الوراثية صحيحة 100٪ أم أن هناك شيئاً نجهله عن البصمة الوارثية؟، ويضيف قائلا: تعددت أقوال الأطباء حول مسألة مدى مصداقية البصمة الوراثية، والذي يهمني، هو النقل الصحيح عن أهل الخبرة والاختصاص، فأهل الطب والعاملون بالمختبرات هم أنفسهم أدرى وأعلم باختصاصهم، فقد قال أحد الأطباء إن نتيجة البصمة في الإثبات بنسبة 99.99٪ وفي حالة النفي 100٪، وقال آخر إن احتمال تطابق القواعد النتروجينية في الحمض النووي في شخصين غير وارد، ما جعلها قرينة نفي وإثبات لا تقبل الشك، وقال آخر إنه وبظهور أنظمة الفحص من نوف STR يمكن وصول مؤشر الأبوة إلى 99.999٪ وهذه النسبة عملياً تعتبر قطعية، ثم قال أيضاً ويجب توضيح أن إثبات الأبوة والبنوة لا يمكن أن يصل من الناحية العلمية والعملية إلى 100٪ وذلك؛ لأنه يتوجب فحص جميع الذكور البالغين في المجتمع وهذا ضرب من الاستحالة.
    وقال العالم البيولوجي الدكتور عمر الشيخ الأصم: «منذ أن تم إدخال تقنية البصمة الوراثية كأحد الأدلة المستخدمة في التحقيقات الجنائية شهدت التقنية تطوراً ملحوضاً هادفاً إلى زيادة مصداقيتها، وقد أصبح بفعل هذا التطور إمكانية الحصول على احتمالية تزيد على 1:2 مليون بأن تكون البصمة الجينية لشخص هي البصمة الجينية نفسها لشخص آخر».ثم تكلم فضيلة الدكتور عمر الأصم عن حقيقة علمية يقبلها العقل والمنطق، وهو ما يؤكد ضعف القدرات والقوانين البشرية، فقال الدكتور عمر: «ولكن مثل أي طريقة بيولوجية لا يمكن اعتبار البصمة الوراثية 100٪ صحيحة وخالية من العيون».وهذه كلمة حق قل من تكلم لها بهذه الصراحة العلمية الحقيقية؛ لأن لا يمكن في الحقيقة أن تخلوّ البصمة الوراثية من عيوب وهذه إحدى المسببات التي أوهنت من قيمة البصمة الوراثية عند كثير من الناس.
    ويلخص الباحث هذه المسألة بقوله: يتبين لنا أن البصمة الوراثية كما صرح بها أهل الطب لا يمكن أن تخلو من عيوب لأنها تحتاج إلى معايير للتأكد من صحتها كالمؤهلات العلمية والخبرة المتميزة وسلامة الطرق والإجراءات التي توظّف لتحليل البصمة الوراثية، فهي لا تصل إلى نسبة 100٪ وإنما قد تكون قريبة من ذلك، وهو ما يعطيها صبغة «شبه قطعية» عند بعض أهل الفقه، وفضلاً عن ذلك فإن فحص جميع سكان المنطقة والدولة أو المجتمع لإثبات الأبوة أو البنوة يعتبر ضرباً من الخيال.
    مواقع الخطأ في البصمة الوراثية: ويشير الأستاذ الكعبي أن هناك القليل من الباحثين ومجتهدي العصر يتنبَّه بخصوص الأخطاء التي قد ترتكب في البصمة الوراثية، فالبصمة الوراثية رغم حداثتها ودقتها إلا أنها تظل عرضة للنتائج المضللة إذا لم تستخدم بدقة، وذلك بسبب القصور في الأدلة الفنية المؤدية أحياناً إلى إهدار الدليل بأكمله.
    وسبب ذلك القصور يرجع إلى نوعين رئيسيين: القصور الأول: هو قصور في الجوانب العلمية الفنية، والقصور الثاني: هو قصور في الجوانب الإجرائية القانونية، وهذا الأخير أقل تعرضاً من الأول مما يهدر الدليل الفني ويجعله كأن لم يكن شيئاً.
    وبعد استعراض مواقع الخطأ في البصمة الوراثية ووقوع هذه الأخطاء في موقعين أساسيين لا تخرج عنهما البصمة الوراثية، وهما مسرح الجريمة والمعمل الجنائي للبصمة الوراثية، وكل ذلك تقع مسؤوليته على القائمين بهذا العمل الدقيق من الخبراء والأطباء الشرعيين، تبين أنه على ضوء هذا الخطأ قد يتسبب الأمر في ضياع حقوق كثيرة وأنساب عديدة، وقد يؤدي الأمر إلى اتهام امرأة شريفة بالزنى نتيجة خطأ وقع في العمل الجنائي أثناء اختلاط العينات البيولوجية بعضها ببعض كما قد يتعرض القضاء إلى إصدار حكم بناء على تقرير البصمة الوراثية ثم يتبين هذا الخطأ بعد ذلك للمحكمة، فما هو موقف المشرع الإسلامي وقواعده الفقهية من حالة هذا الخطأ الافتراضي، إذا ما وقع في البصمة الوراثية، وأدى ذلك إلى إعطاء بيانات غير صحيحة تم على أثرها صدور حكم قضائي، ثم تبين بعد ذلك للخبراء والقضاء أن ثمة خطأ وقع في معمل البصمة الوراثية.القضاء الكويتي وموقفة من البصمة الوراثيةويقول الباحث خليفة الكعبي أن القضاء الكويتي لم يختلف عن غيره من أنظمة القضاء العربي الإسلامي القائم على الكتاب والسنة، الأمر الذي يشير إلى استقلالية القضاء في هيبته وسلطته الموقرة.
    حيث بدأت فكرة إنشاء مختبر فحوصات البصمة الوراثية منذ عام 1990 ولأسباب الغزو العراقي تم تأجيل هذا المؤتمر، وفي عام 1996 تم تقديم الدراسات لإنشاء مختبر البصمة الوراثية. ثم تم افتتاح المختبر الجنائي بالكويت في سنة 1998 بناء على الرعاية الكريمة لأمير دولة الكويت، وإدخال البصمة الوراثية في دولة الكويت والأخذ بها واستعمالها في عدة قضايا شرعية وجنائية. والجدير بالذكر أنه في دولة الكويت وبعد أن شاع خبر البصمة الوراثية في صحف الإعلام، قام مجلس الوزراء الكويتي في 29/11/1995 بإصدار قراره رقم 1050 بتكليف اللجنة الوزارية للشؤون القانونية بإعداد مشروع لتعديل الفقرة الأولى من المادة (173) من القانون رقم 51 لسنة 1984م في شأن الأحوال الشخصية بما يجعل لتقارير الطب الشرعي (البصمة الوراثية) قوة تدليلية يعتد بها في دعاوى إثبات النسب ونفيه. كما تم عرض هذا الموضوع على إدارة الفتوى في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، وانتهت في فتواها رقم 54 لسنة 1996 إلى أن البصمة الوراثية إن كانت قطعية الدلالة على مضمونها فإنه يجوز الحكم بها لنفي النسب دون إثباته من الأب؛ لأن تطابق الجينات الوراثية بين الابن وأبيه قد ينتج عن علاقة غير مشروعة سفاح ومن ثم لا تكون دليلاً لإثبات النسب، أما إذا لم تكن قطعية الدلالة فلا يجوز الأخذ بها في إثبات النسب ولا في نفيه.
    غير أن قرار إدارة الفتوى بوزارة الأوقاف غير ملزم لأهل القضاء الذين يتمتعون بالاستقلالية ولا رقيب عليهم إلا الله ثم ضمائرهم باعتبارهم أهل البصيرة الثاقبة والحكمة المنبثقة من تقوى الله وخشيته، فلم يكن لتلك الفتوى أي تأثير على القضاء الكويتي، فمهما بلغت البصمة الوراثية من أهميته ودعاية إعلامية، فإنها لا تخرجها عن كونها قرينة تخضع لسلطة المحكمة التي لها سلطة تقدير قوة العناصر التدليلية في القضايا الماثلة أمامها.
    ويؤكد الباحث خليفة الكعبي أنه متى كان الفراش قائماً وثابتاً ويقبل اللعان، فإذا البصمة الوراثية حكمها حكم القافة لا تهدر من قيمة الفراش كما قال ابن فرحون ذلك «والنفي بالقافة إنما هو ضرب من الاجتهاد فلا ينتقل ولد الحرة من اليقين إلى الاجتهاد» ومن الحجج التي سقتها في الفراش هو قول الشوكاني «مهما كان الفراش ثابتاً شرعاً كان الولد لا حقاً قطعاً» وإذا ثبت الولد لا ينتفي إلا بما هو من الفراش وهو اللعان وهو من باب أقوى الدليلين. ويذهب الكعبي في خلاصة بحثه القيم بعدم جواز العبث بفراش الزوجية وخدش حياء المرأة المسلمة؛ لأنه لا فائدة في نهاية الأمر من البصمة الوراثية طالما أن العلاقة الزوجية قائمة بين الزوجين، فإن الزوج على الخيار من أن يعيش مع هذه الزوجة بالمعروف أو يفارقها بالمعروف وإذا كان له منها ولداً فله نفيه باللعان إذا ما توفرت شروط الملاعنة الصحيحة.

    http://www.al-forqan.net/files/644.html


    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •