تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب (1/4)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    12

    افتراضي موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب (1/4)

    احتوت رسائل رسول الله r التي أرسلها إلى الملوك بعد صلح الحديبية رسالة إلى هرقل قيصر الروم، حملها سفيره دحية الكلبي، وقد هيأ الله لقيصر وفدا من قريش على رأسه أبو سفيان، فحاورهم واستيقن من صدق الرسالة وعرف أن صاحبها نبي آخر الزمان، وتوقع أنه سيحوز منه هذا الـمُلك، ولكنه آثر الدنيا والملك[1].


    ثم كانت غزوة مؤتة أول ما وقع من الصراع بين الدولة الإسلامية والروم البيزنطيين، وقد كانت "أكبر لقاء مثخن، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله r"[2]، وهي -من وجهة النظر العسكرية- تعتبر هزيمة للمسلمين وانسحابا لهم، ولكن بالتعمق في التفاصيل فإنها بمثابة رسالة عسكرية في غاية القوة للدولة الرومية وللأعراب المنضوين تحت لوائها ولعامة العرب، إذ استطاع جيش المسلمين الصغير (ثلاثة آلاف مقاتل) أن يتصدى ويثخن في جيش التحالف الرومي العربي العرمرم (مائتي ألف مقاتل) ثم ينسحب إلى المدينة ولا يجرؤ الروم على تتبعه!


    ثم بعد عام وشهرين وقعت غزوة تبوك، ضد ذات الحلف الرومي العربي ولكن في منطقة تبوك وهي أقرب إلى المدينة من مؤتة، وعلى رغم الظروف العصيبة للمسلمين حينئذ إلا أنهم أخرجوا أكبر جيش في تاريخهم (ثلاثين ألفا) غير أنه لم يقع قتال، بل تفرق الروم والعرب ولم يجسروا على المواجهة.


    وقد مات النبي r وهو يجهز جيشا آخر لغزو الروم بقيادة أسامة بن زيد، فأنفذه بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأصر على إنفاذه رغم اضطراب الجزيرة العربية عليه، فكان اتباعه لأمر النبي r مما ألقى المهابة من المسلمين في صدور العرب، ثم انشغل المسلمون بما وقع في الجزيرة العربية بعضا من الوقت، ثم بدأت الفتوحات الإسلامية الكبرى.


    انطلقت الفتوحات تجاه فارس والروم في ذات الوقت، وبينما كان قتال الفرس أشد وأشرس كانت جبهتهم تنهار أمام المسلمين أسرع، فيما أبطأت الفتوحات في جبهة الروم حتى حوَّل الصديق جزءا من الجيش الإسلامي في الجبهة الفارسية إلى جبهة الروم بقيادة خالد بن الوليد، ثم وقعت المعركتان الكبريان في جبهتي فارس والروم في ذات الوقت تقريبا، فكانت القادسية على جبهة الفرس (شعبان 15هـ) واليرموك على جبهة الروم (رجب 15هـ).


    وما يهمنا في هذا السياق هي جبهة الروم التي تلقت الصدمة الأولى الكبرى منذ عهد أبي بكر الصديق، فخسرت تباعا معاركها الكبرى في أجنادين واليرموك، وتساقطت عواصم الشام الرومية القدس ودمشق وأنطاكية، ثم جاء عهد عمر بن الخطاب فخسر الروم أملاكهم في مصر والشمال الإفريقي كذلك، ثم جاء عهد عثمان بن عفان فخسروا جزائر في البحر المتوسط أهمها جزيرة قبرص.


    ثم تراجعت الفتوحات حين وقعت الفتنة بين المسلمين أواخر عهد عثمان وطوال عهد علي، حتى اجتمع المسلمون في عام الجماعة، وبدأت الدولة الأموية، أو لنقل: العاصفة الأموية التي هبت على دولة الروم البيزنطيين فزلزلتها، ففضلا عن الاستنزاف المستمر لقوى الروم، فتح المسلمون عددا من الجزر أهمها رودس وصقلية وهددوا جزيرة كريت، وصارت الغزوات برية وبحرية، والأهم من ذلك بل المفاجأة غير المتوقعة أنهم هددوا عاصمة الدولة ذاتها: القسطنطينية، وذلك أكثر من مرة (49هـ) فانطلق الجيش الإسلامي إلى القسطنطينية وظل يحاصرها لسبع سنوات (54 – 60هـ)، لكن المدينة العتيقة استطاعت الصمود هذه المرة.


    ولما مات معاوية ودخل المسلمون في فتنة أخرى اضطر عبد الملك بن مروان أن يتنازل ويصالحهم على أموال يدفعها لهم، فلما استقرت له الأمور فيما بعد، استأنف هو وأولاده من بعده تهديد الدولة البيزنطية وعاصمتها أكثر من مرة، وبدا وكأن شمس الروم البيزنطيين توشك على الغروب. ثم إن عصر الأمويين حمل عنصرا جديدا في عهد الوليد بن عبد الملك؛ إذ فتح المسلمون الأندلس وتوغلوا في جنوب فرنسا، وكادوا أن يصلوا إلى باريس لولا أن هُزِمت جيوشهم في معركة شارل مارتل (بلاط الشهداء)، وهي المعركة التي نجهل حتى الآن كيف وقعت هزيمتها لانعدام المصادر التي فصَّلت هذا الأمر. وبالجملة، فكأن الأمويين كانوا كالجسم الذي يحيط بذراعيه كل مساحة الغرب المعروف ويوشك أن يحتويه ويضمه إليه.


    إلا أن الدولة الأموية ضعفت قبل أن تحقق هذه الـمُنى الواسعة، وورثتها الدولة العباسية التي انتقلت عاصمتها إلى الشرق مما أثر بالضعف على الفتوحات في جبهة الروم، وفي ذات الوقت انفصلت الأندلس بقيادة بقية الأمويين عبد الرحمن بن معاوية الداخل، فتجمدت فتوحات المسلمين على الجبهتين، وتحولت إلى الضربات المستمرة والاستنزاف المستمر وإلقاء الهيبة في قلوب الروم، ونستطيع القول بأنه قد استقرت الحدود بين الدولة الإسلامية وبين الروم في ذلك الوقت على الجبهتين: العباسيين والبيزنطيين، والأندلس وبلاد الغال (فرنسا)، وإن لم يخل الأمر من غارات متبادلة وحملات غير مستقرة وتوغلات بعضها خطير، وفي كل هذا كانت اليد العليا -في الأغلب- للمسلمين.


    في المشرق ظل وضع التفوق العسكري للمسلمين طوال العصر العباسي الأول، وصدرا من العصر العباسي الثاني، وحتى لما ضعفت الخلافة العباسية في بغداد قامت الدولة الطولونية ثم الإخشيدية (وكلاهما في مصر والشام) ثم الحمدانية (في الشام) بواجب جهاد الروم، إلا أنه دائر في مجال الاستنزاف والغارات ولم يحقق تقدما حقيقيا في أرض الروم، وبقدر ما عجز الروم عن استغلال ضعف الخلافة العباسية في ذلك الوقت في تحقيق تقدم على حساب الدولة الإسلامية، بقدر ما عجزت الخلافة العباسية عن تحقيق تقدم مثله، إذ كان كل طرف منشغلا بما يهدده؛ كتمردات الزنج والصفاريين والقرامطة بالنسبة للعباسيين، وتمردات البلغار والأرمن والنزاعات الداخلية في بلاط القسطنطينية.


    ثم انقلب الحال مع الربع الأول من القرن الرابع الهجري، إذ زاد ضعف الخلافة العباسية وسيطر عليها البويهيون، وبرز في الدولة البيزنطية أباطرة أقوياء -أهمهم نقفور فوكاس- استطاعوا تحقيق تقدم مفاجئ وخطير داخل الأراضي الإسلامية، وهزموا الحمدانيين في الشام، واستولوا على مدن الثغور، بل على عاصمة الجهاد في الثغور "طرسوس"، واجتاحوا حتى حلب عاصمة سيف الدولة الحمداني وأنطاكية التي هي أحصن مدن الشام، ثم حالت الاضطرابات في بلاط بيزنطة دون استكمال هذا التقدم إلى أخطر من ذلك، حتى جاءت العاصفة السلجوقية.


    انبعثت الدولة السلجوقية من الشرق، ثم تقدمت بسرعة كبيرة تجاه الغرب فأزالت الدول التي في طريقها، بما فيها البويهيين، وسيطر السلاجقة على الخلافة العباسية ذاتها، وانطلقوا غربا وشمالا، واقتحموا بلاد الروم، وأنزلوا بهم إحدى الهزائم التاريخية الساحقة في موقعة ملاذ كرد (463هـ) التي قضت على كل أمل في التوسع داخل الأراضي الإسلامية بل وأعادت في أذهان البيزنطيين ذكر العاصفة الأموية والتهديد الوجودي، وكانت اندفاعة الدولة السلجوقية من القوة بحيث إنها لما انقسمت على نفسها كان قسم منهم عُرِف بـ"سلاجقة الروم" قد استولى على نصف آسيا الصغرى.


    وما إن ضعف سلاجقة الروم وتفرقوا حتى كانت أوروبا الكاثوليكية تتمخض عن واحد من أهم حوادث التاريخ وأكثرها شهرة: الحروب الصليبية.



    لكن، وقبل أن ندلف إلى الحروب الصليبية، نتوقف عند علاقة المسلمين بالشطر الغربي من أوروبا، من جهتي الغرب والجنوب.


    أما في الغرب فقد مَثَّلت جبال البرنييه (وتسمى البرانس) ذات الحد الطبيعي الفاصل الذي مثلته جبال طوروس بين المسلمين والروم، لكن الجزء الصغير في شمال غرب الجزيرة الإيبرية الذي لم -يفتحه المسلمون أول أمرهم- مثَّل جبهة الغرب في الصراع الإسلامي الغربي، إذ ظل هذا الجزء يكبر رويدا رويدا –وبالذات في لحظات الضعف والتمزق الأندلسي- حتى تحول إلى مملكة ليون، ثم صار يشمل كل الجزء الشمالي من الجزيرة، ورغم أنه انقسم على نفسه إلى ممالك كثيرة، ورغم أن فترات القوة الإسلامية -وذروتها في القرن الرابع الهجري- أعادت كل هذه الأجزاء إلى الانكماش الجغرافي والضعف السياسي، إلا أن النظرة العامة لمسيرة التاريخ تشهد بأن هذا الجزء صار يتسع رويدا رويدا حتى تحول إلى خطر حقيقي وتهديد وجودي في منتصف القرن الخامس الهجري، وقد كانت الأندلس حينئذ في عصر ملوك الطوائف، واستطاعوا إسقاط أول عاصمة كبرى للمسلمين (طليطلة 478هـ)، لولا أن جاء المدد من المرابطين بالمغرب فأوقف هذا التقدم الإسباني لقرن على الأقل.


    وأما في الجنوب فقد تضافرت عدة عوامل على دخول المسلمين على خط الصراع بين والي صقلية والإمبراطور الروماني، التجأ على إثرها قائد الأسطول الصقلي إلى الأغالبة (الذين كانوا يحكمون إفريقية -تونس- آنذاك)، وآل هذا إلى أن يفتح المسلمون صقلية (212هـ)، واستمر حكمهم لها أكثر من قرنين من الزمان (حتى 484هـ)، وشهدوا في بعض الأوقات تفوقا وقوة هددوا بها أملاك البابوية في إيطاليا حتى لقد كانت لهم حملة على روما ذاتها (232هـ)، إلا أن توسعهم في الأراضي الإيطالية لم يكن مستقرا، ثم جاءت عاصفة النورمان التي دخلت أول الأمر على خط الصراع الأوروبي الداخلي ثم تكونت لهم مملكة استولت -ضمن ما استولت- على صقلية وأنهت الحكم الإسلامي فيها.


    هذا هو مجمل ما يمكن أن نسميه "الصدمة الأولى" في الصراع بين المسلمين والغرب، والذي امتد نحو خمسة قرون، منذ البعثة وحتى نهاية القرن الخامس الهجري، وهو مجرد إشارات إلى الأحداث الكبرى فحسب، وقد بدا فيه هذا الاكتساح الواسع من المسلمين للأراضي التي استولى عليها الروم من قبلهم، وأثمرت هذه الصدمة الإسلامية أوضاعا وحدودا سياسية واجتماعية ودينية استحال تغييرها.




    [1] البخاري (7)، د. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة 2/454 وما بعدها.

    [2] المباركفوري: الرحيق المختوم ص326.

  2. افتراضي

    نفع الله بك أستاذ محمد.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    12

    افتراضي

    موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب (2/4)


    تبدأ مرحلة جديدة منذ نهاية القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجري، حتى منتصف القرن السابع الهجري، ونستطيع أن نقول بأنها مرحلة الحروب الصليبية التي حققت إنجازات مهمة وغير متوقعة كذلك في الجهات الثلاث: الشرقية والجنوبية والغربية، إلا أن أوسعها نجاحا كانت في الجهة الغربية حيث سقطت حواضر الأندلس ولم يبق منها سوى جزء صغير في الجنوب هو مملكة غرناطة، بينما كان أقلها نجاحا في الجبهة الجنوبية إذ لم يستطع الروم الاستقرار في جزء من الشمال الإفريقي، بينما كانت الجبهة الأكثر شراسة واشتعالا وأهمية والتهابا هي جبهة الشام التي شهدت أشهر حدث في التاريخ: الحروب الصليبية.


    فأما في الجهة الغربية حيث الأندلس، فقد أوقف المرابطون زحف ألفونسو السادس وأوقعوا به هزيمة ساحقة في سهل الزلاقة (479هـ) محطمين بذلك كل آماله في "حرب الاسترداد"، غير أنهم عجزوا عن استرداد طليطلة -في وسط شبه الجزيرة الإيبرية- واحتفظت سرقسطة -في الشمال الشرقي- بنوع من الاستقلال الذاتي عن دولة المرابطين، ثم لم يستقم أمر الأندلس تحت ظل ملوك الطوائف فضم المرابطون الأندلس إليهم، وعاد التوحد بين الأندلس والمغرب مرة أخرى. ثم لما ضعف المرابطون ورثهم الموحدون في المغرب والأندلس، وكانت لهم معركة أخرى جليلة مع الإسبان هي معركة الأرك (591هـ) انتصروا فيها نصرا تاريخيا يشبه الزلاقة، إلا أنه لم تمر نحو عشرين سنة إلا ونزلت بهم هزيمة تاريخية أقسى في معركة العقاب كانت نذير نهاية دولة الموحدين، والتي كان سقوطها سببا مباشرا في سقوط حواضر الأندلس الزاهرة مثل قرطبة وأشبيلية وما حولهما شرقا وغربا حتى لم يبق للمسلمين في شبه الجزيرة إلا غرناطة في الجزء الجنوبي، وقد عمل انقسام الغربيين إلى ثلاث ممالك على إطالة عمر غرناطة لثلاثة قرون أخرى. وبهذا فقد الإسلام قطعة غالية من أرضه وواحدة من أزهي وأنضر درر حضارته.


    وأما في الجهة الجنوبية فقد أدى سقوط صقلية بأيدي النورمان مع ضعف العبيديين (الفاطميين) في الشمال الإفريقي إلى محاولات نورمانية متكررة لاحتلال ساحل إفريقية (تونس)، نجحت خلال نصف القرن السادس الهجري الأول في الاستيلاء على مدينة "المهدية" من بني زيري والسيطرة على الساحل الممتد من طرابلس إلى تونس وبعض موانئ برقة وتهديد القيروان، لكن توقف هذا التوسع مع وفاة روجر الثاني، ثم جاءت دولة الموحدين فاستردت هذه المدن وطهرت الساحل الشمالي من النورمان، فعاد البحر ليكون حدًّا بين المسلمين والروم.


    ونعود إلى الجبهة الأكثر اشتعالا والتهابا والأشرس قتالا واشتباكا، إلى الشام حيث الحملات الصليبية، فلقد أشعل البابا أوربان الثاني من فرنسا شرارة حملة صليبية لكنها لم تقتصر على واحدة بل وصلت إلى ثماني حملات كبرى هاجمت المشرق إلا واحدة هاجمت إفريقية (تونس) وأدرجناها ضمن الحملات الصليبية على المشرق للارتباط بها.


    زعم أوربان أن المسلمين يقتلون الحجاج النصارى إلى القدس ويعتدون على المقدسات المسيحية في الشرق، وكان نداؤه بتجهيز جيش كبير لغزو الشرق أمرا اجتمعت له عدد من العوامل فبلغ غايته، من هذه العوامل ما حققه الإسبان من انتصارات على الأندلسيين والنورمان على المسلمين، وكذلك استغاثة البيزنطيين بالبابوية -رغم الخلافات العميقة- أمام انتصارات السلاجقة، واستيلاء سلاجقة الروم على نصف آسيا الصغرى، كذلك فإن حالة الفقر في أوروبا والأوضاع الاجتماعية أفرزت طبقات ساخطة وتسعى لتحسين وضعها، فكان كل ذلك مما وفَّر للدعوة الصليبية رجالا وأوضاعا تلبي حاجتها.


    انطلقت إلى الشرق ثماني حملات: الأولى والثانية والثالثة والسادسة إلى الشام، والرابعة إلى بيزنطة، والخامسة والسابعة إلى مصر، والثامنة إلى إفريقية.


    استطاعت الحملة الأولى تغيير أوضاع الشرق وتلقى المسلمون هزيمة تاريخية قاسية فقدوا فيها كل الساحل الشرقي بالإضافة إلى فقدانهم بيت المقدس، وهو أول مُقدَّس يفقده المسلمون في تاريخهم، وأنشأت الحملة الأولى أربع ممالك صليبية في الشرق هي: الرها، أنطاكية، طرابلس، بيت المقدس. وكان المسلمون في ذلك الوقت من الضعف والتفرق في حال مزرية، فالشام منقسم على نفسه، وقد ضعفت الخلافة في بغداد، وسلاجقة الروم في الشمال، والعبيديون في مصر، واستغرق وقت إخراج حركة جهادية قوية نحو أربعين عاما، حتى ظهر عماد الدين زنكي الذي وحد الموصل وحلب وكاد أن يوحد معهم دمشق، والأهم من هذا أنه استطاع تحرير إمارة الرها.


    على إثر هذا النصر تحركت حملة صليبية ثانية إلى الشام، وأرادت أن تسيطر على دمشق -التي كانت في علاقة تحالف ومهادنة مع الصليبيين- فتكسب بذلك أكثر من مكسب: تضرب الحركة الجهادية الزنكية وتسبقها إلى دمشق، ثم تأخذ لملوكها وأمرائها إمارات وممالك جديدة، وتستأثر بخيرات هذه الأرض دون من سبقوهم من الصليبيين، وبسبب من هذا الطمع والاختلاف بين الأمراء هُزِمت الحملة بمقاومة عسكرية من دمشق -التي اضطرت للتحول من موقع الخيانة إلى موقع الجهاد- ومعها حلب وبإسناد من مقاومة شعبية باسلة حتى فشلت وعادت خائبة.


    وفيما حاول الصليبيون في المشرق -من بعدها- الاعتماد على أنفسهم أو حتى الدخول في حلف مع بيزنطة للسيطرة على مصر التي وصل العبيديون فيها إلى حال شديد من الضعف، استطاع نور الدين بن عماد الدين زنكي من خلال قواده العسكريين من أسرة أيوب أن يسبقهم إلى مصر، وكان المصريون عاملا حاسما في الانحياز نحو نور الدين، حتى استطاع قائده صلاح الدين الأيوبي الكردي توحيد مصر مع الشام وإلغاء الخلافة العبيدية (الفاطمية) والاندراج تحت الخلافة العباسية التي لم تكن أكثر من اسم وشرعية في ذلك الوقت. وبهذا أنجز نور الدين إنجازيْن كبيريْن: توحيد الشام، ثم توحيد الشام ومصر، مع ما أثخن في الصليبيين وأوقع بهم من انتصارات مؤثرة وإن لم تكن فاصلة.


    وفيما مات نور الدين قبل استكمال أحلامه في التحرير فقد استكمل قائده صلاح الدين هذا الطريق، واستطاع أن يستدرك الاضطرابات التي وقعت في الشام بعد موت نور الدين وأن يبني على ما سبق من إنجازات ثم يأتي بالنصر الحاسم في موقعة حطين التي استرد المسلمون على إثرها درة مقدساتهم: بيت المقدس.


    كان لسقوط بيت المقدس دوي هائل في أوروبا جاءت على إثره الحملة الصليبية الثالثة التي حملت زعماء أوروبا الكبار: ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، وفريدريك بربروسا ملك ألمانيا، فأما جيش ألمانيا فلم يصل إلى الشرق إلا وهو في أضعف حالاته بسبب ما مرَّ به من مآسٍ على يد البيزنطيين وما نزل به من أمراض وأوبئة وكروب، وأما جيشا فرنسا وإنجلترا فقد استطاعا استعادة ما استرده صلاح الدين من الساحل، وعجزا عن استعادة بيت المقدس، وانتهى الأمر بصلح الرملة الذي يعد تراجعا عن انتصارات صلاح الدين لكنه يعد هزيمة بالنسبة لحملة صليبية بهذه الضخامة.


    توفي صلاح الدين بعد بضعة أشهر من صلح الرملة، ودخل الأيوبيون بعده في نزاعات داخلية أتاحت فرصة ثمينة للصليبيين في البقاء وتحسين أوضاعهم، كما أنعم الله على المسلمين بأن تنحرف الحملة الصليبية الرابعة عن هدفها، فبدلا من توجهها نحو القدس اتجهت -لأسباب أهمها مالية- نحو أملاك الدولة البيزنطية، فانتهى الحال أن توجهت نحو القسطنطينية ودخلتها وأنشأت فيها حكما لاتينيا، وكفى الله المسلمين القتال وهم في هذه الحال القبيحة، وإلا لتوقعنا أن تكتسح هذه الحملة الشام بكل سهولة، كيف وهي التي لم تصمد أمامها القسطنطينية ذاتها!


    انتقلت القوة السياسية في عهد الأيوبيين من الشام إلى مصر، فكان أن فكرت الحملة الصليبية السادسة في غزو مصر لإنهاء القوة السياسية والاستفادة من القوة الاقتصادية فمصر بطبيعة الحال أثرى وأغنى بكثير من الشام، فتوجهت الحملة إلى دمياط وهناك وجدت مقاومة شديدة فضربت حصارا طويلا استمر عاما ونصف حتى اقتحمتها، ثم توجهت إلى المنصورة، وهناك استطاع المصريون إنزال هزيمة فادحة بالحملة الصليبية التي عادت مدحورة وانتهى أمرها بالفشل الذريع.


    ثم كانت الحملة الصليبية السادسة هي أغرب الحملات، وهي وحدها دليل على أن السياسة الفاسدة أضر على المسلمين من أعدائهم، فهذا الملك الكامل الأيوبي كان قد عرض التنازل عن بيت المقدس للصليبيين في الحملة الخامسة مقابل جلائهم عن دمياط لكن قائد الحملة رفض ذلك وظن أنه قادر على احتلال القاهرة، والحمد لله أنه رفض فانتهى حاله إلى الهزيمة، إلا أن هذا الكامل ظل على سياسته القبيحة هذه، حتى فعل هذه الفضيحة: لقد استعان الكامل بالملك فريدريك الثاني -الألماني، المحب للعلوم العربية، الذي اتخذ صقلية عاصمة حكمه- على خصمه الملك المعظم الأيوبي، وأعطاه وعدا بأن يسلمه القدس في مقابل ذلك، ثم ما لبث الحال أن تغير بموت المعظم ولم يعد الكامل في حاجة لحلف فريدريك، إلا أنه وَفَّى له بالوعد وأعطاه القدس بغير مقابل إلا ما بينهما من صحبة ومودة، هذا برغم أن فريدريك كان منبوذا من الكنيسة وفي أضعف حالاته بل وعرض الصليبيون على الكامل أن يحاربوا فريدريك فرفض! واستطاع فريدريك بجيش هزيل بلغ في بعض المصادر 600 جندي فقط أن يحقق ما عجز عنه ريتشارد قلب الأسد بجيوش أوروبا، وما ذلك إلا لفساد السياسة[1]، ثم استعاد الملك الصالح الأيوبي -بعد أن انقلب على ابن الكامل- القدس مرة أخرى مستعينا بالخوارزميين الفارين من وجه الزحف المغولي.


    وقد حاول ملك فرنسا لويس التاسع أن يستفيد من ظروف الحملتين السابقتين، فوضع خطته بحيث يهاجم دمياط مستغلا النزاع الأيوبي الداخلي ثم يستبدل بها بيت المقدس من خلال التفاوض مع الصالح الأيوبي، واستطاع بعد قتال عنيف أن يستولي على دمياط ثم تقدم إلى المنصورة، ولكن المقاومة الشعبية المصرية أنهكت جيشه الصليبي في حروب عصابات استنزافية مؤثرة، حتى استطاع جيش الصالح الأيوبي بقيادة ابنه توران شاه (وكان الصالح قد مات وكتمت امرأته شجر الدر خبر الوفاة) أن يستعيد دمياط ويأسر لويس التاسع في هزيمة تاريخية قاسية.


    حاول لويس التاسع أن يعيد الكرة لكن هذه المرة في تونس التي ظن سهولة أخذها، فَدَشَّن إليها الحملة الصليبية الثامنة، وإذ به يفاجأ هناك بمقاومة باسلة من دولة الحفصيين بقيادة سلطانهم المستنصر بالله، ثم لم يلبث غير شهر حتى مات وعاد جنوده برفاته إلى فرنسا.


    ثم صُفِّي الوجود الصليبي في الشام والمشرق تدريجيا في عهود المماليك ثم العثمانيين الذين كانوا أصحاب الضربة القاصمة.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    12

    افتراضي

    كانت المرحلة الأولى هي مرحلة الصدمة التي انتصر فيها المسلمون انتصارا كاسحا على الغرب، حتى امتد سلطانهم المستقر إلى مشارف آسيا الصغرى وكل الشمال الإفريقي والأندلس.



    وكانت المرحلة الثانية هي مرحلة الحروب المقدسة التي كانت خلاصتها قدرة المسلمين على امتصاص الضربة الرومية واستطاعتهم استنقاذ البلاد كلها، فيما عدا الأندلس التي لم يبق منها إلا الجزء الجنوبي.



    أما هذه المرحلة الثالثة فنستطيع أن نقول إنها تنتهي بالتعادل، إذ اختلف فيها الجانبان ضربتين كانت كل منهما قاصمة للآخر، فأما المسلمون فقد استطاعوا فتح القسطنطينية وإزالة الإمبراطورية البيزنطية العتيقة من الوجود، فسقطت أمامهم عاصمة الأرثوذكسية بعد تسعة قرون من الصراع المستمر، وانساحوا في شرق أوروبا حتى دكوا أسوار فيينا وكانوا على وشك إسقاط روما عاصمة الكاثوليكية أيضا. وأما الغربيون فقد استطاعوا الاستيلاء على الأندلس كلها وهددوا السواحل المغربية وشمال إفريقيا والتفوا حول العالم الإسلامي باكتشافهم طريق رأس الرجاء الصالح واحتلوا السواحل الغربية لإفريقيا ومناطق واسعة فيها، ووصلوا حتى الهند واحتلوا أجزاء جنوبية في اليمن وبحر العرب والهند والشرق الأقصى، وكل هذه مناطق إسلامية، ودارت حروب بين الجانبين تعد الأقوى والأكثر شراسة والأوسع أرضا. وكان لكل هذا التغير -فضلا عن اكتشاف الغربيين وسيطرتهم على العالم الجديد: الأمريكتين- آثار بعيدة.



    ونبدأ بضربة العثمانيين:



    لقد مهدت دولة السلاجقة وتوسعاتها في آسيا الصغرى الطريق لظهور الدولة العثمانية، فلكم اقترب سلاجقة الروم من القسطنطينية ذاتها، بل إن عاصمتهم كانت نيقية إلى الجنوب من القسطنطينية، ثم إنهم حتى لما هُزِموا تراجعوا إلى قونية وما هي ببعيدة عن القسطنطينية، ثم ساهمت عوامل كثيرة في ضعف البيزنطيين منها نزاعاتهم الداخلية ومنها الحملة الصليبية الرابعة، وقد أدى كل هذا إلى قوة سلاجقة الروم في آسيا الصغرى.



    استقر أمر الأتراك العثمانيين في الحدود الغربية لسلاجقة الروم، على خط التماس مع الدولة البيزنطية، وكان أصلهم من أقصى المشرق وبالتحديد من التركستان ولكن رحلتهم في النزوح بدأت منذ الاجتياح المغولي للشرق، وقد ظهروا على مسرح الأحداث في آسيا الصغرى بجهاد جدهم عثمان الذي استولى على بعض القلاع البيزنطية فكافأه السلطان علاء الدين الثالث السلجوقي بأن رفعه لمرتبة الأمراء، وبهذا احتضن السلاجقة من سيرثون أرضهم وجهادهم عند شيخوختهم وضعفهم.



    ويعد عثمان -مؤسس الدولة- أول عشرة سلاطين عِظَامٍ أقاموا مجد الدولة العثمانية العريقة، لكن أهمهم على الإطلاق ثلاثة:



    1. السلطان محمد الثاني بن مراد الثاني الذي لقب بالفاتح للفتح العظيم الذي أنجزه بفتح القسطنطينية وإسقاط عاصمة الأرثوذكسية التي كانت أخطر عدو للإسلام على مر تاريخه، وهو الحلم الذي راود الفاتحين قبله وعجزوا عن تحقيقه، ويعد فتح القسطنطينية حدثا عالميا يؤرخ به الغرب لانتهاء العصور الوسيطة وبداية عصور النهضة لديهم، كما يعد أعظم إنجازات الدولة العثمانية عبر تاريخها بل هو الإنجاز الذي يُعرفون به. وللفاتح توسعات أخرى كبيرة في شرق أوروبا وبلاد الصرب والبوسنة واليونان والسواحل الشمالية للبحر الأسود.



    2. السلطان سليم الأول، وهو حفيد محمد الفاتح، وهو صاحب التوسعات الكبرى في الدولة العثمانية، فلقد ضم إليها الشام ومصر وأجزاء من العراق، وأوقف التهديد الصفوي بهزيمة تاريخية (تشالديران)، وأنهى دولة المماليك بهزيمتين في مرج دابق (على أطراف آسيا الصغرى) ثم الريدانية (على أبواب القاهرة) وأخذ الخليفة العباسي منها إلى اسطنبول، وهناك أجبره على خلع نفسه والتنازل له عن الخلافة. وبهذا أضيفت للعثمانيين موارد وخزائن مصر والشام مما ضاعف من قوتها الاقتصادية، ثم كان انتقال الخلافة إليها مما جعل كثيرا من البلاد تدخل في طاعتها وإن بعدت عنها جغرافيا.



    3. السلطان سليمان القانوني وهو ابن سليم، وقد أعاد التوجه نحو الغرب، وهو صاحب أكبر التوسعات الغربية فقد استطاع فتح بلجراد، وحاصر فيينا مرتين، وكان من القوة والمهابة وعلو الهمة بحيث كان عصره هو ذروة الدولة العثمانية.



    وقد خاضت الدولة العثمانية حروبا واسعة في البحر، ضد أساطيل البندقية والبابوية والإسبان والبرتغال، وامتدت هذه الحروب في أربعة بحار: المتوسط بامتداده حتى أقصى الشمال الإفريقي، وقد كان وقتئذ يعاني نتائج سقوط الأندلس وتهجير المسلمين ومحاولات الإسبان غزو المغرب والجزائر، والبحر الأحمر والخليج العربي وبحر الهند، وكان هذا مجهودا رهيبا وباسلا تواجه به الدولة وحدها أوروبا كلها، فنحسب أن لو كانت للمسلمين دولة قوية أخرى حملت بعض هذا العبء لكنا نكتب تاريخا آخر، ولكن لم يكن سوى العثمانيين وقد قاموا بواجب كبير لكن لم يكن بالإمكان أن يستمر طويلا.



    دخلت الدولة العثمانية في مرحلة جمود كبيرة ثم أصابها الضعف الذي هو سُنة الدول، ولم يفرز العالم الإسلامي بديلا لها على عكس الحال في أوروبا التي أسعفها القدر بإمكانيات واسعة متجددة ثم بدول تحمل الراية كلما ضعف خط المواجهة، فاستمرت في القوة فمالت الكفة نحوها، فكان أن جاءت ضربة الغربيين.



    لئن انهزمت أوروبا هزائم قبيحة في الشرق فلقد كانت تسترد عافيتها في الغرب، فقد استطاع الإسبان طرد المسلمين من الأندلس نهائيا، وقاموا بإبادة كاملة ومطاردة وحشية لكل شيء إسلامي، ثم انفتحت لهم كنوز الدنيا حين وصلوا إلى العالم الجديد (الأمريكتين) الغني بالذهب والفضة، وحين وصلوا إلى الهند ومناطق الشرق بالالتفاف حول إفريقيا من طريق رأس الرجاء الصالح فانفتحت أمامهم تلك البلاد التي كانت في عمومها ضعيفة من طريق لا يواجهون فيها القوى الإسلامية الكبرى في مصر والشام وآسيا الصغرى، فاستولوا على مناطق واسعة من سواحل إفريقيا الغربية والجنوبية والشرقية وكذلك السواحل الجنوبية الغربية والجنوبية من آسيا، ولم يجدوا مدافعا قويا يمكنه وقف زحفهم.



    وهنا تلقى العالم الإسلامي ضربتين: عسكرية باحتلال هذه البلاد، واقتصادية باكتشاف طريق لا يقع في نفوذه بين الشرق والغرب، فزاد ضعف المماليك في مصر، ولم يستطع الأسطول العثماني رغم كل محاولاته تغيير الواقع في هذه البحار البعيدة عنه.



    ولما ضعف الإسبان والبرتغاليون والهولنديون برز الإنجليز والفرنسيون وحملوا الراية وأكملوا المسيرة، وفي ذلك الوقت ولدت أوروبا -التي تعيش مخاض نهضتها منذ قرون- مولودها الأثير: الثورة الصناعية، تلك التي غيرت موازين القوى وأهم من ذلك غيرت معايير القوى.



    لقد صنعت الثورة الصناعية فارقا واسعا في التقدم، وكان مرور الزمن يضيف فوارق أخرى، فالزمن يمضي والفارق يتسع، والعين ترى والحروب تصدق ذلك ولا تكذبه، وبينما يستهلك هذا التقدم طاقة أوروبا في العموم كان العالم الإسلامي وعلى رأسه دولة آل عثمان تستنزف طاقتها في الخلافات الداخلية وتتراجع عسكريا وحضاريا، خصوصا وقد برز من خلفها عدو شرس جديد هو روسيا التي عدت نفسها وريثة الأرثوذكسية وصارت تضغط على الدولة العثمانية التي أضيف لها بهذا واجب جهادي جديد في الشرق والشمال، ومن ثم أخذت الدولة العثمانية تتحول من الرجل القوي المرهوب إلى طرف عادي أمكن هزيمته غير مرة، وصار يدخل في تحالفات لتوزيع المجهود وتحييد الأعداء من بعد ما كان يقهر الأحلاف ولا يبالي!



    وإذن فقد تراكمت في أوروبا الثروات الاقتصادية الأمريكية -وهي في غاية الوفرة- والإفريقية والآسيوية، ومعها الثروات البشرية -إذ قامت أوروبا بثاني أبشع حركاتها التاريخية[1] وهي حركة استعباد الأفارقة والهنود، والتهجير الجماعي القسري للخدمة، وهي الجريمة التي ذهب ضحيتها عشرات الملايين منهم- ومعها عصر الثورة الصناعية وما أنتجته من تنظيمات إدارية وعلوم وثروات جديدة. وكل هذا عاد بالقوة على التفوق العسكري الغربي.



    وكان التفوق العسكري، ومن ورائه التفوق العلمي والإداري والاقتصادي، مغريا للضعفاء كما هي السنة الجارية التي تشهد بأن المغلوب مولع بتقليد الغالب، فبدأت حركة التطلع إلى ما عند الغرب تسري في الدولة العثمانية التي تعاني سوء أحوالها العسكرية والإدارية والعلمية والاقتصادية.



    لقد ظلت القوة العسكرية العثمانية تسند الدولة وتؤخر انهيارها، ولم يشعر العثمانيون في آسيا الصغرى ولا المسلمون في قلب العالم الإسلامي في مصر والشام بمدى التحول التاريخي الذي يجري، بل إن مؤرخ العثمانيين ابن إياس وفي لقطة تاريخية معبرة عن الغفلة لم يهتدِ كيف توصل النصارى إلى الشرق عبر رأس الرجاء الصالح رغم أن الجغرافيين المسلمين هم أول من رسموا خرائط الطريق[2]، وذلك أن غالب السواحل التي استولى عليها الغربيون كانت بعيدة واستيلاءهم عليها غير مؤثر كثيرا في الظاهر. حتى جاءت الواقعة:



    لقد استطاع نابليون الفرنسي النزول بمصر واحتلال القاهرة وتوغل فيها ثم مضى نحو الشام، وأخذت المسلمين الصدمة الكبرى من انتصار النصارى، ومن عجز الخلافة العثمانية عن دفع هذه النازلة.

    وهنا بدأ العصر الجديد: عصر الهيمنة الغربية..

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    12

    افتراضي

    موجز تاريخ الصدام بين الإسلام والغرب (4/4)

    كانت الحملة الفرنسية على مصر والشام المظهر العملي لحجم التفوق الغربي على المسلمين، ونرى صدمة المسلمين في كلمة الجبرتي الذي اعتبر أن ما حدث هو "اختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع"[1]، وصحيحٌ أن الحملة الفرنسيةلم تكمل ثلاث سنوات حتى رجعت خائبة؛ لكن الصحيح أيضا أن ذلك كان بتحالف عثماني إنجليزي روسي.



    كانت الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر قد أعلنت عمليا أنها ضعفت، وقد شهد عام 1775م واقعة هي الأولى من نوعها إذ دفعت الدولة جزية وتعويضا حربيا للروس، وبدأت حركة الأخذ عن أوروبا وتقليدها في النظم والتعليم والإداريات مع بداية القرن التاسع عشر في عهد السلطان محمود الثاني، ومن هنا بدأت طلائع الهيمنة الغربية الناعمة. وفي ذات هذا الوقت كان محمد علي باشا في مصر يؤسس لنفسه مملكة ضخمة يستعين فيها بالغربيين استعانة كاملة، وكان من القوة وعلو الهمة والإصرار حدَّ أن صار أقوى من الدولة العثمانية ذاتها، فاحتاج حلفا غربيا لتحطيمه وتحجيمه عسكريا، فيما ظل إرثه التغريبي في مصر -اقتصاديا وإداريا وتعليميا- قائما، ولئن حافظ محمد علي على استقلاله فلقد كان خلفاؤه من الضعف والإسراف والانبهار بالغرب حدًّا وصل إلى تسليم البلاد عمليا للأجانب قبل أن يكتمل ذلك بالاحتلال الإنجليزي لمصر (1882م).


    وإلى ذلك الوقت كان الفارق قد اتسع بين المسلمين والغرب في كل شيء، وأصبح الاستعمار سياسة ثابتة للغربيين، حتى لقد احتاجوا إلى مؤتمرات لتقسيم مناطق النفوذ فيما بينهم، فاحتلوا كل إفريقيا ومعظم آسيا إما عسكريا وإما بالهيمنة الاقتصادية أو السياسية، وحافظوا على بقاء الدولة العثمانية في حال "الرجل المريض" لكي لا يثير تقسيم أملاكه حروبا فيما بينهم، حتى جاءت اللحظة الحاسمة في الحرب العالمية الأولى التي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا، وقُسِّمت أملاك الرجل المريض بين المحتلين، ودخلت الجيوش البريطانية والفرنسية في الشام، وجرى التقسيم المشهور لهذه المناطق طبقا لاتفاقية سايكس بيكو.


    كانت الكارثة الكبرى التي تقع لأول مرة هي إلغاء الخلافة الإسلامية (1924م) ودخول تركيا في العلمانية بالحديد والنار الذي استعمله أتاتورك؛ إذ شنَّ هذا الرجل حملة ولا أشرس ولا أقسى على الإسلام والمسلمين في تركيا، مدعوما -في الحقيقة، وبعض الظاهر- بكل القوى التي تناصب الإسلام -وحاملي رايته العثمانيين- العداء، وصار المسلمون للمرة الأولى في تاريخهم بلا خلافة ولا دولة قوية.
    وكان الانسياح الغربي في بلاد المسلمين نتيجة طبيعية لكل هذا، ورسَّخ الاحتلال الغربي وجوده في بلاد المسلمين، وبرغم ما أبداه المسلمون من بسالة وما أشعلوه من حركات جهاد ومقاومة واسعة إلا أن فارق القوى كان عصيا على الردم، وبقي الاحتلال في بلادنا حتى منتصف القرن العشرين بشكله المباشر.


    ومع تصاعد المقاومة والجهاد وتغير موازين القوى العالمية، رحل الاحتلال بشكله التقليدي ولكن بعد أن ترك في مواقع السلطة رجاله الذين رباهم على عينه وصنعهم بيده، وترك مؤسسات ونظما وأنماطًا راسخة عمل رجاله على بقائها وتنميتها واستمرارها والحرب على من يرفضها، وقد قام رجال الغرب بما لم يستطع الغرب ذاته أن يقوم به من تسخير للبلاد والعباد لمصلحة الغرب حتى كانوا أشد على أهلهم من المحتل نفسه. واستثني من هذه السياسة الغربية إسرائيل، الدولة اليهودية التي أنشأها الغرب في الشرق لتكون معسكرا حربيا متقدما لهم وممثلا لمصالحهم وشوكة في الجسد الإسلامي، فهذا هو ما بقي من إرث الاستعمار الفعلي في بلاد المسلمين، مع مناطق متفرقة ومحدودة من بلاد أخرى. وصار شكل الاحتلال الواقع هو الهيمنة السياسية الاقتصادية والنفوذ الكامل في البلاد الإسلامية.


    لكن لم تمض ثلاثة عقود أو أربعة عقود حتى عاد الاحتلال بوجهه مرة أخرى فسقطت كابول وبغداد، ونزلت الجيوش الأمريكية في البلاد الإسلامية، لكن هذا لم يكن الوضع الأخطر وإن كان الأوضح والأظهر.


    الوضع الأخطر هو هذه السيطرة الكاملة التي هي احتلال حقيقي ولكنه خفي، فيكاد يكون كل شيء خاضعا للغرب أو يوشك على الخضوع بما في ذلك مناهج التعليم ووسائل الإعلام بل حتى قوانين الأحوال الشخصية، وقد نظم الغرب نفسه بحيث أسس لمؤسسات كبرى تنظم أدق الأعمال وتحكم عليها؛ مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة الثقافة العالمية ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسات حقوق الإنسان وهيئات مقياس الجودة "الأيزو"، فضلا عن اتفاقيات سياسية واقتصادية تتحكم في أسعار النفط والغاز وفي حرية انتقال البضائع وفي نسبة الاستيراد والتصنيع، وتصدر كل هذه المنظمات والهيئات تقارير دورية تنبني عليها آثار بعيدة، إذ يكاد يكون مآل عملها هو تصنيف الدول إلى دول مطيعة وخاضعة ودول تحتاج إلى ضبط.


    وأخطر ما أسفرت عنه هذه القرون من الاحتلال والهيمنة لم يكن مجرد الإخضاع العسكري الـمُذِلّ، بل محاولة تغيير الهوية وإلحاق المسلمين بالغرب ليكونوا ذيولا له في كل شيء، حتى في معتقداتهم وأفكارهم.


    والحق أن الاحتلال الغربي لم يكن تقليديا هذه المرة، بل تسلح بجيش من الباحثين والمستشرقين الذين نزلوا قبيل الجيوش ومعها وبقوا بعدها يفحصون عالمنا ويدرسونه وينتجون فيه الأبحاث والدراسات، حتى صارت لهم مادة ضخمة قوية استعان بها الاحتلال في كل مراحله: التهيئة للغزو، ترسيخ الغزو، إكمال رسالة الغزو بعد خروجه. وصحيح أن بلادنا عملت بسنة المغلوب المولع بتقليد الغالب فكان فيها من يستدعي المحتل ومن يؤيده إذا حلَّ ومن يظل على عهده إذا رحل، إلا أن هذه السنة دعمتها الجيوش والأموال والإمكانيات الوافرة والمؤسسات والنظم التي تقسم الناس بين مؤيد للغرب فيرقى، ومعارض له ولثقافته فيبقى على حاله.


    لقد انقلب الحال بين الهجمتين الغربيتين؛ فالهجمة الأولى التي هي الحملات الصليبية وإن هزمت المسلمين عسكريا إلا أنها هُزِمت أمامهم حضاريا، ولم تَسْرِ في الأمة لوثة غربية، بل سرت في الغربيين لوثة شرقية. بينما في هذه الهجمة الأخيرة هُزِمت الأمة عسكريا وحضاريا، وهذا أمر مشهود مُعترف به بغض النظر عمن استلذ هذه الهزيمة ورضي بالغرب بديلا أو اعترف بهذا ليجد سبيلا لهضمه واستيعابه ودفعه.


    بدا الفارق واضحا بين العصور في كل المجالات، فمن ذلك -مثلا- أنه:


    1. بينما كان ابن تيمية يصف واقع عصره بقوله: "ليس عند أهل الكتاب فضيلة علمية وعملية إلا وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أكمل منهم فيها. فأما العلوم: فهم أحذق -في جميع العلوم- من جميع الأمم حتى العلوم التي ليست بنبوية، ولا أخروية، كعلم الطب -مثلا- والحساب، ونحو ذلك، هم أحذق فيها من الأمتين، ومصنفاتهم فيها أكمل من مصنفات الأمتين، بل أحسن علما وبيانا لها من الأولين الذين كانت هي غاية علمهم"[2]، كان الطهطاوي بعده بأربعة قرون يقول بعد تعداده لأنواع العلوم: "فإذا نظرت بعين الحقيقة رأيت سائر هذه العلوم المعروفة معرفة تامة لهؤلاء الإفرنج ناقصة أو مجهولة بالكلية عندنا"[3].


    2. وبعد ثمانية قرون من قول ابن حزم: "إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقِّين لاسم الإمامة بالعلم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يُحفَظ لأحدٍ منهم في دفعه كلمة، بل البراهين من القرآن والسُّنة قد جاءت بتكويرها"[4]، كان بين علماء المسلمين نزاع حول الأرض، هل هي كروية أم منبسطة، فقائل بهذا وقائل بذاك وبينهما نزاعات[5].


    3. ومثلما امتدح حتى من يكره منهم المسلمين رزانتهم وعاداتهم في الطعام والشراب واعترف -رغم كراهته للمسلمين- بتفوقهم الواضح على المسيحيين[6]، امتدح رجال منا بعد سبعة قرون آداب الطعام لدى الفرنسيين وتفوقهم فيها على المسلمين وإن كرهوا ذلك أيضا[7].


    4. ومثلما تعجب الغربيون من نشاط المسلمين حتى قال هبمولد: "والعرب كانوا ذوي نشاط منقطع النظير، وهذا النشاط هو آية دور ممتاز في تاريخ الدنيا"[8]، وحتى قال ألفريد جيوم: "في خلال القرون الأربعة لسيادة الإسلام وجدت روح البحث الديني والفلسفي في كل مراكز العلم، وإن لون الطابع الذي تميز به العقل الشرقي وسحره ما زال باقيا متسكعا في كتابات ذلك العصر، الذي كان كل تاجر فيه شاعرا، وليس كل شاعر تاجرا"[9]، وقد وصفت زيجريد هونكه شعب الأندلس بأنه شعب من الشعراء[10]، انقلب الحال وصرنا نمدح نشاطهم وفنونهم حتى قال أحمد زكي عن الإيطاليين: "ولا بِدع إذا قلت في هذا المقام إن كل طلياني لا بد أن يُخلق نابغا بالطبع في الرسم والتصوير والنقش والنحت والتعمير، أو التحبير والتحرير، أو الموسيقى والأغاني ونظم القريض والمعاني"[11].


    وصار كل صاحب رحلة إلى بلاد الغرب يصف حاله بنحو هذه العبارات: "ويعلم الله أني مع كثرة ما شاهدت في تلك البلاد من الغرائب وأدركت فيها من الرغائب كنت أبدا مُنَغَّص العيش مُكَدَّره، كمن فقد وَطَرَه ولزمته معسرة، لا يروقني نضار ولا نضرة، ولا نعمة ولا مسرة، ولا طرب ولا لهو، ولا حسن ولا زهو، لما أني كنت دائم التفكر في خلو بلادنا بما عندهم من التمدن، والبراعة والتفنن، ثم تعرض لي عوارض من السلوان، بأن أهل بلادنا قد اختُصُّوا بأخلاق حسان، وكرم يغطي العيوب ويستر من شان، ولا سيما الغيرة على الحُرَم، وصون العرض عما من هذا الصوب يُذَمّ، ثم أعود إلى التفكر في المصالح المدنية، والأسباب المعاشية، وانتشار المعارف العمومية، وإلى إتقان الصنائع، وتعميم الفوائد والمنافع، فيجفل ذلك السلوان، وأعود إلى الأشجان"[12].


    ولا يعني هذا اختفاء العلوم عند المسلمين في ذلك الوقت، بل كان منهم حُذَّاق مهرة، غير أنهم افتقدوا النظام الذي يستفيد من هذه العلوم ويُخرجه "من القوة إلى الفعل" بحسب تعبير الجبرتي الذي تحدث عن علماء وقته وقدوم الغربيين ليتعلموا على أيديهم علوم الهندسة والكيمياء وغيرهما[13]، وكذلك نجد لدى رفاعة الطهطاوي علما دقيقا بالجغرافيا ومواقع البلدان والأقاليم وما كان يسمى أيامهم علم الهيئة، الذي يبحث في الأرض ودورانها وتغير الفصول عليها وتقسيمها بخطوط الطول والعرض والفوارق في التوقيتات بين البلاد[14].


    لكن يجب ألا نختم هذا المبحث دون أن نؤكد على أن مظاهر التغرب التي عمت العالم الإسلامي لم تكن إلا بأثر الضغط العنيف لأنظمة الحكم الموالية للغرب، بينما ظل اعتناق الشعوب لمبادئ التغرب ومظاهره ينعم بالفشل الذريع، لا سيما إذا قارنَّا المجهود المبذول بالنتائج المتحققة، ولا تكاد ترى اعتناقا حقيقيا للتغريب إلا في طبقة ضئيلة، هي الطبقة المترفة المرتبطة بدوائر السلطة والمال، والتي هي جزء -ونتيجة أيضا- من أنظمة الحكم ذاتها. وهذه نقطة تفوق كاملة للمسلمين؛ إذ منذ أن بسط سيادته على الشعوب دخلوا فيه أفواجا ومن دون إكراه، بينما لم تفلح كافة أنواع الغزو الفكري بالخداع والغزو العسكري بالقهر في أن تؤثر تأثيرا كبيرا على خريطة اعتناق الأديان. وفي نهاية هذا القرن العشرين -أي بعد قرنين من المجهود التغريبي الرهيب- أقر صمويل هنتنجتون بأن حلم تغريب المسلمين مستحيل وبأنهم لن يتغربوا[15].


    وفي كل الأحوال فإن تغير الزمان وانقلاب الأحوال من سنن الله في كونه، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].


    ونحن بعد هذا على وعد بأن يسود الإسلام وينتصر، وأن يبلغ المشرق والمغرب، وألا يترك نوره بيت مدر ولا وبر ولا حجر إلا دخله، وأن {الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].


    نشر في نون بوست
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ
    [1] الجبرتي: عجائب الآثار 2/179.
    [2] ابن تيمية: الجواب الصحيح 6/23.
    [3] الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/32.
    [4] ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/78. وينبغي التنبه إلى أننا نقلنا القول الذي يصرح "باتفاق العلماء" على هذا، بينما اكتشاف المسلمين لكروية الأرض يسبق ابن حزم بنحو قرنين، فأول من قال بكروية الأرض هو الفيلسوف أبو يوسف الكندي (ت: نحو 260هـ) في رسالته "العالم وكل ما فيه كري الشكل"، ثم الجغرافي المؤرخ ابن خرداذبه (ت 272هـ) في "المسالك والممالك" ثم ابن رسته (ت 292 هـ) في "الأعلاق النفيسة"، ثم أبو عبيدة الفلكي الأندلسي (ت 295 هـ).
    [5] الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/65، 66.
    [6] توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ص467.
    [7] الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/66، 67، 138.
    [8] لويس سيديو: تاريخ العرب العام ص332.
    [9] ألفريد جيوم: الفلسفة وعلم الكلام، ضمن "تراث الإسلام" بإشراف توماس أرنولد، ص400.
    [10] زيجريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ص503.
    [11] أحمد زكي: السفر إلى المؤتمر ص49.
    [12] أحمد فارس الشدياق: الواسطة إلى معرفة مالطة وكشف المخبا عن فنون أوربا ص2، 3. (ط تونس القديمة) وانظر مثل ذلك عند: الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/17، خير الدين التونسي: أقوم المسالك ص6.
    [13] الجبرتي: عجائب الآثار 1/461.
    [14] الطهطاوي: تخليص الإبريز، ضمن "الأعمال الكاملة" 2/35 وما بعدها، 78 وما بعدها.
    [15] هنتنجتون: صدام الحضارات ص166، 168.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •