وهذا كلام محققو الطالب العالية: (18/ 26 - 29): (أخرجه مسدّد في مسنده كما في المطالب العالية هنا. وابن أبي شيبة في المصنف (555/ 12: 15585)، وابن زنجويه في كتاب الأموال (1/ 138: 127)، والحاكم في المستدرك (3/ 299) في معرفة الصحابة، كلهم من طريق عاصم بن أبي النجود، به، نحوه.
إلَّا أنهم قالوا: (وملأ فارس)، مكان: (وبلاد فارس) وروى هذا الأثر من طريق آخر:
فقد رواه مجالد بن سعيد، عن عامر الشعبي، قال: كتب خالد إلى مرازبة فارس وهو بالحيرة، ودفعه إلى ابن بقيلة، قال عامر: وأنا قرأته عند ابن بقيلة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ فَارِسٍ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتبع الهدى، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هو، أما بعد: أحمد الله الذي فض خدمتكم، وفرق كلمتكم، ووعن بَأْسَكُمْ، وَسَلَبَ مُلْكَكُمْ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فابعثوا إلى بالرهن، واعتقدوا مني الذمة، وأجيبوا إلى الجزية، فإن لم تفعلوا، فوالله الذي لا إله إلَّا هو، لأسيرن إليكم بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ، كَحُبِّكُمُ الْحَيَاةَ، وَالسَّلَامُ عَلَى من اتبع الهدى.
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (12/ 552)، كتاب التاريخ، باب قدوم خالد بن الوليد الحيرة وصنيعه، قال: حدَّثنا أبو أسامة.
وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال (ح 186)، وأبو يعلى في مسنده (13/ 146: 7190)، من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة.
وأخرجه سعيد بن منصور في السنن (2/ 204) من طريق سفيان الثوري.
ثلاثتهم عن مجالد بن سعيد، عن عامر الشعبي، به، بنحوه (وهذا لفظ ابن أبي شيبة).
قلت: هذا إسناد ضعيف، لأن مداره على مجالد بن سعيد وهو متفق على ضعفه. (انظر في ترجمته: ميزان الاعتدال 3/ 438، التهذيب 10/ 39، التقريب ص 520: 6478).
ولكنه لم يتفرد به بل تابعه خالد بن سلمة القرشي:
أخرجه ابن أبي شيبة، في المصنف (12/ 553)، قال: حدَّثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن زكريا بن أبي زائدة، عن خالد بن سلمة القشي، عن عامر الشعبي، قال: كتب خالد بن الوليد زمن الحيرة إلى مرازبة فارس ... فذكره بنحوه. قلت: هذا إسناد حسن، رواته ثقات، ما عدا خالد بن سلمة القرشي، وهو صدوق، رمى بالإِرجاء والنصب، كما في التقريب (ص 188: 1641).
فالخلاصة: إن أثر الباب ضعيف بإسناد مسدّد، ولكنه بهذا الطريق يرتقي إلى الحسن لغيره، وهو موقف على خالد بن الوليد.
وله شواهد مرفوعة في أخذ الجزية من المجوس، ومنها:
1 - حديث بجالة بن عبدة، قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية، عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر.
أخرجه البخاري في صحيحه, كما في الفتح (6/ 297: 3156)، كتاب الجزية والموادعة، والإِمام أحمد في المسند (1/ 190)، وأبو عبيد في الأموال (ح 77)، وأبو داود في السنن (3/ 168)، والترمذي (4/ 147)، وابن زنجويه في الأموال (1/ 137: 123)، كلهم من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن بجالة بن عبدة، به.
2 - حديث عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".
أخرجه مالك في الموطأ- رواية أبي مصعب الزهري (1/ 289: 742)، ومن طريقه، الإِمام الشافعي في المسند (ح 209)، وأبو عبيد في الأموال (ح 78)، وابن زنجويه في كتاب الأموال (1/ 136: 122)، كلهم من طريق جعفر بن محمَّد، عن أبيه، إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ... فذكره.
قال ابن عبد البرقي التمهيد (2/ 114): "هذا حديث منقطع، لأن محمَّد بن علي، لم يلق عمر ولا عبد الرحمن بن عوف. رواه أبو علي الحنفي عن مالك، فقال فيه: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده، وهو مع هذا أيضًا منقطع، لأن علي بن حسين لم يلق عمر ولا عبد الرحمن بن عوف". اهـ.
قلت: يشهد له حديث بجالة بن عبدة المتقدم آنفًا وهو حديث صحيح، وعليه فإنه يرتقي إلى الحسن لغيره.
وجملة القول: إن قصة خالد بن الوليد، بإرسال الكتاب إلى أهل فارس ضعيفة بإسناد الباب، ولكن روي هذا الأثر من طريق أخرى عن عامر الشعبي، عن خالد بن الوليد، به، وهو حسن لذاته، وعليه، فإن الأثر يرتقي إلى الحسن لغيره، ولكن أخذ الجزية من المجوس ورد مرفوعًا من طرق أخرى صحيحة كما تقدم ذكرها).