الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين.
وبعد، فقد أسمعني بعضُ الإخوة: مقطعا صوتيا لأحد الدعاة، يدعو فيه المسافرين: بأن يصلُّوا في الفلاة، وألا يصلوا جماعةً في المساجد، ثم ذكر بعض الأحاديث والآثار الدالة على فضل صلاة الفلاة، بغض النظر عن صحة بعضها أو ضعفها.
قلت: كم تمنَّينا من بعض طلاب العلم، لاسيما الدعاة منهم: بألا يتجاسروا على الفُتيا، لخطر منزلتها، وعظيم أمرها.
وعليه، فكل ما قاله الأخ من تفقُّهاتٍ ليس لها وجه شرعي، بل كلُّ ما ذكره مخالفٌ لما عليه أهل العلم.
لأنه لم يفرِّق بين المسافر السائر، وبين المسافر النازل!
فكل ما ذكره من أدلة فضل صلاة الفلاة: فهو محمول على المسافر السائر الذي ليس بين يديه مسجدُ جماعة.
أما المسافر النازل الذي نزل بمدينة أو قرية أو مكان تُقامُ فيه الجماعةُ (كالمحطات العامة ونحوها): فإنه يجب عليه الصلاةُ جماعةً مع المسلمين، لكونه سمع النداء.
وبهذا، فقد جاءت الأدلة الشرعية مقررةً لهذا الحكم، كما عليه عملُ المسلمين من الصحابة ومن بعدهم، ولا أعرف مسافرا نازلا من أئمة المسلمين المعتبرين تخلَّف عن جماعة المسلمين، وكلُّ خلافٍ سواه فهو مرجوح.
ويدل على ذلك، فعلُه صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، حيث كان يصلي جماعةً في الحرم وهو مسافر، كما هو فعل الصحابة وغيرهم من أئمة الإسلام.
وقد قال عليه الصلاة والسلام للرجل الأعمى الذي يسمع النداء: "فأجب" أخرجه مسلم، أي: صِلِّ جماعةً.
والأحاديث في وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء كثيرة جدا.
كما أنَّ كثيرا من أهل العلم المحققين حملوا أدلة فضل صلاة الفلاة: على من صلَّاها جماعةً لا منفردا، كما هو ظاهر سياق الأحاديث.
كما أنَّ ظاهر الأدلة لا تدل بمنطوقها على فضل صلاة المنفرد في الفلاة، بل هي دالةٌ على فضل عموم صلاة الفلاة سواء كان المصلي مسافرا أو مقيما، منفردا أو جماعة ـ والحالة هذه فلا يجوز لهذا الداعي: أن يدعوا المسافرين إلى ترك صلاة الجماعة، فهذا منه خلْطٌ وغلَطٌ فاضحٌ!
ثم ليت هذا الداعي: اجتهد في تذكير المسلمين على فضل صلاة الجماعة، وبيان مكانتها في الإسلام، بعيدًا عن هذه الفتيا القاصرة، أو ليته: ذكر فضل صلاة الفلاة دون توظيف أحكامها على الواقع، لأنه ليس أهلا لهذا، لذا كان عليه أن يسأل أهل العلم قبل الخوض في مثل هذه الأقضيات الفقهية.
وعليه، فأقول: يجب على كل مسلم سَمِع النداءَ ـ سواء كان مقيما أو مسافرا ـ أن يصلي جماعةً في مساجد المسلمين إلا من عذر شرعي.
وأما ما يفعله بعض المسافرين النازلين ممن سمعوا النداء، من التكلُّف للخروجِ للصلاة في الفلاة دون حاجة، كي يُدركوا فضلَ صلاة الفلاة: فبدعةٌ محدثةٌ، لا أعلم لها سلفًا.
أما من خرج لأجل السفر لا للفضل، فجائز.
وأخيرا، فللمسألة بعض التفصيلات ليس هذا محله، والله تعالى أعلم.


وكتبه
الشيخ د/ ذياب بن سعد الغامدي.
8/11/1436